أحمد بغدادي - سافو.. تلسع بعسلها نحلَ "أوفيد، ألكايوس"

(أعترفُ بأني
أعشقُ مَنْ كانَ وما زالَ يداعبُني
وأؤمنُ أن لهذا العشقِ نصيباً
من ألقِ الشمسِ وعفّتِها)
" سافو "


في عام 1897 الفيوم/ مصر.. وجد المنقبون عن الآثار في بعض التوابيت هناك أوراقاً من البردي مكتوب فيها معظم ما وصلنا من شعر ربّــة من ربات الشعر " سافو " كما قال عنها ــ سقراط ــ وأثنى عليها معظم الشعراء الذين عاصروها أو كانوا بعدها؛ حيث عاشت سافو في القرن السادس قبل الميلاد 610 ــ 560 كما ذكر المؤرخون في مدينة يونانية تسمى "ميتيليني" جزيرة (ليسبوس)،وتذكر بعض الدراسات لنقاد ولمؤرخين أن حياة سافو كانت تعيسة ومجهولة بعض الشيء تخلو من الأحداث الاجتماعية والسياسية في كتاباتها ، إذ تجلّت الأحداث التي عاشتها سافو في تلك المدينة ضمن شعر المعاصرين لها.
تعرضت سافو للنفي مرتين وكان عمرها 19 عاماً في عهد الحاكم (مرزيلوس) إلى مدينة في جزيرة صقلية، كما ذكر (يول ديورانت) في "قصة الحضارة" عن المؤرخ اليوناني (سترابون)، وغيره من النقاد أن سبب النفي كان للشائعات التي روّجَت عن سافو بأنها شاذة؛ وهذا وجه، أما الثاني يُــقال بسبب ميولها السياسي وتأثير آرائها على العامة من الرعية وهذا مشكوكٌ فيه لعدم تجليه كثيراً في شعرها، وكما ذكرنا تبقى حياة سافو غامضة الأحداث بالنسبة للمؤرخين.
يصفها الشاعر "ألكايوس " الذي عشقَ سافو وارتبط بها كما أشارت المصادر التاريخية، أنها ذات ابتسامة خلاّبة رائعة"، و" ماكسيموس" الفيلسوف يقول أنها كانت نحيلة سمراء، وجاء في وصفها الكثير من قبل معاصريها من الفلاسفة والشعراء وغيرهم.
أما حول انتشار اسم سافو وقتها وبعد ذلك، يرجَح الأديب " هيرودت " ويليه " أثيناوس"
أيضاً، بسبب الإشاعات ذاتهاعن تعلّقها بالإناث (تمارس السُحاق)، وهذا ما نفاهُ أوفيد بعد ذلك إذ قال (( ماذا علمت سافو فتياتها، سوى أن يمزجن الحب بالنبيذ، ماذا علمت سافو، من ليسبوس، الفتيات سوى الحب))؟
وممن عاصروا سافو أبان ذاك الوقت وبعده؛ ولاسيما علاقتها الغرامية مع الشاعر (ألكايوس) وشغفها به...
"سنستمتع
وأما مَنْ يعيبُ عليَّ متعتَنا
لعلَّ حماقةً وأسىً
تصبُّ الغيظَ في قلبِه"
وضِـعَـت تماثيل لسافو، وصكّت صورتها على النقود، وهذا ما أعطاها باعاً دام بعد موتها،
وقد رسمها الكثير من الرسامين منهم الألماني " لورنس تاديما " في عام 1881م. وكان ضمن اللوحة إلى جانبسافو الشاعر ( ألكايوس ) وهذا يعود إلى معرفة ارتباطها بالشاعر.
والنخبة من المهتمين بتاريخ الشعر والميثولوجيا صرّحوا أن هذه الشهرة جاءت للأسباب الأولى بالنسبة للشائعات، ولتفردها بمواضيع غير مطروقة بالشعر واختلافها عن باقي الشعراء، (هوميروس ) في اللغة الشعرية، وخاصةً ــ الشاعرات ـ المعاصرات إلاّ " بلتيس" ــ صديقتها ــ الشاعرة السورية من ( أب يوناني ) التي كانت تكتب تقريباً نصوصاً تشبه إلى حدٍ ما المواضيع التي كانت تطرحها سافو بنصوصها؛ فمن لم يعرف سافو وقتها، لم يعرف الشعر النسائي والأوزان، إذ وضعت سافو وزناً خاصاً بها سُمي الوزن الــ" السافوني " في الشعر اليوناني، و قامت بتعليم الشعر الغنائي للفتيات بأول مدرسة شهدها التاريخ كما نُـقلَ، وتعليم الموسيقى والسلوك والتهذيب،كما كانت هي المُـدرّسة والشاعرة الوحيدة التي أقدمت أيضاً على تلحين قصائدها وغنائها بصوتها الجميل والعذب.
تخاطب سافو إحدى تلميذاتها في مقطعٍ صغير واسمها جونجيلا:
"تعالي يا جونجيلا هذه الليلة، مع قيثارتك الليدية
وحولك البهجة الأبدية
تحضن بجناحيها جمالاً شهياً".
وفي مقطعٍ آخر تقول:
"إذا نسيتني.. تذكر هدايانا إلى أفروديت، وكل المتع الجميلة، التي تقاسمناها معاً"
تتعدى سافو هنا الجانب الروحي في الحب كما كان يكتب " سقراط " عنه، إذ وصلت إلى ما بعد ذلك بشعرها وأغراضه الذي كان أهمّها هو الــ" حب ".
***
"إذا كانت تهرب منك الآن
ستجري خلفك فيما بعد
وإن كانت ترفض هداياك
فستمنحك الهدايا عما قريب
وإذا كانت لا تحبك
فإنها سوف تخضع لسلطان الحب"
تقرّب سافو للقارئ النظرة البعيدة في ( تراجيديا ) الحب، كما تعطي الأمل للعاشق الذي تتهرب منه معشوقته أنها في نهاية الأمر سوف تخضع لسلطان الحب مهما يكن، حتى لغيره وهذا انتصارٌ للحب و للعاشق.
وتمزج سافو في المقطع الآتي بين الإنسانية والفنون التي تبقى رغم نظرة العالم للشخص المبدع خالدة مع اسمه رغم العيوب الجسمانية التي يملكها :
"إن كان القدر، قد حرمني من جمال الجسد
فإن نبوغي فى الشعر، يعوضني عن هذه العيوب جميعاً
إن بدا أن قوامي ضئيل.. فلا تنظر إليّ نظرة احتقار
حقاً.. إنني ضئيلة الجسم.
لكنني بلغت باسمي مجداً، يملأ البلدان جميعاً"
لم يبقَ من شعر سافو سوى القليل، ففي عام 1073 م قامت الكنيسة بإعطاء الأوامر التي تنص على حرق جميع أشعار سافو، ومع ذلك بقي شعرها في قلوب الناس أكثرهم والبعض منهم احتفظ بشعرها مكتوباً بعيداً عن أعينرجالات الكنيسة، ومما وجد من شعر سافو إلى الآن لا يزيد عن ستمائة بيت شعر أوقفت هذه الأبيات سافو على جبل التاريخ والأدب العاطفي العالمي إلى الآن، ولسعت سافو بعسل شعرها نحلَ " أوفيد" و ألكايوس).
ونضع هنا بعض مقاطع من شعر سافو الذي وصلنا قليلاً كما ذكرنا:
(ثرثرة)
الناسُ تُشيعُ
تثرثرُ عن " ليدا "
تزعمُ أن المذكورةَ قد عثرتْ
على إحدى البيضاتِ المخفيّةْ
تحتَ زنابقَ برّيّةْ.
***
(ترنيمة)
أنصتُّ إلى ترنيمِ الموزياتِ الذّهبيةْ
الأولى قالت :
يكادُ الموتُ العاتي
يخترقُ فتانا "أدونيسَ"
فماذا نفعلُ يا "سيثيريا"؟
الأخرى ردّتْ :
أُلطمنَ الصدرَ
ومزّقنَ
جيوب الأثوابْ.
***
(في عز الظهيرة)
لمّا تشتعلُ الأرضُ مباشرةً
بلهيبِ حرارتِها
يرفعُ صُرّارُ الحقلِ عقيرتَهُ
بغناءِ جناحيهِ
فيسلب ألبابَ غيادٍ
ينسجنَ عقوداً
من بتلاتِ الوردِ النابتِ فوق الخدينْ
يبحثُ عن فارسِ أحلامٍ
يقطفُ توتَ الشّفتينْ.

***
(اعتراف)
أعترفُ بأني
أعشقُ مَنْ كانَ وما زالَ يداعبُني
وأؤمنُ أن لهذاالعشقِ نصيباً
من ألقِ الشمسِ وعفّتِها.
***
(تساؤل)
أسألُ نفسي :
ماذا يمكنُكِ أيا سافو
أن تعطي من تملكُ بين يديها كلَّ الأشياءِ
كأفرودايتْ ؟؟؟
فقلتُ : سأحرقُ عظمَ الشاةِ البيضاءِ
وأشوي فخذيها المكتنزينِ
بمعبدِها.
***
(إعلان)
ليعلم كلُّ الناسِ بأني
في هذا اليومِ
سأشدو أجملَ ما عندي
كي أبهجَ كلَّ صديقاتي.

***
هوامش :
ــ دراسات عن الموسوعة البيزنطية ــ القرن العاشر ــ
ــ قصة الحضارة (ول ديورانت)
ــ ترجمات شعر سافو : د. ثروت عكاشة .
ــ عبد الغفار مكاوي " دار المعارف " مصر
ــ ديفيد كامبيل 1972 ترجمة قصائد سافو
ــ ماري برنارد ترجمة قصائد مجموعة ( لا العسل تشتهيه نفسي ولا النحل )

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...