نشرت القصة في كتاب العربي عدد 96
بحيرة (تشين تساو) بها الكثيرُ من السمك والجمبري، ويحيطهاالعديد من النباتات الخضراء المزدهرة الوارفة. وللسكان الذين يعيشون حول هذه البحيرة منذ أقدم العصور، عادةُ تربيةِ البطّ. كما أن هذا المكان مشهورٌ بمنتجاته من بيض البطِّ الجيد. وكان ثمة زمن، وقع فيه السكان تحت قوانين (قطعُ ذيل الرأسمالية)، وتلاشت تلك العادة. لكن القوانين أصبحت جيدة منذ عدة سنوات، ومن حينها تأتي أسرابُ البطِّ كالسحاب الأبيض الذي يتحرك بهدوء.
لي لاو جوانغ متخصص في تربية البطِّ. كل يوم يدفع القارب بالزانة ويتبع سرب البطِّ الذي يسبح أمامه في رشاقة. ويحيط بالبحيرة ثماني عشرة قرية، وفي كل قرية شخصٌ يُطلِقُ أسراب البطِّ في الماء. يوجد رجل عجوز، وفتاة، ولأنهم يلتقون دائماً في البحيرة، فهم منسجمون فيما بينهما.
في الربيع، تظهر براعم أشجار الصفصاف، وتتفتح أزهار الدرّاق، أما أزهار المشمش فتكون في عنفوان تفتحها، وينمو عشبٌ طريٌ ندي، حينها يبدأ مُرَبُّو البط بالنزول بقواربهم الصغيرة إلى البحيرة ويطلقون أسراب البطِّ.
ماءُ البحيرة له لون اليشم الأخضر، وتطفو زهور اللوتس على سطحها. والضفادع تتحرك زوجاً زوجا وتصدرُ نقيقاً. إنها مفاتنُ ربيعية حقيقية، منظرٌ جميل للطيور والضفادع. وحينما نزل لاو جوانغ بقاربه، تذكر أنه يريد أن يلتقي لاو وانغ تاو مُرَبِّي البط من القرية المقابلة (قرية وانغ)، إلا أن لاو وانغ تاو لم يظهر منذ عدة أيام.
في هذا اليوم، جاءت فتاة من القرية المقابلة، تتبع سرب البطِّ. فتاة بوجه بيضاوي جميل كبيضةِ البطِّ، وعينين بلونٍ أسود عنابي، تغني أغاني الصيادين بصوتٍ عذبٍ رنان، كأنها تنثرُ لؤلؤاً على البحيرة.
كان سربا البطِّ يتقدمان جنباً إلى جنب، فقالت الفتاة:
يا عم، من أية قرية أنت؟
من قرية (لي) شرق البحيرة، قال لاو جوانغ بصوت مبحوح. وأنتِ أيتها الفتاة؟
من قرية (وانغ) غرب البحيرة.
أين لاو وانغ؟
لقد كَبُرَ في السن، فقرر الاعتزال. وجدّفت بكل قوتها واستدارت بالقارب، واستدار معها سربُ البطِّ.
مع السلامة يا عم.
وبهذه الطريقة تعرف كلٌّ منهما على الآخر.
في أحد الأيام، تقابل لاو جوانغ والفتاة في البحيرة، وبعد تبادل أطراف الحديث، سألت الفتاة بجدية:
يا عم، هل في قريتكم شخصٌ يُدعى لاو جوانغ؟
ارتبك لاو جوانغ ثم أجاب:
نعم، لماذا تسألين؟
احمر وجه الفتاة، وعضَّت شفتيها، ثم قالت:
لا شيء، أسألُ فقط.
لا أعتقد أنه كان سؤالاً عابراً، قال لاو جوانغ وقد تهدّل جفناه.
كيف هي أحوال عائلته؟
يصعبُ التكهنُ بها.
سمعتُ أن لاو جوانغ متورط، وله تاريخ، سمعتُ أنه منذ سنوات عديدة سرق عدة بطَّات من بطِّ الفريق، وقُبِضَ عليه، هل صحيحٌ أنهم جعلوه يجوب ثماني قرى في شرق البحيرة؟.
نعم، أدار لاو جوانغ قاربه، وأبعد البطَّ مُنزعجاً.
كان حديث الفتاة عن هذا الأمر كسكين اخترقت جرحاً قديماً في قلب لاو جوانغ. فحينما كانت (عصابة الأربعة) تحكم الصين، أصدرت السلطات العليا قانوناً بعدم السماح لأي شخص بتربية البطِّ، وباسم الاشتراكية شُكِّلَتْ فِرقٌ منها فريقٌ قام بالاستيلاء على بطَّات لاو جوانغ والتي كانت تتعدى العشر بطَّات، ولا يمكن أن نتصور كَمَّ الألم الذي سببه ذلك لـ لاو جوانغ، فجميع احتياجات عائلته من زيت وملح ومال تعتمد على النكش تحت مؤخرات هذه البطَّات!. في ذلك الوقت، كان المسئول عن الشئون الهامة للقرية شخصاً كسولاً يحب الأكل، وكان يأكل البطَّات التي يأتي بها (فريقُ الاشتراكية) بمشاركةِ أصدقائه رفقاء السلاح من تيار المعارضة الذي أسسه، وكانوا لا يُبقون شيئاً منها.
ولاو جوانغ شخصٌ معروفٌ بصدقه ونزاهته في القرية، إلا أنك يجب أن تحذر شر الحليم إذا غضب، وإذا غضب غضباً شديداً فسيُقدمُ على فعل شيءٍ سخيف. فقد تسلل لاو جوانغ في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، ووصل إلى السياج الذي يقبع وراءه البطّ، وقام بالاستيلاء على بطّتين، إلا أن حظه كان سيئاً للغاية، فقد قبض عليه عساكرُ الحراسةِ الليلة.
لم يضربه المسئول، ولم يشتمه أيضاً، بل قام بربط البطَّتين وعلَّقهما على عنقه، وجعله يجوب ثماني قرى في شرق البحيرة. ورافق المسئولَ الفريقُ، وجنديٌ يدق على طبلة، وجنديان يحملان بندقيتين. وأشار المسئولُ إلى جميع الناس، كمَنْ يقدم عرضاً لترويض القرود. وبسبب ذلك كاد لاو جوانغ أن يشنقَ نفسَه.
وعندما ذكرت الفتاة ذلك الأمر، جاش الغضبُ في صدره ولكنه تمالك نفسه. ومنذ ذلك الوقت، أصبح يعاملها باستهجان، ويحاول قدر الإمكان تجنبَ مقابلتها، إلا أنه لم ينجح، فكان يعاملها ببرودٍ واضح وعدم اهتمام. بينما الفتاة تعامله بحفاوةٍ وود. وكان لاو جوانغ يبدي استجابة لهذه الحفاوة على وجهه، أما في قلبه فكان يشتمها قائلاً: أنظري إليكِ، يا مسحوق الشبوط، تبتسمين وتتحدثين وكأن شيئاً لم يكن.
وفي غمضة عين، جاء فصل الصيف، وغيَّرت البحيرة مظهرها إلى منظر آخر جميل. تفتحت زهور اللوتس، وغمرت البحيرة بأريج هادئ طوال اليوم. وفي أحد الأيام، تغير الجو الصحو المشمس، وامتلأت السماء بالغيوم السوداء، ودوَّى البرق مصحوباً بأمطار غزيرة ورياح شديدة. وصل لاو جوانغ بصعوبة إلى سرب البطِّ، وكان مبتلاً كدجاجة في صحن حساء. بعد هذه الأمطار والجو المتقلب، أصبح الطقس في غاية الصفاء والإشراق، واخضرت الأعشاب المائية على سطح البحيرة مصحوبة بلون أزرق، أما أوراق اللوتس والقصب، فكانت تحمل قطرات ماء صافية كحبات اللؤلؤ. وإلى جانب نباتات القصب، وجد لاو جوانغ ما يزيد على عشر بطَّات، وكان يعلم أن هذه البطَّات قد شردت عن صاحبها وقتَ تقلبِ الطقس. يا له من بطٍّ جميل!، قال وهو يُبدي إعجابه بالبطَّات البيضاء.
إن رؤية هذه البطَّات البيضاء كالثلج، وأجسامها الكبيرة اليافعة، يبعث الإعجاب في النفس. وتذكر لاو جوانغ فجأة حديث ابنه الذي يعمل في محطة التقنية الزراعية لكومونة قرية (وانغ) شرق البحيرة، أنهم قد استوردوا بطَّات أصيلة من ضواحي بكين، هل يُعقل أن تكون هي؟، هكذا كان لاو جوانغ يفكر وهو يضم هذه البطَّات إلى سربه.
في اليوم التالي، حينما نزل البحيرة، صادف الفتاة.
يا عم، هل صادفت عدة بطَّات في طريقك؟، لقد شردت أمس بسبب الطقس السيء، عندما عدت إلى المنزل وعددتها، وجدتها ينقصون أربع عشرة بطَّة، لقد اشتريتها مؤخراً من محطة التقنية الزراعية، ولم أستطع النوم البارحة بسبب القلق.
أيتها الفتاة، أنت تسألين الرجل المناسب. عندما رأى لاو جوانغ قلق الفتاة، نسي ما حدث في الأيام السابقة، وأشار إلى سربه قائلاً: لا تقلقي، لم ينقصوا بطَّة، إنها هنا.
شكراً جزيلاً يا عم، سآتي لأخذها.
سآتي أنا، أدار لاو جوانغ القارب، وساق الأربع عشرة بطَّة ناحية الفتاة، وصاحت الفتاة من الفرحة، وعادت البطَّات إلى سربها.
يا عم، نحن نرى بعضنا البعض ونرعى البطَّ منذ ستة شهور، ولم أعرف اسمك حتى الآن. هكذا قالت وهي تجدف ناحية قاربه، وتسأل بصوتٍ كمَنْ يغني.
لقبي (لي)، واسمي لاو جوانغ.
آه!، أنت تكون… وي لين… لي وي لين، لا، التقني لي……..
نعم، أنا والد لي وي لين، رفع لي لاو جوانغ لحيته وكأنه يريد أن يشاكس الفتاة وقال: أنا هو لي لاو جوانغ الذي سرق البطَّتين وجاب القرى.
صرخت الفتاة من المفاجأة، وجحظت عيناها كحبتي مشمش، واكتسى وجهها بحمرة كزهرة لوتس.
يا عم، شكراً جزيلاً لك…، انحنت مُحيِّية على عجل، واستدارت بالقارب، ولحقت البطَّ، وفرت يائسة.
أيتها الفتاة، أنت تعرفين ولدي وي لين، ابعثي له هذه الرسالة، أخبريه أن يحضر معه عدة بطَّات أصيلة!”، قال بصوتٍ عال.
واعترض القصبُ طريقَ الفتاة والبطّ.
أخذ لي لاو جوانغ نفساً عميقاً، وشَعُرَ بالسرور والراحة، وراح يحدث نفسه قائلاً: هذه الفتاة، ملامحها جميلة، وأخلاقها جيدة، لا عجب أن أشخاصاً في هذه البحيرة يتمتعون بجمالٍ كجمالِ هذه الفتاة.
* نقلا عن:
مُرَبَّـي البـطّ…قصة للكاتب الصيني “مويان” الفائز بجائزة نوبل للآداب
بحيرة (تشين تساو) بها الكثيرُ من السمك والجمبري، ويحيطهاالعديد من النباتات الخضراء المزدهرة الوارفة. وللسكان الذين يعيشون حول هذه البحيرة منذ أقدم العصور، عادةُ تربيةِ البطّ. كما أن هذا المكان مشهورٌ بمنتجاته من بيض البطِّ الجيد. وكان ثمة زمن، وقع فيه السكان تحت قوانين (قطعُ ذيل الرأسمالية)، وتلاشت تلك العادة. لكن القوانين أصبحت جيدة منذ عدة سنوات، ومن حينها تأتي أسرابُ البطِّ كالسحاب الأبيض الذي يتحرك بهدوء.
لي لاو جوانغ متخصص في تربية البطِّ. كل يوم يدفع القارب بالزانة ويتبع سرب البطِّ الذي يسبح أمامه في رشاقة. ويحيط بالبحيرة ثماني عشرة قرية، وفي كل قرية شخصٌ يُطلِقُ أسراب البطِّ في الماء. يوجد رجل عجوز، وفتاة، ولأنهم يلتقون دائماً في البحيرة، فهم منسجمون فيما بينهما.
في الربيع، تظهر براعم أشجار الصفصاف، وتتفتح أزهار الدرّاق، أما أزهار المشمش فتكون في عنفوان تفتحها، وينمو عشبٌ طريٌ ندي، حينها يبدأ مُرَبُّو البط بالنزول بقواربهم الصغيرة إلى البحيرة ويطلقون أسراب البطِّ.
ماءُ البحيرة له لون اليشم الأخضر، وتطفو زهور اللوتس على سطحها. والضفادع تتحرك زوجاً زوجا وتصدرُ نقيقاً. إنها مفاتنُ ربيعية حقيقية، منظرٌ جميل للطيور والضفادع. وحينما نزل لاو جوانغ بقاربه، تذكر أنه يريد أن يلتقي لاو وانغ تاو مُرَبِّي البط من القرية المقابلة (قرية وانغ)، إلا أن لاو وانغ تاو لم يظهر منذ عدة أيام.
في هذا اليوم، جاءت فتاة من القرية المقابلة، تتبع سرب البطِّ. فتاة بوجه بيضاوي جميل كبيضةِ البطِّ، وعينين بلونٍ أسود عنابي، تغني أغاني الصيادين بصوتٍ عذبٍ رنان، كأنها تنثرُ لؤلؤاً على البحيرة.
كان سربا البطِّ يتقدمان جنباً إلى جنب، فقالت الفتاة:
يا عم، من أية قرية أنت؟
من قرية (لي) شرق البحيرة، قال لاو جوانغ بصوت مبحوح. وأنتِ أيتها الفتاة؟
من قرية (وانغ) غرب البحيرة.
أين لاو وانغ؟
لقد كَبُرَ في السن، فقرر الاعتزال. وجدّفت بكل قوتها واستدارت بالقارب، واستدار معها سربُ البطِّ.
مع السلامة يا عم.
وبهذه الطريقة تعرف كلٌّ منهما على الآخر.
في أحد الأيام، تقابل لاو جوانغ والفتاة في البحيرة، وبعد تبادل أطراف الحديث، سألت الفتاة بجدية:
يا عم، هل في قريتكم شخصٌ يُدعى لاو جوانغ؟
ارتبك لاو جوانغ ثم أجاب:
نعم، لماذا تسألين؟
احمر وجه الفتاة، وعضَّت شفتيها، ثم قالت:
لا شيء، أسألُ فقط.
لا أعتقد أنه كان سؤالاً عابراً، قال لاو جوانغ وقد تهدّل جفناه.
كيف هي أحوال عائلته؟
يصعبُ التكهنُ بها.
سمعتُ أن لاو جوانغ متورط، وله تاريخ، سمعتُ أنه منذ سنوات عديدة سرق عدة بطَّات من بطِّ الفريق، وقُبِضَ عليه، هل صحيحٌ أنهم جعلوه يجوب ثماني قرى في شرق البحيرة؟.
نعم، أدار لاو جوانغ قاربه، وأبعد البطَّ مُنزعجاً.
كان حديث الفتاة عن هذا الأمر كسكين اخترقت جرحاً قديماً في قلب لاو جوانغ. فحينما كانت (عصابة الأربعة) تحكم الصين، أصدرت السلطات العليا قانوناً بعدم السماح لأي شخص بتربية البطِّ، وباسم الاشتراكية شُكِّلَتْ فِرقٌ منها فريقٌ قام بالاستيلاء على بطَّات لاو جوانغ والتي كانت تتعدى العشر بطَّات، ولا يمكن أن نتصور كَمَّ الألم الذي سببه ذلك لـ لاو جوانغ، فجميع احتياجات عائلته من زيت وملح ومال تعتمد على النكش تحت مؤخرات هذه البطَّات!. في ذلك الوقت، كان المسئول عن الشئون الهامة للقرية شخصاً كسولاً يحب الأكل، وكان يأكل البطَّات التي يأتي بها (فريقُ الاشتراكية) بمشاركةِ أصدقائه رفقاء السلاح من تيار المعارضة الذي أسسه، وكانوا لا يُبقون شيئاً منها.
ولاو جوانغ شخصٌ معروفٌ بصدقه ونزاهته في القرية، إلا أنك يجب أن تحذر شر الحليم إذا غضب، وإذا غضب غضباً شديداً فسيُقدمُ على فعل شيءٍ سخيف. فقد تسلل لاو جوانغ في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، ووصل إلى السياج الذي يقبع وراءه البطّ، وقام بالاستيلاء على بطّتين، إلا أن حظه كان سيئاً للغاية، فقد قبض عليه عساكرُ الحراسةِ الليلة.
لم يضربه المسئول، ولم يشتمه أيضاً، بل قام بربط البطَّتين وعلَّقهما على عنقه، وجعله يجوب ثماني قرى في شرق البحيرة. ورافق المسئولَ الفريقُ، وجنديٌ يدق على طبلة، وجنديان يحملان بندقيتين. وأشار المسئولُ إلى جميع الناس، كمَنْ يقدم عرضاً لترويض القرود. وبسبب ذلك كاد لاو جوانغ أن يشنقَ نفسَه.
وعندما ذكرت الفتاة ذلك الأمر، جاش الغضبُ في صدره ولكنه تمالك نفسه. ومنذ ذلك الوقت، أصبح يعاملها باستهجان، ويحاول قدر الإمكان تجنبَ مقابلتها، إلا أنه لم ينجح، فكان يعاملها ببرودٍ واضح وعدم اهتمام. بينما الفتاة تعامله بحفاوةٍ وود. وكان لاو جوانغ يبدي استجابة لهذه الحفاوة على وجهه، أما في قلبه فكان يشتمها قائلاً: أنظري إليكِ، يا مسحوق الشبوط، تبتسمين وتتحدثين وكأن شيئاً لم يكن.
وفي غمضة عين، جاء فصل الصيف، وغيَّرت البحيرة مظهرها إلى منظر آخر جميل. تفتحت زهور اللوتس، وغمرت البحيرة بأريج هادئ طوال اليوم. وفي أحد الأيام، تغير الجو الصحو المشمس، وامتلأت السماء بالغيوم السوداء، ودوَّى البرق مصحوباً بأمطار غزيرة ورياح شديدة. وصل لاو جوانغ بصعوبة إلى سرب البطِّ، وكان مبتلاً كدجاجة في صحن حساء. بعد هذه الأمطار والجو المتقلب، أصبح الطقس في غاية الصفاء والإشراق، واخضرت الأعشاب المائية على سطح البحيرة مصحوبة بلون أزرق، أما أوراق اللوتس والقصب، فكانت تحمل قطرات ماء صافية كحبات اللؤلؤ. وإلى جانب نباتات القصب، وجد لاو جوانغ ما يزيد على عشر بطَّات، وكان يعلم أن هذه البطَّات قد شردت عن صاحبها وقتَ تقلبِ الطقس. يا له من بطٍّ جميل!، قال وهو يُبدي إعجابه بالبطَّات البيضاء.
إن رؤية هذه البطَّات البيضاء كالثلج، وأجسامها الكبيرة اليافعة، يبعث الإعجاب في النفس. وتذكر لاو جوانغ فجأة حديث ابنه الذي يعمل في محطة التقنية الزراعية لكومونة قرية (وانغ) شرق البحيرة، أنهم قد استوردوا بطَّات أصيلة من ضواحي بكين، هل يُعقل أن تكون هي؟، هكذا كان لاو جوانغ يفكر وهو يضم هذه البطَّات إلى سربه.
في اليوم التالي، حينما نزل البحيرة، صادف الفتاة.
يا عم، هل صادفت عدة بطَّات في طريقك؟، لقد شردت أمس بسبب الطقس السيء، عندما عدت إلى المنزل وعددتها، وجدتها ينقصون أربع عشرة بطَّة، لقد اشتريتها مؤخراً من محطة التقنية الزراعية، ولم أستطع النوم البارحة بسبب القلق.
أيتها الفتاة، أنت تسألين الرجل المناسب. عندما رأى لاو جوانغ قلق الفتاة، نسي ما حدث في الأيام السابقة، وأشار إلى سربه قائلاً: لا تقلقي، لم ينقصوا بطَّة، إنها هنا.
شكراً جزيلاً يا عم، سآتي لأخذها.
سآتي أنا، أدار لاو جوانغ القارب، وساق الأربع عشرة بطَّة ناحية الفتاة، وصاحت الفتاة من الفرحة، وعادت البطَّات إلى سربها.
يا عم، نحن نرى بعضنا البعض ونرعى البطَّ منذ ستة شهور، ولم أعرف اسمك حتى الآن. هكذا قالت وهي تجدف ناحية قاربه، وتسأل بصوتٍ كمَنْ يغني.
لقبي (لي)، واسمي لاو جوانغ.
آه!، أنت تكون… وي لين… لي وي لين، لا، التقني لي……..
نعم، أنا والد لي وي لين، رفع لي لاو جوانغ لحيته وكأنه يريد أن يشاكس الفتاة وقال: أنا هو لي لاو جوانغ الذي سرق البطَّتين وجاب القرى.
صرخت الفتاة من المفاجأة، وجحظت عيناها كحبتي مشمش، واكتسى وجهها بحمرة كزهرة لوتس.
يا عم، شكراً جزيلاً لك…، انحنت مُحيِّية على عجل، واستدارت بالقارب، ولحقت البطَّ، وفرت يائسة.
أيتها الفتاة، أنت تعرفين ولدي وي لين، ابعثي له هذه الرسالة، أخبريه أن يحضر معه عدة بطَّات أصيلة!”، قال بصوتٍ عال.
واعترض القصبُ طريقَ الفتاة والبطّ.
أخذ لي لاو جوانغ نفساً عميقاً، وشَعُرَ بالسرور والراحة، وراح يحدث نفسه قائلاً: هذه الفتاة، ملامحها جميلة، وأخلاقها جيدة، لا عجب أن أشخاصاً في هذه البحيرة يتمتعون بجمالٍ كجمالِ هذه الفتاة.
* نقلا عن:
مُرَبَّـي البـطّ…قصة للكاتب الصيني “مويان” الفائز بجائزة نوبل للآداب