الياس العطروني - أدب غرف النوم

اعتماد بعض الروائيين العرب عامة واللبنانيين خاصة على المسألة الايروتيكية لانجاز الشهرة يفتح الباب على مصراعيه أمام نقاش قضية مهمة، وإن بدت لدى البعض شكلية في مجال الكتابة الروائية، ويطرح سؤالاً مركزياً تتمحور القضية برمتها حوله (علاقة الأخلاق بالأدب) وهل الحرية في مجال الكتابة، والكتابة الروائية تحديداً تفرض الرمي بالأخلاق في صندوق القمامة؟..
وهل يمكن لكتابة روائية هي افراز حالة اجتماعية موروثة منذ قرون أن تحلق بعيداً عن هذا الموروث المتراكم؟!. ناسية الواقع بجذوره العميقة؟.. ومهملة للتقاليد التي بني قسم كبير من النسيج الاجتماعي على أسسها؟..
لا أرى أن مفهوم الحرية بمعناها المطلق الذي يحاولون إلباس ثوبه لموجة التعري الروائي، لا أرى أن مفهوم الحرية هذا هو الدافع إلى هذه الموجة.
فالأمر ليس مرتبطاً بمفهوم الحرية إنما هو مرتبط بمفهوم السوق والسلعة، هو نوع من الترويج تماشياً مع المفاهيم السائدة الآن في العالم، فثمة حروب وصراعات تصل إلى حدود الاحتلالات أسبابها ومنشأها وعناصر تكوينها تعود إلى نظرية السوق والترويج، ومن ضمنها طبعاً المادة الأولية وكل هذا يندرج ضمن فلسفة «المجتمع الاستهلاكي» التي تسود العالم وهذا ينعكس على كافة القطاعات ومن ضمنها الكتابة الروائية. وللتدليل على صحة ذلك لا بد من ذكر هذه الحادثة التي تعطي صورة واضحة.
ناشرٌ في بيروت طبع كتاباً محيراً في وصفه، إباحي؟.. ايروسي؟.. تراثي؟... أو لعل كل هذه الصفات مجتمعة.
وربطاً بنظرية السوق أوصل بيده الكتاب (ولا نقول أكثر من ذلك) إلى الجهات المعنية بالمنع..
وبالفعل صدر قرار بمنع الكتاب من التداول وصودرت كميات منه، فماذا كانت النتيجة؟.. راح يباع سراً خصوصاً في لندن بعشرات الدولارات للنسخة.
ان مقاربة الجسد في الرواية لوثة مؤقتة سيسأم أصحابها قريباً وربما كان السبب جهل أصحابها بالتراث العربي، وأنهم سيعودون إلى حظيرة الأدب عندما يهجرون (رائحة الجسد) إلى (عطر الجسد) والتعبير الأخير للروائي خيري الذهبي.
بعض الكتّاب الجدد من الجنسين يظنون أن هناك زحمة وأماكن محجوزة في الحضور الروائي، وان عليهم اجتراح المعجزات للوصول إلى حيث يطمحون بالوصول.
وبما ان زمن المعجزات قد ولى، فقد اعتمدوا مبدأ (خالف تُعرف) وكان الاتجاه إلى الايروتيكية أو الإباحية، أو (البورنوية) إلى آخر الصفات.
ما يغنينا أكثر في هذه الظاهرة انها ولدت عندنا، فأول الغيث كان في مهد دافئ عندنا.
واللافت أكثر أن أقلام نسوية ساهمت في تدشين هذا العهد الميمون.. أما لماذا عندنا؟!
فذلك شرحه يطول، وان كان بعضه معروفاً، ثم انتقلت الموجة بالمفرق إلى مصر حيث ظهرت بعض الكتابات ومن ثم انتشارها عربياً.
أما لمذا بدأت هذه الظاهرة تعم.
فلا شك ان الوضع العربي العام مؤهل لمثل هذا الظهور، ففي عصر الانهيارات والتشرذم والتفكك عليك أن تنتظر وتتوقع أي شيء.
أما الآن وبعد وصول من وصل إلى مراكز الحكم في الوطن العربي... (والخير لقدام)..


.
Le nuage oiseau, par Lyonel Feininger
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...