جلست (...) على عتبة الباب الخلفي لحديقة البيت، مكان صغير يضيء بهواجس عزلتها من وقت لآخر. تدخّن سيجارتها بحذرٍ لذيذ، مشوبٍ بالكثير من الهدوء، يرافقها ذلك المساء الرمادي الثقيل، والمكان من حولها صامتٌ ووحيد. كانت تُراقب السماء التي تغيّرت زرقتها، تجول بنظرها بين السحب التي تلبّدت بغيماتٍ بعيدةٍ...
يحدث أن أعاهد نفسي
بأن أُطفئَ ضجيجَ السؤال،
وأمنحَ الصمتَ…
ما يشتهي من البكاء.
أتراجعُ
قليلاً.. قليلاً
خطوةً،
خطوتين،
يدخلُ الغيابُ
على شكل مصادفةٍ.
أفتحُ له نافذةً أوسعَ،
يراقبُني،
متلبّساً نزق الحنين
ويدعوني إلى عمقه بلا ملامةٍ.
أُخفّفُ من ثقلِ القرب،
أعيدُ ترتيبَ الظلِّ حولي،
ويبقى القلبُ،...
أتقنت ابتسامتها الهادئة
مثل صلوات الفجر،
تعلمت أن تحتفظ
بكل مشاعرها في زوايا القلب
حتى وقت متأخر من الوجع
كانت تدرك جيدًا
كيف تكتسب الأشياء حزنها
عندما تغيب دهشتها،
نزق عذوبتها،
وحينما ينهار قلبها
في غفلةٍ ما...
تصعد لتأخذ بعض الهواء،
تلتقط أنفاسها،
في سماء غائمة هناك،
تغطي فمها بيدها
حتى لا...
تحت رماد السماء
المنطفئة،
يتدرّب قلبك
على النّسيانِ،
ويبتكر موتًا آخر
لليلٍ جديد
مجردُ شبحٍ يعبر نافذة الفقد،
يترك خلفه غبار الصباح
ويمضي،
عابرًا أعمى،
بلا ذاكرة،
كما الحرب
يأخذ معه أسفار المدن المنسيّة،
دفعة واحدة
وينتظر،
وجيف الريحِ،
كزجاجٍ متناثر
سماء
تسقط آخر غيماتها،
طفوًا منسيًا،...
يحدث أن نطوي الحزن في صندوقٍ صغير
والغياب، يمر بيننا كجرحٍ عابر
مثل هروبِ الظلِّ الشاخص من مرآةِ الفجر،
وسؤالٌ يهرول نحو أقدامِنا العارية،
متشرنقاً بملحِ الحنين:
كيف تضيء السماء ظلمة ولادتك الأخيرة؟
كيف تربطَ حلمًا بخيطٍ شفيفٍ
لتقتلَ ظلالَكِ الأولى؟
وأنا التي أراقبكَ من بعيدٍ،
أراكَ الآن،...
ليسَ مجرّدَ ريحٍ عابرة
يقولُ العابرُ بينَ الجُرحِ،
هناك، على ضفّةِ الوادي،
في وطنٍ
صار طيرًا في قفصٍ
وأيادٍ مثقلة
بروائح الخوفِ
ولافتات الريح ؛
يا ابن الرمل المنسيّ
احمل خيبتَكَ الأخيرةَ
كما يحملُ الغيمُ أسرارَه
واغسل وجعَك،
بأسماءٍ تغفو في الريحِ
***
لا وقتَ لديكَ للوقوفِ هنا...
في بلادٍ...
هل يمكن للحب أن يغيرنا بهذا العمق؟
تساءلت وهي تنظر إلى الغرفة الصغيرة حولها، عيناها تحتضنان الليل الممتد وحيدا عبر النافذة، لم يعد الحنين وحده كافيًا لإبقاء ما كان بينهما، كأن الحب صار قدراً يعبر خطواتها الثقيلة، يلاحقها دون هوادة. كان كل شيء يعود بها إليه، ظله المتسع على جدران الغرفة، صوت...
و مضت بي، حافلة القلب
منذ ذلك المساء الخريفي الحنون
مثل عرافة
ينهمر وحى الضوء
عاريا من دهشتها
تُلغي تواريخ أحزاني القديمة
تخبئ سرَّاً
عطر الأمنياتُ
و الأغاني
و الشُطانُ و الجزرُ
و فاكهة الليل
و سؤالٌ،
يأتي في انعطافةٍ ما،
مزهرا في حقول عينيها
مثل ضماد القلب؛
كيف لم ينصفنا..
شُرود الحنين النائي...
اليوم، ارتديتُ ذلك الفستان الصيفي
كما تحبه
فضفاضا على خصرِ التوق
صفصفتُ شعري
تركته يسهو مبعثرا على كتف القصيدة
و وقفت طويلا أمام المرآه
يأخذني،
وشيش الوجد إليكَ
مثل هديل حمامتين
و تعانق عيناكَ الدافئتان أغنيتي
مواويلي القديمة
شطآن اللون
أنهارٌ
و غيمٌ ناعسٌ
يغفو على يدي
يعيدني خلسة
إلى عصافير...
اركضُ في ازدحام القلب
أبحث عنكَ
كأنما الروح تزهر مائة عام
من هنا إلى هناك..
وترقص غيمة خجولة
تحلم أن تصير يوماً
عصفورة برية
ذلك الهديل المؤجل بين دهشتينِ
قيامة تعيد رتم قلبي
تضئ عتمة البوح
كما أحبُّكَ الان..
مثل كمانٍ يدوزنه
رتم الروح
صوفي تقوده حواريه نحو دروب لا تشبه إلاّكَ
بيتٌ أقربُ إلى...
كان صباحاً هادئًا دافئاً من صباحات تلك الشمس الغاربة، وقد تناثر عليه وقع صمتها الأخير:
- تمنيتُ لو كانت لدي الشجاعة لأعترف بحماقتي وأنا أودع صوت أنيس كغفوةِ الحلم..
قالت له، واردفت في هدوءٍ أقرب إلى البكاء:
- لكنني هكذا وجدتني وحيدة..
أضاءت تلك الخطى مثل ورد الليل، مدّ يديه الدافئتين لإحتضانها...
يقف على سفح قلبه.. محلقا
أسمع نبضه يراقص مواسم الورد
تتوهج تقاسيم الكمنحات في صوته
لينحسر المدى..
عن روزنامة تروى إثم أحلامه
يرتكبها مثل شدو ساحر
يتسلل من بَيْنَ إصبعينا
ليعود مترنحاً بي
يسبقني صمتك الأخير..
منبت اللقاءات التي لم تحدث بيننا
سر تغيّر مزاجك.. اللازوردي
هل قلت لك أني أحبك؟
ومحراب...