عبد المحسن يوسف - الزائرة

تلك المجبولة ُ من جمر ٍ سخي ّ ٍ
ومن شهوات ٍ لا تنطفئ .
صباحاً ،
وقفتْ بباب بيتنا الخشبي
المطلي ِّ بزرقة البحر
وصحو السماء .
باب بيتنا حين لامستْه أصابعُها
صار عبقًا كحديقة ِ عطر ..
باب بيتنا أضحى
غارقًا برائحة الياسمين
وشذى الحناء ..
باب بيتنا صار شجرة ً
صار حقلا ..
صار سحابة ً
صار أغنية ً مرحة ..
حين أدركته أعراس أنوثتها ..
الأكرة ُ صارت وردة ً
القفلُ صار برعمًا
العتبة صارت موجة َ عشب ٍ
حين وقفت ببابنا ذاتُ الجسد المنحوت
ذاتُ الجسد المتقن ..
طرقتْ طرْقات ٍ قصيرة ناعمة
بطرقاتها تلك أيقظتْ الجدرانَ النائمة
والشارع المقفر
وجعلت الممرَّ الضيق يتسع كقلب أم ..
الصباح لم يكن باكرا جدا
لكنما الدهشة كانت طرية كالتفاح
والمفاجأة صارت غرقا
حين فتحتُ الباب بكسل ٍ
سقطتُ في الذهول !
بالباب أبصرتُ قمرًا بضًّا
غزالا فارها
غيمة ً مثمرة
بستانا زاخرا بالأنوثة ..
جسدا من بلور ولآلئ
ونخلة ضوء تحتشد

مرتبكا ، وقفتُ أنا .

وأصاب َ لغتي
عطبٌ فريدٌ كأنه الخرس ..
الخرسُ لغةٌ بديلة
وخطابٌ بليغٌ على أي حال ..

ـ " صباح الخير " .. قالتْ .

سالَ عسلٌ ليس يُوصَف
وتدفق منها غنجٌ بهيج ..
هممتُ أن أرد :
ـ " صباح الخير والأنوثة الطاغية ".
لكنما الكلمات بدت خائنة !
ونزَّ مني عرقٌ وافرٌ
وخجلٌ غزير ..

حين رأتْ ارتباكي
وقميصي المبلل بندى الدهشة
وماء الارتباك ..
أشرقتْ في أفق وجهها شمسٌ صغيرة
فأضاءت عتمة قلبي ..
ازددت ارتباكا
غمرتني حيرة كالطوفان
ومسّتْ جسدي كهرباؤها الباسلة
ـ ماذا أقول لهذه المعجزة الشهية ؟
......
.....

* أأمك في الداخل ؟

سألتْ ...
حين سمعتُ خرير صوتها
استحلتُ ماءً
استحلتُ حالة ً غازية
وتبددتُ كالدخان .
وقبل أن ألمَّ شظايايَ وأجيب
كانت قد تدفقت في الفناء كالعطر
والبرق والتماعة المرايا ..
هكذا إذن ..
حطّتْ في فنائنا غيمة ٌ من نساء
وسماءٌ من أنوثة ..
وقفتْ متمايلة ً
وأسندتْ ظهرها للجدار ..
وشرعت أثمارها العليا تهتز .
كاهتزاز شجرة ٍ مسها نسيمٌ ناعم ٌ وخفيف .
رمقتني بنظرة ٍ مشتهاة ٍ
بعينين من غواية ٍ جريئة ..
بطرْف ٍ من شبق ٍ مكبوت ..

في عينيها دعوة

في عينيها لغة ٌ معلنة / لغة واضحة ..
ومن فرط وضوحها بدت لي غامضة ..
بدت عصية ً على القراءة والفهم واليقين .

هادئة ً شرعت ْ تنزه غزلان عينيها

/ تلك الغزلان المشاغبة /
في برية جسدي القاحلة
وبإمعان ٍ أشد
أراحت مطايا بصرها
في واحات ٍ تدرك مسالكها ..
واحات يليق بها العبث
الدعاباتُ الحرّة
والنزهاتُ المشاكسة ..

متلعثما ، قلت :

ـ أمي ليست هنا ..
أمي في ....

وكمن أرادتْ مقاطعتي بمكر ثعلب ٍ

وفطنة كاهن ..
راحت عيناها تمعن التنقيب
في حقول جسدي الخبيئة !
أدركتني رعشة ..
بدوت كعصفور صغير تحت البرد والمطر ..
وكمن يودّ استرداد براءته ، هجست :
ـ ماذا تريد مني هذه الجمرة الهائلة ؟

أمعنتْ في الدلال ..

تمايلتْ أنوثتها الغنية بخبث صريح .
أدركتُ اشتعالي ..
والتهب رمادي الذي كان خاملا
جسدي صار جحيمًا
وحرائق كبرى ..

هي لم تقتربْ

وأنا لم أتقدم ..!
دعوة عينيها كانت بليغة
بيد أني كنت كشجرة ذات جذور طويلة ٍ
ضاربة ٍ في تربة غير مرئية ..
في خجل ٍ عارم ٍ
في خوف ٍ مكرّس ..

طفقت ترسل برقها
كهرباءها
عواصفها
دعواتها الملحة
بيد أني لم أتقدم
وهي لم تتحرك !

فجأة ً

رمقتني بنظرة ٍ غاضبة
بنظرة ازدراء
واندفعت صوب الباب مثل ريح ٍ هائلة ..
مثل مهرة ٍ حرون
مثل حصان ٍ من برق جامح !

أما أنا فقد طفقتُ واقفا مثل صخرة

مثل أبي الهول ..
مثلي !!!

.

 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...