نقوس المهدي
كاتب
"خلعت رداءها، كشفت عن صدرها
اغوته كما تغوي المرأة.
مال اليها، ضمَّها الى صدره.
ستة ايام وسبع ليال مع المرأة
رأته حيوانات البرية مع المرأة
أنكرته، أجفلت، نفرت عنه،
فاغتمَّ أنكيدو، خارت قواه، وهَن جسده
إلفُه فارقه، خذلته ركبتاه،
قعد لم يعُد يقوى على الركض.
.........
ستة ايام وسبع ليال ضاجع المرأة .
تنوّر ذهنه وقلبه.
(من ترجمة عابد عازرية)
هكذا يُصبح انكيدو بطل ملحمة جلجامش السومرية، الذي ترعرع في البرية وعاش مع الحيوان. ان لقاءه بغانية المعبد، معبد عشتار، هو الذي حوله من انسان بدائي الى انسان متمدن، ينسى تاريخه الحيواني ويصبح جزءاً من المجتمع الحضاري. فالجنس هو المعبر الذي قاد انكيدو من البدائية الى المدنية ومن الوحشية الى الأنسنة ومن عدم المعرفة الى الحكمة.
دوّنت ملحمة جلجامش قبل حوالي خمسة آلاف عام. فقبل ظهور الديانات التوحيدية كان الجنس والخصوبة مقدّسين ويعبّران عن جانب إلهي في الإنسان. في ذلك الوقت كانت الإلهة الأنثى تتمتع بمكان عال بين الآلهة . وفد رُمز لها ولجمالها وخصوبتها في الحضارات الشرقية الكبرى، حضارة بلاد الرافدين والسورية والمصريّة بأشكال فنية جميلة: فظهرت الإلهة الكبرى على شكل جسد عار. وأحيانا تمتطي ثورا .
كان الجنس عند الشعوب الشرقية القديمة رمزا للخصوبة وجزءا اساسيا للتعايش والأُلفة بين البشر. وتتمخض عنه حياة جديدة، ولهذا كان لخصوبة الانثى مكان الصدارة. لم تكن المرأة عندهم مانحة للحياة فقط بل هي التي تُحافظ على إستمرار الوجود البشري على الأرض.
ففي مراكز العبادة كانت وظيفة الكاهنات تعليم البشر أُصول الجنس وممارسته. وخلف ذلك كان الإعتقاد بأن الإنسان في ممارسته لشعائره الجنسية يستطيع العيش في مجتمعه بانسجام كامل. فالإنسان الذي لا يقيم علاقات طبيعية مع جنسه ومع الجنس الآخر يبقى عديم الاستقرار و شخصيته مُصابة بالإضطراب النفسي في تطورها. لقد ولع الانسان الشرقي بالجسد وتفنن في التغزل بمفاتنه في النصوص التي دونها.
ومع مجيء التوحيد كبتت الديانات السماوية الثلاثة الجنس خاصة عند الأ نثى. فمثلاً كانت الكنيسة تلعن الجنس وتدعو المؤمنين الى التقشف في الممارسة الجنسية وجعلتها وسيلة للانجاب فقط لا للذة.
لقد نفت الكنيسة الرغبة الجنسية وشيطنت اللذة الجسدية، خاصة عند الأنثى التي دعتها للعيش في تقشف. وقدست عذريتها. فالحياة المليئة باللذة كانت بالنسبة لرجال الكنيسة عمل مناف للتعاليم المسيحية. حيث يقول مؤسس الكنيسة بولس الرسول في احدى رسائله الى أهل كورنثوس: "فمن استطاع الاستغناء عن الجنس فليفعل فهذا الافضل."
ومن هنا نجد ان رجال الدين في الكنيسة الكثوليكية لايتزوجون. وحسب التعاليم الكنسية فالمسيحي في الفردوس هو انسسان معدوم الرغبة الجنسية. ينعم فقط بالحضور الالهي. ان هذا الفصل مابين الروح والجسد، الذي بدأ مع الحضارة الإغريقية، قاد الى انتشار الشعور بالذنب في مجال الرغبة الجنسية. وتتحدث الكنيسة بصريح العبارة عن الخطيئة والإثم في ممارسة المتعة الجنسية. ان الخطيئة الأولى التي ارتكبها آدم وحواء في الفردوس كانت لممارستهم هذه اللذة.
فالاسلام يرى في جسد الانسان واحاسيه هبة الهية. فهو لاينكر المتعة الجنسية عند الانسان لانه يعتبرها ناحية ممتعة وجميلة في حياة البشر. وعلى العكس، حض الاسلام على تحقيق الرغبات الجنسية ورأى في الايروسية صفحة جميلة في حياة الانسان. فالجنس في الاسلام هو مُتعة ولذة تنتظر المؤمن في الجنة، حيث تُلبّى كل رغباته. فالفردوس في الاسلام هو مكان لاتوجد به حد فاصل مابين المقدس والغريزة الجنسيّة. فالجنس يمكن التلذذ به مثل اي مُتعة أخرى. والحديث عن الجنس في المجتمعات العربية و الاسلامية هو مباشر دون مواربة. لكن الاسلام اعطى الحرية الجنسية لأنصاره الرجال فقط.
يعتقد المسلمون بان مصير البشر هو ان يعبروا عن رغباتهم الإيروسية. لكن يجب ان يتم الحب الجسدي والروحي في مجال مُنظم حتى يتم مراقبته. لقد كان ابن سينا قبل اكثر من الف سنة يوصي الشباب بان لا يقمعوا رغباتهم الجنسية حتى لايصابوا بأمراض نفسية. وهكذا شجعهم بإسلوب علمي حديث على التمتع بالجنس بدون قيود. لقد كان هذا الفيلسوف صاحب عمل فكري يمكن ان نطلق عليه "فلسفة المتعة".فالجنس بالنسبة اليه نعمة منحها الله للإنسان
لم يفرض الاسلام قوانين مثالية في الجنس بل تكلم عن المتطلبات الحسية وعن المتعة. فالجنس في الحضارة الاسلامية يُشكل احدى الطاقات التي يجب تصريفها والاستمتاع بها. العنصر الجنسي في الحضارة الاسلامية هو من صلب الممارسة الدينية. ان الجنس المنظم هو شئ ضروري وخلاق. ان الجسد في الاسلام له رغباته ونوازعه. لكن جسد المرأة هو عورة يجب حجبه خوفا منه.
والإسلام يعتبر الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية فى تركيب الإنسان التى يجب أن يتم تصريفها والانتفاع بها فى إطار الدور المحدد لها شأنها فى ذلك شأن سائر الغرائز الأخرى . وحين يعترف الإسلام بوجود الطاقة الجنسية فى الكائن البشري ، فإنه يحدد له الطريقة لتصريف هذه الطاقة.
وبذلك، لا يعتبر الامتناع عن الجنس حالة أخلاقية في الاسلام، ولهذا رفض الاسلام الرهبنة واعتبر العزوبة أمراً سيئا ًوكان دائما يحث المؤمنين على الزواج المبكر لاشباع غرائزهم الجنسية. فعملية الزواج يمكن ان تتم بسهولة ولا تحتاج الى طقوس وشعائر كما في المسيحية. عقد الزواج ليس سوى مجرد كلمات يتفوه بها كل من الرجل والمرأة ليحدث الزواج ويتمكن الزوجان فورا من ممارسة الجنس!
ونلاحظ أن الإسلام قد تحدث عن المسألة الجنسية بشكل صريح في ادبياته. حتى ولوأنّ هناك اليوم العديد من التيارات المتشددة التي لها رأي معاكس والتي تتشدد في نظرتها للجنس عند المرأة، يبقى الجنس مسألة اساسية في الثقافة العربية والاسلامية.
لقد ترك العرب في الماضي العديد من المؤلفات التي تتحدث عن الحب والجنس بحرية مُطلقة، نصوص حول فن الجنس والإغراء، و نصائح عملية في الممارسة الجنسية بلغة واضحة دون مواربة، وكانت تُسمى الأشياء بإسمها حتى الأعضاء الجنسية للمرأة والرجل.
ان أهمية الناحية الجنسية في الشرق نجدها في غنى اللغة العربية بالمفردات والمتيفات؟ والتعابير والصور والتشابيه التي تتحدث عن الحب. مثل: الهوى، الصبابة، الشغف، العشق، اليتّم؟، الجوى، الشجو، الشوق، الغمرات، اللوعة، الشّهُد، اللهف، الفتون، الجنون، الهيام، الغرام، الغزل، الود، الوله. فالانسان العربي يستشهد بأبيات شعرية عندما يتكلم عن الحب. والمكتبة العربية الكلاسيكية حافلة بالكتب الجنسية.
وقد اتسم الحب في المجتمعات العربية المدنية في العصور الاموية والعباسية والاندلسية بالاباحية والبهجة والعبث والشهوة. فقصص الف ليلة وليلة تُفدم الجنس تفديماً جمالياً.
لقد زخرت الحياة اليومية عند العرب في العصور السابقة بالممارسات الجريئة التي تفتقدها اليوم وتمتلئ الكتب بقصص واشعار وأحاديث تتناول مواضيع الحب والجنس بحرية لامثيل لها. وقد حوت هذه النصوص على عبارات صريحة وواضحة وعالجت بجرأة فائقة مسائل تُعد اليوم من المحرمات.
وهذا مايدل عليه الأدب الايروسي الجميل الذي انبهرت به اروبا. واليوم نجد ندرة هذه النصوص . والحق أن الكتب التراثية القديمة كانت أجرأ في مجال الكلام على الحب والجنس والملذات، وهذه النصوص تقدم كل ما يحتاجه الانسان إلى معرفته عن الجنس وملذاته.
ان الكلام عن العلاقات الجنسية بين البشر لم يكن يوماً محظوراً في العصور العربية المزدهرة. والذين كتبوا هذه النصوص كانوا في الغالب علماء فقه ودين. على اساس ان "الله يحب الجمال". فقد كان الشعراء يتكلمون عن الايروسية بدون مواربة. ففي المدن العربية كانت الحياة الجنسية مُزدهرة حتى بين المثلين؟.
وقد عرف العرب انواع كثيرة من فنون اللذة الجنسية. لم يكن الجنس فقط للتكاثرفحسب وانما ممارسة ضرورية للانسان. ففي حوار مابين الاصمعي وامرأة من بني عذرة نموذج لهذا :
"ما هو العشق؟"
فاجابته: "الغمزة والقبلة والضمة. فما هو عندكم؟"
فقال: "ان يرفع رجليها ويدفع بجهده بين شفريها"
التوق الى الإنسجام والسعادة والرضى جزء من حياتنا. وهذا يتجلى احياناً في لحظات حب سعيدة وفي لحظات ولع وشغف. لكن السعادة تبقى لحظة عابرة. مع ذلك حاول البشر خلال آلاف السنين بإستمرار ان يُسجلوا هذه اللحظة. . فالحب أو العشق هما قوة هائلة، تنجم عن تجربة خلاقة نحشد لها كل ادراكنا الحسي.
وفي كل العصور حاول الانسان ان يُعبر عن التوق لهذه التجربة عن طريق الموسيقا والشعر. واحيانا يكون الحب والإيروسية في الشعر ليس فقط موضوع ادبي وانما محاولة للتقرب من العالم الغريب.
الحب شئ للتحرر، وليس للحصر. الحب يعني ايضاً ان تكون مقبولا وكذلك الاحساس بالتضامن. هل مازال لدينا في هذا العصر حيث حياتنا اليومية منظمة بشكل متكامل متسعا من الوقت لأن نتمتع بالحب والإيروسية. هل فقدنا الاحساس بالجمال في حياتنا؟ هل باستطاعتنا ان نتحدث بحرية كاملة عن سعادة الحب؟ ان لغتنا اصبحت اكثر فقراً في صخب وحمم الحياة المنسقة. لكن ماذا يبقى لنا عندما يباهتنا فجأة الوجوم.
في هذا العصر الذي نعيشه حيث الخوف من التقرب والارتباط يطغي على علاقتتنا الانسانية يتحول الحب الى شئ مثالي ممزوج بالشوق الى شئ من الود والرفق والإنس والتفهم والحنان والثقة. وهذا مايشعر به الانسان العربي الذي يعيش في غربة داخل مجتمعه.
الحب يجمع الحياة والموت، يُحرر الجسد ويُريح النفس ويُعطي الانسان الذي يشعر بغربة داخلية قوة. فالانسان الذي يخاله ضعيفا وضائعا يحصل عن طريق الحب الوعي بالنفس ويشعر بالسمو. الحب له علاقة بالجاذبية، بالعفوية والحنان وكذلك باالمجاملة.
الحب شئ حميمي خاص يعيشه الانسان مع الآخر. ويبقى هدف البشر في مجرى حياتهم التحرر من الرغبات التي يُمليها عليهم العالم الخارجي، المُقيدة بالزمان والمكان. وعلى هذا الأساس يكون الحب امكانية لنقل الوعي والعواطف الانسانية الى حالة رضى. ان الشعور المشترك بالسعادة عن طريق الحب يقود الانسان الى اقامة علاقات حميمية مع غيره من البشر. ويؤثر الحب على الانسان بشكل ساحر ويتحول العاشق من خلال الحب الى انسان آخر.
كثيراً مايظهر الحب وكأنه لغز. كل منا يعرفه ولكن يصعب تعريفه.وفي بعض الآحيان نكتشف الحب عن طريق المعاناة. الحب يضم كل انواع المتع الحسية: القبلات الحارة، النظرات الفاتنة، الحركات الإغوائية، الضم والتقبيل، الشغف واللذة والإغراء. ومع ذلك يمكن ان يعني الحب: الوحشة والكدر والوداع والخسارة. وهذا هو الجانب الآخر للرغبة في الوصول الى السعادة والهناء.
ان كينونة الانسان الفرد هي النقطة المركزية والمثالية في الشرق.وطريق الوعي الذي يمر بمراحل عاطفية عدة له اهمية كبرى عند الانسان الشرقي ويشكل مانع له للوصول الى الممتلكات الفانية او الى الوصول الى اهداف في العالم الخارجي. ان هدف الانسان الشرقي التحرر من هذه الرغبات الكامنة في العالم الخارجي والمتعلقة بالمكان والزمان.علينا ان نفهم موضوع الحب والجنس ضمن هذه المعطيات على انه امكانية لإشباع الرغبات العاطفية التي يفتقدها الانسان في المجتمعلت العربية و الاسلامية. ان الفصل الصارم مابين الجنسين يهدف الى استحالة التواصل مابين الذكر والإنثى، أي في اكثر الأحيان الى حجب جسم المرأة كلياً حتى وجهها. وهذا ماجعل لنشوء لغة جسدية للتعبير عن المحرمات. فمن خلال تعابير الوجه وتلاويح الايدي وكذلك النظرات يتم التواصل مابين الجنسين. والانسان الشرقي بحد ذاته اكثر استعمالاً من الغربي للغة الجسد، فنراه احياناً يُعبر عن شئ مُعين عن طريق الايماءات او الحركات التي تدل على مايقصده.
احياناً نشعر اننا من خلال النظرة قد اُكتشفنا او نحس بإنجذاب جميل الى انسان آخر. واذا كان الحب من اول نظرة هو حب فهذه مسألة أُخرى. لكن من خلال النظرة نشعر بالجاذبية ونرسل ونستقبل الإشارة.
تُعتبر العين في الثقافة العربية منبع للذة الإيروسية. فللعين وظيفة شهوانية مثل اي عضو جنسي آخر. العين تسحر وتغوي. ففي ادب الحب العربي تلعب العين كموتيف دوراً اساسياً. ان التواصل مابين الرجل والمرأة عن طريق العين يُفسر في الشرق على اساس تواصل هدفه الجنس. فالرجل يعتبر نظرة المرأة له دعوة لمارسة الجنس, فهو مسكين ويقع دائما فريسة لاغواء المرأة. وحتى لاتقع الفتنة تم حجب عين المرأة عن الرجل حتى لاتغويه. العين تستقبل وتبث وتثير الشهوة. فالمرأة في الاسلام هي رأس الشهوات.
من ناحية اخرى يمكن ان تُشكل نظرة الرجل في المجتمع العربي الاسلامي لمرأة غريبة خطراً لها. فالرجل ممكن ان يُلوث شرف المرأة بنظرة. ولذلك فانّ العديد من النساء الغربيات يتعجبن من ان بعض الرجال الشرقيين لاينظرون الى المرأة عندما يتحدثون اليها حتى لايقعوا في فخ المرأة حسب رأيهم.
من الناحية الأُخرى تُحاول بعض النساء المحجبات بتزيين العين بالكحل حتى يكون لها تأثير أكبر. وحتى اليوم نلاحظ أهمية النظرة الطاغية في الاغاني العربية.
هناك أيضا تجربة المتصوفة في الحب. فالمتصوفة لم يعرضوا عن الحب، بل على العكس: يشكّل الحب الموضوع الرئيسي في الشعر الصوفي. وهو في الدرجة الاولى ليس تعبيرا عن شعور كما يتصور للذهن. فتعبيرهم عن الحب يحتوي عناصر من الحب الدنيوي الانساني اي العاطفي وحتى الايروسي. ان الحب الصوفي هو بالدرجة الاولى طريق للمعرفة. كان المتصوفة ضد حياة التقشف والرهبنة، لأنهم رفضوا الحياة الجامدة. ففي الحب الصوفي يبقى جانب المتعة اساسيا اضافة الى الجانب الروحي.لقد تغنو في شعرهم وموسيقاهم بلحظات الوجد والشوق والحنان، وبالدرجة الأولى التغني بجمال الحبيب وكل ميزاته. كما فعل ابن عربي في هذه الأبيات:
"اذا ماالتقينا للوداع حسبتنا/ لدى الضمّ والتعنيق حرفا مشدداّ/ فنحن وان كنّا مثنىً شخوصنا/ فما تنظر الأبصار الاّ موحدا/ وما ذاك الا من نحولي ونوره/ فلولا أنيني مارأت لي مشهدا".
يُعتبر التغني بجمال الحبيب في الأدب العربي من أنبل الأشياء. وقد استعمل الشعراء العرب صور من الطبيعة لوصف جمال المرأة: مثل غزالة، ياسمين، ريحان، قمر....
ان الجمال في الشعر العربي له علاقة بالحب. ان البحث عن الحب هوبحث عن الجمال. ان الحب هو الذي يملك قوة الانجذاب الى الجمال. كل شئ محبوب هو جميل. لكن الحب ليس له علاقة فقط بالجمال البصري بل بالجمال الروحي. كل حب جديد هو نوع من المغامرة. وحده الشعر من شأنه ان يفك الغازه. فالحب يبحث عن الذوق والرقة ويجدهما في الشعر. لاأحد يستطيع تعريف الحب بشكل صحيح، ربما الشعر وحده يملك القدرة على التقرب من الحب. فالشعر مثل الحب يعيش من التخيل ومن فيض العواطف. الشعر يحكي عن الشعور الحسي الداخلي وعن الأحلام والغضب والأشواق واللذة والآلام. فالشعر يفتح صندوق الخوف وينزع حجاب الحياء. الشاعر يُعري نفسه ويفصح عن ما في دواخله، عن معاصيه وعن احاسيسه وامنياته.
بعض القصائد العربية اليوم تُشكل فضيحة لمؤلفها، وخاصة اذا كانت أنثى:
"اعرف انه / لم يكن علي / ان ادعه / يكشف عن نهديٌ / كنت اريد فقط / ان اريه انني امرأة / اعرف انه / لم يكن علي / ان اتركه يتعرى / كان يريد / ان يريني انه/ رجل فقط"
هذه القصيدة للشاعرة السورية مرام المصري محاولة استفزازية للمجتمع العربي اليوم. فهي تُعطينا لمحة عن موقف الشعراء الشباب. فهم يتكلمون بوضوح ويسمون الاشياء بإسمها دون مواربة. وهذه القصيدة تعبر عن حالة عامة ناتجة من الخيبة الجنسية، وتتحدث بصراحة تامة عن الرغبات والأماني والشهوات الدفينة للمرأة العربية.
في الماضي كان مسموح للشاعر فقط الكتابة عن حبيبته وعن جسدها. اليوم تتكلم المرأة ايضا عن الحبيب، وعن الجسد ورغباته، وبهذا تتنصل من المعايير القديمة للمجتمع الذي تعيش فيه، وذلك من حيث المحتوى او اللغة.
. ففي قصة "عالمي المجهول" تكتب القاصة المصرية اليفة رفعت:
"وامتدت اصابعها تدغدغني. وفمها الرقيق يمتص سموم رغبتي. وينفث رحيق نشوتي ورحت في غيبوبة المسرة اللذيذة الممتعة."
ان التمسك بحق التعبير الفردي بحد ذاته هو جزء من الحداثة العربية اليوم. ان التركيز على جسد المرأة والكتابة عن رغباته خارج الجماعة، اي التركيز على الرغبات الفردية للأُنثى هو بحد ذاته شئ جديد في الأدب العربي الحديث. والنصوص النسائية الجديدة هي صورة عن حياة الأنثى العربية: الإشتهاء والشغف. ولغتها بسيطة ومباشرة وتُعبر عن الاعتزاز بالنفس كأنثى. لم تعد هذه النصوص النسائية كما كان في الماضي شكوى عن احوال المرأة.
المرأة تكتب عن الحب بشكل آخر عما يكتبه الرجل. فعندما يتكلم الرجل عن الحبيبة لانراه اليوم يتجرأ في الدخول في المحرّمات ومع ذلك يُسمى مايكتبه فن عظيم بينما عندما تتجرأ المرأة على ذلك فهذه الفضيحة. فالجسد في حالة غياب وتهميش، خاصة جسد المرأة في الخطاب الثقافي العربي السائد. ترتدي المرأة ارضاً محرمة بالنسبة لهم.
فالشاعرة الشابة المصرية فاطمة قنديل تقول في مقابلة اجريتها معها في القاهرة: " بدأت المرأة في إكتشاف العالم، واكتشاف العالم بوجهة نظري يبدأ في إكتشاف الانسان لجسده. المرأة العربية بدأت في إكتشاف جسدها وحضوره في هذا العالم. وأعتقد ان هذا الاكتشاف هو الشئ المؤرق والشئ الذي سيحجبونه. لأن هذا الإكتشاف سيحمل المخبوء والمسكوت عنه والذي لم يتم التصريح عنه لفترة طويلة جداً. هي عاصفة آتية بلا شك."
المرأة في مجتمعاتنا العربية بدأت بالتصدي للمحرمات الجنسية وتكتشف جسدها وكينونته في هذا العالم وهذا مايُثير المجتمع. إن إستكشاف الذاتية التي لم تٌهشم بعد في المجتمع الذكوري هو موضوع ادب النسائي العربي الحديث. وبهذا يتنصلن الكاتبات العربيات من المنهج المتبع في المجتمعات العربية من حيث اللغة والمحتوى. وهذا يقود الى تحدي العائلة والمجتمع. ففي احدى قصائدها تقول الشاعرة السورية امل الجراح: "أنا العاشقة المبتلة / امرأة من الشرق انا/ وراء بيت ابي/ الف قفل وقفل"
تدور هذه النصوص حول الصراع للوصول الى الحبيب، حول اللهو بالنظرات بين الجنسين. لأن المرأة لم تعد تُريد ان تنحجب، تُريد ان تٌظهر جسدها ليس كموضوع جنسي وانما كحق في التعبير عن الناحية الإيروسية في جسد المرأة. واذا لم تتمكن المرأة من اخذ حريتها تلجأ الى الشعر. كما تفعل الشاعرة المصرية ايمان مرسال في قصيدتها" ليس هذا برتقالاً ياحبيبي":
"اجلس امام المرآة، في تدريب شاق/ لإزالة الرائحة التي تركتها شفتان على عنقي"
اليوم نرى المرأة اكثر جرأة من الرجل في تعرضها للمحرم الجنسي اكان في الأدب ام في السينما.
مثال على ذلك هذا المقطع من رواية الكاتبة السورية سلوى النعيمي، "برهان العسلً التي صدرت العام الماضي.
"كنت أصل إليه مبللة وأول ما يفعله هو أن يمد إصبعه بين ساقي يتفقد "العسل" كما كان يسميه، يذوقه ويقبلني ويوغل عميقاً في فمي وأقول له: من الواضح أنك تطبق تعاليم الدين وتوصيات كتب شيوخي القدماء: أعلم أن القبلة أول دواعي الشهوة والنشاط وسبب الإنعاش والانتشار، ومنه تقوم الذكور وتهيج النساء، ولا سيما إذا خلط الرجل بين قبلتين بعضة خفيفة وقرصة ضعيفة."
وفي السينما فقد أُنتجت خلال السنوات الأخيرة العديد من المخرجات أعمالا سينمائية جريئة مثل فيلم "دنيا" للفلسطينيّة مي المصري، و"نساء بلا ظلال". للسعودية هيفاء المنصور.
في الماضي كان هناك محافظة لدى الكاتبات العربيات في معالجة قضايا الجنس. كانت المرأة العربية تخجل في الكلام عن الجنس والحب علناً كما هو في الادب الغربي. فالمرأة ممنوعة بشكل خاص من البوح عن رغبتها في الحب واختيار الحبيب، اي ممنوعة عن حقها في جسدها.
لقد اغفلت الكتابات العربية الجانب الحسي للإنسان. وجاءت هذه النصوص بعيدة عن الحياة اليومية، مليئة بالعموميات وكأن الجنس شئ روحي لايمثل جزء من الحياة اليومية. في بعض البلدان العربية تُشكل الكتابة عن الجنس بالنسبة للمرأة اكثر خطراً من الكتابة عن السياسة والدين. لأن الثقافة العربية مازالت ثقافة ذكورية. مازالت الكاتبة تُحاسب عن نصوصها وكأن كل ماتكتبه عايشته بنفسها.
تسود حاليا ً أفكارا في المجتمعات العربية الاسلامية تُحرم الحديث عن الجسد في اللغة الادبية، مع ان الثقافة الشعبية حافلة بالأحاديث والحكايات والاشعار والامثال عن الجنس بلغة مباشرة دون رموز.
الفتاة العربية تتربى على الخوف من الجنس الآخر. لأن الرجل ينظر الى المرأة نظرة جنسية فقط، فهي غاوية وما على الرجل الا ان يفترسها. للأسف تحول الجنس من شئ جميل وممتع الى شئ عائق. الخوف من الجنس لأنه يعني الفوضى ويجب ان يتم ضمن مؤسسة الزواج فقط.
ان معطم العادات والتقاليد العربية وكذلك القيم الدينية تُدين اي علاقة حب خارج مؤسسة الزواج. وهي لا تُعيب على الرجل وانما فقط على المرأة التي تتعرض الى العقوبة الجسدية من العائلة. ان المرأة محرومة من المبادرة في علاقات الحب مع الرجل. فالمرأة التي تعشق في المجتمعات العربية والاسلامية هي امرأة غير اخلاقية، اما الرجل فهو فحل. وهذا ماتطرقت اليه الكاتبة السورية غادة السمان بجرأة عبر العديد من كتاباتها.
يأخذ الجنس في الثقافة العربية حيزاً كبيراً. ويسيطر الهاجس الجنسي على الحياة اليومية. وهو يتحكم بالعلاقات الإنسانية حتى بتفاصيلها الدقيقة، بالعمل، بالأحاديث،باللباس، بالأفراح والأتراح بكل شئ. فهو يتحكم بكل المعايير والنظم الاجتماعية. فاكثر العلاقات الانسانية يكون الجنس جزء كبير منها. وسببه هو هذا الجوع الجنسي الطاغي على الحياة العربية. فالكلام عن الحب والجنس يتم على اساس انهما ظاهرتان اباحيتان داخل النسق الاجتماعي العام. ففد خضعت لآداب الجنس والحب لقوانين انضباطية صارمة. الجنس هو احد اهم المواضيع في الجلسات العربية بين الشباب والشابات، بسبب هذا الحرمان الذي تتعرض له الأجيال الشابة وخاصة الفتاة..
يشعر الرجل العربي بالمتعة واللذة في الحديث عن المغامرات الجنسية ليبرهن عن فحولته التي يعتز بها. يعتقد الرجل العربي ان رجولته تكمن في الحصول على عشيقات كثيرات او في تقربه من النساء. فقوته الجنسية هي التي تمنحه مكانة كبيرة في مجتمعه. والعقم الجنسي هو عار على الرجل، لأنه سيظهر امام الناس وكأنه فقد رجولته، اي لم يعد فحلا. .
كان العرب في القديم اكثر انفتاحاً على هذه المواضيع واكثر صراحة. بينما اليوم يفتقد الأدب العربي الحديث للنصوص الايروسية. هناك بوادرعبر الإنترتت.
رغم أن الثقافة الإسلامية لاتجد حرجا في الحديث عن الأمور الجنسية وشرح تفاعلاتها، هناك ازمة حضارية في موضوع الجنس بسبب الفهم الخاطئ لحق المرأة في المتعة الجنسية كما للرجل
النقد العربي يهاجم الأدب الإيروسي ويسميه كتابة اباحية. مازال الادب العربي محافظ من ناحية موضوع الجنس. هناك خوف كبير لأ ن هذا الموضوع مازال يُثير الفزع والخجل. وكم من الكتب تم منعها في الفترة الأخيرة بحجة انها كتب اباخية تُمثل خطراً على المجتمع.
الجنس جزء مهم من حياة الإنسان، نمارسه يومياً ويجب ان يكون مادة ادبية مثل اي شيئ آخر يهمنا. موضوع الأدب منذ البدء حتى الآن هو الحب والموت. يحتل الجنس في الأدب العالمي ،المكانة المهمة اليوم يُعاني الشباب فبي المجتمعات العربية الاسلامية من الكبت الجنسي
هناك تناقض في النظرة الى المرأة فجسدها يجب ان يُغطى ويُحجب عن أعين الآخرين، وهو يٌشكل "طريق الرذيلة". المرأة قابلة للإغراء، وبهذا فهي تجلب المشاكل للعائلة. جسد المرأة يُمثل الفوضى في الثقافة الإسلامية والرجل مسكين فهو ضحية النساء المثيرات. ظهور أي جزء من جسد المرأة يثير العربي جنسيا. المرأة في المجتمعات العربية الاسلامية ينبغي أن تكون عفيفة اي ان تستر وجهها ويديها عن الرجال الغرباء ، لأن محاسنها وجمالها تكمن في وجهها، حتى لايفتن بها احد غير زوجها. تُحصر المرأة في جسدها، وهذا مايُعرضها للتحرشات والإغتصاب، لأن المسألة الجنسية مازالت مُقيدة. وهذا مايدفع العديد من النساء للزواج من اي شخص حتى لايعشن عوانسا ولا يُسمح لهن بإشباع رغباتهن الجنسية. الزواج إحدى وسائل الإشباع ، ولكنه ليس الوحيد في المجتمعات المتقدمة . العلاقة الإيروسية والعاطفية بين الجنسين ليست متاحة للشباب في المجتمع العربي الاسلامي الاّ في الزواج. والبديهية، ويُشكل الجنس مشكلة بحد ذاته خاصة بالنسبة للمرأة. وكل علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج هو جريمة بالنسبة للمرأة تُعاقب عليها بالموت احياناً. ومن ناحية اخرى يتمتع هذا الجسد بأهمية قصوى لامثيل لها ويُحاط بهالات وطقوس عندما يكون جسد الأمومة.
مع انتشار الانترنت اصبح هناك مُتنفس للشباب. لقد حطم الانترنت نوعاً ما من حواجز الفصل مابين الجنسين، ففسح المجال للفتاة وللشاب للبوح برغباتهم وحتى بإستعراض اجسامهم ومفاتنهما.
* عن مجلة فكر وفن العدد 86 عام 2007
.
اغوته كما تغوي المرأة.
مال اليها، ضمَّها الى صدره.
ستة ايام وسبع ليال مع المرأة
رأته حيوانات البرية مع المرأة
أنكرته، أجفلت، نفرت عنه،
فاغتمَّ أنكيدو، خارت قواه، وهَن جسده
إلفُه فارقه، خذلته ركبتاه،
قعد لم يعُد يقوى على الركض.
.........
ستة ايام وسبع ليال ضاجع المرأة .
تنوّر ذهنه وقلبه.
(من ترجمة عابد عازرية)
هكذا يُصبح انكيدو بطل ملحمة جلجامش السومرية، الذي ترعرع في البرية وعاش مع الحيوان. ان لقاءه بغانية المعبد، معبد عشتار، هو الذي حوله من انسان بدائي الى انسان متمدن، ينسى تاريخه الحيواني ويصبح جزءاً من المجتمع الحضاري. فالجنس هو المعبر الذي قاد انكيدو من البدائية الى المدنية ومن الوحشية الى الأنسنة ومن عدم المعرفة الى الحكمة.
دوّنت ملحمة جلجامش قبل حوالي خمسة آلاف عام. فقبل ظهور الديانات التوحيدية كان الجنس والخصوبة مقدّسين ويعبّران عن جانب إلهي في الإنسان. في ذلك الوقت كانت الإلهة الأنثى تتمتع بمكان عال بين الآلهة . وفد رُمز لها ولجمالها وخصوبتها في الحضارات الشرقية الكبرى، حضارة بلاد الرافدين والسورية والمصريّة بأشكال فنية جميلة: فظهرت الإلهة الكبرى على شكل جسد عار. وأحيانا تمتطي ثورا .
كان الجنس عند الشعوب الشرقية القديمة رمزا للخصوبة وجزءا اساسيا للتعايش والأُلفة بين البشر. وتتمخض عنه حياة جديدة، ولهذا كان لخصوبة الانثى مكان الصدارة. لم تكن المرأة عندهم مانحة للحياة فقط بل هي التي تُحافظ على إستمرار الوجود البشري على الأرض.
ففي مراكز العبادة كانت وظيفة الكاهنات تعليم البشر أُصول الجنس وممارسته. وخلف ذلك كان الإعتقاد بأن الإنسان في ممارسته لشعائره الجنسية يستطيع العيش في مجتمعه بانسجام كامل. فالإنسان الذي لا يقيم علاقات طبيعية مع جنسه ومع الجنس الآخر يبقى عديم الاستقرار و شخصيته مُصابة بالإضطراب النفسي في تطورها. لقد ولع الانسان الشرقي بالجسد وتفنن في التغزل بمفاتنه في النصوص التي دونها.
ومع مجيء التوحيد كبتت الديانات السماوية الثلاثة الجنس خاصة عند الأ نثى. فمثلاً كانت الكنيسة تلعن الجنس وتدعو المؤمنين الى التقشف في الممارسة الجنسية وجعلتها وسيلة للانجاب فقط لا للذة.
لقد نفت الكنيسة الرغبة الجنسية وشيطنت اللذة الجسدية، خاصة عند الأنثى التي دعتها للعيش في تقشف. وقدست عذريتها. فالحياة المليئة باللذة كانت بالنسبة لرجال الكنيسة عمل مناف للتعاليم المسيحية. حيث يقول مؤسس الكنيسة بولس الرسول في احدى رسائله الى أهل كورنثوس: "فمن استطاع الاستغناء عن الجنس فليفعل فهذا الافضل."
ومن هنا نجد ان رجال الدين في الكنيسة الكثوليكية لايتزوجون. وحسب التعاليم الكنسية فالمسيحي في الفردوس هو انسسان معدوم الرغبة الجنسية. ينعم فقط بالحضور الالهي. ان هذا الفصل مابين الروح والجسد، الذي بدأ مع الحضارة الإغريقية، قاد الى انتشار الشعور بالذنب في مجال الرغبة الجنسية. وتتحدث الكنيسة بصريح العبارة عن الخطيئة والإثم في ممارسة المتعة الجنسية. ان الخطيئة الأولى التي ارتكبها آدم وحواء في الفردوس كانت لممارستهم هذه اللذة.
فالاسلام يرى في جسد الانسان واحاسيه هبة الهية. فهو لاينكر المتعة الجنسية عند الانسان لانه يعتبرها ناحية ممتعة وجميلة في حياة البشر. وعلى العكس، حض الاسلام على تحقيق الرغبات الجنسية ورأى في الايروسية صفحة جميلة في حياة الانسان. فالجنس في الاسلام هو مُتعة ولذة تنتظر المؤمن في الجنة، حيث تُلبّى كل رغباته. فالفردوس في الاسلام هو مكان لاتوجد به حد فاصل مابين المقدس والغريزة الجنسيّة. فالجنس يمكن التلذذ به مثل اي مُتعة أخرى. والحديث عن الجنس في المجتمعات العربية و الاسلامية هو مباشر دون مواربة. لكن الاسلام اعطى الحرية الجنسية لأنصاره الرجال فقط.
يعتقد المسلمون بان مصير البشر هو ان يعبروا عن رغباتهم الإيروسية. لكن يجب ان يتم الحب الجسدي والروحي في مجال مُنظم حتى يتم مراقبته. لقد كان ابن سينا قبل اكثر من الف سنة يوصي الشباب بان لا يقمعوا رغباتهم الجنسية حتى لايصابوا بأمراض نفسية. وهكذا شجعهم بإسلوب علمي حديث على التمتع بالجنس بدون قيود. لقد كان هذا الفيلسوف صاحب عمل فكري يمكن ان نطلق عليه "فلسفة المتعة".فالجنس بالنسبة اليه نعمة منحها الله للإنسان
لم يفرض الاسلام قوانين مثالية في الجنس بل تكلم عن المتطلبات الحسية وعن المتعة. فالجنس في الحضارة الاسلامية يُشكل احدى الطاقات التي يجب تصريفها والاستمتاع بها. العنصر الجنسي في الحضارة الاسلامية هو من صلب الممارسة الدينية. ان الجنس المنظم هو شئ ضروري وخلاق. ان الجسد في الاسلام له رغباته ونوازعه. لكن جسد المرأة هو عورة يجب حجبه خوفا منه.
والإسلام يعتبر الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية فى تركيب الإنسان التى يجب أن يتم تصريفها والانتفاع بها فى إطار الدور المحدد لها شأنها فى ذلك شأن سائر الغرائز الأخرى . وحين يعترف الإسلام بوجود الطاقة الجنسية فى الكائن البشري ، فإنه يحدد له الطريقة لتصريف هذه الطاقة.
وبذلك، لا يعتبر الامتناع عن الجنس حالة أخلاقية في الاسلام، ولهذا رفض الاسلام الرهبنة واعتبر العزوبة أمراً سيئا ًوكان دائما يحث المؤمنين على الزواج المبكر لاشباع غرائزهم الجنسية. فعملية الزواج يمكن ان تتم بسهولة ولا تحتاج الى طقوس وشعائر كما في المسيحية. عقد الزواج ليس سوى مجرد كلمات يتفوه بها كل من الرجل والمرأة ليحدث الزواج ويتمكن الزوجان فورا من ممارسة الجنس!
ونلاحظ أن الإسلام قد تحدث عن المسألة الجنسية بشكل صريح في ادبياته. حتى ولوأنّ هناك اليوم العديد من التيارات المتشددة التي لها رأي معاكس والتي تتشدد في نظرتها للجنس عند المرأة، يبقى الجنس مسألة اساسية في الثقافة العربية والاسلامية.
لقد ترك العرب في الماضي العديد من المؤلفات التي تتحدث عن الحب والجنس بحرية مُطلقة، نصوص حول فن الجنس والإغراء، و نصائح عملية في الممارسة الجنسية بلغة واضحة دون مواربة، وكانت تُسمى الأشياء بإسمها حتى الأعضاء الجنسية للمرأة والرجل.
ان أهمية الناحية الجنسية في الشرق نجدها في غنى اللغة العربية بالمفردات والمتيفات؟ والتعابير والصور والتشابيه التي تتحدث عن الحب. مثل: الهوى، الصبابة، الشغف، العشق، اليتّم؟، الجوى، الشجو، الشوق، الغمرات، اللوعة، الشّهُد، اللهف، الفتون، الجنون، الهيام، الغرام، الغزل، الود، الوله. فالانسان العربي يستشهد بأبيات شعرية عندما يتكلم عن الحب. والمكتبة العربية الكلاسيكية حافلة بالكتب الجنسية.
وقد اتسم الحب في المجتمعات العربية المدنية في العصور الاموية والعباسية والاندلسية بالاباحية والبهجة والعبث والشهوة. فقصص الف ليلة وليلة تُفدم الجنس تفديماً جمالياً.
لقد زخرت الحياة اليومية عند العرب في العصور السابقة بالممارسات الجريئة التي تفتقدها اليوم وتمتلئ الكتب بقصص واشعار وأحاديث تتناول مواضيع الحب والجنس بحرية لامثيل لها. وقد حوت هذه النصوص على عبارات صريحة وواضحة وعالجت بجرأة فائقة مسائل تُعد اليوم من المحرمات.
وهذا مايدل عليه الأدب الايروسي الجميل الذي انبهرت به اروبا. واليوم نجد ندرة هذه النصوص . والحق أن الكتب التراثية القديمة كانت أجرأ في مجال الكلام على الحب والجنس والملذات، وهذه النصوص تقدم كل ما يحتاجه الانسان إلى معرفته عن الجنس وملذاته.
ان الكلام عن العلاقات الجنسية بين البشر لم يكن يوماً محظوراً في العصور العربية المزدهرة. والذين كتبوا هذه النصوص كانوا في الغالب علماء فقه ودين. على اساس ان "الله يحب الجمال". فقد كان الشعراء يتكلمون عن الايروسية بدون مواربة. ففي المدن العربية كانت الحياة الجنسية مُزدهرة حتى بين المثلين؟.
وقد عرف العرب انواع كثيرة من فنون اللذة الجنسية. لم يكن الجنس فقط للتكاثرفحسب وانما ممارسة ضرورية للانسان. ففي حوار مابين الاصمعي وامرأة من بني عذرة نموذج لهذا :
"ما هو العشق؟"
فاجابته: "الغمزة والقبلة والضمة. فما هو عندكم؟"
فقال: "ان يرفع رجليها ويدفع بجهده بين شفريها"
التوق الى الإنسجام والسعادة والرضى جزء من حياتنا. وهذا يتجلى احياناً في لحظات حب سعيدة وفي لحظات ولع وشغف. لكن السعادة تبقى لحظة عابرة. مع ذلك حاول البشر خلال آلاف السنين بإستمرار ان يُسجلوا هذه اللحظة. . فالحب أو العشق هما قوة هائلة، تنجم عن تجربة خلاقة نحشد لها كل ادراكنا الحسي.
وفي كل العصور حاول الانسان ان يُعبر عن التوق لهذه التجربة عن طريق الموسيقا والشعر. واحيانا يكون الحب والإيروسية في الشعر ليس فقط موضوع ادبي وانما محاولة للتقرب من العالم الغريب.
الحب شئ للتحرر، وليس للحصر. الحب يعني ايضاً ان تكون مقبولا وكذلك الاحساس بالتضامن. هل مازال لدينا في هذا العصر حيث حياتنا اليومية منظمة بشكل متكامل متسعا من الوقت لأن نتمتع بالحب والإيروسية. هل فقدنا الاحساس بالجمال في حياتنا؟ هل باستطاعتنا ان نتحدث بحرية كاملة عن سعادة الحب؟ ان لغتنا اصبحت اكثر فقراً في صخب وحمم الحياة المنسقة. لكن ماذا يبقى لنا عندما يباهتنا فجأة الوجوم.
في هذا العصر الذي نعيشه حيث الخوف من التقرب والارتباط يطغي على علاقتتنا الانسانية يتحول الحب الى شئ مثالي ممزوج بالشوق الى شئ من الود والرفق والإنس والتفهم والحنان والثقة. وهذا مايشعر به الانسان العربي الذي يعيش في غربة داخل مجتمعه.
الحب يجمع الحياة والموت، يُحرر الجسد ويُريح النفس ويُعطي الانسان الذي يشعر بغربة داخلية قوة. فالانسان الذي يخاله ضعيفا وضائعا يحصل عن طريق الحب الوعي بالنفس ويشعر بالسمو. الحب له علاقة بالجاذبية، بالعفوية والحنان وكذلك باالمجاملة.
الحب شئ حميمي خاص يعيشه الانسان مع الآخر. ويبقى هدف البشر في مجرى حياتهم التحرر من الرغبات التي يُمليها عليهم العالم الخارجي، المُقيدة بالزمان والمكان. وعلى هذا الأساس يكون الحب امكانية لنقل الوعي والعواطف الانسانية الى حالة رضى. ان الشعور المشترك بالسعادة عن طريق الحب يقود الانسان الى اقامة علاقات حميمية مع غيره من البشر. ويؤثر الحب على الانسان بشكل ساحر ويتحول العاشق من خلال الحب الى انسان آخر.
كثيراً مايظهر الحب وكأنه لغز. كل منا يعرفه ولكن يصعب تعريفه.وفي بعض الآحيان نكتشف الحب عن طريق المعاناة. الحب يضم كل انواع المتع الحسية: القبلات الحارة، النظرات الفاتنة، الحركات الإغوائية، الضم والتقبيل، الشغف واللذة والإغراء. ومع ذلك يمكن ان يعني الحب: الوحشة والكدر والوداع والخسارة. وهذا هو الجانب الآخر للرغبة في الوصول الى السعادة والهناء.
ان كينونة الانسان الفرد هي النقطة المركزية والمثالية في الشرق.وطريق الوعي الذي يمر بمراحل عاطفية عدة له اهمية كبرى عند الانسان الشرقي ويشكل مانع له للوصول الى الممتلكات الفانية او الى الوصول الى اهداف في العالم الخارجي. ان هدف الانسان الشرقي التحرر من هذه الرغبات الكامنة في العالم الخارجي والمتعلقة بالمكان والزمان.علينا ان نفهم موضوع الحب والجنس ضمن هذه المعطيات على انه امكانية لإشباع الرغبات العاطفية التي يفتقدها الانسان في المجتمعلت العربية و الاسلامية. ان الفصل الصارم مابين الجنسين يهدف الى استحالة التواصل مابين الذكر والإنثى، أي في اكثر الأحيان الى حجب جسم المرأة كلياً حتى وجهها. وهذا ماجعل لنشوء لغة جسدية للتعبير عن المحرمات. فمن خلال تعابير الوجه وتلاويح الايدي وكذلك النظرات يتم التواصل مابين الجنسين. والانسان الشرقي بحد ذاته اكثر استعمالاً من الغربي للغة الجسد، فنراه احياناً يُعبر عن شئ مُعين عن طريق الايماءات او الحركات التي تدل على مايقصده.
احياناً نشعر اننا من خلال النظرة قد اُكتشفنا او نحس بإنجذاب جميل الى انسان آخر. واذا كان الحب من اول نظرة هو حب فهذه مسألة أُخرى. لكن من خلال النظرة نشعر بالجاذبية ونرسل ونستقبل الإشارة.
تُعتبر العين في الثقافة العربية منبع للذة الإيروسية. فللعين وظيفة شهوانية مثل اي عضو جنسي آخر. العين تسحر وتغوي. ففي ادب الحب العربي تلعب العين كموتيف دوراً اساسياً. ان التواصل مابين الرجل والمرأة عن طريق العين يُفسر في الشرق على اساس تواصل هدفه الجنس. فالرجل يعتبر نظرة المرأة له دعوة لمارسة الجنس, فهو مسكين ويقع دائما فريسة لاغواء المرأة. وحتى لاتقع الفتنة تم حجب عين المرأة عن الرجل حتى لاتغويه. العين تستقبل وتبث وتثير الشهوة. فالمرأة في الاسلام هي رأس الشهوات.
من ناحية اخرى يمكن ان تُشكل نظرة الرجل في المجتمع العربي الاسلامي لمرأة غريبة خطراً لها. فالرجل ممكن ان يُلوث شرف المرأة بنظرة. ولذلك فانّ العديد من النساء الغربيات يتعجبن من ان بعض الرجال الشرقيين لاينظرون الى المرأة عندما يتحدثون اليها حتى لايقعوا في فخ المرأة حسب رأيهم.
من الناحية الأُخرى تُحاول بعض النساء المحجبات بتزيين العين بالكحل حتى يكون لها تأثير أكبر. وحتى اليوم نلاحظ أهمية النظرة الطاغية في الاغاني العربية.
هناك أيضا تجربة المتصوفة في الحب. فالمتصوفة لم يعرضوا عن الحب، بل على العكس: يشكّل الحب الموضوع الرئيسي في الشعر الصوفي. وهو في الدرجة الاولى ليس تعبيرا عن شعور كما يتصور للذهن. فتعبيرهم عن الحب يحتوي عناصر من الحب الدنيوي الانساني اي العاطفي وحتى الايروسي. ان الحب الصوفي هو بالدرجة الاولى طريق للمعرفة. كان المتصوفة ضد حياة التقشف والرهبنة، لأنهم رفضوا الحياة الجامدة. ففي الحب الصوفي يبقى جانب المتعة اساسيا اضافة الى الجانب الروحي.لقد تغنو في شعرهم وموسيقاهم بلحظات الوجد والشوق والحنان، وبالدرجة الأولى التغني بجمال الحبيب وكل ميزاته. كما فعل ابن عربي في هذه الأبيات:
"اذا ماالتقينا للوداع حسبتنا/ لدى الضمّ والتعنيق حرفا مشدداّ/ فنحن وان كنّا مثنىً شخوصنا/ فما تنظر الأبصار الاّ موحدا/ وما ذاك الا من نحولي ونوره/ فلولا أنيني مارأت لي مشهدا".
يُعتبر التغني بجمال الحبيب في الأدب العربي من أنبل الأشياء. وقد استعمل الشعراء العرب صور من الطبيعة لوصف جمال المرأة: مثل غزالة، ياسمين، ريحان، قمر....
ان الجمال في الشعر العربي له علاقة بالحب. ان البحث عن الحب هوبحث عن الجمال. ان الحب هو الذي يملك قوة الانجذاب الى الجمال. كل شئ محبوب هو جميل. لكن الحب ليس له علاقة فقط بالجمال البصري بل بالجمال الروحي. كل حب جديد هو نوع من المغامرة. وحده الشعر من شأنه ان يفك الغازه. فالحب يبحث عن الذوق والرقة ويجدهما في الشعر. لاأحد يستطيع تعريف الحب بشكل صحيح، ربما الشعر وحده يملك القدرة على التقرب من الحب. فالشعر مثل الحب يعيش من التخيل ومن فيض العواطف. الشعر يحكي عن الشعور الحسي الداخلي وعن الأحلام والغضب والأشواق واللذة والآلام. فالشعر يفتح صندوق الخوف وينزع حجاب الحياء. الشاعر يُعري نفسه ويفصح عن ما في دواخله، عن معاصيه وعن احاسيسه وامنياته.
بعض القصائد العربية اليوم تُشكل فضيحة لمؤلفها، وخاصة اذا كانت أنثى:
"اعرف انه / لم يكن علي / ان ادعه / يكشف عن نهديٌ / كنت اريد فقط / ان اريه انني امرأة / اعرف انه / لم يكن علي / ان اتركه يتعرى / كان يريد / ان يريني انه/ رجل فقط"
هذه القصيدة للشاعرة السورية مرام المصري محاولة استفزازية للمجتمع العربي اليوم. فهي تُعطينا لمحة عن موقف الشعراء الشباب. فهم يتكلمون بوضوح ويسمون الاشياء بإسمها دون مواربة. وهذه القصيدة تعبر عن حالة عامة ناتجة من الخيبة الجنسية، وتتحدث بصراحة تامة عن الرغبات والأماني والشهوات الدفينة للمرأة العربية.
في الماضي كان مسموح للشاعر فقط الكتابة عن حبيبته وعن جسدها. اليوم تتكلم المرأة ايضا عن الحبيب، وعن الجسد ورغباته، وبهذا تتنصل من المعايير القديمة للمجتمع الذي تعيش فيه، وذلك من حيث المحتوى او اللغة.
. ففي قصة "عالمي المجهول" تكتب القاصة المصرية اليفة رفعت:
"وامتدت اصابعها تدغدغني. وفمها الرقيق يمتص سموم رغبتي. وينفث رحيق نشوتي ورحت في غيبوبة المسرة اللذيذة الممتعة."
ان التمسك بحق التعبير الفردي بحد ذاته هو جزء من الحداثة العربية اليوم. ان التركيز على جسد المرأة والكتابة عن رغباته خارج الجماعة، اي التركيز على الرغبات الفردية للأُنثى هو بحد ذاته شئ جديد في الأدب العربي الحديث. والنصوص النسائية الجديدة هي صورة عن حياة الأنثى العربية: الإشتهاء والشغف. ولغتها بسيطة ومباشرة وتُعبر عن الاعتزاز بالنفس كأنثى. لم تعد هذه النصوص النسائية كما كان في الماضي شكوى عن احوال المرأة.
المرأة تكتب عن الحب بشكل آخر عما يكتبه الرجل. فعندما يتكلم الرجل عن الحبيبة لانراه اليوم يتجرأ في الدخول في المحرّمات ومع ذلك يُسمى مايكتبه فن عظيم بينما عندما تتجرأ المرأة على ذلك فهذه الفضيحة. فالجسد في حالة غياب وتهميش، خاصة جسد المرأة في الخطاب الثقافي العربي السائد. ترتدي المرأة ارضاً محرمة بالنسبة لهم.
فالشاعرة الشابة المصرية فاطمة قنديل تقول في مقابلة اجريتها معها في القاهرة: " بدأت المرأة في إكتشاف العالم، واكتشاف العالم بوجهة نظري يبدأ في إكتشاف الانسان لجسده. المرأة العربية بدأت في إكتشاف جسدها وحضوره في هذا العالم. وأعتقد ان هذا الاكتشاف هو الشئ المؤرق والشئ الذي سيحجبونه. لأن هذا الإكتشاف سيحمل المخبوء والمسكوت عنه والذي لم يتم التصريح عنه لفترة طويلة جداً. هي عاصفة آتية بلا شك."
المرأة في مجتمعاتنا العربية بدأت بالتصدي للمحرمات الجنسية وتكتشف جسدها وكينونته في هذا العالم وهذا مايُثير المجتمع. إن إستكشاف الذاتية التي لم تٌهشم بعد في المجتمع الذكوري هو موضوع ادب النسائي العربي الحديث. وبهذا يتنصلن الكاتبات العربيات من المنهج المتبع في المجتمعات العربية من حيث اللغة والمحتوى. وهذا يقود الى تحدي العائلة والمجتمع. ففي احدى قصائدها تقول الشاعرة السورية امل الجراح: "أنا العاشقة المبتلة / امرأة من الشرق انا/ وراء بيت ابي/ الف قفل وقفل"
تدور هذه النصوص حول الصراع للوصول الى الحبيب، حول اللهو بالنظرات بين الجنسين. لأن المرأة لم تعد تُريد ان تنحجب، تُريد ان تٌظهر جسدها ليس كموضوع جنسي وانما كحق في التعبير عن الناحية الإيروسية في جسد المرأة. واذا لم تتمكن المرأة من اخذ حريتها تلجأ الى الشعر. كما تفعل الشاعرة المصرية ايمان مرسال في قصيدتها" ليس هذا برتقالاً ياحبيبي":
"اجلس امام المرآة، في تدريب شاق/ لإزالة الرائحة التي تركتها شفتان على عنقي"
اليوم نرى المرأة اكثر جرأة من الرجل في تعرضها للمحرم الجنسي اكان في الأدب ام في السينما.
مثال على ذلك هذا المقطع من رواية الكاتبة السورية سلوى النعيمي، "برهان العسلً التي صدرت العام الماضي.
"كنت أصل إليه مبللة وأول ما يفعله هو أن يمد إصبعه بين ساقي يتفقد "العسل" كما كان يسميه، يذوقه ويقبلني ويوغل عميقاً في فمي وأقول له: من الواضح أنك تطبق تعاليم الدين وتوصيات كتب شيوخي القدماء: أعلم أن القبلة أول دواعي الشهوة والنشاط وسبب الإنعاش والانتشار، ومنه تقوم الذكور وتهيج النساء، ولا سيما إذا خلط الرجل بين قبلتين بعضة خفيفة وقرصة ضعيفة."
وفي السينما فقد أُنتجت خلال السنوات الأخيرة العديد من المخرجات أعمالا سينمائية جريئة مثل فيلم "دنيا" للفلسطينيّة مي المصري، و"نساء بلا ظلال". للسعودية هيفاء المنصور.
في الماضي كان هناك محافظة لدى الكاتبات العربيات في معالجة قضايا الجنس. كانت المرأة العربية تخجل في الكلام عن الجنس والحب علناً كما هو في الادب الغربي. فالمرأة ممنوعة بشكل خاص من البوح عن رغبتها في الحب واختيار الحبيب، اي ممنوعة عن حقها في جسدها.
لقد اغفلت الكتابات العربية الجانب الحسي للإنسان. وجاءت هذه النصوص بعيدة عن الحياة اليومية، مليئة بالعموميات وكأن الجنس شئ روحي لايمثل جزء من الحياة اليومية. في بعض البلدان العربية تُشكل الكتابة عن الجنس بالنسبة للمرأة اكثر خطراً من الكتابة عن السياسة والدين. لأن الثقافة العربية مازالت ثقافة ذكورية. مازالت الكاتبة تُحاسب عن نصوصها وكأن كل ماتكتبه عايشته بنفسها.
تسود حاليا ً أفكارا في المجتمعات العربية الاسلامية تُحرم الحديث عن الجسد في اللغة الادبية، مع ان الثقافة الشعبية حافلة بالأحاديث والحكايات والاشعار والامثال عن الجنس بلغة مباشرة دون رموز.
الفتاة العربية تتربى على الخوف من الجنس الآخر. لأن الرجل ينظر الى المرأة نظرة جنسية فقط، فهي غاوية وما على الرجل الا ان يفترسها. للأسف تحول الجنس من شئ جميل وممتع الى شئ عائق. الخوف من الجنس لأنه يعني الفوضى ويجب ان يتم ضمن مؤسسة الزواج فقط.
ان معطم العادات والتقاليد العربية وكذلك القيم الدينية تُدين اي علاقة حب خارج مؤسسة الزواج. وهي لا تُعيب على الرجل وانما فقط على المرأة التي تتعرض الى العقوبة الجسدية من العائلة. ان المرأة محرومة من المبادرة في علاقات الحب مع الرجل. فالمرأة التي تعشق في المجتمعات العربية والاسلامية هي امرأة غير اخلاقية، اما الرجل فهو فحل. وهذا ماتطرقت اليه الكاتبة السورية غادة السمان بجرأة عبر العديد من كتاباتها.
يأخذ الجنس في الثقافة العربية حيزاً كبيراً. ويسيطر الهاجس الجنسي على الحياة اليومية. وهو يتحكم بالعلاقات الإنسانية حتى بتفاصيلها الدقيقة، بالعمل، بالأحاديث،باللباس، بالأفراح والأتراح بكل شئ. فهو يتحكم بكل المعايير والنظم الاجتماعية. فاكثر العلاقات الانسانية يكون الجنس جزء كبير منها. وسببه هو هذا الجوع الجنسي الطاغي على الحياة العربية. فالكلام عن الحب والجنس يتم على اساس انهما ظاهرتان اباحيتان داخل النسق الاجتماعي العام. ففد خضعت لآداب الجنس والحب لقوانين انضباطية صارمة. الجنس هو احد اهم المواضيع في الجلسات العربية بين الشباب والشابات، بسبب هذا الحرمان الذي تتعرض له الأجيال الشابة وخاصة الفتاة..
يشعر الرجل العربي بالمتعة واللذة في الحديث عن المغامرات الجنسية ليبرهن عن فحولته التي يعتز بها. يعتقد الرجل العربي ان رجولته تكمن في الحصول على عشيقات كثيرات او في تقربه من النساء. فقوته الجنسية هي التي تمنحه مكانة كبيرة في مجتمعه. والعقم الجنسي هو عار على الرجل، لأنه سيظهر امام الناس وكأنه فقد رجولته، اي لم يعد فحلا. .
كان العرب في القديم اكثر انفتاحاً على هذه المواضيع واكثر صراحة. بينما اليوم يفتقد الأدب العربي الحديث للنصوص الايروسية. هناك بوادرعبر الإنترتت.
رغم أن الثقافة الإسلامية لاتجد حرجا في الحديث عن الأمور الجنسية وشرح تفاعلاتها، هناك ازمة حضارية في موضوع الجنس بسبب الفهم الخاطئ لحق المرأة في المتعة الجنسية كما للرجل
النقد العربي يهاجم الأدب الإيروسي ويسميه كتابة اباحية. مازال الادب العربي محافظ من ناحية موضوع الجنس. هناك خوف كبير لأ ن هذا الموضوع مازال يُثير الفزع والخجل. وكم من الكتب تم منعها في الفترة الأخيرة بحجة انها كتب اباخية تُمثل خطراً على المجتمع.
الجنس جزء مهم من حياة الإنسان، نمارسه يومياً ويجب ان يكون مادة ادبية مثل اي شيئ آخر يهمنا. موضوع الأدب منذ البدء حتى الآن هو الحب والموت. يحتل الجنس في الأدب العالمي ،المكانة المهمة اليوم يُعاني الشباب فبي المجتمعات العربية الاسلامية من الكبت الجنسي
هناك تناقض في النظرة الى المرأة فجسدها يجب ان يُغطى ويُحجب عن أعين الآخرين، وهو يٌشكل "طريق الرذيلة". المرأة قابلة للإغراء، وبهذا فهي تجلب المشاكل للعائلة. جسد المرأة يُمثل الفوضى في الثقافة الإسلامية والرجل مسكين فهو ضحية النساء المثيرات. ظهور أي جزء من جسد المرأة يثير العربي جنسيا. المرأة في المجتمعات العربية الاسلامية ينبغي أن تكون عفيفة اي ان تستر وجهها ويديها عن الرجال الغرباء ، لأن محاسنها وجمالها تكمن في وجهها، حتى لايفتن بها احد غير زوجها. تُحصر المرأة في جسدها، وهذا مايُعرضها للتحرشات والإغتصاب، لأن المسألة الجنسية مازالت مُقيدة. وهذا مايدفع العديد من النساء للزواج من اي شخص حتى لايعشن عوانسا ولا يُسمح لهن بإشباع رغباتهن الجنسية. الزواج إحدى وسائل الإشباع ، ولكنه ليس الوحيد في المجتمعات المتقدمة . العلاقة الإيروسية والعاطفية بين الجنسين ليست متاحة للشباب في المجتمع العربي الاسلامي الاّ في الزواج. والبديهية، ويُشكل الجنس مشكلة بحد ذاته خاصة بالنسبة للمرأة. وكل علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج هو جريمة بالنسبة للمرأة تُعاقب عليها بالموت احياناً. ومن ناحية اخرى يتمتع هذا الجسد بأهمية قصوى لامثيل لها ويُحاط بهالات وطقوس عندما يكون جسد الأمومة.
مع انتشار الانترنت اصبح هناك مُتنفس للشباب. لقد حطم الانترنت نوعاً ما من حواجز الفصل مابين الجنسين، ففسح المجال للفتاة وللشاب للبوح برغباتهم وحتى بإستعراض اجسامهم ومفاتنهما.
* عن مجلة فكر وفن العدد 86 عام 2007
.
صورة مفقودة