نقوس المهدي
كاتب
إن الوعي بمفهوم النسوية الذي ظهر للمرة الأولى عام 1882، في الغرب الأوروبي، دفع بحركة تحريرية نهضوية تدعو إلى موجة نضال من أجل اكتساب حق الاقتراع.. كما تبدى في موجة مواكبة للثورة الثقافية النسوية بعد عام 1968في فرنسا، وهي ما استتبع بكثير من كتابات مفعمة بالغضب والدهشة.
ولن يلهينا المعاصر عما تضمنه التراث العربي القديم، من معطيات ورؤى حول النسوية والجسد والجنس والايروتيكية بعمومها. فكل من قرأ معلقة امرئ القيس والمشاهد الإيروتيكية التي كتبت بلغة شفافة، رقراقة، يسيل لها اللعاب (محمد برادة)! هكذا منذ الجاهلية، ومروراً بشعراء المجون والخلاعة، وإشراقات المتصوّفة.. وربما قبلها جميعًا وبعدها، حكايات «ألف ليلة وليلة».
ويبقى السؤال: ما المقصود بالنسوي؟
سؤال طرحه الناقد محمد عبدالمطلب، ليرد قائلا: إن الأنثى في المعجم خلاف الذكر في كل شيء، والأنثوي لا يعبر عن نوعية السرد، فالأنثى يضم البشري وغير البشري، وهو غير المقصود. وبالمثل لا يصلح السرد المؤنث، لأن المؤنث والمذكر صفتان لغويتان لا ترتبطان بحقيقة الانتماء الجنسي، فهناك المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي (مثل فاطمة ثم الشمس). يتبقى مصطلح «النسوي والنسائي» وهما جمع امرأة، أي يمكن استخدام أي منهما هنا.
ونخلص إلى أن الجسد شغل الروائيين (ذكورًا وإناثا), فانشغل النقد وبات «الجسد» وجهة للنقد. وندعي أن الجسد، وعلى كل دلالاته لعب دورًا مهمًا في جوهر ملامح رواية التمرد/ المقاومة، ويعد الجسد ومفاهيمه مدخلا مهمًا في فهم الوعي واللاوعي الجمعي. إذا كان مفهوم الجسد من مدخل اللغة يشي بدلالات عامة.. ففي «لسان العرب» كلمة «بدن» تعنى الامتلاء والتقدم في السن, وكلمة «جثة» تشير إلى الجسم متصفا بالاكتمال, وكلمة «جسم» تعني الضخامة والعظمة أو الهيبة والاعتلاء وبذل الجهد, وكلمة «الجرم» بكسر الجيم تعني الجسد.
أما مادة «الجسد» فهي الوحيدة مما سبق التي تلتصق بالإنسان, من حيث ماهيته، وتستبعد معنى الامتلاء أو معنى الهيئة الخارجية. وقال ابن منظور»: الجسد هو جسم الإنسان. وبذلك يكون للجسد ومن المدخل اللغوي مفهوما أوليا مما نعنيه حول: علاقة مفهوم «المقاومة» والتعبير بالجسد.
أما الاقتراب الصوفي من دلالات الجسد, فيقول ابن عربي، إن الجسم الإنساني من أشرف الأجسام لأنه محل كمال الظهور الإلهي. ويمكن القول إن الخطاب الصوفي ينظر إلى الجسد بوصفه حجابا مرحليا, حيث يبدأ الصوفي بالعزلة والزهد لعزل الجسد، رغبة في الوصول إلى الحق.. والمعرفة النورانية.
والآن هل يمكننا القول بدلالة الجسد المقاومية للتواصل المباشر لما هو أدنى إلى ما هو أسمى وأعلى, أي مقاومة بمعنى ما, وإن لم تكن ما نعنيه بالمقاومة (التي هي الحركة المعبرة عن الهوية, المتطلعة إلى الحرية, من أجل الخلاص الجمعي.. وليس خلاصًا فرديًا).
أما الفكر الفلسفي فقد ظل ينظر إلى الإنسان على أنه على حالة ثنائية : النفس والجسد, وكثيرًا ما رفع الفيلسوف شأن النفس على الجسد في مجمل الفلسفة الإغريقية وعلى رأسها أفلاطون, وحتى ديكارت. أما سبينوزا فقد وحد بين الجسد والنفس وقال إنهما صفتان مختلفتان في جوهر واحد هو الله. وأكد أصحاب الظاهرية على الربط بين النفس والجسد، على أساس أن الجسد الظاهرات ليس مجرد موضوع, ولا هو أداة من أدوات الشعور والوعي, بل هو الأساس والأصل, ولكل سلوك عنه وظيفة ومعنى ما.
وفي رؤية علم الاجتماع – خصوصا في البحث عن العلاقة بين المقاومة والجسد- ربما يكاد يحدد اهتمام علم الاجتماع في مشكلة التحكم في الجسد وضبطه.
إن وظيفة المجتمع تتلخص في: إعادة إنتاج سكانه في الزمان, التحكم في الأجسام في المكان, كبح الجسد الداخلي أو الرغبات, حضور الجسد الخارجي في المجتمع.. (أحمد زايد (وكأن الجسد هو تاريخ مجتمعه, كما أن الجسد في ذاته تعبير حي عن أحوال وأزمات المجتمع, فالجسد الذي يعانى من مرض فقر الدم، هو التعبير الفعلي لأزمة الفقر.. أو أن أمراض سوء التغذية هي نتيجة الجهل العلمي وغير ذلك. وتظل «المقاومة» بمعنى ما، قائمة بين تضاد النفس والجسد, ثم الفرد والمجتمع, لتبقى فاعليتها التي تعني تلك المواجهة الايجابية، في إطار صالح الجماعة. فلما تريد الجماعة «بطلا» فهي في الحقيقة وفي الأصل، تدافع عن نفسها وبقائها حرة محتفظة بهويتها.. أليست «المقاومة» هي التعبير عن الجماعة الواعية بهويتها الساعية إلى حريتها.
إن النظرة البانورامية في الأدب النسوي (العربي)، تبدو الروائية العربية على ثلاثة أحوال:
■ حال تجسد فيه المرأة/ الروائية موضعها بوصفها منتجة للرواية (قد تبدو على درجة من التمرد على الذكر أو السلطة الذكورية)، بإعلاء إيجابيات المرأة مقابل سلبيات الرجل.. وبالتالي تبدو الأنثى/ الروائية/ الرؤية/ النص، في نسيج واحد هو النص المنتج.
■ وحال تبدو عليه المرأة غير عابئة بشيء، أكثر من كونها (امرأة) بعيدًا عن تعمد التمرد/ المقاومة الواعية أو القصدية. وتبدو خصوصية تلك الحالة، في خصوصية الوعي (وعي المرأة) بمفردات جسدها، وتقدمه الروائية جليا، فيتشكل الجسد/ النص بخصوصيته.. وبالتالي الأنثى/ الروائية مشاركة الذكر، في البوح الذي هو نسيج النص.
■ § ثم الحال الثالث الذي عبر عنه «النقد الثقافي»، بحال إنتاج «الأنثى الثقافية»، وهو يعنى بإبراز دور المجتمع بعاداته وتقاليده وأعرافه، بل وكل جوانبه الروحية، في تشكيل (الأنثى)، بحيث تصبح فرزًا اجتماعيًا لسلبيات أو إيجابيات المجتمع.
وفي المنطقة الثالثة تقوم المرأة/ الروائية فيه بإنتاج (الأنثى الثقافية)، أي الأنثى التي شكلتها الثقافة بمكوناتها المادية والروحية، حيث تتداخل العادات والتقاليد والأعراف والتنشئة، أي تصبح المرأة منتجًا اجتماعيًا.
لعله من المناسب الآن، سرد تعريف (نحته كاتب المقال) حول «أدب المقاومة»، هو: «الأدب المعبر عن الجماعة الواعية بهويتها، الساعية إلى حريتها، في مواجهة الآخر المعتدي، من أجل الخلاص الجمعي».. ولا يقتصر المعنى والدلال على أدب التجربة الحربية فقط.. بل يتشابك مع كل القضايا والمعضلات الاجتماعية أو التي يواجهها الفرد في المجتمع. لذلك «أدب المقاومة» هو أكثر أنماط الأدب التي يتم فيها توظيف الجسد على مجمل تمثلاته, مثل تمثيل الجسد الثقافي الاجتماعي, تمثيل الجسد الطبيعي, تمثيل الجسد الأيديولوجي.. ربما يرجع ذلك لاهتمام أدب المقاومة بالعلاقات الملتبسة أحيانا بين الفرد مع المجتمع, والعلاقات الوطيدة، معا، بغرض إبراز عناصر القوة والضعف في الأنا الجمعي, في مقابل عناصر القوة والضعف في الآخر المعتدي، حيث أدب المقاومة كاشف ومحفز للعمل من أجل الجماعة (والخلاص الجمعي).. وهو ما يوضح دوره للتعبير عن العلاقات الوطيدة مع المجتمع في حالات الخطر أو التهديد الخارجي. ومن جانب آخر يعد «الجسد» هو وسيلة حية وإيجابية في مفهوم المقاومة, وهو المبتدأ والمنتهى, حتى ان كان الخطر عدوانا خارجيًا.. وليس أصدق على ذلك من حالات الاستشهاد التي قد تبدو خارقة للعادة أثناء مواجهة الأعداء.
هناك عدد غير قليل من الروايات الايروتيكية، بقلم روائيات عربيات، منها: «مسك الغزال» و«أنها لندن يا عزيزي» لحنان الشيخ.. «خارج الجسد» لعفاف البطانية.. و«اكتشاف الشهوة» لفضيلة زينون.. رواية «برهان العسل» لسلوى النعيمي.. «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي.. بالإضافة إلى عدد من روايات العربية السعودية، التي بدأتها رواية «بنات الرياض».. تناولها النقد، ما أبغيه هو الكشف عن البُعد المقاوم/ المتمرد في الروايات.
ففي رواية «الأنثى» للروائية القطرية هدى النعيمي (كمثال):
«نتعرف على الفتاة الغضة، في السادسة عشرة من عمرها، والمسماة «مى». تبدو ممثلة للبراءة والطموح وقلة الحيلة.. مقابل قيم اجتماعية لم تتشابك معها الصغيرة، ولم تتعرف على أحوالها، إلا عندما (قرر) الأب أن يزوجها من رجل يكبرها في السن، ويتفوق عليها في المال والحنكة والخبرة الحياتية.
لا يتميز الرجل بميزة تغري فتاة مثلها، ترى في المرآة جسدها النافر الفائر، وترى في عيون الناس، وخصوصًا الشباب منهم، لحظة انقضاض تشتهيها كتفاحة نضجت وحان أكلها، ولا ترى غير ذلك، بل عرفت عن الرجل أنه متزوج من أخرى، تقاربه في الخبرة.. ومع ذلك تمت الزيجة، وعاشت تجربة الفتاة الصغيرة المتفتحة للحياة، تطلب للزواج.
لن نتوقف مع حرص الأب على إتمام الزواج لأسباب مالية، حيث عرض العريس مبلغا كبيرا من المال، مقابل الزواج بـ«مي». قد تبدأ أحداث الرواية وبيان الرؤية الخفية من العمل، بعد إتمام إجراءات الزواج.. حيث تحمل «مي» بتوأمين أنثيين. لتبدأ «المفارقات» التي هي سمة اعتمدت عليها الروائية.. الحمل بأنثى، بل أنثيين.. طباع شخصية الزوج على نقيض طباع الزوجة الصغيرة.. حيرة الزوجة أمام سطوة رجل يبدو وكأنه لا يرحم.. وتبرز الروائية أن فارق السن جعل من مفارقة الاشتهاء والرغبة عند الزوجة الصغيرة، لا يقابلها كفاءة وقدرة مناسبة عند الزوج الأكبر سنا.. وقد عالجت الروائية هذه المفارقة تحديدًا بقدر وافر من السرد الساخر، وهي بذلك تبرز جانبا قصديا ورؤيتها الخاصة المتمردة.. كما استخدمت حيلة (كتابة المذكرات) مع «مي».. وهي التي لم تجرب الكتابة من قبل لكنها بدأت تتمرس على الكتابة.
كاتب مصري
henri matisse - algerienne
.
ولن يلهينا المعاصر عما تضمنه التراث العربي القديم، من معطيات ورؤى حول النسوية والجسد والجنس والايروتيكية بعمومها. فكل من قرأ معلقة امرئ القيس والمشاهد الإيروتيكية التي كتبت بلغة شفافة، رقراقة، يسيل لها اللعاب (محمد برادة)! هكذا منذ الجاهلية، ومروراً بشعراء المجون والخلاعة، وإشراقات المتصوّفة.. وربما قبلها جميعًا وبعدها، حكايات «ألف ليلة وليلة».
ويبقى السؤال: ما المقصود بالنسوي؟
سؤال طرحه الناقد محمد عبدالمطلب، ليرد قائلا: إن الأنثى في المعجم خلاف الذكر في كل شيء، والأنثوي لا يعبر عن نوعية السرد، فالأنثى يضم البشري وغير البشري، وهو غير المقصود. وبالمثل لا يصلح السرد المؤنث، لأن المؤنث والمذكر صفتان لغويتان لا ترتبطان بحقيقة الانتماء الجنسي، فهناك المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي (مثل فاطمة ثم الشمس). يتبقى مصطلح «النسوي والنسائي» وهما جمع امرأة، أي يمكن استخدام أي منهما هنا.
ونخلص إلى أن الجسد شغل الروائيين (ذكورًا وإناثا), فانشغل النقد وبات «الجسد» وجهة للنقد. وندعي أن الجسد، وعلى كل دلالاته لعب دورًا مهمًا في جوهر ملامح رواية التمرد/ المقاومة، ويعد الجسد ومفاهيمه مدخلا مهمًا في فهم الوعي واللاوعي الجمعي. إذا كان مفهوم الجسد من مدخل اللغة يشي بدلالات عامة.. ففي «لسان العرب» كلمة «بدن» تعنى الامتلاء والتقدم في السن, وكلمة «جثة» تشير إلى الجسم متصفا بالاكتمال, وكلمة «جسم» تعني الضخامة والعظمة أو الهيبة والاعتلاء وبذل الجهد, وكلمة «الجرم» بكسر الجيم تعني الجسد.
أما مادة «الجسد» فهي الوحيدة مما سبق التي تلتصق بالإنسان, من حيث ماهيته، وتستبعد معنى الامتلاء أو معنى الهيئة الخارجية. وقال ابن منظور»: الجسد هو جسم الإنسان. وبذلك يكون للجسد ومن المدخل اللغوي مفهوما أوليا مما نعنيه حول: علاقة مفهوم «المقاومة» والتعبير بالجسد.
أما الاقتراب الصوفي من دلالات الجسد, فيقول ابن عربي، إن الجسم الإنساني من أشرف الأجسام لأنه محل كمال الظهور الإلهي. ويمكن القول إن الخطاب الصوفي ينظر إلى الجسد بوصفه حجابا مرحليا, حيث يبدأ الصوفي بالعزلة والزهد لعزل الجسد، رغبة في الوصول إلى الحق.. والمعرفة النورانية.
والآن هل يمكننا القول بدلالة الجسد المقاومية للتواصل المباشر لما هو أدنى إلى ما هو أسمى وأعلى, أي مقاومة بمعنى ما, وإن لم تكن ما نعنيه بالمقاومة (التي هي الحركة المعبرة عن الهوية, المتطلعة إلى الحرية, من أجل الخلاص الجمعي.. وليس خلاصًا فرديًا).
أما الفكر الفلسفي فقد ظل ينظر إلى الإنسان على أنه على حالة ثنائية : النفس والجسد, وكثيرًا ما رفع الفيلسوف شأن النفس على الجسد في مجمل الفلسفة الإغريقية وعلى رأسها أفلاطون, وحتى ديكارت. أما سبينوزا فقد وحد بين الجسد والنفس وقال إنهما صفتان مختلفتان في جوهر واحد هو الله. وأكد أصحاب الظاهرية على الربط بين النفس والجسد، على أساس أن الجسد الظاهرات ليس مجرد موضوع, ولا هو أداة من أدوات الشعور والوعي, بل هو الأساس والأصل, ولكل سلوك عنه وظيفة ومعنى ما.
وفي رؤية علم الاجتماع – خصوصا في البحث عن العلاقة بين المقاومة والجسد- ربما يكاد يحدد اهتمام علم الاجتماع في مشكلة التحكم في الجسد وضبطه.
إن وظيفة المجتمع تتلخص في: إعادة إنتاج سكانه في الزمان, التحكم في الأجسام في المكان, كبح الجسد الداخلي أو الرغبات, حضور الجسد الخارجي في المجتمع.. (أحمد زايد (وكأن الجسد هو تاريخ مجتمعه, كما أن الجسد في ذاته تعبير حي عن أحوال وأزمات المجتمع, فالجسد الذي يعانى من مرض فقر الدم، هو التعبير الفعلي لأزمة الفقر.. أو أن أمراض سوء التغذية هي نتيجة الجهل العلمي وغير ذلك. وتظل «المقاومة» بمعنى ما، قائمة بين تضاد النفس والجسد, ثم الفرد والمجتمع, لتبقى فاعليتها التي تعني تلك المواجهة الايجابية، في إطار صالح الجماعة. فلما تريد الجماعة «بطلا» فهي في الحقيقة وفي الأصل، تدافع عن نفسها وبقائها حرة محتفظة بهويتها.. أليست «المقاومة» هي التعبير عن الجماعة الواعية بهويتها الساعية إلى حريتها.
إن النظرة البانورامية في الأدب النسوي (العربي)، تبدو الروائية العربية على ثلاثة أحوال:
■ حال تجسد فيه المرأة/ الروائية موضعها بوصفها منتجة للرواية (قد تبدو على درجة من التمرد على الذكر أو السلطة الذكورية)، بإعلاء إيجابيات المرأة مقابل سلبيات الرجل.. وبالتالي تبدو الأنثى/ الروائية/ الرؤية/ النص، في نسيج واحد هو النص المنتج.
■ وحال تبدو عليه المرأة غير عابئة بشيء، أكثر من كونها (امرأة) بعيدًا عن تعمد التمرد/ المقاومة الواعية أو القصدية. وتبدو خصوصية تلك الحالة، في خصوصية الوعي (وعي المرأة) بمفردات جسدها، وتقدمه الروائية جليا، فيتشكل الجسد/ النص بخصوصيته.. وبالتالي الأنثى/ الروائية مشاركة الذكر، في البوح الذي هو نسيج النص.
■ § ثم الحال الثالث الذي عبر عنه «النقد الثقافي»، بحال إنتاج «الأنثى الثقافية»، وهو يعنى بإبراز دور المجتمع بعاداته وتقاليده وأعرافه، بل وكل جوانبه الروحية، في تشكيل (الأنثى)، بحيث تصبح فرزًا اجتماعيًا لسلبيات أو إيجابيات المجتمع.
وفي المنطقة الثالثة تقوم المرأة/ الروائية فيه بإنتاج (الأنثى الثقافية)، أي الأنثى التي شكلتها الثقافة بمكوناتها المادية والروحية، حيث تتداخل العادات والتقاليد والأعراف والتنشئة، أي تصبح المرأة منتجًا اجتماعيًا.
لعله من المناسب الآن، سرد تعريف (نحته كاتب المقال) حول «أدب المقاومة»، هو: «الأدب المعبر عن الجماعة الواعية بهويتها، الساعية إلى حريتها، في مواجهة الآخر المعتدي، من أجل الخلاص الجمعي».. ولا يقتصر المعنى والدلال على أدب التجربة الحربية فقط.. بل يتشابك مع كل القضايا والمعضلات الاجتماعية أو التي يواجهها الفرد في المجتمع. لذلك «أدب المقاومة» هو أكثر أنماط الأدب التي يتم فيها توظيف الجسد على مجمل تمثلاته, مثل تمثيل الجسد الثقافي الاجتماعي, تمثيل الجسد الطبيعي, تمثيل الجسد الأيديولوجي.. ربما يرجع ذلك لاهتمام أدب المقاومة بالعلاقات الملتبسة أحيانا بين الفرد مع المجتمع, والعلاقات الوطيدة، معا، بغرض إبراز عناصر القوة والضعف في الأنا الجمعي, في مقابل عناصر القوة والضعف في الآخر المعتدي، حيث أدب المقاومة كاشف ومحفز للعمل من أجل الجماعة (والخلاص الجمعي).. وهو ما يوضح دوره للتعبير عن العلاقات الوطيدة مع المجتمع في حالات الخطر أو التهديد الخارجي. ومن جانب آخر يعد «الجسد» هو وسيلة حية وإيجابية في مفهوم المقاومة, وهو المبتدأ والمنتهى, حتى ان كان الخطر عدوانا خارجيًا.. وليس أصدق على ذلك من حالات الاستشهاد التي قد تبدو خارقة للعادة أثناء مواجهة الأعداء.
هناك عدد غير قليل من الروايات الايروتيكية، بقلم روائيات عربيات، منها: «مسك الغزال» و«أنها لندن يا عزيزي» لحنان الشيخ.. «خارج الجسد» لعفاف البطانية.. و«اكتشاف الشهوة» لفضيلة زينون.. رواية «برهان العسل» لسلوى النعيمي.. «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي.. بالإضافة إلى عدد من روايات العربية السعودية، التي بدأتها رواية «بنات الرياض».. تناولها النقد، ما أبغيه هو الكشف عن البُعد المقاوم/ المتمرد في الروايات.
ففي رواية «الأنثى» للروائية القطرية هدى النعيمي (كمثال):
«نتعرف على الفتاة الغضة، في السادسة عشرة من عمرها، والمسماة «مى». تبدو ممثلة للبراءة والطموح وقلة الحيلة.. مقابل قيم اجتماعية لم تتشابك معها الصغيرة، ولم تتعرف على أحوالها، إلا عندما (قرر) الأب أن يزوجها من رجل يكبرها في السن، ويتفوق عليها في المال والحنكة والخبرة الحياتية.
لا يتميز الرجل بميزة تغري فتاة مثلها، ترى في المرآة جسدها النافر الفائر، وترى في عيون الناس، وخصوصًا الشباب منهم، لحظة انقضاض تشتهيها كتفاحة نضجت وحان أكلها، ولا ترى غير ذلك، بل عرفت عن الرجل أنه متزوج من أخرى، تقاربه في الخبرة.. ومع ذلك تمت الزيجة، وعاشت تجربة الفتاة الصغيرة المتفتحة للحياة، تطلب للزواج.
لن نتوقف مع حرص الأب على إتمام الزواج لأسباب مالية، حيث عرض العريس مبلغا كبيرا من المال، مقابل الزواج بـ«مي». قد تبدأ أحداث الرواية وبيان الرؤية الخفية من العمل، بعد إتمام إجراءات الزواج.. حيث تحمل «مي» بتوأمين أنثيين. لتبدأ «المفارقات» التي هي سمة اعتمدت عليها الروائية.. الحمل بأنثى، بل أنثيين.. طباع شخصية الزوج على نقيض طباع الزوجة الصغيرة.. حيرة الزوجة أمام سطوة رجل يبدو وكأنه لا يرحم.. وتبرز الروائية أن فارق السن جعل من مفارقة الاشتهاء والرغبة عند الزوجة الصغيرة، لا يقابلها كفاءة وقدرة مناسبة عند الزوج الأكبر سنا.. وقد عالجت الروائية هذه المفارقة تحديدًا بقدر وافر من السرد الساخر، وهي بذلك تبرز جانبا قصديا ورؤيتها الخاصة المتمردة.. كما استخدمت حيلة (كتابة المذكرات) مع «مي».. وهي التي لم تجرب الكتابة من قبل لكنها بدأت تتمرس على الكتابة.
كاتب مصري
henri matisse - algerienne
صورة مفقودة
.