خليل الرز - الجنس في الرواية

تكاد لا تخلو رواية من قبلة بريئة أو ماجنة، من عناق عابر أو حميم، أو حتى من مجرد ظهور سريع فاتن لربلة ريانة تكون بمثابة إنقاذ فوري لإيقاع رواية بدأ يترهل.

المسألة هنا لا تتعلق فقط بميل الكاتب لإثارة غرائز قارئه، وهي تهمة جاهزة على كل حال، بقدر ما هي إخلاص ملتبس لتقاليد كتابة مادام تاريخ هذه الكتابة ملتصقاً إلى هذا الحد بالعلاقة بين المرأة والرجل وسحرها الجنسي. وأقول «ملتبس» لأن الموضوع، أي موضوع، حين يكون بهذه الوفرة وهذا التنوع إنما يملك كل أسباب الابتذال، فأن تُضمّن الآن روايتك فراشاً حميمياً أمر أكثر من معتاد، ولذا لابد هنا من أن يكون الإخلاص لتقاليد الكتابة ملتبساً أعني أن لا يكون خالصاً، أن لا يفقد المغامرة، فلا ينزلق إلى الجاهز المتكرر في الروايات من قُبلٍ بائتة وسيقان محفوظة عن ظهر قلب. المسألة إذاً كلام بالأداة أيضاً. لقد اكتسبت العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة في تناولها الروائي الطويل من الخبرة ما حوّلها من مجرد موضوع إلى تكنيك به يستطيع المؤلف أن يقول مقولته وعليه يقيم عمارته إذا شاء كما يقيمها على أدواته الكثيرة الأخرى. ولكن هل أنتقص بما سبق من حيوية وأهمية حضور الجسد لذاته في بناء الرواية؟؟ أعني هل أتنكر بالأخلاق الحميدة إذ أحصر الجسد بلا هوادة بدور تقني محدد لا أتسامح معه بأي خروج عليه؟؟ لا أعتقد ذلك، بل أترك هذا الموقف للقادرين بقدرة قادر على تمييز الحدود أو وضعها بين التزام الجسد لدوره في الرواية وبين خروجه عليه، وما أكثر مثل هؤلاء المتبرعين بهذه المواقف الرنّانة الحصيفة التي تصدر أحياناً حتى من بعض الكتاب التائبين أو المفوضين في رواياتهم الرزينة بمهام اجتماعية ثقيلة ينوء تحتها أعتى الأحزاب والمنظمات الحماهيرية. وأرى أن افتراض شطط الجسد في رواية جيدة افتراض ينطوي إما على سوء نية أو على سوء فهم. كيف نفرّق الرواية الجيدة من غيرها؟؟ ليس من المستحيل التواضع على معايير حِرَفية ( وإن اختلفت الأذواق) للوقوف على ذلك. لكن الأهم أن لا نتبنّى مواقف أبدية عقائدية مسبقة من تجليات الجسد الإنساني في رواياتنا على الأقل مادامت تجلياته في الواقع قاصرة، ركيكة، ظالمة، ومشوّهة في غالب الأحيان. وربما كان على الذين لم تقنعهم القراءة ( كمصدر شبه وحيد للمعرفة) بضرورة حضور الجسد وإن كان طاغياً أن يتعرفوا عليه من جديد برؤيته مرة أخرى وأخرى في أعمال الرسامين الكبار منذ ميكيل آنجلو إلى مايكل باركيس وجبر علوان.

.

* خليل الرز - الجنس في الرواية

.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...