فلسفة

كان رولان بارت قد حاول أن يحصر المسوّغات التي تدفعه إلى الكتابة، فعرضها جميعها من غير أن يشغل باله بما قد يكون بينها من تناقض، وجعلها تتنوع بين الدوافع الذاتية والإكراهات الموضوعية. وهكذا، كشف أنه يكتب إما إشباعاً للذة، وتحقيقاً لـ »موهبة«، ونيلاً لاعتراف أو »عناية«، وإرضاءً لأصدقاء أو نكايةً...
مما يبعث على الدهشة عدد المؤسسات الثقافية التي أصبحت تنبت هنا وهناك في أنحاء الوطن العربي. والظاهر أن لا غرابة في ذلك، إذ ما جدوى »ذكاء« المثقف إن لم يسعفه في إعادة بناء ذاته بأسرع ما يمكن. فيبدو أن عواقب ما سمّاه ربيعاً أو انتفاضة، بل انفجاراً، قد أخذت تخمد، وأن الفرصة أصبحت مواتية لرأب الصدع،...
يرتبط مفهوم الأزمة في أذهاننا بمعاني لا تكاد تفترق: فالأزمة هي دوما في نظرنا حالة عبور وانتقال، إنها دوما “أزمة عابرة”. صحيح أنها خلل واختلال، بل هزة ورجة، غير أنها سرعان ما تتدارك نفسها وتستقر في توازن جديد تعود بفضله المنظومة إلى العمل بشكل طبيعي. ثم إن الأزمة هي حالة مرض. وهي، ككل الأمراض،...
في قصيدة ملحون موضوعها خصام بين الثابت والمحمول، يعيب الهاتف الثابت على خصمه كثرة أسمائه، وعدم ثباته وشدة تحرّكه وتبدّله، فينعته بأنه مجرد لُعبة عاشوراء (قشيوشة دلعاشور). فهل المحمول بالفعل مجرد لُعبة نلهو بها، أم أنه كائن اجتماعي «كلي» حوّل كليّا علائقنا بالمكان والزمان، بالآخرين وبالعالم؟ أوّل...
عشنا لمدة غير قصيرة على ثنائية صارمة تميّز بين حدين متمايزين، إن لم يكونا منفصلين: المعرفة والنظر من جهة، ثم التطبيق والعمل من جهة أخرى. لا نستطيع أن نقول إن المسألة متجذرة في اللغة التي لم تكن تفصل النظر عن العمل أو المعرفة عن أشكال تطبيقها على هذا النحو. لا أدل على ذلك من استخدام لفظ صناعة في...
“حتى عهد قريب كانت الحداثة تعني تمرداً غير محافظ ضد الأفكار الجاهزة وضد الكيتش. أما اليوم، فتمتزج الحداثة بالحيوية المتدفقة لوسائل الإعلام. أن يكون المرء حديثاً أصبح يعني أن يبذل مجهوداً خارقاً كي يكون مواكباً لما يجري، يكون طبق ما يجري مقدوداً عليه، يكون أكثر محافظة من كل المحافظين. لقد ارتدت...
من بين الأمور التي استوقفت من كتبوا عن المرحوم سالم يفوت، إثر وفاته، ما دعاه البعض «عزوفه عن السياسة»، بل إن منهم من رأى في الاهتمام الذي ما فتئ يوليه، بعد تجربة السجن القاسية، لمبحث الإبيستمولوجيا، تأكيدا لذلك العزوف، ونتيجته الطبيعية. ولعل تصوراً معيناً عن الإبيستمولوجيا قد يزكي هذا الرأي. إذ...
الثروة صعبة: صعبة المنال وصعبة التحديد. أكثر النعوت تناقضاً تَصْدُق عليها، فهي مصدر البلوى، وهي أيضا مفتاح كل خير. لا يعكس هذا التناقض اختلافاً في الرؤى وتنوعاً في المنظورات، وربما المواقع التي ننظر منها إليها فحسب، وإنما أيضاً أشكال التحوّل التي لحقت بالثروة عبر التاريخ. ولكي لا نبتعد كثيراً عن...
يبدو من غير المناسب الحديث عن الحدود في عالم معولم أصبح يوصف بأنه قرية صغيرة تقلصت أبعادها، وتوحّدت أنماط عيشها، وامّحت الفواصل بين أجزائها. إلا أن ما يميّز العولمة بالضبط هو هاته المفارقة: ففي الوقت الذي يسودها التنميط وتطغى ثقافة واحدة موحِّدة تسعى لأن تلغي الفروق وتمحو الفواصل وتقضي على...
تطرح عبارة LA SOCIÉTÉ DU SPECTACLE التي يضعها المفكر الفرنسي جي دوبور GUY DEBORD عنوانا لكتابه الأساس، صعوبات جمة، ليس في نقلها إلى اللغة العربية فحسب ، بل حتى في تحديد معناها. ذلك أن من شأنها أن توحي لأول وهلة بأن المفكر الفرنسي يصف نوعا خاصا من المجتمعات يمكن بمفرده أن تصدق عليه تلك العبارة،...
يكتفي كثير من المترجمين العرب باللجوء إلى مفهوم النشأة والتكوين تعريبا لمفهوم الجينيالوجيا. وإذا كانت اللفظة تحيل بالفعل في اشتقاقها إلى التكوّن، فان التاريخ الجينيالوجي، كما تبلور عند صاحبه، يكاد يكون رد فعل ضد كل تاريخ تكويني يعتبر أن من شأن متابعة النشأة أن تمكننا من الوقوف على المحددات ورصد...
كتب نيتشه في تمهيده لـ«العلم المرح»: «إننا لم نعد نعتقد أن الحقيقة تظل حقيقة من غير ستارها. لقد عمّرنا ما يكفي لكي نؤمن بذلك. أصبحنا نعتبر أنّ من باب الحشمة والحياء ألا يرغب المرء في أن يرى كل شيء في عرائه...علينا أن نمجِّد أكبر التمجيد الحياء الذي تتحلّى به الطبيعة، والذي يجعلها تتستَّر وراء...
«هناك فرق شاسع بين أيديولوجيا السعادة التي كانت تعتنقها آلاف القرون الماضية، وبين تلك التي نعتنقها نحن: المسألة مسألة وسائل. ففيما مضى، لم تكن الوسائل متوافرة لتمكين الناس من السعادة. فكان السعي نحو السعادة مسألة شخصية ترتبط بالثقافة والحياة الروحية والزهد، واختيار نمط معين للعيش. ومنذ ما يقرب...
لو أجرينا اليوم استطلاعا في أي جهة من جهات العالم بهدف تحديد ما لليسار وما لليمين، لتبيّن لنا أنهم قلة أولئك الذين مازالوا يميّزون هذا عن ذاك. الشعور الذي يسود اليوم هو أنه لم تعد هناك مؤسسة بعينها تُجسد اليسار مقابل أخرى تُجسّد اليمين. لم يعد اليسار جهة نركن لها، ولا فئة ننضم إليها، ولا موقفا...
لا يدعونا شيوران إلى الخلود إلى الصّمت وإنما إلى محاكاته، أي إلى بلوغ نقطة التماسّ التي تُمكّن المرء من ألاّ يغرق في صمت مطبق، وألا ينساق، في الوقت ذاته، إلى ثرثرة لامتناهية. كثير من المفكرين الذين أدركوا أن «خطر اللسان عظيم»، وأن «في الصمت سلامة وعلماً»، أحسّوا، في الوقت ذاته، أن الرّكون إلى...
أعلى