أردتُ أن أذهب إلى المقابر مبكرا قليلا عن موعد الجنازة، المصحف في تابلو السيارة، ناولتني أمي جركن الماء فوضعته في الدواسة إلى جواري أمام مقعد الراكب، سأسقي الصبار على قبر أبي وأقرأ له القرآن، أقود ببطء كي لا يندلق الماء بالأرضية، أعبر المطب بحرص فالجركن دون غطاء، ألمحها بعباءتها السوداء على الناحية المقابلة من الأسفلت تشير لي بلهفة, لم أتعرف عليها، بضغط خفيف على الفرامل توقفتُ، نظرتُ في المرآة فرأيتها تعدو نحوي بلا خجل، وقفتْ قبالتي، استندتْ على سقف السيارة و مالت على نافذتي فشعرتْ رأسي بقوة جاذبية صدرها البارز ذي الرائحة التوابلية. كانت تبكي، اللون الأسود يزيد وجهها بياضا، يضرب فيه الدم باحمرار شهيٍِِّ، تصدر صوتا كأزيز موتور كهربائي، تقطعه بآهة تغبّش صورة شفتيها في نظارتي. :"أستاذ.. رايح الجبانة؟"
جلستْ في المقعد الخلفي ورائي، في المرآة أرى نصف رأسها، الطرحة وجبهتها البيضاء، عينيها ورموشها المبللة، وخطين من الدموع تختفي نهايتهما أسفل حد رؤيتي، أجدها جميلة جدا، لا أظنني عرفتها من قبل، لكنها بدت تعرفني وخمنت وجهتي، أو قد عرفتُها قبل أن تصل لهذه الذروة من الأنوثة، تبكي بصوت عال كطفلة، لصوتها نغمة مثيرة، تدفع رأسها للوراء فأرى فمها في المرآة فاتنا، سنّتين أماميتين بين شفتين مكتنزتين بلون الفراولة، مغمضة العينين تتأوه، تنطلق من فمها المفتوح زفرة تضرب مؤخرة رأسي وتنزلق بحرارة مع عمودي الفقري لتنفجر في خصيتيّ وعضوي الذي انتصب كجمل ينهض دون حمل، وهي تستمر في التأوه بفم مفتوح أو مغلق، بدموع لا تجف، أراقبها في المرآة أكثر مما أراقب الطريق، صوتها وجسدها ودموعها لا يمكن أن تنتمي أبدا إلى الحزن، تضع يدها الشهية على ظهر الكرسيّ جوار كتفي، فتنتفخ رأس عضوي في صداع من اللذة، بالكاد أقاوم رغبتي في أن أعصرها بيدي، يضطرب تحكمي في السيارة، يندلق الماء من فوهة الجركن، تعض هي شفتها السفلى وتغيب في أنّةٍ أحرقتني. دون اكتراث للماء صرت أضغط بقوة أكبر على دواسة البنزين.
* عن الف لحرية الكشف في الكتابة والانسان
.
صورة مفقودة