ابن كثير - البداية و النهاية “قالت بل به أجمع”

” قيل إن سجاح قصدت بجنودها اليمامة لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب فهابه قومها وقالوا إنه قد استفحل أمره وعظم فقالت لهم فيما تقوله عليكم باليمامة دفوا دفيف الحمامة فإنها غزوة صرامة لا تلحقكم بعدها ملامة قال فعمدوا لحرب مسيلمة فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده وذلك أنه مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال وقد ساعده عكرمة بن أبي جهل بجنود المسلمين وهم نازلون ببعض بلاده ينتظرون قدوم خالد كما سيأتي فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت فقد رده الله عليك فحباك به وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه فركب اليها في أربعين من قومه وجاء إليها فاجتمعا في خيمة فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض وقبلت ذلك قال مسيلمة سمع الله لمن سمع وأطمعه بالخير إذا طمع ولا يزال أمره في كل ما يسر مجتمع رآكم ربكم فحياكم ومن وحشته أخلاكم ويوم دينه أنجاكم فأحياكم علينا من صلوات معشر أبرار لا أشقياء ولا فجار يقومون الليل ويصومون النهار لربكم الكبار رب الغيوم والامطار وقال أيضا لما رأيت وجوههم حسنت وأبشارهم صفت وأيديهم طفلت قلت لهم لا النساء تأتون ولا الخمر تشربون ولكنكم معشر أبرار تصومون فسبحان الله إذا جاءت الحياة كيف تحيون وإلى ملك السماء كيف ترقون فلو أنها حبة خردلة لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور ولأكثر الناس فيها الثبور
وقد كان مسيلمة لعنه الله شرع لمن اتبعه أن الأعزب يتزوج فاذا ولد له ذكر فيحرم عليه النساء حينئذ الا أن يموت ذلك الولد الذكر فتحل له النساء حتى يولد له ذكر هذا مما اقترحه لعنه الله من تلقاء نفسه ويقال إنه لما خلا بسجاح سألها ماذا يوحى إليها فقالت وهل يكون النساء يبتدئن بل أنت ماذا أوحي إليك فقال ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا قالت وماذا فقال إن الله خلق للنساء أفراجا وجعل الرجال لهن أزواجا فنولج فيهن قعسا إيلاجا ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا فينتجن لنا سخالا إنتاجا فقالت اشهد أنك نبي فقال لها هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب قالت نعم فقال :

ألا قومي إلى النيك فقد هيي لك المضجع * فإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع * وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع

فقالت بل به أجمع، فقال بذلك أوحي إلي واقامت عنده ثلاثة ايام ثم رجعت إلى قومها فقالوا ما أصدقك فقالت لم يصدقني شيئا فقالوا إنه قبيح على مثلك أن تتزوج بغير صداق فبعثت إليه تسأله صداقا فقال ارسلي إلي مؤذنك فبعثته إليه وهو شبت بن ربعي فقال ناد في قومك إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة فكان هذا صداقها عليه لعنهما الله ثم انثنت سجاح راجعة إلى بلادها وذلك حين بلغها دنو خالد من أرض اليمامة فكرت راجعة الى الجزيرة بعد ما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه فأقامت في قومها بني تغلب إلى زمان معاوية فأجلاهم منها عام الجماعة كما سيأتي بيانه في موضعه



.


Surprise
Alexandre Jacques Chantron
(1842 – 1918, French)
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...