لم يحظ الآخر بالاهتمام والدراسة والبحث من جوانب متعددة إلا في عصر ما أصطلح عليه بما بعد الحداثة ، حيث أخذ الآخر معاني ودلالات مختلفة ، فهو الغير والمقصي والمهمّش والمختلف ، وأخذ فلاسفة التفكيك أمثال نيتشه وهايدغر وفوكو ودريدا ودولوز وغيرهم بإيلاء الآخرالاهتمام والدراسة من خلال نقد وتفكيك مركزية الأنا ( الذات ) وخاصة مركزية الذات الغربية ، ولكن الفيلسوف الفرنسي الّلتواني الأصل ( 1906- 1995 م)أعطى للآخر من الاهتمام والبحث من منظور مغاير ، وأعطى للآخر من القيمة والمكانة أكثر من الفلاسفة الآخرين ، بل أنه جعل له مكانة وقيمة أعلى من الذات ( الأنا ) ، وذلك لأنه نظر إلى الآخر من ناحية الأخلاق ( الأتيقا ) فجاء بمفهوم جديد في علاقة الذات بالآخر ، مفهوم لم يسبقه إليه أحد ، ففي نظر ليفيناس إن بنية الفلسفة في الأساس هي الأخلاق وأن الأخلاق لا تتحقق على أرض الواقع إلا من خلال علاقة الذات بالآخر، فهو أستبدل علم الوجود ( الأنطولوجيا ) وخاصة أنطولوجية هايدغر بالأخلاق ( الأتيقا ) ، فالأخرهو الذي يحدد الأنا وليس ألانا هي التي تحدد الآخر كما هو معروف في تاريخ الفلسفة الغربية ، فهو هنا أي ليفيناس أستبدل المركزية الغربية للأنا بالآخر، فأنا أعي ذاتي من خلال علاقتي مع الاخر ، فالآخر هو الواسطة لإدراك هويتي ، وفي نظر ليفيناس يجب أن تكون علاقتي بالآخر قائمة على مسؤوليتي عنه ، وان تكون هذه العلاقة مبنية على الطيبة والتعاطف والمحبة والإيثار بيني وبينه ، بل ان ليفيناس أعتبر الآخر أهم من الأنا ، فالآخر ليس أداة وموضوع للمعرفة كما لدى فلاسفة الحداثة منذ ديكارت ،وليس الآخر ذئب الإنسان لأخيه الانسان كما لدى توماس هوبز ، وليس الآخر هو الجحيم والذي يفقدني حريتي كما لدى سارتر ، إنما الآخر هو شبيه لي ، وله من القيمة والمكانة مثل ما لي بهذا الوجود ، بل أن له مكانة أفضل من مكانتي لأني أعي ذاتي من خلاله ، وتتكون هويتي من خلال التواصل والحوار معه . إن" الغير قبل الذات قبل الأنا ، قبل التجربة ، وقبل العالم ، هو المشروع الأصلي ، وكما يقال هو المسلّمة المولدة في فلسفة ليفيناس . الغير هو الموجود الذي يتظاهر ، وعظمة الغير تظهر على الوجه " . يقول ليفيناس " أن تتحدث مع الآخر هو في نفس الوقت أن تعرف الآخر ونجعله يتعرف علينا ، فالآخر ليس فقط معروفاَ بل مرحّباَ به ، أنه مدعو من طرفنا ، أنا أفكر في كل ما هو بالنسبة لي فقط ، بل وأيضاَ وفي الآن نفسه أفكر في كل ما هو بالنسبة إليه " .
ولكن في علاقتي بالآخر يجب أن أضع مسافة بيني وبينه لأنني مختلف عنه وهو مختلف عني ، ويجب أن لا أجعله يؤثّر في ذاتي أو أنا أؤثّر في ذاته لدرجة الذوبان كلاَ منا بالآخر ، لأن التواصل في هذه الحالة سيكون تواصل غير إيجابي لأن كلاَ منا سيلغي الآخر .
ووفقاَ لليفيناس أن علاقتي بالأخر علاقة أخلاقية قائمة على مسؤوليتي عنه فأنا مسؤول عنه كما هو يجب أن يكون مسؤول عني " فلا أستطيع الامتناع عن تلبية وسماع ندائه، أو أن أنساه أو أتجاهله ، أو أتخلى عن مسؤوليتي أمام بؤسه " إنني " أذهب نحو الآخر دون أي اعتبار لتوجهه نحوي "
سعدي العنيزي
المراجع :
1- ( إسهامات فلسفة الأخلاق عند إيمانويل ليفيناس ) وردة بوعائشة
2- الإتيقا والغيرية : ( تجليات الموجود في فلسفة الاخلاق عند إيمانويل ليفيناس ) محمد بكاي . 3- ( الزمان والآخر ) إيمانويل ليفيناس ترجمة جلال بدلة
ولكن في علاقتي بالآخر يجب أن أضع مسافة بيني وبينه لأنني مختلف عنه وهو مختلف عني ، ويجب أن لا أجعله يؤثّر في ذاتي أو أنا أؤثّر في ذاته لدرجة الذوبان كلاَ منا بالآخر ، لأن التواصل في هذه الحالة سيكون تواصل غير إيجابي لأن كلاَ منا سيلغي الآخر .
ووفقاَ لليفيناس أن علاقتي بالأخر علاقة أخلاقية قائمة على مسؤوليتي عنه فأنا مسؤول عنه كما هو يجب أن يكون مسؤول عني " فلا أستطيع الامتناع عن تلبية وسماع ندائه، أو أن أنساه أو أتجاهله ، أو أتخلى عن مسؤوليتي أمام بؤسه " إنني " أذهب نحو الآخر دون أي اعتبار لتوجهه نحوي "
سعدي العنيزي
المراجع :
1- ( إسهامات فلسفة الأخلاق عند إيمانويل ليفيناس ) وردة بوعائشة
2- الإتيقا والغيرية : ( تجليات الموجود في فلسفة الاخلاق عند إيمانويل ليفيناس ) محمد بكاي . 3- ( الزمان والآخر ) إيمانويل ليفيناس ترجمة جلال بدلة