مقدمة
أصبح مفهوم التواصل من المفاهيم المركزية المتداولة في الفلسفة المعاصرة. اذ لم يعد الاهتمام بالتواصل منحصرا في المجال التداولي المرتبط بتبادل المعلومات و تقنيات تبليغها و ايصالها، بل أصبح يشكل نظرية علمية و فلسفية مستقلة بذاتها. و تعد مرجعية هابرماس الفلسفية دليلا على هذا التحول. انها مرجعية استفادت من نظريات العلوم الاجتماعية التي كانت سباقة الى التمهيد لذلك التحول عندما ركزت على أن الأنا أو الهوية الذاتية هي حصيلة تفاعل رمزي مع الآخرين.
سنسلط الضوء، في هذه الورقة، على مشروع هابرماس الرائد، في الفلسفة النقدية الالمانية المعاصرة من خلال التركيز على الهم الذي حرك الرجل و هو: كيف يكون الاندماج الاجتماعي ممكنا؟ باعتباره الإشكال الذي اعتزمت فلسفة التواصل لدى هابرماس الإجابة عنه.
***
لا ينبغي الاعتقاد من عنوان هذه الورقة ان هابرماس يتناول مسألة التواصل كما لو كانت موضوعا فلسفيا، بالمعنى الحرفي للكلمة. بل يتناولها من منظور السوسيولوجيا أو علم الاجتماع، بوصفها فعلا اجتماعيا، لا فعلا له صلة كلية بالوعي الانساني. و بهذا المعنى يصح القول : ان هابرماس ينتصر للنظرية الاجتماعية على حساب فلسفة الوعي. اد ثمة فرق بين تناول التواصل من منظور الفاعل للتواصل، و بين تناوله كما لو كان فعل حوار او تحاور تتدخل فيه اطراف متعددة (1).
و بهذا الخصوص يعترف هابرماس بفضل علماء الاجتماع في بلورة هذا المنظور الجديد للتواصل قائلا:
“ان تحول المنظور الذي انتقل من الفعل الغائي الى الفعل التواصلي بدأ مع ميد و دوركهام. فهؤلاء الى جانب ماكس فيبر ينتمون الى جيل المؤسسين للسوسيولوجيا الحديثة” (2).
بهذا الخصوص، يحمل على نظريات اجتماعية يتهم تناولها للفعل التواصلي بالقصور و الاحادية الجانب، و يقصد هنا : النظرية الوظيفية…فطرق تناول مسألة التواصل لدى هده النظرية و شبييهاتها، لا تقدم، حسب هابرماس، رؤية واضحة لانها ظلت سجينة التصور الفلسفي الارسطي لمفهوم الفعل الغائي، او الموجه بغاية، و الذي يشكل احدى دعامات الفلسفية الارسطية.
ما المقصود بالفعل التواصلي لدى هابرماس ؟
يحدد هابرماس الافعال التواصلية على النحو التالي : ” هي تلك الافعال التي تكون فيها مستويات الفعل بالنسبة للفاعلين المنتمين الى العملية التواصلية غير مرتبطة (3) بحاجيات السياسة، بل مرتبطة بافعال التفاهم “. و لاتفاهم بدون لغة؛ و هذا ما يبرر كلام المهتمين بهابرماس عن المنعطف اللساني لديه، و الذي يشير اليه هو بنفسه. و هو ما دفعه الى ادخال اللغة كعامل لفهم العلاقات التواصلية. فلتعزيز تصوره للفعل التواصلي من اجل فهم افضل للعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع ذهب الى ان الفعل التواصلي يتميز عن غيره من الافعال الاخرى بأنه لا يسعى للبحث عن الوسائل التي تمكنه من التأثير في الغير، بل يبحث عن كيفية التوصل الى تفاهم معه و توافق متبادل دونما اكراه او قسر كيفما كان نوعهما.
ادا كان التفاهم الغاية القصوى للفعل التواصلي، فانه لا يمكن تصوره بين الاطراف المتحاورة الا بشروط من اهمها عدم تأثير طرف على آخر لان دلك لو حصل يِؤدي حتما الى فشل التواصل يقول هابرماس :
” ان نشاط التفاهم المتبادل يخضع لشرط اساس به يحقق المعنيون مشروعا لا تفاقهم المشترك…فهم يسعون لتفادي خطرين : يتمثل اولهما في فشل التفاهم المتبادل و سوء الفهم؛ بينما يتمثل الثاني في فشل مشروع الفعل و الاخفاق التام. فتنحية الخطر الاول شرط لابد منه لتلافي الثاني”
شتان اذن ما بين الاتفاق الذي هو سليل التفاهم، و التأثير الدي هو سليل الاكراه و الضغط، يتسم فيه الفعل التواصلي بالهيمنة. فالتفاهم صنو و رديف للفعل التواصلي من حيث انه يهدف الى تحقيق الاتفاق؛ و هو ما يطلق عليه هابرماس ايضا اسم الاجماع، اذ في ظل غياب هذا الاخير بين اطراف الفعل التواصلي، يفشل هذا الاخير. ثمة اذن شروط حجاج و مناظرة بدونها لا يتحقق الاجماع العقلاني. ذلك ان الاستعمال اللغوي اذا كان يتضمن حججا مبنية، فانه سيؤدي حتما الى تحقيق اتفاق مشترك. لان الهدف بالنسبة لهابرماس من الدخول في تحاجج، هو التوصل الى تواصل كامل.
عارض الفيلسوف الفرنسي المعاصر جون فرنسوا ليوطار J.F Lyotard مفهوم الاجماع لدى هابرماس معتقدا ان جوهر الامور هو الاختلاف و النزاع، و لا ابداع بدونهما، متهما في نفس الوقت هابرماس بانه يدافع عن مشروع الحداثة المؤسس على فكر الانواريين و يسعى الى بناء خطاب فلسفي يتخد الاجماع هدفا له؛ بينما يعتبر ليوطار الحداثة خطابا متجاوزا تظل كل محاولة لرد الاعتبار له محاولة يائسة. ان جوهر الابداع و التطور، في اعتقاد ليوطار، هو الاختلاف و ليس الاجماع (5).
اي دور للفلسفة في فعل التواصل ؟
ما مهمة الفلسفة عند هابرمس، فيلسوف التواصل، في زمن التحولات الكبرى؛ على صعيد الفلسفة و على صعيد الخارطة الجيوسياسية العالمية عقب سقوط حائط برلين و انهيار الايديولوجيات الكبرى؟
حمل هابرمس حملة شعواء على الميتافيزيقا تستعيد تقليد مدرسة فرنكفورت بهذا الخصوص حيث التأكيد على انه ليس من شأن الفلسفة اليوم ان تتأمل في معرفة المطلق ، بل عليها ان تقلع عن التفكير فيه. و هو يتهم التيارات الفلسفية المختلفة التي عاصرها بتفاوتها مع اللخطة التاريخية لالمانيا. و قد تبلور لديه، انطلاقا من ذلك، ما يمكن تسميته فكرا ما بعد ميتافيزيقيا.
اعتقد هابرماس ان الفلسفة المطلقة كانت تشكل عائقا امام تطور العقلانية حين تصورت انها تمتلك الحقيقة و العقلانية التي يريدها هابرماس في المجتمع المعاصر، مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية ليست عقلانية مطلقة، تدعى الفلسفة بناءها لوحدها بل عقلانية تواصلية نقدية اجرائية مندمجة في العالم المعيش. و لتوسيع هامش هده العقلانية الجديدة و بلورتها، انتقد الاتجاهات الوضعانية الجديدة المعجبة بالعلم الى حد تأليهه. و هو ما خصص له كتابين هما :
– العلم و التقنية كايديولوجيا؛
– المعرفة و المصلحة (6)
و الملاحظ ان نقد الوضعانية تقليد متواتر لدى اعضاء مدرسة فرانكفورت. فقد سبق لهربرت ماركوزه أن خصص صفحاث رائعة في كتابه العقل و الثورة لمناقشة اوحسنت كونت و نقد الوضعانية الكلاسيكية؛ كما افرد كتاب الانسان ذو البعد الواحد لنقد التقنية و التيارات المعجبة بها و بالعلم…
يؤكد هابرماس ان الفلسفة لا يمكنها ان تكون علوما حقة مثلما يدعى الوضعانيون و ما تأكيده المتكرر على خصوصية العلوم الانسنانية سوى محاولة لابعاد شبح التطرف العلمي الوضعاني عنها؛ و سحب البساط من تحت اقدام العقل التقني بغية بلورة نظرية فلسفية نقدية تعمل على تحرير الانسنان و تحرير محيطه من هيمنةالعلم و التقنية؛ انها نظرية تقرن النظر بالعمل؛ اذ في المصلحة التحريرية و الانعتاقية للانسان تجد الفلسفة مكانها، حسب هابرماس. فعلى الفلسفة مسؤولية التصدي لكل هيمنة تقنية تعمل على تشييئ الانسان و تحويله الى سلعة. بذلك ستسعى الفلسفة الى خلق حوار داخل مجتمع خال من الهيمنة، و تلعب دورا بارزا في ازالة كل الآثار التي شوهت الحوار الذي بامكانه ان يوصل النوع البشري الى مستوى النضج و الرشد و يعني هذا، من بين ما يعنيه ان مستقبل الفلسفة يظل رهينا بالممارسة السياسية (7). خصوصا و ان الانسانية تعيش في ظل اوضاع تتسم بالتطور الاقتصادي و العلمي و التقني، اي نعيش في ظل اوضاع تتسم بتسييس العلم و التقنية و علمية السياسة، و منح صلاحية اتخاد القرارات الكبرى للتقنوقراط.
هكذا يتبين ان نظرية التواصل عند هابرماس انبنت على موقف جديد من الفلسفة، يعيد تحديد مهامها و اهدافها بحيث تندمج في افق نقدي جديد فتلعب دورا ايجابيا و فعالا ضمن مباحث اخرى كعلم الاجتماع و مجمل العلوم الانسانية في اطار تكاملي، و ليس في اطار الهيمنة على تلك العلوم. و بذلك ابتعد هابرماس عن كنط و هيغل و هذا ما عنيناه في البداية بابتعاده عن فلسفة الوعي.
عندما ترجم كتابه العمدة نظرية الفعل التواصلي الى الفرنسية، و ضع له مقدمة اعلن فيها انه لا يريد صياغة نظرية جامعة مانعة، بل سيكتفي باقتراح العناصر النظرية الضرورية التي تساعد الفلسفة على اعادة النظر في ذاتها و فهم ذاتها و ذلك بالدخول في تعاون مع العلوم الاجتماعية على قاعدة الاهمية التي تحظى بها هذه الاخيرة في النظرية النقدية.
بذلك اطلق هابرماس الفلسفة من عقالها الميتافيزيقي و اخرجها الى الفضاء العمومي . و هذا الاخير مفهوم جديد اهتم به هابرماس في كتاباته الفلسفية كرديف و مرادف للممارسة اي التأثير الذي يمكن ان تقوم به الفلسفة في الفضاء العام و المجتمع المعاصر لانها مطالبة بان تلعب ادوارا مخالفة لتلك التي لعبتها في المجتمعات السابقة. لم يعد بمقدور الفلسفة ادعاء الشمولية او التأسيس (هيغل – كنط)؛ بل هي ملزمة بان تنخرط في هموم المجتمع كالديمقراطية اذ لا فضاء عمومي سليم لا تعمه الديمقراطية و اخلاقيات الحوار و يتمتع بحقوق الانسان كما ينبذ العنف.
من هذا المنظور قام هابرماس بمحاورة ابرز الفلسفات الالمانية التي عاصرها. و في هذا السياق قام بما اسماه اعادة البناء النقدي للمادية التاريخية مستلهما في ذلك التراث النقدي لمدرسة فرانكفورت، و تراث عصر الانوار. و قد ضمن تلك العملية كتابا سماه : ما بعد ماركس (8) اكد فيه ان الماركسية لم تستنفد كل طاقاتها و امكاناتها التحفيزية بوصفها فلسفة تحررية؛ و المطلوب، في اعتقاده، هو جعلها تساير عصرها و لا تتخلف عنه. ان هذا الامر يعني بالنسبة لهابرماس اعادة تأهيل الماركسية لكي تساير متطلبات المجتمع الالماني ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ و هو ما اقتضى تطعيمها بعدة مفاهيم مستقاة من نظرية الفعل التواصلي يقول :”رغم ان نظرية التواصل وظيفة حل المسائل ذات الطابع الفلسفي و التي تهم ابستمولوجيا العلوم الاجتماعية و اسسها فاني ارى لها علاقة وثيقة جدا بالمسائل التي تطرحها نظرية التطورالاجتماعي” (9).
في هذا السياق تساءل هابرماس: كيف يكون الفعل الاجتماعي التواصلي ممكنا؟ اشرنا آنفا الى ما يسمى في تطور هابرماس الفكري بالمنعطف اللساني؛ نشير الى انه حصل بتأثير من غادمير H.G. Gadmer عليه خصوصا في الاعتقاد بان منطق العقلانية الاجتماعية يتجلى في اللغة اليومية الطبيعية، ان هذه الاخيرة هي عماد كل تفاعل اجتماعي سيتحول اهتمامه عندئد نحو مبحث اللغة و التداول الذي ظل الغائب الاكبر في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، مع جيلها الاول.
و هذا ما قاده الي تحويل علم الاجتماع و نظريته الاجتماعية الى فلسفة للتواصل(10). لهذا تبنى الاطروحة التداولية في اللغة لكل من اوستين و فتغنشتين. و بذلك انتقل من فلسفة المعرفة بمعناها الكلاسيكي الى فلسفة التواصل. و هو انتقال حصل بتزامن مع انعطافه اللساني؛ تجلى واضحا مع صدور كتابه المعرفة و المصلحة في مطلع السبعينات، اضافة الى مجموعة مقالات نشرها مجتمعة بعد صدور كتابه نظرية الفعل التواصلي (1981)، و كان ذلك سنة 1984.
يعتقد هابرماس ان الفكر ما بعد الميتافيزيقي هو مفتاح الانعطاف نحو الاهتمام باللغة و التواصل كما ان التحول من فلسفة المعرفة الى فلسفة التواصل ينطوي على تجاوز لفلسفة الذات و الوعي بمختلف اشكالها و وجوهها رغبة في بناء فلسفة تواصلية مؤسسة على مبدأ البيذاتية INTERSUBJECTIVITE الذي تعد اللغة احد مكوناته الاساسية؛ و في هذا السياق كان اهتمام هابرماس بالتداولية و نظريات الافعال اللغوية…..
*******************************************
ان المدخل الى فلسفة التواصل لدى هابرماس هو نقد فلسفة الذاتية، و هو نقد اتخذ طابعا راديكاليا حينما انفتح على رؤوس الفلسفة التحللية امثال فتغنشتين و اوستين و سورل… فقد اعتبران التقليد الديكارتي طبع تاريخ الفلسفة بان حول المعرفة الى عملية تتم بين ذات و موضوع (11).
ان المذهب الذي يقترحه هابرماس بديلا لفلسفة الذات هو الفلسفة العقلانية التواصلية نظرا لأنها تقوم على العلاقة بين الذوات كما تسعى الى ضبط علاقة الفرد بالغير و اخضاع العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية داخل المجتمع الى اخلاقيات النقاش و الحوار بوصفه مدخلا لكل تعاقد اجتماعي يحتكم اليه الجميع لذا و بعيدا عن كل استحضار لعقل خالص، يسعى هابرماس الى تأسيس عقلانية تواصلية لا صلة لها بالميتافيزيقا. ان كل عقل هو عقل بيذاتي اي حصيلة تفاعل بين الذوات داخل المجتمع.
بسبب الدور الذي لعبته الاتجاهات التحليلية في الفلسفة، و بسبب ما اتت به النظرية التداولية، فرضت هذه الاخيرة نفسها كبعد ثالث مكمل للتركيب و الدلالة. و في هذا الصدد ساهمت اعمال اوستين في كشف الغطاء عن الابعاد التداولية للغة؛ و بذلك تحولت التداولية الى مبحث جديد يولي عناية كبرى للشروط خارج اللغوية، المتعلقة بالسياق و الاعراف التفاهمية و مقاصد المتكلمين…
هابرماس مدين لهذا المبحث في تحوله الى فلسفة التواصل و في هجرانه لنظرية المعرفة و الايديولوجيا…
لقد املى هذا الانفتاح على التداولية، مشروع هابرماس الرامي الى بناء عقلانية في المجتمع المعاصر؛ و هو امر لا يتحقق دون ضمان شروط التفاهم باعتبارها تضمن نجاح الممارسة التواصلية اليومية.
و تتمثلل أهمية التداولية، بالنسبة لهابرماس، في ابراز الشروط الممكنة للتفاهم او ما سماه بالفعل التواصلي. و لتحقيق التفاهم كان انعطاف هابرماس اللساني باعتبار اللغة وسيطا بين الذوات عبره يتحقق التفاهم داخل المجتمع و على هذا الاساس اهتم بالافعال الكلامية على طريقة اوستين و سورل و سعيا لبلوغ هذا المرمى، حدد هابرماس للتداولية المهام التالية:
1- وصف الاشياء بواسطة اللغة؛
2- التعبير عن مقاصد المتكلم؛
3- تأسيس علاقات بيذاتية بين المتكلمين المتحاورين.
و كل عملية تواصلية لا تقوم لها قائمة، في تصور هابرماس، دون توفر هذه الشروط – الدعاوى و الالتزام بها؛ بذلك تتم العملية الحوارية من دون اكراه أو ضغط. و في هذا الصدد يقول في منطق العلوم الاجتماعية: “يتعين على كل متكلم ان يختار تعبيرا مفهوما واضحا لكي يتمكن المتكلم و المستمع من التفاهم فيما بينهما، اذ يجب على المتكلم ان يكون لديه قصد تبليغ مضمون قضوي حقيقي لكي يتمكن المستمع من مشاطرته معرفته، كما عليه ايضا ان يفصح عن مقاصده لكي يتمكن المخاطب من تصديق اقواله. و أخيرا يتعين على المتكلم اختيار عبارات صحيحة تلتزم حدود المعايير و المقاييس الجاري بها العمل لكي يتمكن المخاطب من قبول تلك العبارات بكيفية تجعل المتكلم و المخاطب في وضعية تؤهلهما للاتفاق” (12)
على هذا النحو تستطيع الذوات المتفاعلة تحقيق التفاهم. و قد اعتبر هابرماس ان نظرية الافعال اللغوية واعدة في هذا الصدد. خصوصا و ان هابرماس ينظر الى اللغة لا في بعدها المعرفي كما يفعل تشومسكي، بل في بعدها التواصلي و الاستعمالي التداولي متسائلا عن شروط الممارسة الاجتماعية القائمة على التداول السليم لشروط التداول المثالي للغة.
وجدها برماس في نظرية الافعال اللغوية سندا و دعما لنظريته في الفعل التواصلي، فاذا كان اوستين قد ربط اللغة و المعنى بالبسياق، فان هابرماس سيدمج آراء اوستين و سورل في نظرية الفعل التواصلي، معتبرا انه ما دام الفعل التواصلي موجها نحو التفاهم، فان الفعل الكلامي ينبغي الحكم عليه باعتباره حكما مقبولا عندما- يحصل ذلك التفاهم (13).
ما المقصود بالعقلانية التواصلية؟
يعتبرها برماس هذه العقلانية سمة من سمات الفكر ما بعد الميتافيزيقي؛ و يطلق عليها أحيانا العقلانية الاجرائية، أي المتجسدة في الممارسة الحجاجية.
هذا و يخلص هابرماس الى التمييز بين فعل تواصلي قوي، و فعل تواصلي ضعيف، و هو تمييز اتى في كتابه الحقيقة و التبرير (14).
و يستنتج من مجمل التفصيلات التي قدمها بخصوص الفرق بينهما انه استثمر مباشرة نظرية الافعال اللغوية في نظرية الفعل التواصلي، حيث انه ربط الفعل التواصلي القوي بشكل كبير بالفعل الانجازي و بالاستخدام التواصلي للغة المتصل مباشرة بالعالم الاجتماعي المرتكز الى العالم المعيش و المتكون من القيم و المعايير المشتركة بين الفاعلين في المجتمع. و عليه فان هذا النموذج العقلاني التواصلي يسعى الى تحقيق التفاهم و الاتفاق بين افراد الجماعة التواصلية بخصوص قضايا معينة، لان تحقيق هذا التفاهم يعد احد تجليات نجاح الفعل الكلامي عند هابرماس.
لذا فجوهر الفعل التواصلي العقلاني هو الفعل التواصلي القوي باعتبار هذا الاخير محايثا للعقلانية التواصلية و التي يكون المشتركون فيها متوفرين على فرصة امكانية النقد، نقد لادعاءات مخاطبيهم عكس ما في الفعل التواصلي الضعيف.
من خلال هذه الاهمية التي اضحت للتخاطب في الدراسات اللسانية المعاصرة المهتمة بالتواصل، ارتبطت العقلانية التواصلية في الفكر ما بعد الميتافيزيقي، لدى هابرماس، بالتواصل الى حد انه تم الربط بين العقلانية و المستوى التواصلي في الكلام.
في هذا السياق، انشغل هابرماس بسؤال الاخلاق، لكن لا في بعده الميتافيزيقي، بل في بعده التواصلي، اذ معه سيدشن ما اصطلح عليه اخلاقيات النقاش. و يشكل ذلك منعطفا بارزا في تفكيره، ضمنه كتابه الوعي الاخلاقي و الفعل التواصلي(15) بين فيه ان هدفه هو توظيف منطق نظرية الفعل التواصلي قصد بلورة نظرية الفعل التواصلي انطلاقا من اخلاقيات النقاش او الحجاج.
تقليد فلسفي الماني، يعدها برهامس و كارل اوتو آبل DISKURSETHIK اخلاقيات النقاش
من ابرز ممثليه. لكنه يضرب بجذوره ايضا في الفكر الانجلوسكسوني، KARL OTTO APEL
النقاش في R. RORTY و رتشارد رورتي J.RWALS و الامريكي بالذات مع جون رولز
اخلاقيات المناقشة. لا ينظر اليه هابرماس على انه موضوع للتنظيم بل يعتبره منهجا او اجراء يسمح بتحديد معايير عادلة لزاوية النظر الاخلاقية. لذا لم يدع هابرماس الى وضع معايير لاخلاقيات النقاش، تكون نابعة من الذات عل نحو ما فعل كنط و التقليد الفلسفى عامة؛ انه سعى الى جعلهت نظرية تبحث في الطرق و الاجراءات السلمية التي تمكن الذات المتفاعلة فيما بينها من التواصل عبر الحوار الى صياغة تلك المعايير الاخلاقية (16).
هذا ما جعل بعض المهتمين بافكار هابرماس، يذهبون الى اعتبار اخلاقيات النقاش تأسيسا للمجتمع المدني؛ جان كوهان، على سبيل المثال، يذهب الى ان تلك الاخلاقيات تمثل نظرية سياسية تعمل على التأسيس لمجتمع ديمقراطي مدني يستوعب التعدد و يكرس الحوار (17). رفض هابرماس هذا الاختزال السياسي لأخلاقيات النقاش معتقدا انها نظرية في التواصل ،على وجه العموم، و قد يكون البعد السياسي أحد ابعادها.
ان السؤال الاساسي لتلك الاخلاقيات هو على اي مرتكز يمكن تأسيس المعايير و الاوامر؟
المعايير الاخلاقية هي تلك التي يقبلها اعضاء الجماعة التواصلية المعنيون بها بحيث تراعي مصالحهم المشتركة و يكون لها طابع كوني (18).
بهذا المعنى يغدو النقاش العملي اداة ذات مكانة جوهرية في سن المعايير و تبريرها، لان التبرير عملية بيذاتية تداولية غير منفصلة عن الاجتماع؛ كما انه وسيلة ملائمة لتأسيس تصور مجتمع حداثي في عصرنا هذا، عصر تراجع دور التقليد و العادات في شد اواصر العلاقات الاجتماعية؛ عصر تعدد المعتقدات و الاعراف و التجمعات داخل نفس المجتمع؛ عصر تصاعد النزاعات الدولية مما يهدد الاستقرار و السلم العالميين؛عصر تصاعد المصالح التجارية و الاقتصادية؛ عصر الاستغلال المفرط للبيئة و تفاقم الاحتباس الحراري الكوني…..
من هنا تأتي اهمية اخلاقيات النقاش و الحوار، فمعاييرهما هي ما قد يكفل التوازن الدولي و يدعم تنمية المجتمعات. ذاك هو رهان اخلاقيات النقاش شريطة اجماع الكل على قواعد و معايير و ضوابط يلتزم بها المتحاورون في اطار فعل تواصلي.
هذا و قد دعم هابرماس اطروحته هذه بالنظرية الحجاجية فاستمد منها القواعد الصورية التي يجب على المتحاورين الالتزام بها قصد تحقيق الاجماع او اتفاق العقول. و بانفتاحه على النظريات الحجاجية، كان هابرماس يهدف الى تأسيس مبدأ استدلالي في اخلاقيات النقاش، يتشبه بذلك الموجود في العلوم الحقة (19).
و القواعد التي اقترحها هابرماس هي التالية:
1- لكل من هو قادر على الكلام و الفعل نصيب كامل في النقاش؛
2- لكل الحق في اثارة اي اشكال او اعتراض على أي تأكيد كيفما كان؛ يندرج ضمن هذا الحق حق الاعتقاد في آراء ما و التعبير عنها؛
3- لا يحق منع اي كان منن المتحاورين من النقاش و لا استعمال اسلوب الاكراه عليه (20).
تفترض جميع هذه القواعد المشاركة و الندية بين المتحاورين: لكل الحق في ان يدلي بدلوه و يفصح عما عنده دون تضييق او مضايقة قصد تحقيق الاجماع.
اضافة الى القواعد السالفة، زاد قاعدتين اخريين في صيغة افتراضيين مفادهما ان الدعاوى المعيارية للصلاحية تتضمن معنى معرفيا و يجوز التعامل معها بوصفها دعاوى للحقيقة؛ لذا ضرورة الدخول في نقاش حقيقي لتأسيس المعايير و الاوامر اعتمادا على العقل المتواصل المتحاور و ليس على العقل الفردي (21). و تعني صفة المعرفية ان الشيء قابل للقبول أو الرفض خلال عملية الحوار التي هي اخذ و رد.
ان التركيز في اخلاقيات النقاش على اهمية الحجة و الحجج في صياغة المعايير الاخلاقية و الاجتماعية دفع البعض الى القول بان اخلاقيات النقاش ما هي، في حقيقة امرها، سوى تداولية فلسفية صيغت على شكل منعطف لساني تداولي اساسه التشديد على اهمية القوة غير القسرية للحجة الاقوى.
يبدو ان اخلاقيات النقاش عند هابرماس تهتم بالمعايير، معايير الفعل التواصلي، و هو امر لن يتم، بالنسبة لهابرماس الا في اطار الدولة الدستورية، حيث يكون بامكان المواطنين المشاركين في سياسة تشاورية ان يصلوا الى تأسيس معايير تحظى باحترام الجميع و قبولهم (22).
فالمعايير ليست قرارات شخصية، بل هي مؤسسة على امكانية تبريرها تبريرا عقلانيا اعتمادا على عملية حوارية حجاجية (23). لذا فخلافا للتمييز اللفظي الشهيلر بين العقل الخالص و العقل العملي، يعمد هابرماس الى دمجهما في بعضهما؛ اي ان صلاحية المعايير الاخلاقية يحكمها تصور عملي ذو صلة بممارسة النقاش و الحجاج اي تقوم في الواقع على الاعتراف بالمعيار في اطار نقاش يعترف ضمنيا به و تقبله جميع اطراف الحوار ثم ان ما يهم هابرماس هو سن معايير كونية قادرة على حل المشكلات التي فيها تتخبط البشرية و تعمق ثقافة السلام بين الامم و الشعوب.
و عليه فان اخلاقيات النقاش، هي في العمق، اخلاقيات المسؤولية؛ و هذا ما اكد عليه زميل هابرماس و . و الحقيقة ان اخلاقيات المسؤولية تحولت في KARL OTTO APEL رفيقه في الدرب كارل اوتو آبل
الآونة الاخيرة الى تقليد فلسفي في ألمانيا؛ و هي من ابداع الفيلسوف الالماني هانز يوناش
في كتاب شهير له يدعى مبدأ المسؤولية له عنوان فرعي هو: اخلاقيات الحضارة HANS JONAS
التكنولوجية (24). يريد صاحب هذا الكتاب بهذه الاخلاقيات ان تكون بديلا للاخلاقيات التقليدية الميتافيزيقية و ان تكون أخلاق المستقبل نظرا للتحديات التي افرزها العلم في الآونة الراهنة التي لم تعد فيها البشرية منكبة على حل مشكلاتها الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية فحسب، بل انضافت لها مشكلات البيئة و التلوث و الانحباس الحراري…. اي ما انتبه الية تقرير نادي روما لسنة 1972. لذا سيعمل كارل اوتو ابل على دعم اخلاقيات النقاش بما ورد في مبدأ المسؤولية، في اطارحواري تواصلي يدعو الى تجند جميع الاطراف للتفاهم حول سبل مواجهة الخطر المحيق بالبشرية (25).
يمثل الارتباط الذي اقامه ابل بين النقاش و المسؤولية تصورا مخالفا لتصور يوناش الذي يربط المسؤولية بالذات على الطريقة الكنطية؛ بينما يجعل ابل المسؤولية عبر النقاش مسؤولية جماعية مشتركة؛ اي ان كل عضو في جماعة التواصل يتحمل جانبا من المسؤولية فيما يحدث حالا او مآلا و لا يستثني احد من المسؤولية، فالامر يتعلق اليوم ،حسب ابل، “بتنظيم، و في اطار نقاش عملي، تنظيم مسؤولية للتضامن ازاء الافعال الجماعية “(26).
ثمة،اذن، بعد سياسي لا ينكر في نظرية هابرماس و زميله كارل اوتو ابل لاخلاقيات النقاش خصوصا حينما ربطاها بمبدأ المسؤولية. بمعنى ان الجميع مطالب بان يتحمل مسؤوليته التاريخية في وضعية عالمية لم تعهدها البشرية من قبل كما لا يمكن تصور نتائجها على الاجيال المقبلة (27).
و ليس الهاجس،هنا، هاجسا فلسفيا او ميتافيزيقيا، بل هو هاجس تواصلي؛ و قد اوضح هابرماس ذلك بصيغة لا لبس فيها حينما قال:” لقد شرعنا في السنين الاخيرة، انا و زميلي كارل اوتو ابل في محاولة اعادة صياغة ما نسميه تأسيس المعايير،اي الاخلاق الكنطية، اعتمادا على وسائل مستمدة من نظرية التواصل” (28). ذلك ان المشاركين في النقاش او المتناظرين هم اناس واقعيون تختلف رغباتهم و دوافعهم و مصالحهم مما يعطى للنقاش قيمته.
خاتمة
يمكننا ان نستشف من افكار هابرماس بخصوص اخلاقيات النقاش ، و الفعل التواصلي انهما مبحثان مترابطان استند فيهما الى معطيات المنعطف اللساني و كذا الى النزعة الليبرالية للفيلسوف الامريكي رولز؛ ان انهما مبحثان لهما امتداد في الحقل السياسي.
فنظرية الديمقراطية التشاورية التي كرس لها هابرماس اعماله المتأخرة، ابتداء من التسعينات، تعد اهم انجاز في ميدان الفلسفة السياسية المعاصرة. و تعد نظرية الديمقراطية التشاورية توسيعا لمجال الفعل التواصلي؛ اذ لا يمكن فصل التشاور عن هذا الفعل التواصلي الذي نظر له هابرماس قبل اخلاقيات النقاش.
بعد كتاب نظرية الفعل التواصلي (1981) ثم بعد الانشغال باخلاقيات النقاش سيصدر هابرماس كتاب الديمقراطية التشاورية و قد اراد منه ان يكون بديلا للديمقراطية الليبرالية التي دافع عنها رولز في كتاب نظرية العدالة.
ان الفكرة المحورية لمشروع هابرماس في كتابه هي تأسيس الديمقراطية على اساس جماعة متواصلة خالية من اية هيمنة عدا هيمنة افضل حجة.كما ان مفهوم التشاور المرتبط باخلاقيات يعد مفهوما مركزيا لديه. ففي التشاور يعطى لكل عضو في الجماعة الحق في الكلام و الفعل بخصوص القضايا السياسية و…المطروحة في الفضاء العمومي. و في ظل ذلك النقاش العقلاني المؤسس يتشكل الرأي العام و الارادة السياسية العامة للمواطنين في المجتمع الديمقراطي الذي يلعب فيه التشاور دورا مركزيا.
هكذا تمثل مساهمات هابرماس في مجال الفلسفة السياسية و خاصة في نظرية الديمقراطية التشاورية مساهمة نوعية تندرج في اطار نقد اشكال الانظمة الكليانية كالنازية…
يقوم نموذج الديمقراطية التشاورية على الرغبة في تجاوز الليبرالية المتوحشة و النزعات الكليانية. فالتضامن هو اساس الاندماج الاجتماعي في الدمقراطية التشاورية بصفة اعضاء المجتمع مواطنين في الدولة اي اصحاب الحق الاحرار المتساوين امام القانون.
فالنموذج التشاوري للديمقراطية، هو في اعتقاد هابرماس نموذج تواصلي. في هذا المنظور مفهوم السلطة. فاذا كان في كتاباته الاولى نحا على السلطة باللائمة معتبرا اياها مرادفا للهيمنة باعتبار ركيزتها هي المال و الاعلام؛ و هي كلها عوائق امام تحقيق التواصل الشفاف في المجتمع، فانه في اعماله COMMUNICATIVE POWER المتأخرة عدل موقفه بان تحدث عن السلطة التواصلية
التي اصبحت مفهوما متداولا في ارائه بخصوص الديمقراطية التشاورية. ان السلطة التواصلية سلطة غير قمعية و غير قهرية؛ ليس قوامها الاكراه و الهيمنة، لانها نابعة من الفعل الجماعي. انها التواصل السياسي عندما يغدو مؤسسات في دولة الحق و القانون (29).
يعكس مفهوم السلطة التواصلية محاولة من هابرماس لاعادة صياغة و تحديد نظرية التعاقد الاجتماعي عندل روسو بجعل العلاقة بين السلطة و المواطنين علاقة افقية بدل ان تكون عمودية، معتقدا بذلك ان هذا القلب هو ما يضمن ان تكون السيادة للفعل فعلا.
هكذا نلاحظ التحول الكبير الذي حصل في فلسفة التواصل لدى هابرماس من تأسيس التواصل على اللغة الى تأسيسه سياسيا؛ و هو تحول آتى في مطلع التسعينات من القرن المنصرم.
هوامش
1- بهذا الصدد انظر:
مانفريد فرانك، حدود التواصل، ترجمة عز العرب الحكيم بناني، الدارالبيضاء،2002، ص 15
2- J.Habermas, Theorie de l’agir communicationnel, Trad .JM. Ferry, Paris, 1987, T.1, p.9
3-Ibid, p.10
4- Ibid, p.417
5- مانفريد فرانك، حدود التواصل، مصدر آنف، ص 76 و 54
M.Franck, La condition post moderne, Paris, 1979.
6- J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, Trad .J .Ladmiral, Paris, 1973 ;
J.Habermas, Connaissance et intérêt, Trad. J .Ladmiral, Paris, 1976.
7- J.Habermas, Profils philosophiques et politiques , Trad .J .Ladmiral, Paris, 1974, p .45.
8- ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار، اللاذقية، 2002.
9- J.Habermas, Après Marx , Trad .J .Ladmiral, Paris, 1985, p .26-27.
10- M.Pusey, Jurgen Habermas, London, 1987, p.64.
11- J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, p .167.
12- J.Habermas, La logique des sciences sociales , Trad .Rochitz, Paris, 1987, p .331.
13-Ibid, p.430.
14- J.Habermas, Verité et justification, Trad .Rainer Roschlitz, Paris, 2001, p. 56.
15- J.Habermas, Morale et communication , Paris, 1986. (ed.Flammarion)
16- J.Habermas, L’Ethique de la discussion , Trad . M.Hungadi, Paris, 1992, p .35-36.
17- J.Cohen, Discourse ethics and civil society , in, civil society and political theory, London, 1999, p .219.
18- Davis, FJ, Discourse ethics and ethical realism, p.244.
19-J.Habermas, Morale et communication, p.108-110.
20- J.Habermas, Morale et communication, p.111.
21- نور الدين افاية، الحداثة و التواصل، بيروت- الدارالبيضاء، 1991، ص.206
22- J.Habermas, Verité et justification, Trad .R. Rochlitz, Paris, 2001, p. 206.
23-Ibid, p.206
24-H.Jonas, Principe de responsabilité : une éthique pour la civilisation technologique, Trad. J. Greich, Paris, 1990.
25- K.otto Apel, Discussion et responsabilité : l’ethique après Kant, 1996.
26- Ibid, p.30.
27- K.otto Apel, Discussion et responsabilité, Paris, 1998, p.39-56.
28- J.Habermas, Ethique de la discussion, op.cit, p.15.
29- J.Habermas, Droit et democratie, Trad .R. Rochlitz, Paris, 1997, p. 189.
أصبح مفهوم التواصل من المفاهيم المركزية المتداولة في الفلسفة المعاصرة. اذ لم يعد الاهتمام بالتواصل منحصرا في المجال التداولي المرتبط بتبادل المعلومات و تقنيات تبليغها و ايصالها، بل أصبح يشكل نظرية علمية و فلسفية مستقلة بذاتها. و تعد مرجعية هابرماس الفلسفية دليلا على هذا التحول. انها مرجعية استفادت من نظريات العلوم الاجتماعية التي كانت سباقة الى التمهيد لذلك التحول عندما ركزت على أن الأنا أو الهوية الذاتية هي حصيلة تفاعل رمزي مع الآخرين.
سنسلط الضوء، في هذه الورقة، على مشروع هابرماس الرائد، في الفلسفة النقدية الالمانية المعاصرة من خلال التركيز على الهم الذي حرك الرجل و هو: كيف يكون الاندماج الاجتماعي ممكنا؟ باعتباره الإشكال الذي اعتزمت فلسفة التواصل لدى هابرماس الإجابة عنه.
***
لا ينبغي الاعتقاد من عنوان هذه الورقة ان هابرماس يتناول مسألة التواصل كما لو كانت موضوعا فلسفيا، بالمعنى الحرفي للكلمة. بل يتناولها من منظور السوسيولوجيا أو علم الاجتماع، بوصفها فعلا اجتماعيا، لا فعلا له صلة كلية بالوعي الانساني. و بهذا المعنى يصح القول : ان هابرماس ينتصر للنظرية الاجتماعية على حساب فلسفة الوعي. اد ثمة فرق بين تناول التواصل من منظور الفاعل للتواصل، و بين تناوله كما لو كان فعل حوار او تحاور تتدخل فيه اطراف متعددة (1).
و بهذا الخصوص يعترف هابرماس بفضل علماء الاجتماع في بلورة هذا المنظور الجديد للتواصل قائلا:
“ان تحول المنظور الذي انتقل من الفعل الغائي الى الفعل التواصلي بدأ مع ميد و دوركهام. فهؤلاء الى جانب ماكس فيبر ينتمون الى جيل المؤسسين للسوسيولوجيا الحديثة” (2).
بهذا الخصوص، يحمل على نظريات اجتماعية يتهم تناولها للفعل التواصلي بالقصور و الاحادية الجانب، و يقصد هنا : النظرية الوظيفية…فطرق تناول مسألة التواصل لدى هده النظرية و شبييهاتها، لا تقدم، حسب هابرماس، رؤية واضحة لانها ظلت سجينة التصور الفلسفي الارسطي لمفهوم الفعل الغائي، او الموجه بغاية، و الذي يشكل احدى دعامات الفلسفية الارسطية.
ما المقصود بالفعل التواصلي لدى هابرماس ؟
يحدد هابرماس الافعال التواصلية على النحو التالي : ” هي تلك الافعال التي تكون فيها مستويات الفعل بالنسبة للفاعلين المنتمين الى العملية التواصلية غير مرتبطة (3) بحاجيات السياسة، بل مرتبطة بافعال التفاهم “. و لاتفاهم بدون لغة؛ و هذا ما يبرر كلام المهتمين بهابرماس عن المنعطف اللساني لديه، و الذي يشير اليه هو بنفسه. و هو ما دفعه الى ادخال اللغة كعامل لفهم العلاقات التواصلية. فلتعزيز تصوره للفعل التواصلي من اجل فهم افضل للعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع ذهب الى ان الفعل التواصلي يتميز عن غيره من الافعال الاخرى بأنه لا يسعى للبحث عن الوسائل التي تمكنه من التأثير في الغير، بل يبحث عن كيفية التوصل الى تفاهم معه و توافق متبادل دونما اكراه او قسر كيفما كان نوعهما.
ادا كان التفاهم الغاية القصوى للفعل التواصلي، فانه لا يمكن تصوره بين الاطراف المتحاورة الا بشروط من اهمها عدم تأثير طرف على آخر لان دلك لو حصل يِؤدي حتما الى فشل التواصل يقول هابرماس :
” ان نشاط التفاهم المتبادل يخضع لشرط اساس به يحقق المعنيون مشروعا لا تفاقهم المشترك…فهم يسعون لتفادي خطرين : يتمثل اولهما في فشل التفاهم المتبادل و سوء الفهم؛ بينما يتمثل الثاني في فشل مشروع الفعل و الاخفاق التام. فتنحية الخطر الاول شرط لابد منه لتلافي الثاني”
شتان اذن ما بين الاتفاق الذي هو سليل التفاهم، و التأثير الدي هو سليل الاكراه و الضغط، يتسم فيه الفعل التواصلي بالهيمنة. فالتفاهم صنو و رديف للفعل التواصلي من حيث انه يهدف الى تحقيق الاتفاق؛ و هو ما يطلق عليه هابرماس ايضا اسم الاجماع، اذ في ظل غياب هذا الاخير بين اطراف الفعل التواصلي، يفشل هذا الاخير. ثمة اذن شروط حجاج و مناظرة بدونها لا يتحقق الاجماع العقلاني. ذلك ان الاستعمال اللغوي اذا كان يتضمن حججا مبنية، فانه سيؤدي حتما الى تحقيق اتفاق مشترك. لان الهدف بالنسبة لهابرماس من الدخول في تحاجج، هو التوصل الى تواصل كامل.
عارض الفيلسوف الفرنسي المعاصر جون فرنسوا ليوطار J.F Lyotard مفهوم الاجماع لدى هابرماس معتقدا ان جوهر الامور هو الاختلاف و النزاع، و لا ابداع بدونهما، متهما في نفس الوقت هابرماس بانه يدافع عن مشروع الحداثة المؤسس على فكر الانواريين و يسعى الى بناء خطاب فلسفي يتخد الاجماع هدفا له؛ بينما يعتبر ليوطار الحداثة خطابا متجاوزا تظل كل محاولة لرد الاعتبار له محاولة يائسة. ان جوهر الابداع و التطور، في اعتقاد ليوطار، هو الاختلاف و ليس الاجماع (5).
اي دور للفلسفة في فعل التواصل ؟
ما مهمة الفلسفة عند هابرمس، فيلسوف التواصل، في زمن التحولات الكبرى؛ على صعيد الفلسفة و على صعيد الخارطة الجيوسياسية العالمية عقب سقوط حائط برلين و انهيار الايديولوجيات الكبرى؟
حمل هابرمس حملة شعواء على الميتافيزيقا تستعيد تقليد مدرسة فرنكفورت بهذا الخصوص حيث التأكيد على انه ليس من شأن الفلسفة اليوم ان تتأمل في معرفة المطلق ، بل عليها ان تقلع عن التفكير فيه. و هو يتهم التيارات الفلسفية المختلفة التي عاصرها بتفاوتها مع اللخطة التاريخية لالمانيا. و قد تبلور لديه، انطلاقا من ذلك، ما يمكن تسميته فكرا ما بعد ميتافيزيقيا.
اعتقد هابرماس ان الفلسفة المطلقة كانت تشكل عائقا امام تطور العقلانية حين تصورت انها تمتلك الحقيقة و العقلانية التي يريدها هابرماس في المجتمع المعاصر، مجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية ليست عقلانية مطلقة، تدعى الفلسفة بناءها لوحدها بل عقلانية تواصلية نقدية اجرائية مندمجة في العالم المعيش. و لتوسيع هامش هده العقلانية الجديدة و بلورتها، انتقد الاتجاهات الوضعانية الجديدة المعجبة بالعلم الى حد تأليهه. و هو ما خصص له كتابين هما :
– العلم و التقنية كايديولوجيا؛
– المعرفة و المصلحة (6)
و الملاحظ ان نقد الوضعانية تقليد متواتر لدى اعضاء مدرسة فرانكفورت. فقد سبق لهربرت ماركوزه أن خصص صفحاث رائعة في كتابه العقل و الثورة لمناقشة اوحسنت كونت و نقد الوضعانية الكلاسيكية؛ كما افرد كتاب الانسان ذو البعد الواحد لنقد التقنية و التيارات المعجبة بها و بالعلم…
يؤكد هابرماس ان الفلسفة لا يمكنها ان تكون علوما حقة مثلما يدعى الوضعانيون و ما تأكيده المتكرر على خصوصية العلوم الانسنانية سوى محاولة لابعاد شبح التطرف العلمي الوضعاني عنها؛ و سحب البساط من تحت اقدام العقل التقني بغية بلورة نظرية فلسفية نقدية تعمل على تحرير الانسنان و تحرير محيطه من هيمنةالعلم و التقنية؛ انها نظرية تقرن النظر بالعمل؛ اذ في المصلحة التحريرية و الانعتاقية للانسان تجد الفلسفة مكانها، حسب هابرماس. فعلى الفلسفة مسؤولية التصدي لكل هيمنة تقنية تعمل على تشييئ الانسان و تحويله الى سلعة. بذلك ستسعى الفلسفة الى خلق حوار داخل مجتمع خال من الهيمنة، و تلعب دورا بارزا في ازالة كل الآثار التي شوهت الحوار الذي بامكانه ان يوصل النوع البشري الى مستوى النضج و الرشد و يعني هذا، من بين ما يعنيه ان مستقبل الفلسفة يظل رهينا بالممارسة السياسية (7). خصوصا و ان الانسانية تعيش في ظل اوضاع تتسم بالتطور الاقتصادي و العلمي و التقني، اي نعيش في ظل اوضاع تتسم بتسييس العلم و التقنية و علمية السياسة، و منح صلاحية اتخاد القرارات الكبرى للتقنوقراط.
هكذا يتبين ان نظرية التواصل عند هابرماس انبنت على موقف جديد من الفلسفة، يعيد تحديد مهامها و اهدافها بحيث تندمج في افق نقدي جديد فتلعب دورا ايجابيا و فعالا ضمن مباحث اخرى كعلم الاجتماع و مجمل العلوم الانسانية في اطار تكاملي، و ليس في اطار الهيمنة على تلك العلوم. و بذلك ابتعد هابرماس عن كنط و هيغل و هذا ما عنيناه في البداية بابتعاده عن فلسفة الوعي.
عندما ترجم كتابه العمدة نظرية الفعل التواصلي الى الفرنسية، و ضع له مقدمة اعلن فيها انه لا يريد صياغة نظرية جامعة مانعة، بل سيكتفي باقتراح العناصر النظرية الضرورية التي تساعد الفلسفة على اعادة النظر في ذاتها و فهم ذاتها و ذلك بالدخول في تعاون مع العلوم الاجتماعية على قاعدة الاهمية التي تحظى بها هذه الاخيرة في النظرية النقدية.
بذلك اطلق هابرماس الفلسفة من عقالها الميتافيزيقي و اخرجها الى الفضاء العمومي . و هذا الاخير مفهوم جديد اهتم به هابرماس في كتاباته الفلسفية كرديف و مرادف للممارسة اي التأثير الذي يمكن ان تقوم به الفلسفة في الفضاء العام و المجتمع المعاصر لانها مطالبة بان تلعب ادوارا مخالفة لتلك التي لعبتها في المجتمعات السابقة. لم يعد بمقدور الفلسفة ادعاء الشمولية او التأسيس (هيغل – كنط)؛ بل هي ملزمة بان تنخرط في هموم المجتمع كالديمقراطية اذ لا فضاء عمومي سليم لا تعمه الديمقراطية و اخلاقيات الحوار و يتمتع بحقوق الانسان كما ينبذ العنف.
من هذا المنظور قام هابرماس بمحاورة ابرز الفلسفات الالمانية التي عاصرها. و في هذا السياق قام بما اسماه اعادة البناء النقدي للمادية التاريخية مستلهما في ذلك التراث النقدي لمدرسة فرانكفورت، و تراث عصر الانوار. و قد ضمن تلك العملية كتابا سماه : ما بعد ماركس (8) اكد فيه ان الماركسية لم تستنفد كل طاقاتها و امكاناتها التحفيزية بوصفها فلسفة تحررية؛ و المطلوب، في اعتقاده، هو جعلها تساير عصرها و لا تتخلف عنه. ان هذا الامر يعني بالنسبة لهابرماس اعادة تأهيل الماركسية لكي تساير متطلبات المجتمع الالماني ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ و هو ما اقتضى تطعيمها بعدة مفاهيم مستقاة من نظرية الفعل التواصلي يقول :”رغم ان نظرية التواصل وظيفة حل المسائل ذات الطابع الفلسفي و التي تهم ابستمولوجيا العلوم الاجتماعية و اسسها فاني ارى لها علاقة وثيقة جدا بالمسائل التي تطرحها نظرية التطورالاجتماعي” (9).
في هذا السياق تساءل هابرماس: كيف يكون الفعل الاجتماعي التواصلي ممكنا؟ اشرنا آنفا الى ما يسمى في تطور هابرماس الفكري بالمنعطف اللساني؛ نشير الى انه حصل بتأثير من غادمير H.G. Gadmer عليه خصوصا في الاعتقاد بان منطق العقلانية الاجتماعية يتجلى في اللغة اليومية الطبيعية، ان هذه الاخيرة هي عماد كل تفاعل اجتماعي سيتحول اهتمامه عندئد نحو مبحث اللغة و التداول الذي ظل الغائب الاكبر في النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، مع جيلها الاول.
و هذا ما قاده الي تحويل علم الاجتماع و نظريته الاجتماعية الى فلسفة للتواصل(10). لهذا تبنى الاطروحة التداولية في اللغة لكل من اوستين و فتغنشتين. و بذلك انتقل من فلسفة المعرفة بمعناها الكلاسيكي الى فلسفة التواصل. و هو انتقال حصل بتزامن مع انعطافه اللساني؛ تجلى واضحا مع صدور كتابه المعرفة و المصلحة في مطلع السبعينات، اضافة الى مجموعة مقالات نشرها مجتمعة بعد صدور كتابه نظرية الفعل التواصلي (1981)، و كان ذلك سنة 1984.
يعتقد هابرماس ان الفكر ما بعد الميتافيزيقي هو مفتاح الانعطاف نحو الاهتمام باللغة و التواصل كما ان التحول من فلسفة المعرفة الى فلسفة التواصل ينطوي على تجاوز لفلسفة الذات و الوعي بمختلف اشكالها و وجوهها رغبة في بناء فلسفة تواصلية مؤسسة على مبدأ البيذاتية INTERSUBJECTIVITE الذي تعد اللغة احد مكوناته الاساسية؛ و في هذا السياق كان اهتمام هابرماس بالتداولية و نظريات الافعال اللغوية…..
*******************************************
ان المدخل الى فلسفة التواصل لدى هابرماس هو نقد فلسفة الذاتية، و هو نقد اتخذ طابعا راديكاليا حينما انفتح على رؤوس الفلسفة التحللية امثال فتغنشتين و اوستين و سورل… فقد اعتبران التقليد الديكارتي طبع تاريخ الفلسفة بان حول المعرفة الى عملية تتم بين ذات و موضوع (11).
ان المذهب الذي يقترحه هابرماس بديلا لفلسفة الذات هو الفلسفة العقلانية التواصلية نظرا لأنها تقوم على العلاقة بين الذوات كما تسعى الى ضبط علاقة الفرد بالغير و اخضاع العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية داخل المجتمع الى اخلاقيات النقاش و الحوار بوصفه مدخلا لكل تعاقد اجتماعي يحتكم اليه الجميع لذا و بعيدا عن كل استحضار لعقل خالص، يسعى هابرماس الى تأسيس عقلانية تواصلية لا صلة لها بالميتافيزيقا. ان كل عقل هو عقل بيذاتي اي حصيلة تفاعل بين الذوات داخل المجتمع.
بسبب الدور الذي لعبته الاتجاهات التحليلية في الفلسفة، و بسبب ما اتت به النظرية التداولية، فرضت هذه الاخيرة نفسها كبعد ثالث مكمل للتركيب و الدلالة. و في هذا الصدد ساهمت اعمال اوستين في كشف الغطاء عن الابعاد التداولية للغة؛ و بذلك تحولت التداولية الى مبحث جديد يولي عناية كبرى للشروط خارج اللغوية، المتعلقة بالسياق و الاعراف التفاهمية و مقاصد المتكلمين…
هابرماس مدين لهذا المبحث في تحوله الى فلسفة التواصل و في هجرانه لنظرية المعرفة و الايديولوجيا…
لقد املى هذا الانفتاح على التداولية، مشروع هابرماس الرامي الى بناء عقلانية في المجتمع المعاصر؛ و هو امر لا يتحقق دون ضمان شروط التفاهم باعتبارها تضمن نجاح الممارسة التواصلية اليومية.
و تتمثلل أهمية التداولية، بالنسبة لهابرماس، في ابراز الشروط الممكنة للتفاهم او ما سماه بالفعل التواصلي. و لتحقيق التفاهم كان انعطاف هابرماس اللساني باعتبار اللغة وسيطا بين الذوات عبره يتحقق التفاهم داخل المجتمع و على هذا الاساس اهتم بالافعال الكلامية على طريقة اوستين و سورل و سعيا لبلوغ هذا المرمى، حدد هابرماس للتداولية المهام التالية:
1- وصف الاشياء بواسطة اللغة؛
2- التعبير عن مقاصد المتكلم؛
3- تأسيس علاقات بيذاتية بين المتكلمين المتحاورين.
و كل عملية تواصلية لا تقوم لها قائمة، في تصور هابرماس، دون توفر هذه الشروط – الدعاوى و الالتزام بها؛ بذلك تتم العملية الحوارية من دون اكراه أو ضغط. و في هذا الصدد يقول في منطق العلوم الاجتماعية: “يتعين على كل متكلم ان يختار تعبيرا مفهوما واضحا لكي يتمكن المتكلم و المستمع من التفاهم فيما بينهما، اذ يجب على المتكلم ان يكون لديه قصد تبليغ مضمون قضوي حقيقي لكي يتمكن المستمع من مشاطرته معرفته، كما عليه ايضا ان يفصح عن مقاصده لكي يتمكن المخاطب من تصديق اقواله. و أخيرا يتعين على المتكلم اختيار عبارات صحيحة تلتزم حدود المعايير و المقاييس الجاري بها العمل لكي يتمكن المخاطب من قبول تلك العبارات بكيفية تجعل المتكلم و المخاطب في وضعية تؤهلهما للاتفاق” (12)
على هذا النحو تستطيع الذوات المتفاعلة تحقيق التفاهم. و قد اعتبر هابرماس ان نظرية الافعال اللغوية واعدة في هذا الصدد. خصوصا و ان هابرماس ينظر الى اللغة لا في بعدها المعرفي كما يفعل تشومسكي، بل في بعدها التواصلي و الاستعمالي التداولي متسائلا عن شروط الممارسة الاجتماعية القائمة على التداول السليم لشروط التداول المثالي للغة.
وجدها برماس في نظرية الافعال اللغوية سندا و دعما لنظريته في الفعل التواصلي، فاذا كان اوستين قد ربط اللغة و المعنى بالبسياق، فان هابرماس سيدمج آراء اوستين و سورل في نظرية الفعل التواصلي، معتبرا انه ما دام الفعل التواصلي موجها نحو التفاهم، فان الفعل الكلامي ينبغي الحكم عليه باعتباره حكما مقبولا عندما- يحصل ذلك التفاهم (13).
ما المقصود بالعقلانية التواصلية؟
يعتبرها برماس هذه العقلانية سمة من سمات الفكر ما بعد الميتافيزيقي؛ و يطلق عليها أحيانا العقلانية الاجرائية، أي المتجسدة في الممارسة الحجاجية.
هذا و يخلص هابرماس الى التمييز بين فعل تواصلي قوي، و فعل تواصلي ضعيف، و هو تمييز اتى في كتابه الحقيقة و التبرير (14).
و يستنتج من مجمل التفصيلات التي قدمها بخصوص الفرق بينهما انه استثمر مباشرة نظرية الافعال اللغوية في نظرية الفعل التواصلي، حيث انه ربط الفعل التواصلي القوي بشكل كبير بالفعل الانجازي و بالاستخدام التواصلي للغة المتصل مباشرة بالعالم الاجتماعي المرتكز الى العالم المعيش و المتكون من القيم و المعايير المشتركة بين الفاعلين في المجتمع. و عليه فان هذا النموذج العقلاني التواصلي يسعى الى تحقيق التفاهم و الاتفاق بين افراد الجماعة التواصلية بخصوص قضايا معينة، لان تحقيق هذا التفاهم يعد احد تجليات نجاح الفعل الكلامي عند هابرماس.
لذا فجوهر الفعل التواصلي العقلاني هو الفعل التواصلي القوي باعتبار هذا الاخير محايثا للعقلانية التواصلية و التي يكون المشتركون فيها متوفرين على فرصة امكانية النقد، نقد لادعاءات مخاطبيهم عكس ما في الفعل التواصلي الضعيف.
من خلال هذه الاهمية التي اضحت للتخاطب في الدراسات اللسانية المعاصرة المهتمة بالتواصل، ارتبطت العقلانية التواصلية في الفكر ما بعد الميتافيزيقي، لدى هابرماس، بالتواصل الى حد انه تم الربط بين العقلانية و المستوى التواصلي في الكلام.
في هذا السياق، انشغل هابرماس بسؤال الاخلاق، لكن لا في بعده الميتافيزيقي، بل في بعده التواصلي، اذ معه سيدشن ما اصطلح عليه اخلاقيات النقاش. و يشكل ذلك منعطفا بارزا في تفكيره، ضمنه كتابه الوعي الاخلاقي و الفعل التواصلي(15) بين فيه ان هدفه هو توظيف منطق نظرية الفعل التواصلي قصد بلورة نظرية الفعل التواصلي انطلاقا من اخلاقيات النقاش او الحجاج.
تقليد فلسفي الماني، يعدها برهامس و كارل اوتو آبل DISKURSETHIK اخلاقيات النقاش
من ابرز ممثليه. لكنه يضرب بجذوره ايضا في الفكر الانجلوسكسوني، KARL OTTO APEL
النقاش في R. RORTY و رتشارد رورتي J.RWALS و الامريكي بالذات مع جون رولز
اخلاقيات المناقشة. لا ينظر اليه هابرماس على انه موضوع للتنظيم بل يعتبره منهجا او اجراء يسمح بتحديد معايير عادلة لزاوية النظر الاخلاقية. لذا لم يدع هابرماس الى وضع معايير لاخلاقيات النقاش، تكون نابعة من الذات عل نحو ما فعل كنط و التقليد الفلسفى عامة؛ انه سعى الى جعلهت نظرية تبحث في الطرق و الاجراءات السلمية التي تمكن الذات المتفاعلة فيما بينها من التواصل عبر الحوار الى صياغة تلك المعايير الاخلاقية (16).
هذا ما جعل بعض المهتمين بافكار هابرماس، يذهبون الى اعتبار اخلاقيات النقاش تأسيسا للمجتمع المدني؛ جان كوهان، على سبيل المثال، يذهب الى ان تلك الاخلاقيات تمثل نظرية سياسية تعمل على التأسيس لمجتمع ديمقراطي مدني يستوعب التعدد و يكرس الحوار (17). رفض هابرماس هذا الاختزال السياسي لأخلاقيات النقاش معتقدا انها نظرية في التواصل ،على وجه العموم، و قد يكون البعد السياسي أحد ابعادها.
ان السؤال الاساسي لتلك الاخلاقيات هو على اي مرتكز يمكن تأسيس المعايير و الاوامر؟
المعايير الاخلاقية هي تلك التي يقبلها اعضاء الجماعة التواصلية المعنيون بها بحيث تراعي مصالحهم المشتركة و يكون لها طابع كوني (18).
بهذا المعنى يغدو النقاش العملي اداة ذات مكانة جوهرية في سن المعايير و تبريرها، لان التبرير عملية بيذاتية تداولية غير منفصلة عن الاجتماع؛ كما انه وسيلة ملائمة لتأسيس تصور مجتمع حداثي في عصرنا هذا، عصر تراجع دور التقليد و العادات في شد اواصر العلاقات الاجتماعية؛ عصر تعدد المعتقدات و الاعراف و التجمعات داخل نفس المجتمع؛ عصر تصاعد النزاعات الدولية مما يهدد الاستقرار و السلم العالميين؛عصر تصاعد المصالح التجارية و الاقتصادية؛ عصر الاستغلال المفرط للبيئة و تفاقم الاحتباس الحراري الكوني…..
من هنا تأتي اهمية اخلاقيات النقاش و الحوار، فمعاييرهما هي ما قد يكفل التوازن الدولي و يدعم تنمية المجتمعات. ذاك هو رهان اخلاقيات النقاش شريطة اجماع الكل على قواعد و معايير و ضوابط يلتزم بها المتحاورون في اطار فعل تواصلي.
هذا و قد دعم هابرماس اطروحته هذه بالنظرية الحجاجية فاستمد منها القواعد الصورية التي يجب على المتحاورين الالتزام بها قصد تحقيق الاجماع او اتفاق العقول. و بانفتاحه على النظريات الحجاجية، كان هابرماس يهدف الى تأسيس مبدأ استدلالي في اخلاقيات النقاش، يتشبه بذلك الموجود في العلوم الحقة (19).
و القواعد التي اقترحها هابرماس هي التالية:
1- لكل من هو قادر على الكلام و الفعل نصيب كامل في النقاش؛
2- لكل الحق في اثارة اي اشكال او اعتراض على أي تأكيد كيفما كان؛ يندرج ضمن هذا الحق حق الاعتقاد في آراء ما و التعبير عنها؛
3- لا يحق منع اي كان منن المتحاورين من النقاش و لا استعمال اسلوب الاكراه عليه (20).
تفترض جميع هذه القواعد المشاركة و الندية بين المتحاورين: لكل الحق في ان يدلي بدلوه و يفصح عما عنده دون تضييق او مضايقة قصد تحقيق الاجماع.
اضافة الى القواعد السالفة، زاد قاعدتين اخريين في صيغة افتراضيين مفادهما ان الدعاوى المعيارية للصلاحية تتضمن معنى معرفيا و يجوز التعامل معها بوصفها دعاوى للحقيقة؛ لذا ضرورة الدخول في نقاش حقيقي لتأسيس المعايير و الاوامر اعتمادا على العقل المتواصل المتحاور و ليس على العقل الفردي (21). و تعني صفة المعرفية ان الشيء قابل للقبول أو الرفض خلال عملية الحوار التي هي اخذ و رد.
ان التركيز في اخلاقيات النقاش على اهمية الحجة و الحجج في صياغة المعايير الاخلاقية و الاجتماعية دفع البعض الى القول بان اخلاقيات النقاش ما هي، في حقيقة امرها، سوى تداولية فلسفية صيغت على شكل منعطف لساني تداولي اساسه التشديد على اهمية القوة غير القسرية للحجة الاقوى.
يبدو ان اخلاقيات النقاش عند هابرماس تهتم بالمعايير، معايير الفعل التواصلي، و هو امر لن يتم، بالنسبة لهابرماس الا في اطار الدولة الدستورية، حيث يكون بامكان المواطنين المشاركين في سياسة تشاورية ان يصلوا الى تأسيس معايير تحظى باحترام الجميع و قبولهم (22).
فالمعايير ليست قرارات شخصية، بل هي مؤسسة على امكانية تبريرها تبريرا عقلانيا اعتمادا على عملية حوارية حجاجية (23). لذا فخلافا للتمييز اللفظي الشهيلر بين العقل الخالص و العقل العملي، يعمد هابرماس الى دمجهما في بعضهما؛ اي ان صلاحية المعايير الاخلاقية يحكمها تصور عملي ذو صلة بممارسة النقاش و الحجاج اي تقوم في الواقع على الاعتراف بالمعيار في اطار نقاش يعترف ضمنيا به و تقبله جميع اطراف الحوار ثم ان ما يهم هابرماس هو سن معايير كونية قادرة على حل المشكلات التي فيها تتخبط البشرية و تعمق ثقافة السلام بين الامم و الشعوب.
و عليه فان اخلاقيات النقاش، هي في العمق، اخلاقيات المسؤولية؛ و هذا ما اكد عليه زميل هابرماس و . و الحقيقة ان اخلاقيات المسؤولية تحولت في KARL OTTO APEL رفيقه في الدرب كارل اوتو آبل
الآونة الاخيرة الى تقليد فلسفي في ألمانيا؛ و هي من ابداع الفيلسوف الالماني هانز يوناش
في كتاب شهير له يدعى مبدأ المسؤولية له عنوان فرعي هو: اخلاقيات الحضارة HANS JONAS
التكنولوجية (24). يريد صاحب هذا الكتاب بهذه الاخلاقيات ان تكون بديلا للاخلاقيات التقليدية الميتافيزيقية و ان تكون أخلاق المستقبل نظرا للتحديات التي افرزها العلم في الآونة الراهنة التي لم تعد فيها البشرية منكبة على حل مشكلاتها الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية فحسب، بل انضافت لها مشكلات البيئة و التلوث و الانحباس الحراري…. اي ما انتبه الية تقرير نادي روما لسنة 1972. لذا سيعمل كارل اوتو ابل على دعم اخلاقيات النقاش بما ورد في مبدأ المسؤولية، في اطارحواري تواصلي يدعو الى تجند جميع الاطراف للتفاهم حول سبل مواجهة الخطر المحيق بالبشرية (25).
يمثل الارتباط الذي اقامه ابل بين النقاش و المسؤولية تصورا مخالفا لتصور يوناش الذي يربط المسؤولية بالذات على الطريقة الكنطية؛ بينما يجعل ابل المسؤولية عبر النقاش مسؤولية جماعية مشتركة؛ اي ان كل عضو في جماعة التواصل يتحمل جانبا من المسؤولية فيما يحدث حالا او مآلا و لا يستثني احد من المسؤولية، فالامر يتعلق اليوم ،حسب ابل، “بتنظيم، و في اطار نقاش عملي، تنظيم مسؤولية للتضامن ازاء الافعال الجماعية “(26).
ثمة،اذن، بعد سياسي لا ينكر في نظرية هابرماس و زميله كارل اوتو ابل لاخلاقيات النقاش خصوصا حينما ربطاها بمبدأ المسؤولية. بمعنى ان الجميع مطالب بان يتحمل مسؤوليته التاريخية في وضعية عالمية لم تعهدها البشرية من قبل كما لا يمكن تصور نتائجها على الاجيال المقبلة (27).
و ليس الهاجس،هنا، هاجسا فلسفيا او ميتافيزيقيا، بل هو هاجس تواصلي؛ و قد اوضح هابرماس ذلك بصيغة لا لبس فيها حينما قال:” لقد شرعنا في السنين الاخيرة، انا و زميلي كارل اوتو ابل في محاولة اعادة صياغة ما نسميه تأسيس المعايير،اي الاخلاق الكنطية، اعتمادا على وسائل مستمدة من نظرية التواصل” (28). ذلك ان المشاركين في النقاش او المتناظرين هم اناس واقعيون تختلف رغباتهم و دوافعهم و مصالحهم مما يعطى للنقاش قيمته.
خاتمة
يمكننا ان نستشف من افكار هابرماس بخصوص اخلاقيات النقاش ، و الفعل التواصلي انهما مبحثان مترابطان استند فيهما الى معطيات المنعطف اللساني و كذا الى النزعة الليبرالية للفيلسوف الامريكي رولز؛ ان انهما مبحثان لهما امتداد في الحقل السياسي.
فنظرية الديمقراطية التشاورية التي كرس لها هابرماس اعماله المتأخرة، ابتداء من التسعينات، تعد اهم انجاز في ميدان الفلسفة السياسية المعاصرة. و تعد نظرية الديمقراطية التشاورية توسيعا لمجال الفعل التواصلي؛ اذ لا يمكن فصل التشاور عن هذا الفعل التواصلي الذي نظر له هابرماس قبل اخلاقيات النقاش.
بعد كتاب نظرية الفعل التواصلي (1981) ثم بعد الانشغال باخلاقيات النقاش سيصدر هابرماس كتاب الديمقراطية التشاورية و قد اراد منه ان يكون بديلا للديمقراطية الليبرالية التي دافع عنها رولز في كتاب نظرية العدالة.
ان الفكرة المحورية لمشروع هابرماس في كتابه هي تأسيس الديمقراطية على اساس جماعة متواصلة خالية من اية هيمنة عدا هيمنة افضل حجة.كما ان مفهوم التشاور المرتبط باخلاقيات يعد مفهوما مركزيا لديه. ففي التشاور يعطى لكل عضو في الجماعة الحق في الكلام و الفعل بخصوص القضايا السياسية و…المطروحة في الفضاء العمومي. و في ظل ذلك النقاش العقلاني المؤسس يتشكل الرأي العام و الارادة السياسية العامة للمواطنين في المجتمع الديمقراطي الذي يلعب فيه التشاور دورا مركزيا.
هكذا تمثل مساهمات هابرماس في مجال الفلسفة السياسية و خاصة في نظرية الديمقراطية التشاورية مساهمة نوعية تندرج في اطار نقد اشكال الانظمة الكليانية كالنازية…
يقوم نموذج الديمقراطية التشاورية على الرغبة في تجاوز الليبرالية المتوحشة و النزعات الكليانية. فالتضامن هو اساس الاندماج الاجتماعي في الدمقراطية التشاورية بصفة اعضاء المجتمع مواطنين في الدولة اي اصحاب الحق الاحرار المتساوين امام القانون.
فالنموذج التشاوري للديمقراطية، هو في اعتقاد هابرماس نموذج تواصلي. في هذا المنظور مفهوم السلطة. فاذا كان في كتاباته الاولى نحا على السلطة باللائمة معتبرا اياها مرادفا للهيمنة باعتبار ركيزتها هي المال و الاعلام؛ و هي كلها عوائق امام تحقيق التواصل الشفاف في المجتمع، فانه في اعماله COMMUNICATIVE POWER المتأخرة عدل موقفه بان تحدث عن السلطة التواصلية
التي اصبحت مفهوما متداولا في ارائه بخصوص الديمقراطية التشاورية. ان السلطة التواصلية سلطة غير قمعية و غير قهرية؛ ليس قوامها الاكراه و الهيمنة، لانها نابعة من الفعل الجماعي. انها التواصل السياسي عندما يغدو مؤسسات في دولة الحق و القانون (29).
يعكس مفهوم السلطة التواصلية محاولة من هابرماس لاعادة صياغة و تحديد نظرية التعاقد الاجتماعي عندل روسو بجعل العلاقة بين السلطة و المواطنين علاقة افقية بدل ان تكون عمودية، معتقدا بذلك ان هذا القلب هو ما يضمن ان تكون السيادة للفعل فعلا.
هكذا نلاحظ التحول الكبير الذي حصل في فلسفة التواصل لدى هابرماس من تأسيس التواصل على اللغة الى تأسيسه سياسيا؛ و هو تحول آتى في مطلع التسعينات من القرن المنصرم.
هوامش
1- بهذا الصدد انظر:
مانفريد فرانك، حدود التواصل، ترجمة عز العرب الحكيم بناني، الدارالبيضاء،2002، ص 15
2- J.Habermas, Theorie de l’agir communicationnel, Trad .JM. Ferry, Paris, 1987, T.1, p.9
3-Ibid, p.10
4- Ibid, p.417
5- مانفريد فرانك، حدود التواصل، مصدر آنف، ص 76 و 54
M.Franck, La condition post moderne, Paris, 1979.
6- J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, Trad .J .Ladmiral, Paris, 1973 ;
J.Habermas, Connaissance et intérêt, Trad. J .Ladmiral, Paris, 1976.
7- J.Habermas, Profils philosophiques et politiques , Trad .J .Ladmiral, Paris, 1974, p .45.
8- ترجمة محمد ميلاد، دار الحوار، اللاذقية، 2002.
9- J.Habermas, Après Marx , Trad .J .Ladmiral, Paris, 1985, p .26-27.
10- M.Pusey, Jurgen Habermas, London, 1987, p.64.
11- J.Habermas, La science et la technique comme idiologie, p .167.
12- J.Habermas, La logique des sciences sociales , Trad .Rochitz, Paris, 1987, p .331.
13-Ibid, p.430.
14- J.Habermas, Verité et justification, Trad .Rainer Roschlitz, Paris, 2001, p. 56.
15- J.Habermas, Morale et communication , Paris, 1986. (ed.Flammarion)
16- J.Habermas, L’Ethique de la discussion , Trad . M.Hungadi, Paris, 1992, p .35-36.
17- J.Cohen, Discourse ethics and civil society , in, civil society and political theory, London, 1999, p .219.
18- Davis, FJ, Discourse ethics and ethical realism, p.244.
19-J.Habermas, Morale et communication, p.108-110.
20- J.Habermas, Morale et communication, p.111.
21- نور الدين افاية، الحداثة و التواصل، بيروت- الدارالبيضاء، 1991، ص.206
22- J.Habermas, Verité et justification, Trad .R. Rochlitz, Paris, 2001, p. 206.
23-Ibid, p.206
24-H.Jonas, Principe de responsabilité : une éthique pour la civilisation technologique, Trad. J. Greich, Paris, 1990.
25- K.otto Apel, Discussion et responsabilité : l’ethique après Kant, 1996.
26- Ibid, p.30.
27- K.otto Apel, Discussion et responsabilité, Paris, 1998, p.39-56.
28- J.Habermas, Ethique de la discussion, op.cit, p.15.
29- J.Habermas, Droit et democratie, Trad .R. Rochlitz, Paris, 1997, p. 189.