أسماء وهبة - "برهان العسل": جنس بالجملة بين الحاضر والتراث

العسل" أو "العسل" أي الجنس. إنه القصد والهدف.. إنه الغواية بذاتها.. إنه الحياة التي نريدها ونحلم بها.. إنه المكبوت في أعماقنا العربية والتابو في فكرنا الشرقي.. إنه الممنوع والمرغوب بكل تفاصيله.

هذا ما فضحته الشاعرة السورية سلوى النعيمي في روايتها "برهان العسل" التي حققت نسبة عالية جدا من المبيعات، لأنها ببساطة نقلت أسرار "السرير" إلى صفحات الأدب والرواية!

لا يمكن أن نتحدث هنا عن جرأة لأن سلوى تخطت في روايتها كل خطوط الجرأة، بل ربما استعملتها لتكون ذريعة كتابة روايتها والذي بدا واضحا من جملتها الأولى في الرواية: "هناك من يستحضر الأرواح وأنا من يستحضر الأجساد".

إذا تكتب سلوى رواية عن الجنس، وتسرد فيها نزوات جسد امرأة وعلاقاته مع الرجال. ولاسيما العلاقة الشهوانية مع المفكر الذي اكتشفت البطلة من خلاله جسدها. وهنا تحاول سلوى التأكيد على أن الجسد حقل اختبار ووسيلة للمعرفة.

وتتكئ سلوى في نصها الذي تسميه "روائي" على الدمج بين التراث والحاضر لتسرد البطلة وقائع جسدها، فتنطلق من التراث الجنسي العربي معتمدة على كتب النفراوي والطوسي وغيرها لتؤكد أن المرأة كائن مقموع جنسيا. وهذا هو عصب الرواية التي تجري أحداثها في باريس، حيث تفخر البطلة بالإنفتاح الجنسي عند العرب قبل عصور الظلام، وتمتدح الغرب الذي لولاه لما استطاعت البطلة إقامة علاقات متحررة بعدما كانت قراءاتها الجنسية سرية. لذلك لم تتوان سلوى عن الإستشهاد بالكتب التراثية الصريحة والمباشرة التي تسمي الأعضاء الجنسية وأنواع الممارسات وطرق التهييج وغير ذلك ليكون العنوان هنا: "جسد المرأة يجاهر بطقوسه الإباحية".

لقد قررت سلوى أن ترفع الموانع عن تجاربها الجنسية وتتحدث علانية عن التفاصيل الحميمة التي يفضل المجتمع أن تظل طي الكتمان، وكأنها تطالب من خلال نصها الكف عن كتابة الجنس والحديث عنه بالمواربة، وتفسير أوضاع الجماع وأكثرها لذة وفائدة للجسد متكئة على تجارب جورج باتاي وهنري ميلر وغيرهم من الكتاب العالميين. لذلك لا تخجل بطلتها من سرد لقائها بعشيقها المفكر قائلة: "كنت أصل إليه مبللة وأول ما يفعله هو أن يمد إصبعه بين ساقي يتفقد العسل كما كان يسميه. يذوقه ويقبلني ويغوص عميقا في فمي". أما هي فتقول له: "من الواضح أنك تطبق وصايا الرسول: (لا يقع أحد منكم على أهله كما تقع البهيمة. وليكن بينكما رسول: القبلة والحديث)".

لكن تأخذ البطلة الرغبة إلى حدودها القصوى فتتجنب الحب. وحين يسألها المفكر إن كان ما بينهما جنسا فقط تخبره بأنها لا تحب إلا جسدها. هي التي تعمل في مكتبة الجامعة والقارئة النهمة لكتب الجنس حيث يعرض عليها مدير المكتبة المشاركة في معرض عن تلك الكتب في نيويورك، فترافقه في ندوة عن الأدب الإيروتيكي. ويصبح البحث الذي عليها إنجازه ذريعة الرواية، مما يسمح للبطلة الحديث بطلاقة عن مغامراتها الجنسية متحدية المجتمع الذي يدفعنا إلى إخفاء رغباتنا! لذلك تسخر من المجتمع العربي الذي يظهر غير ما يبطن. فمثلا تسخر من الشروط المطلوبة لإثبات واقعة الزنا، وتروي فتوى الإمام الخميني بأن "التقبيل والمضاجعة وغيرها من الإستمتاعات دون الفرج ليست بزنا".

لقد أعادت سلوى في "برهان العسل" استخدام اللغة القديمة التي نعتبر بعض ألفاظها اليوم نابية من أجل كشف حجم الزيف والإدعاء الممارس يوميا في احتجاج على مجتمعاتنا الشرقية التي تدعي الطهارة متسائلة إن كانت "الفضيحة في الفعل أم في إعلان هذا الفعل"!

وعلى الرغم من الإنتقادات التي وجهت لرواية "برهان العسل" ووصفها بالإيروتيكية، إلا أن سلوى ترى أن "هناك من يعيش ويموت من دون أن يعرف طريق جسده وأجساد الآخرين".

لا يبدو عمل سلوى النعيمي عملا روائيا متكاملا. فالكتاب مجموعة أبوب يضم عددا من المقالات الأكثر من جريئة، وبالتالي هو ليس نصا روائيا، لأنه لا يوجد بناء للشخصيات، بل هناك مجموعة رواة وظيفتهم رواية حوادث جنسية.

لكن هل يمكن أن نكتب الجنس بمسمياته الحقيقة من دون أن يشكل فضيحة؟ وهل يكفي حديث بطلة "برهان العسل" عن نزواتها الجنسية وأن تصف نداءات جسدها حتى يهرع القارىء للجهر بنوازعه الجنسية؟ وما هو الخط الفاصل بين الرواية الإيروتيكية "الفنية" والنص "البورنو" الذي تصور فيه الأجساد العارية المستعرضة للمتعة ، من دون أن تدخل إلى أعماق غرائز الإنسان ونقلها دون زيف؟


قالوا في الجسد

* ليست الهوية مدونة في العقل فقط ولكنها مطبوعة أيضا في الجسد. إنها تظهر في الإشارة وفي وضع الجسد وفي المظاهر الإيمائية.. وكلها تنتمي إلى ذاكرة الجسد.

خليل صويلح


* سافر في جسدي كالأفيون
وكالرائحة المنسية
سافر في شعري... في نهدي
كطعنة رمح وثنية
سافر.. يا ملكي حيث تريد
فكل شطوطي رملية

نزار قباني


* ماذا سيحدث لك لو أنني مددت يدي إلى جسدك؟ إلى طرف من جسمك؟ لن تخسري شيئا سوى أنك ستشعرين بلذة عارمة. وماذا سيقع لك؟ فقط ستحسين بلذة ورعشة. أنا أعطيك وأنت تأخذين لحظة جنون جميل.
البشير الدامون


* الجنس هو الذي يحكم العالم. وهو القوة الحاكمة التي تسيطر على البشر.
رحاب ضاهر
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...