(القاهرة - 2008)
عندما دقت ساعة جامعة القاهرة، القريبة من منزل الكاتب الصحفي محمود عوض - رحل في مثل هذا اليوم 28 أغسطس/ أب 2009 - حيث كان يسكن في 6أ شارع ابن مالك / بجوار كوبري الجامعة - كنت أقف بجوار بيته. الساعة الآن بعد الرابعة بقليل، في عصر يوم خريفي منعش، حيث أقف بجوار سيارة تاكسي في انتظاره - بعد الاستئذان من قوة تأمين مقر سفارة إسرائيل التي كانت تقف على مدخل الشارع - وبداخل السيارة سائقها الذي مازال يتمتم بكلمات أسمعها بوضوح (إيه اليوم الغريب العجيب ده؟.. يعني يارب آجي برجليه لوجع الدماغ كدة.. سفارة إسرائيل مرة واحدة. وبوليس وضباط، وعساكر، ودنيا مقلوبة) ثم قال وهو ينفث دخان سيجارته: "ربك يسترها بقى.. ومتسحبش مِني رخصة السيارة"!
- بعد لحظات سألني "هو البيه صحبك ده نازل إمته"؟!
التفتُ له وأنا أغلق الموبايل بعد محادثة سريعة على الهاتف الأرضي لمنزل محمود عوض وقلت: "خلاص..نازل حالًا"!
•••
(الشارع - بعد دقائق)
من بعيد أزاح فرد الشرطة المصدات والحواجز الأمنية، وأفسح الطريق لمحمود عوض ليمر منه، بعدما بادله ابتسامة حانية، وخفيفة، وسريعة، وهو يقول للجميع: "مساء الخير...يا رجاله"!
-"هل اتأخرنا يا خيري كده؟
- رديت: "لا.. يا أستاذ.. شارع عبد العزيز يعمل حتى ساعة متأخرة من الليل..بعد لحظات ركب في المقعد الأمامي بجوار السائق الذي فاض غضبه، وفاق كل حد، بسبب الانتظار في هذا المكان، وانقلب خوفه من الوقوف في هذا الشارع (الملبش - حسب وصفه) إلى حالة من الفزع الشديد كانت واضحة على ملامحه!
•••
(السيارة - بعد خمس دقائق)
لاحظ محمود عوض ارتباك وخوف السائق فقال له: "ما لك يا أسطى "رد بعنف: "الأخ - يقصدني أنا - اللي راكب ورا ده ضحك علىّ.. عارف لو كان قال لي إنه جاي في الشارع ده؟! مكنتش وافقت وجيت معاه أبدًا"!
-"لماذا"؟ (سأله محمود عوض وهو يضحك)
-"يعني انت مش شايف يا بيه كمية أفراد وضباط البوليس اللي في الشارع"؟ ثم سأله وهو مشغول بتشغيل كاسيت السيارة: "همه بيأمنوا مين هنا"؟! رد محمود عوض: "بيأمنوا إسرائيل"
- رد السائق: يا نهار أسود...إسرائيل؟!
ثم تدارك السائق رده العفوي قائلًا: "أما نشغل الست أم كلثوم أحسن "ثم عاد وقال وهو يدندن مع الموسيقى:" أُمال بقى كنا بنحارب كل الحروب اللي فاتت دي ليه معاهم؟..لما جايين النهاردة يقعدوا في وسطينا، ونحط لهم حراسة كمان"؟! ثم ألقى ببقايا سيجارته التي أوشكت على النفاذ في الشارع وهو يقول: "عوضنا عليك يا رب"!
بعد لحظات من الصمت قال: "الأخ - يقصدني أنا - قال لي إن حضرتك كاتب صحفي كبير"؟
رد محمود عوض: "الأخ - اللي تقصده ده - يبالغ بعض الشيء.."متصدقش كلامه"..( قالها وهو يضحك)!
- رد السائق: "وقال لي كمان إن الست أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وعادل إمام والناس الحلوة دي كلها، كانوا حبايبك وأصحابك"؟
رد: "آه...هو في دي معاه حق"!
- قال السائق: "يا بيه (قالها وهو ينظر لي في مرأة السيارة التي أمامه) وقال لي كمان إنك ياما سافرت، ووقفت، واتكلمت، وكتبت، وهاجمت إسرائيل؟!
(أعمال الكاتب الصحفي محمود عوض: كتاب "أفكار ضد الرصاص"، كتاب "ممنوع من التداول"، كتاب "سري جدا"، كتاب "متمردون لوجه الله"، كتاب "وعليكم السلام"، كتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"، كتاب "محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد"، كتاب "بالعربي الجريح"، كتاب "من وجع القلب"، كتاب "شخصيات"،
كتاب "اليوم السابع": الحرب المستحيلة...حرب الاستنزاف).. وأعمال أخرى، متعددة، ومتنوعة.
- رد محمود عوض بعد فترة صمت: "(الأخ) اللي راكب معنا في الكرسي الخلفي في دي كمان معاه حق"!
- السائق بجدية ظاهرة في نبرات صوته: "طيب طالما أنت كنت تكتب ضد إسرائيل. سكنت ليه في العمارة اللي جنب سفارتهم؟
- رد : "الحقيقة همه اللي جم وسكنوا جنبي وليس العكس..!
- قال السائق بجدية شديدة: "وعلى كده انت لسه بتكتب ضدهم برضه"؟!
- قال: "طبعًا.. طبعًا"!
- قال السائق وهو منطلقًا بسيارته مبتهجًا وسعيدًا: "(برافو)عليك يا بيه..والله"
•••
(أول شارع عبد العزيز - بعد 30 دقيقة)
كنا قد وصلنا إلى ناصية الشارع من ناحية كوبري الأزهر بالقرب من مكتب البريد والمطافي عندما توقف بنا، وبدأت استعد للنزول، فيما بدأ الأستاذ محمود يُخرج من جيبه حافظة نقوده ليعطي الحساب للسائق!
-"عيب يا بيه...والله ما هاخد منك ولا جنيه... ده كلام برضه"!
ولمدة دقائق حاول الأستاذ محمود عوض- وحاولت أنا - مع السائق بكل الوسائل والطرق ليأخذ أجرة سيارته، لكنه - وبصورة شديدة، وغريبة، وعنيفة - رفض واستمر في رفضه إلى أن ودعنا بابتسامة عريضة، وهو يقول: "يعني يا بيه فعلًا كنت بتقعد كده (الوش في الوش) مع الست أم كلثوم وعبد الوهاب وعادل إمام"؟! رد محمود عوض وهو يبتسم: "حصل..يا أسطى!"
بعد لحظات انطلق السائق بسيارته وهو يودعنا، قبل وصول ضابط مرور الميدان ليحرر له محضرًا لأنه (يقف في الممنوع)!
•••
(الميدان - بعد دقائق)
دخل محمود عوض في حالة صمت واضحة، بعدما انطلق السائق من أمامنا، ثم عبرنا الطريق في اتجاه شارع عبد العزيز، وهو مازال في حالة الصمت - والدهشة - التي صاحبته - نتيجة لحديثه العابر مع السائق - طيلة الوقت الذي قضيناه في الشارع لشراء(قعدة) لثلاجة بيته! ولهذه (القعدة/ والثلاجة) قصة أخرى!!
•••
(الشارع - بعد ساعة)
ونحن نغادر سألت محمود عوض: تفتكر يا أستاذ.. لماذا رفض سائق التاكسي أن يتقاضى الأجرة؟ هل لأنه عرف أنك كنت صديق للست أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب؟ أم لأنك كتبت - وتكتب - ضد ممارسات، وانتهاكات، واعتداءات، إسرائيل؟ رد قائلًا: "احسبها زي ما انت عايز"! قالها بهدوء، وسعادة، وثقة، ورضا، ونحن فى طريقنا للخروج من الشارع إلى ميدان العتبة!
• خيري حسن.
• الأحداث حقيقية - والسيناريو من خيال الكاتب.
عندما دقت ساعة جامعة القاهرة، القريبة من منزل الكاتب الصحفي محمود عوض - رحل في مثل هذا اليوم 28 أغسطس/ أب 2009 - حيث كان يسكن في 6أ شارع ابن مالك / بجوار كوبري الجامعة - كنت أقف بجوار بيته. الساعة الآن بعد الرابعة بقليل، في عصر يوم خريفي منعش، حيث أقف بجوار سيارة تاكسي في انتظاره - بعد الاستئذان من قوة تأمين مقر سفارة إسرائيل التي كانت تقف على مدخل الشارع - وبداخل السيارة سائقها الذي مازال يتمتم بكلمات أسمعها بوضوح (إيه اليوم الغريب العجيب ده؟.. يعني يارب آجي برجليه لوجع الدماغ كدة.. سفارة إسرائيل مرة واحدة. وبوليس وضباط، وعساكر، ودنيا مقلوبة) ثم قال وهو ينفث دخان سيجارته: "ربك يسترها بقى.. ومتسحبش مِني رخصة السيارة"!
- بعد لحظات سألني "هو البيه صحبك ده نازل إمته"؟!
التفتُ له وأنا أغلق الموبايل بعد محادثة سريعة على الهاتف الأرضي لمنزل محمود عوض وقلت: "خلاص..نازل حالًا"!
•••
(الشارع - بعد دقائق)
من بعيد أزاح فرد الشرطة المصدات والحواجز الأمنية، وأفسح الطريق لمحمود عوض ليمر منه، بعدما بادله ابتسامة حانية، وخفيفة، وسريعة، وهو يقول للجميع: "مساء الخير...يا رجاله"!
-"هل اتأخرنا يا خيري كده؟
- رديت: "لا.. يا أستاذ.. شارع عبد العزيز يعمل حتى ساعة متأخرة من الليل..بعد لحظات ركب في المقعد الأمامي بجوار السائق الذي فاض غضبه، وفاق كل حد، بسبب الانتظار في هذا المكان، وانقلب خوفه من الوقوف في هذا الشارع (الملبش - حسب وصفه) إلى حالة من الفزع الشديد كانت واضحة على ملامحه!
•••
(السيارة - بعد خمس دقائق)
لاحظ محمود عوض ارتباك وخوف السائق فقال له: "ما لك يا أسطى "رد بعنف: "الأخ - يقصدني أنا - اللي راكب ورا ده ضحك علىّ.. عارف لو كان قال لي إنه جاي في الشارع ده؟! مكنتش وافقت وجيت معاه أبدًا"!
-"لماذا"؟ (سأله محمود عوض وهو يضحك)
-"يعني انت مش شايف يا بيه كمية أفراد وضباط البوليس اللي في الشارع"؟ ثم سأله وهو مشغول بتشغيل كاسيت السيارة: "همه بيأمنوا مين هنا"؟! رد محمود عوض: "بيأمنوا إسرائيل"
- رد السائق: يا نهار أسود...إسرائيل؟!
ثم تدارك السائق رده العفوي قائلًا: "أما نشغل الست أم كلثوم أحسن "ثم عاد وقال وهو يدندن مع الموسيقى:" أُمال بقى كنا بنحارب كل الحروب اللي فاتت دي ليه معاهم؟..لما جايين النهاردة يقعدوا في وسطينا، ونحط لهم حراسة كمان"؟! ثم ألقى ببقايا سيجارته التي أوشكت على النفاذ في الشارع وهو يقول: "عوضنا عليك يا رب"!
بعد لحظات من الصمت قال: "الأخ - يقصدني أنا - قال لي إن حضرتك كاتب صحفي كبير"؟
رد محمود عوض: "الأخ - اللي تقصده ده - يبالغ بعض الشيء.."متصدقش كلامه"..( قالها وهو يضحك)!
- رد السائق: "وقال لي كمان إن الست أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وعادل إمام والناس الحلوة دي كلها، كانوا حبايبك وأصحابك"؟
رد: "آه...هو في دي معاه حق"!
- قال السائق: "يا بيه (قالها وهو ينظر لي في مرأة السيارة التي أمامه) وقال لي كمان إنك ياما سافرت، ووقفت، واتكلمت، وكتبت، وهاجمت إسرائيل؟!
(أعمال الكاتب الصحفي محمود عوض: كتاب "أفكار ضد الرصاص"، كتاب "ممنوع من التداول"، كتاب "سري جدا"، كتاب "متمردون لوجه الله"، كتاب "وعليكم السلام"، كتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"، كتاب "محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد"، كتاب "بالعربي الجريح"، كتاب "من وجع القلب"، كتاب "شخصيات"،
كتاب "اليوم السابع": الحرب المستحيلة...حرب الاستنزاف).. وأعمال أخرى، متعددة، ومتنوعة.
- رد محمود عوض بعد فترة صمت: "(الأخ) اللي راكب معنا في الكرسي الخلفي في دي كمان معاه حق"!
- السائق بجدية ظاهرة في نبرات صوته: "طيب طالما أنت كنت تكتب ضد إسرائيل. سكنت ليه في العمارة اللي جنب سفارتهم؟
- رد : "الحقيقة همه اللي جم وسكنوا جنبي وليس العكس..!
- قال السائق بجدية شديدة: "وعلى كده انت لسه بتكتب ضدهم برضه"؟!
- قال: "طبعًا.. طبعًا"!
- قال السائق وهو منطلقًا بسيارته مبتهجًا وسعيدًا: "(برافو)عليك يا بيه..والله"
•••
(أول شارع عبد العزيز - بعد 30 دقيقة)
كنا قد وصلنا إلى ناصية الشارع من ناحية كوبري الأزهر بالقرب من مكتب البريد والمطافي عندما توقف بنا، وبدأت استعد للنزول، فيما بدأ الأستاذ محمود يُخرج من جيبه حافظة نقوده ليعطي الحساب للسائق!
-"عيب يا بيه...والله ما هاخد منك ولا جنيه... ده كلام برضه"!
ولمدة دقائق حاول الأستاذ محمود عوض- وحاولت أنا - مع السائق بكل الوسائل والطرق ليأخذ أجرة سيارته، لكنه - وبصورة شديدة، وغريبة، وعنيفة - رفض واستمر في رفضه إلى أن ودعنا بابتسامة عريضة، وهو يقول: "يعني يا بيه فعلًا كنت بتقعد كده (الوش في الوش) مع الست أم كلثوم وعبد الوهاب وعادل إمام"؟! رد محمود عوض وهو يبتسم: "حصل..يا أسطى!"
بعد لحظات انطلق السائق بسيارته وهو يودعنا، قبل وصول ضابط مرور الميدان ليحرر له محضرًا لأنه (يقف في الممنوع)!
•••
(الميدان - بعد دقائق)
دخل محمود عوض في حالة صمت واضحة، بعدما انطلق السائق من أمامنا، ثم عبرنا الطريق في اتجاه شارع عبد العزيز، وهو مازال في حالة الصمت - والدهشة - التي صاحبته - نتيجة لحديثه العابر مع السائق - طيلة الوقت الذي قضيناه في الشارع لشراء(قعدة) لثلاجة بيته! ولهذه (القعدة/ والثلاجة) قصة أخرى!!
•••
(الشارع - بعد ساعة)
ونحن نغادر سألت محمود عوض: تفتكر يا أستاذ.. لماذا رفض سائق التاكسي أن يتقاضى الأجرة؟ هل لأنه عرف أنك كنت صديق للست أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب؟ أم لأنك كتبت - وتكتب - ضد ممارسات، وانتهاكات، واعتداءات، إسرائيل؟ رد قائلًا: "احسبها زي ما انت عايز"! قالها بهدوء، وسعادة، وثقة، ورضا، ونحن فى طريقنا للخروج من الشارع إلى ميدان العتبة!
• خيري حسن.
• الأحداث حقيقية - والسيناريو من خيال الكاتب.
Войдите на Facebook
Войдите на Facebook, чтобы общаться с друзьями, родственниками и знакомыми.
www.facebook.com