شاكر النابلسي - الحضارة والجنس بين فرويد والغزالي -

-1-
أضاف فرويد عنصراً جديداً لثقافة الجنس في الفكر الغربي، حين اعتبر الجنس جزءاً رئيسياً من الحضارة. وربط بين الرقي الجنسي والحضارة.
وركز فرويد على ممارسة الجنس مع النساء، وليس مع الولدان والغلمان. وانتهى من خلال النساء والرجال إلى علاقة الممارسات الجنسية بالحضارة. واعترف فرويد أن الجنس أساس الحضارة - في حالة تساميه- وكان الجنس المتحضر عند فرويد مركزاً للإبداع.
إلا أن فرويد أقرَّ أن الحضارة ضد الجنس. وأن الحضارة حرب على الجنس. وأن الحضارة طاقة جنسية حُرفت عن هدفها الجنسي نحو أهداف اجتماعية ساميةK لم يعد لها طابع جنسي، كما تقول الباحثة فاطمة المرنيسي في كتابها (الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع، ص 29).
وأعاد فرويد تقييم الجنس عند الرجل والمرأة من خلال الاستنتاج، وتصنيف مساهمات الجنسين في النظام الاجتماعي.
-2-
في كتابه (الجنس والحضارة) يقول الباحث إن ون J.D.Uniun أن انتشار متعة الغلمان، وممارسة الجنس معهم، إهدار للطاقة البشرية، وسبب رئيسي من أسباب هزال الحضارات، وانقراض العهود.
وقد كانت الحضارات تُبنى على التضحية الإجبارية للدوافع الفطرية الغريزية. وبيّن لنا هذا الباحث من خلال دراسة الحضارة الهيلينية، والرومانية، والأنجلوسكسونية، إضافة إلى حضارات أخرى، أن السبب الرئيسي وراء سقوط هذه الحضارات، المُغالاة في ممارسة الجنس، واستنفاذ الطاقة البشرية في الممارسات الجنسية المجانية.
فمن المعروف تاريخياً أن الرومان – مثلاً – بسطوا إمبراطوريتهم على جميع منطقة البحر الأبيض المتوسط، ودامت قرابة ثلاثة قرون، ولكنها انهارت نتيجة الانغماس في الجنس.
كذلك كان حال الحضارة الهلينية.
وكنا نريد من هذا الباحث، أن يتعرض للإمبراطوريات الشرقية في العصر الأموي، والعباسي، والعثماني، والفاطمي، والأيوبي، والمملوكي، وغير ذلك، ويحلل لنا سقوط هذه العهود، وهل كان الإفراط في ممارسة الجنس وخاصة "متعة الولدان وحب الغلمان"، في هذه العهود سبباً رئيسياً كذلك، في سقوط هذه العهود؟
-3-
وهل ما جاء به هذا الباحث، من ربط تاريخي بين سقوط الحضارات والانغماس بالممارسات الجنسية الشاذة، خاصة "متعة الولدان وحب الغلمان"، يفسر لنا أسباب سقوط هذه الإمبراطوريات المختلفة في التاريخ كالفارسية والبيزنطية أمام الغزوات والفتوحات العربية – الإسلامية، التي كان يقودها قادة ويشترك فيها محاربون لم يتدربوا على القتال في الماضي، ولم يخوضوا حروباً طاحنة كالتي خاضوها ضد الفرس والبيزنطيين، ولم يكن لديهم أسلحة فتاكة تؤدي إلى النصر الساحق والغنائم الكبيرة التي حصلوا عليها آنذاك؟
ولكن لنعلم، أن مثل هاتين الإمبراطوريتين كانتا منهارتين أساساً، نتيجة للانغماس في الشهوات والممارسات الجنسية- حسب مقولة هذا الباحث - وأن المحاربين العرب – المسلمين كانوا من جهة مقابلة - في شبق، وتوق، وحرمان من المتعة الجنسية، التي بحثوا عنها، ووجدوها في نساء هذه الأمم، وفي غلمانهم، وولدانهم المُرد، الذين امتلأت بهم حواضر الامبراطوريات العربية- الإسلامية وقصورها، كما يقول لنا معظم المؤرخين في تلك الفترات. ونشير هنا، إلى كتاب المفكر الليبرالي السوري/الفرنسي جورج طرابيشي (شرق وغرب، رجولة وأنوثة: دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية، 1977)، الذي تناول فيه المؤلف أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية المعاصرة. وكتاب (الجنس والحضارة) للفيلسوف الألماني هربرت ماركوزه (1898-1979)، الذي يبرز فيه الصراع بين السلطة القامعة والغرائز البشرية. وبالتالي، فالصراع بين الجنس والحضارة سيكون حتمياً.
وهكذا، سقطت الإمبراطوريتان: البيزنطية والفارسية في أيدي العرب، قبل أن تعيا وعياً كاملاً بوجود الدين الجديد (الإسلام).
-4-
وكان خروج العرب للفتح "هجرة تاريخية" كالهجرة البابلية، والأشورية، والكنعانية، واقتضت أن ينزل الفاتحون خارج شبه الجزيرة العربية، فسكنوا المدن الكبرى والقرى، وعرفوا حضارات جديدة وعمراناً جديداً، وأصبحوا حضراً يرتبطون بالبيت المشيد، بعد أن كانوا بدواً رحلاً.
فإذا كان العرب والمسلمون، قد فتحوا بلاد فارس وبلاد الروم ( مصر والشام) حربياً، فإن هذه البلدان، وهذه الأمم، قد فتحت بلاد العرب حضارياً.
-5-
وأظن أن الجنس، كان العامل الأساسي الفعلي والدافع النافع لغزو العرب لهذه الأمم.
فحلم العربي البدوي - المحروم من الجنس - بالسبايا من النساء، والإماء، والقيان، والجواري، وما كان يسمعه من غنائهنَّ، ويشاهده من فتنتهنَّ، وجمالهنَّ المنتشر في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، ودمشق، ثم في بغداد، كان الدافع لهؤلاء للحرب، والغزو، والمغنم. فالسبايا اللائي لا يتسرى المحارب بهنَّ، ولا يتمتع بهنَّ، يبيعهنَّ في سوق النخاسة، ويحصل من ورائهنَّ على المال. خاصة وأن التجار، كانوا وراء هذه الجيوش المحاربة في أرض المعارك، لشراء الغنائم مباشرة من المحاربين. وهكذا أصبحت الحرب والغزوات مصدراً للجنس والمال.
-6-
وخلافاً لما تتميز به المرأة من سلبية وببرودة جنسية – في رأي فرويد – فإن متطلباتها الجنسية لدى أبي حامد الغزالي تبدو ضرورية وإرضاؤها من قبل الرجل، واجباً اجتماعياً ملحاً.
وعندما تعقد الباحثة، والكاتبة، والناشطة النسائية في مجال حقوق المرأة المغربية فاطمة المرنيسي، المقارنة بين ما يراه الإمام الغزالي(1058-1111م) وبين ما يراه فرويد (1856-1939) في شأن حياة المرأة الجنسية، ترى أن كل منهما يختلف عن الآخر في وجهات نظره، نظراً لعدة عوامل زمانية، ومكانية، وبيئية، ودينية، وعلمية، وثقافية.. الخ. وهو ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار جيداً، بالنسبة للغزالي، وفرويد. وبالنسبة لأي فريقين أحدهما عاش في القرن العاشر، والآخر في القرن العشرين الميلاديين مثلاً.
فقد تأثرت مواقف فرويد/الغزالي حول اللذة الممهدة للاتصال الجنسي تأثراً مباشراً برؤية كل منهما لحياة المرأة الجنسية.
ففي رأي فرويد يجب إعطاء الأولوية للجماع.
وفرويد – على عكس الغزالي - يقلل من أهمية اللذة الممهدة على اعتبار أنها تشكل الحد الفاصل بين الجماع للتناسل وبين جماع الانحراف، الذي يكمن في:
- الإعراض عن الأعضاء التي تحقق الاتصال الجنسي.
- التوقف عند بعض العلاقات الوسيطة التي يتم تجاوزها بسرعة للوصول إلى الهدف الجنسي النهائي.



===============================
* جزء من فصل (الحضارة والجنس) من الجزء الأول من (الجنسانية العربية: أركيولوجيا ممارسات الجسد)


.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...