سحبان السواح - على داليتك عرشت روحي

تعرش روحي على فروع دالية أكلت العصافير حصرمها ورمتها عجفاء خاوية. تلوذ في التجاويف المهترئة تبحث عن ملجأ آمن، كل ما لديها صحراء منبوذة من جبال الماء، ومن صرخات الحزن ونفحات الريح الهامسة. عواصف من الأسى المنفي منذ بدء الخليقة، زلازل ما باتت تهز تلك الروح الخالدة، المختبئة في التجاويف والكهوف الرطبة والمعتمة. أية أسئلة يمكن طرحها بعد كل هذا العمر الطويل الذي عشناه. أية استطالات واستدارات لكون ما عاد لنا، وما عدنا نعرف فيه طعم الأشياء مرها من حلوها. بنفسجها الغض من ياسمينها المر.

وزبد أمواجها المتلاطمة فوق رمل لم يعد رملا، و بعد انتظار دام دهورا وتواريخ لا تحصى.
كم نجمة تحتاج عيناك لتصنع بريقهما حين تصهلين عادية في براري النشوة المشتهاة. وكم من البرق والرعد والياسمين تحتاجين لتشكلي صرخاتك المكبوتة قهرا وأنت تلوذين في أضلعي خائفة من كل الرجال الذين سبقوني إليك، تناولوك مع وجباتهم اليومية في أسرة زوجاتهم، وفي زوايا معتمة من القلق المتحدر من سلالات القهر والجوع الجنسي، والملاءات البيضاء المعدة لليلة شهية. والليلة الشهية لا تكون بدونك، أو معك، أو في تذكرك مطيبة بعبق رائحة ظلت في الذاكرة سنين طويلة.
و كنت لي فقط، منذ دهور كنت لي فقط، هل كنت رائحة فقط، ؟ أم أنت الدالية التي كانت صارت عنبا لو جاء الرجل في الوقت المناسب وعرف كيف يمنحك الحب. لو جاء وجعل النجوم الأكثر بريقا تصنع فرحة عينيك، وعنب خمرتك التي عتقتها كل سني انتظارك. لو جاء رجل تعامل مع جسدك، نهديك، حلمتيك، سرتك، ساقيك وما بينهما، أصابع قدميك، كلك، كلك، كلك، أيتها المشتهاة.
لفترة طويلة ظل عنبك حصرما نقرته طيور الجوع القاتل لرجل ما، بحثت عنه في كل حلم حلمته. واكتشفت متأخرة أنه لو جاء في الوقت المحدد في اللوح المحفوظ لتغيرت كل الأشياء، لظللت الدالية حر العشاق ولهفتهم للقاء. للهفتهم للعناق، لقبل محمومة، لشبق ليس كأي شبق.
على تلك الدالية، داليتك، عرشت روحي، عرشت واخضرت وجعلت الحصرم عنبا، والياسمين خمرا، وشقائق النعمان وعدا.
أنت، يا القادمة من زمني، من زمن كوني آت، كوني داليتي التي منها أصنع خمرتي وأعتقها وأشربها حتى الثمالة. ومنها أصنع حزني وفرحي وشتات الصدى لكلمات قيلت في غابر الأزمان فمرت على أفواهنا، سمعناها فلا نحن فهمنا معانيها ولا غابت عنا ما عنوه حين قالوها. فحملنا الفرح على بساط مشغول من ضفائر شعرك ، وحط بنا في شاطئ مهجور إلا منا ومن مشاعرنا الخارجة من غرف العناية المشددة في كل مستشفيات الزمان. آه يا القادمة من زمني، من بيادر أحلامي، وحقول يقظتي الحبلى بالتفكير بك متى نبدأ حكايتنا، متى نكتب سيرة عاشقين، سيرة جسدين، لهفتين، عشقين. متى نكتب بجسدينا للقادمين بعدنا كيف يكون الحب، وكيف يكون اللهاث.
أنت يا المبحرة في شفق الحلم، الوهم، الأمل الغافي في منابت السنابل، في بحيرات نجوم مشعة تصنع منك الرغبات، الحب، الشهوات تعالي الآن، تعالي أجدل لك من العواصف تاجا وأتوجك ملكة للحب. .





- Portrait of a Young Girl by Baron Pierre Narcisse
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...