نقوس المهدي
كاتب
مقدمة التحقيق
“بستان الراغبين” كتاب يندرج في سياق ما عُرف في التراث العربي الإسلامي بالأدب الجنسي، أو “أدب النكاح” وفقاً لتسمية الفقهاء ورجال الدين.
ما يلفت الانتباه أنَّ أدب النكاح هذا، ازدهر في العصور الإسلامية الزاهرة. فلم يأنف أئمّة أمثال جلال الدين السيوطي، وجلال الدين التجاني، وغيرهما من وضع كتب متعدّدة في هذا المضمار. في حين غُيّب بعدها، هذا النوع الأدبي وقُمع في العصور المتأخرة، لأسباب سنأتي على ذكرها.
والأدب “الإيروتيكي” وفقاً للتعبير الغربي، أو الجنسي، لم يتبلوَر كفنّ خاصّ مستقل، استناداً إلى صلاح الدين المنجد، إلا مع بداية القرن الثالث الهجري([1]). وهو كما غيره من العلوم والمعارف المدوّنة، نشأ على أساس القرآن والسنّة النبويّة. إذ تحوّلت آيات الذكر الحكيم، وأحاديث الرسول، وأفعاله، وأخباره مع أزواجه وإمائه، وتوجيهاته للمؤمنين، إلى أسس اشتراعية قام الفقهاء بجمعها، وتدوينها، وشرحها في كتبهم. وذلك في فصول طويلة كاملة، كانت كتباً داخل كتب. وعُرفت بكتب النكاح، أو آداب النكاح. ويكاد لا يخلو أيُّ كتاب فقه، لأي مذهب انتمى، من باب في النكاح وآدابه. وهذه الأبواب، بل هذه الكتب داخل الكتب، هي المحاولات والأشكال الأولى، لنمط استقلّ بعدها، وجمع الموعظة والنصيحة، إلى الأحاديث النبويّة والآراء الفقهيّة. ومزج بين الحكايات الإيروتيكية، والوصفات الطبيّة التي تداوي الأمراض الجنسيّة، وتعالج مشاكل العجز وضعف القدرة، وغيرها.
ولعلّ أبرز ما اشتهر من كتب في هذا المضمار، كتاب: “الروض العاطر في نزهة الخاطر” للشيخ النفزاوي (ت725 ﻫ /1324). وكتاب رجوع الشيخ إلى صباه في القوّة على الباه، لحجّة المناظرين أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا (ت940ﻫ).
ومَن يقرأ كتب الفقه والسيرة النبويّة، فقد يُفاجأ للوهلة الأولى، بالأسلوب المباشر، والصراحة التامّة، وتسمية الأشياء بأسمائها، من دون مواربة أو تورية. ما قد يستغربه في نصوص وكتب دينية.
حتى إن بعض شعراء الإسلام سخر مِمّا يجد عند فقهاء الإسلام من نُظم للحيض والجماع. يقول عمر الخيام (433 - 517ﻫ/1040 – 1123) في إحدى رباعياته:
إن كنت تفقه يا هذا الفقيه فَلِم = تلحو فلاسفة دانوا بأفكارِ
هم يبحثون عن الباري وصنعته = وأنت تبحث عن حيضٍ وأقذارٍِ([2]).
ولكن يبطل العجب، إذا فقهنا كنه الرسالة التي حملها النبي العربي، لا سيما في هذا المضمار بالذات فهو القائل: “النكاح سنّتي، فمَن أحبَّ فطرتي فليستنّ بسنّتي”([3]). وللرسول في السياق عينه حديث آخر، أورده البخاري يقول: “حُبّب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء”.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] - صلاح الدين المنجد، الحياة الجنسية عند العرب، دار الكتاب الجديد بيروت.
[2] - الرباعية 176 ضمن مذكرات الشاعر أحمد الصافي النجفي ويليها رباعيات الخيام، تحقيق د. لويس صليبا، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2011.
[3] - إبن حجز العسقلاني، تلخيص التحبير، القاهرة، الدار الفنية المتحدة، ج 3، ص 116، ويرد أيضاً في كنز العمال، واتحاف السادة وغيره.
.
“بستان الراغبين” كتاب يندرج في سياق ما عُرف في التراث العربي الإسلامي بالأدب الجنسي، أو “أدب النكاح” وفقاً لتسمية الفقهاء ورجال الدين.
ما يلفت الانتباه أنَّ أدب النكاح هذا، ازدهر في العصور الإسلامية الزاهرة. فلم يأنف أئمّة أمثال جلال الدين السيوطي، وجلال الدين التجاني، وغيرهما من وضع كتب متعدّدة في هذا المضمار. في حين غُيّب بعدها، هذا النوع الأدبي وقُمع في العصور المتأخرة، لأسباب سنأتي على ذكرها.
والأدب “الإيروتيكي” وفقاً للتعبير الغربي، أو الجنسي، لم يتبلوَر كفنّ خاصّ مستقل، استناداً إلى صلاح الدين المنجد، إلا مع بداية القرن الثالث الهجري([1]). وهو كما غيره من العلوم والمعارف المدوّنة، نشأ على أساس القرآن والسنّة النبويّة. إذ تحوّلت آيات الذكر الحكيم، وأحاديث الرسول، وأفعاله، وأخباره مع أزواجه وإمائه، وتوجيهاته للمؤمنين، إلى أسس اشتراعية قام الفقهاء بجمعها، وتدوينها، وشرحها في كتبهم. وذلك في فصول طويلة كاملة، كانت كتباً داخل كتب. وعُرفت بكتب النكاح، أو آداب النكاح. ويكاد لا يخلو أيُّ كتاب فقه، لأي مذهب انتمى، من باب في النكاح وآدابه. وهذه الأبواب، بل هذه الكتب داخل الكتب، هي المحاولات والأشكال الأولى، لنمط استقلّ بعدها، وجمع الموعظة والنصيحة، إلى الأحاديث النبويّة والآراء الفقهيّة. ومزج بين الحكايات الإيروتيكية، والوصفات الطبيّة التي تداوي الأمراض الجنسيّة، وتعالج مشاكل العجز وضعف القدرة، وغيرها.
ولعلّ أبرز ما اشتهر من كتب في هذا المضمار، كتاب: “الروض العاطر في نزهة الخاطر” للشيخ النفزاوي (ت725 ﻫ /1324). وكتاب رجوع الشيخ إلى صباه في القوّة على الباه، لحجّة المناظرين أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا (ت940ﻫ).
ومَن يقرأ كتب الفقه والسيرة النبويّة، فقد يُفاجأ للوهلة الأولى، بالأسلوب المباشر، والصراحة التامّة، وتسمية الأشياء بأسمائها، من دون مواربة أو تورية. ما قد يستغربه في نصوص وكتب دينية.
حتى إن بعض شعراء الإسلام سخر مِمّا يجد عند فقهاء الإسلام من نُظم للحيض والجماع. يقول عمر الخيام (433 - 517ﻫ/1040 – 1123) في إحدى رباعياته:
إن كنت تفقه يا هذا الفقيه فَلِم = تلحو فلاسفة دانوا بأفكارِ
هم يبحثون عن الباري وصنعته = وأنت تبحث عن حيضٍ وأقذارٍِ([2]).
ولكن يبطل العجب، إذا فقهنا كنه الرسالة التي حملها النبي العربي، لا سيما في هذا المضمار بالذات فهو القائل: “النكاح سنّتي، فمَن أحبَّ فطرتي فليستنّ بسنّتي”([3]). وللرسول في السياق عينه حديث آخر، أورده البخاري يقول: “حُبّب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء”.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] - صلاح الدين المنجد، الحياة الجنسية عند العرب، دار الكتاب الجديد بيروت.
[2] - الرباعية 176 ضمن مذكرات الشاعر أحمد الصافي النجفي ويليها رباعيات الخيام، تحقيق د. لويس صليبا، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2011.
[3] - إبن حجز العسقلاني، تلخيص التحبير، القاهرة، الدار الفنية المتحدة، ج 3، ص 116، ويرد أيضاً في كنز العمال، واتحاف السادة وغيره.
.