نقوس المهدي
كاتب
عندما يذهب المواطن - أي مواطن - بنفسه إلي بائع الصحف، ويشتري جريدة أخبارالأدب تحديدا ويدفع ثلاثة جنيهات، فهو قارئ خاص جدا ، يبحث عن الثقافة أو يشتغل بها علي هذا النحو أو ذاك،أما الباحث عن الشهوة الفانية واللذة الزائلة حسب تعبير السيد وكيل النيابة الذي أحال طارق الطاهر رئيس التحرير والروائي أحمد ناجي للمحاكمة الجنائية ــ العياذ بالله- بسبب نشر الأخير فصلا من رواية له ، وصدرت كاملة عن دار التنوير بالقاهرة منذ أكثر من عام.. هذا الباحث عن الشهوة الفانية واللذة الزائلة يستطيع بسهولة ويسر أن يدخل علي المواقع الإباحية المتوافرة علي الانترنت ، أو يشاهد أفلام البورنو إلخ إلخ .. وفي هذه الأيام كل شئ مباح ومتوافر.
لذلك يبدو أمر الإحالة للمحاكمة ركيكا جدا وينتمي لعصور التخلف الفج، والأنكي أن هذا الأمر يتحدث عن نشر "مقال" أو "مادة كتابية"، ولم يشر مطلقا ولم ينتبه إلي أن المنشور فصل من رواية يقرأها قارئ لا يبحث عن الشهوة الفانية، هي ليست مذكرات إيفا أو مادة مكتوبة لإثارة الغرائز والتحريض علي الفسق والفجور والعياذ بالله.
غني عن البيان أن الأعمال الفنية يلعب الخيال الدور الأول فيها ، وعندما يكتب الروائي عملا روائيا يلعب بطولته أحد المجرمين أو القتلة أو امرأة تخون زوجها ، فليس معني هذا أن الروائي يدافع عن القتلة والمجرمين والخائنات ، تلك البديهيات انتهينا منها منذ زمن ، وحرية الإبداع مكفولة بحكم الدستور،وليس مسموحا إهدارها .
ولنتذكر أن تاريخنا الحديث شهد عشرات المعارك الطاحنة التي دفع فيها الكتاب والمفكرون الكثير، وهم علي استعداد لدفع المزيد من أجل حرية الإبداع، الحرية ليست قابلة للتنازل عنها .
لدي اقتراح محدد ومستمد من خبرة قريبة، في أوائل الألفية أصدرت سلسلة إبداعات عربية عن هيئة قصور الثقافة ، التي كان يشرف عليها الروائي الراحل ابراهيم أصلان رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر ، واندلعت بسبب نشرها المظاهرات نتيجة للفهم القاصر والغبي لعدد محدود جدا من العبارات والألفاظ ، وتم علي إثر ذلك تحويل ابراهيم أصلان إلي النيابة والتحقيق معه تمهيدا لمحاكمته.
أتذكر جيدا أن العشرات من الكتاب والفنانين من كل الأجيال والتيارات توجهوا جميعا بصحبة المحامين، وذهبنا إلي مكتب النائب العام ، وقام وفد منا بدخول مكتبه وتسليمه مذكرة مفادها أن هؤلاء العشرات يعلنون تضامنهم مع أصلان ، ويعترفون بارتكابهم التهم الموجهة لهم ويطالبون بمحاكمتهم أسوة بما جري مع أصلان.
بطبيعة الحال أسهم موقف الكتاب والفنانين في إنهاء القضية ، وهو ذات الموقف الذي أطالب الكتاب والفنانين باتخاذه الآن ليس دفاعا عن طارق الطاهر وأحمد ناجي وأخبار الأدب ، بل دفاعا عن وجودنا وحريتنا ، دفاعا عن حرية الإبداع التي تتعرض للانتهاك والتي ماتزال تواجه بدعاوي حسبة تنتمي لأكثر عصور التخلف همجية وجهلا .
رحم الله محمد بك نور وكيل النيابة الذي حقق مع طه حسين بعد صدور كتاب الشعر الجاهلي ،وبعد مناقشات أدبية وفكرية وقانونية ، وبكامل الاحترام لطه حسين أثناء التحقيق ، أصدر نور بك قراره بحفظ البلاغ المقدم من أحد المشايخ ضد طه حسين.. لكن هذا جري منذ قرن من الزمان ..فتأمل.
.
* جريدة اخبار الادب المصرية
07/11/2015
لذلك يبدو أمر الإحالة للمحاكمة ركيكا جدا وينتمي لعصور التخلف الفج، والأنكي أن هذا الأمر يتحدث عن نشر "مقال" أو "مادة كتابية"، ولم يشر مطلقا ولم ينتبه إلي أن المنشور فصل من رواية يقرأها قارئ لا يبحث عن الشهوة الفانية، هي ليست مذكرات إيفا أو مادة مكتوبة لإثارة الغرائز والتحريض علي الفسق والفجور والعياذ بالله.
غني عن البيان أن الأعمال الفنية يلعب الخيال الدور الأول فيها ، وعندما يكتب الروائي عملا روائيا يلعب بطولته أحد المجرمين أو القتلة أو امرأة تخون زوجها ، فليس معني هذا أن الروائي يدافع عن القتلة والمجرمين والخائنات ، تلك البديهيات انتهينا منها منذ زمن ، وحرية الإبداع مكفولة بحكم الدستور،وليس مسموحا إهدارها .
ولنتذكر أن تاريخنا الحديث شهد عشرات المعارك الطاحنة التي دفع فيها الكتاب والمفكرون الكثير، وهم علي استعداد لدفع المزيد من أجل حرية الإبداع، الحرية ليست قابلة للتنازل عنها .
لدي اقتراح محدد ومستمد من خبرة قريبة، في أوائل الألفية أصدرت سلسلة إبداعات عربية عن هيئة قصور الثقافة ، التي كان يشرف عليها الروائي الراحل ابراهيم أصلان رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر ، واندلعت بسبب نشرها المظاهرات نتيجة للفهم القاصر والغبي لعدد محدود جدا من العبارات والألفاظ ، وتم علي إثر ذلك تحويل ابراهيم أصلان إلي النيابة والتحقيق معه تمهيدا لمحاكمته.
أتذكر جيدا أن العشرات من الكتاب والفنانين من كل الأجيال والتيارات توجهوا جميعا بصحبة المحامين، وذهبنا إلي مكتب النائب العام ، وقام وفد منا بدخول مكتبه وتسليمه مذكرة مفادها أن هؤلاء العشرات يعلنون تضامنهم مع أصلان ، ويعترفون بارتكابهم التهم الموجهة لهم ويطالبون بمحاكمتهم أسوة بما جري مع أصلان.
بطبيعة الحال أسهم موقف الكتاب والفنانين في إنهاء القضية ، وهو ذات الموقف الذي أطالب الكتاب والفنانين باتخاذه الآن ليس دفاعا عن طارق الطاهر وأحمد ناجي وأخبار الأدب ، بل دفاعا عن وجودنا وحريتنا ، دفاعا عن حرية الإبداع التي تتعرض للانتهاك والتي ماتزال تواجه بدعاوي حسبة تنتمي لأكثر عصور التخلف همجية وجهلا .
رحم الله محمد بك نور وكيل النيابة الذي حقق مع طه حسين بعد صدور كتاب الشعر الجاهلي ،وبعد مناقشات أدبية وفكرية وقانونية ، وبكامل الاحترام لطه حسين أثناء التحقيق ، أصدر نور بك قراره بحفظ البلاغ المقدم من أحد المشايخ ضد طه حسين.. لكن هذا جري منذ قرن من الزمان ..فتأمل.
.
* جريدة اخبار الادب المصرية
07/11/2015