نقوس المهدي
كاتب
هل يبالغ الشعراء والفنانون في مديح الأنوثة؟ هل يضفون عليها ما يفوق عطاءاتها وقدراتها نتيجةً لاستبطان الفن كثيراً من الغلو والمبالغة بهاجس الإبهار والإدهاش؟ ولماذا نجد أحياناً هوّةً شاسعة بين النص وصاحبه؟ أو بين النظرية والتطبيق؟ حيث أن عدداً لا يُستهان به من الشعراء المرموقين الذين كتبوا أجمل قصائد الحُبّ لم يكونوا نماذج تُحتذى في علاقتهم بالمرأة عموماً، وبنسائهم على وجه الخصوص. أسئلة كثيرة تخطر في البال كلما قرأنا نصاً جميلاً زاخراً بما يضع الأنثى في مرتبة أعلى وأسمى، حتى يكاد يرفعها أحياناً فوق مصاف البشر. ألم يذهب بلزاك الى اعتبارها «أقرب الكائنات الى الكمال وفي منزلة بين الرجل والملاك»، فيما رأى فولتير في ابتسامتها «شعاعاً من أشعة السماء»؟ الأسئلة كثيرة حقاً لكن ما من أجوبة يقينية، كلُّ يقين يجافي الحقيقة ويحجبها ويحول دون مواصلة البحث عنها، وبهذا المعنى تغدو الأسئلة أهم من الأجوبة، رغم حاجتنا الماسّة الى ما يشفي العقل والغليل.
الأدباء والشعراء مذاهب شتّى، منهم مَن أفنى العمر والحبر في كتابة نصوص الحُبّ والغزل (دائماً نردد أن ثمة فارقاً جوهرياً بين الإثنين، نعود لاحقاً اليه)، ومنهم مَن ترفّع عنهما وغاص في مسائل يعتبرها أجدى وأهم، لكن مع ذلك من النادر جداً أن نجد شاعراً لم يكتب قصيدة حُبّ. الحُبّ صنو العملية الإبداعية، لا يمكننا كتابة حرف واحد بلا حُبّ، قد يكون حُبّ الحرفِ نفسه. المهم أن الكتابة فعل حُبّ قائم بذاته ولذاته. معظم القصص والقصائد الخالدة التي وصلتنا منذ الإغريق واليونان الى يومنا كان محورها الحُبّ والعلاقة بين الجنسين، بما فيها قصص الثأر والإنتقام والقتل الناجمة أصلاً عن حالات غرام قصوى انقلبت الى ضدها، وغالباً ما تكون الكراهية الشديدة وجهاً آخر لِحُبٍّ أشدّ، وكلما تفاقمت وتعاظمت اكتشفنا أنها تضمر في أعماقها وداخل نواتها الصلبة عشقاً مضمراً وولهاً لا قرار له.
من وجهة نظرنا تمثل الأنوثة منجمَ إلهامٍ للكتابة الشعرية نظراً لما تكتنزه الأنوثة من عوالم وأسرار تغري بالإكتشاف. لعبة الغواية المتبادَلة بين الجنسين تولّد ما يشبه الشرر الناجم عن احتكاك حجري صوّان، شررٌ بسيط أحياناً لكنه يكفي لإحراق مدينة برمتها. المرأة الملهِمة ليست بالضرورة المرأة الحبيبة، أو بالأحرى ليست وحدها المرأة الحبيبة. أحياناً يكفي أن تُلقِي عابرة سبيل ابتسامتها في وجه الشاعر حتى تغدو تلك الإبتسامة مفتاحاً لقصيدة تُوهِمُ قارئها أنها ناجمة عن حالة عشق مضطرمة، كأنَّ تلك الإبتسامة عودَ ثقابٍ ضئيلٍ لكنه قادر على إشعال غابة. يحتاج الشاعر لكتابة قصيدته الى مفتاح أو طرف خيط متى توافرَ تدفق حبر القصيدة حاملاً مخزوناً متراكماً في جوف الشاعر. نُشبّه الشعر بالمياه الجوفية المحتاجة رعداً كي تتفجر وتتدفق ينابيعَ وأنهاراً، وكذلك حال الشاعر يحتاج رعوداً عاطفية وروحية ونفسية ووجودية كي تتفجر مخزوناته الشعرية قصائدَ ونصوصاً.
في كتابة المرأة (كتابة المرأة لا الكتابة عن المرأة، وثمة فارق جوهري بين أن نكتبها أو نكتب عنها) نوعان أو نمطان من الشعراء: الأول يُفرغ كل مكنوناته العاطفية على الورق فتبدو قصيدته بالغة الرهافة والعذوبة والرقة، فيما تراه في الواقع فظّاً غليظ القلب واللسان وبالتالي تتسع الهوة بين النص والسلوك، أما الثاني فيعيش قصيدته ويتماهى معها انطلاقاً من فهمه الشعر سلوكاً ونمط حياة وأسلوب عيش وطريقة تعامل مع الوجود والكائنات، ويعلي من شأن الحيّز الأنثويّ الكامن في كل مبدع أياً كان جنسه. فانتباه الشاعر الى هذه المسألة وتصالحه معها يجعله أكثر فهماً للأنوثة ولكيفية التعامل مع حالاتها المتعددة: حبيبة، صديقة، قريبة، ندّاً، خصماً، شريكةً، الخ... مع الإشارة الى أن ثمة امرأة دائمة في لاوعي الشاعر يمكننا تسميتها امرأة القصيدة أو المرأة المستحيلة التي لا تتمثل إلا نصاً أو قصيدة. فهل امرأة الخيال أكثر إلهاماً من امرأة الواقع؟ لعل الواقع يفقدنا جميعاً الكثير من أسباب الإلهام والغواية (نتوسع في الموضوع لاحقاً).
بلى، لولا النساء لكان العالم أقلّ شعراً والحياة أقل سحراً. بل لولاهن لما كانت - وِفقَ الكتاب - كل هذي الحياة الدنيا.
.
renoir - girls beach
الأدباء والشعراء مذاهب شتّى، منهم مَن أفنى العمر والحبر في كتابة نصوص الحُبّ والغزل (دائماً نردد أن ثمة فارقاً جوهرياً بين الإثنين، نعود لاحقاً اليه)، ومنهم مَن ترفّع عنهما وغاص في مسائل يعتبرها أجدى وأهم، لكن مع ذلك من النادر جداً أن نجد شاعراً لم يكتب قصيدة حُبّ. الحُبّ صنو العملية الإبداعية، لا يمكننا كتابة حرف واحد بلا حُبّ، قد يكون حُبّ الحرفِ نفسه. المهم أن الكتابة فعل حُبّ قائم بذاته ولذاته. معظم القصص والقصائد الخالدة التي وصلتنا منذ الإغريق واليونان الى يومنا كان محورها الحُبّ والعلاقة بين الجنسين، بما فيها قصص الثأر والإنتقام والقتل الناجمة أصلاً عن حالات غرام قصوى انقلبت الى ضدها، وغالباً ما تكون الكراهية الشديدة وجهاً آخر لِحُبٍّ أشدّ، وكلما تفاقمت وتعاظمت اكتشفنا أنها تضمر في أعماقها وداخل نواتها الصلبة عشقاً مضمراً وولهاً لا قرار له.
من وجهة نظرنا تمثل الأنوثة منجمَ إلهامٍ للكتابة الشعرية نظراً لما تكتنزه الأنوثة من عوالم وأسرار تغري بالإكتشاف. لعبة الغواية المتبادَلة بين الجنسين تولّد ما يشبه الشرر الناجم عن احتكاك حجري صوّان، شررٌ بسيط أحياناً لكنه يكفي لإحراق مدينة برمتها. المرأة الملهِمة ليست بالضرورة المرأة الحبيبة، أو بالأحرى ليست وحدها المرأة الحبيبة. أحياناً يكفي أن تُلقِي عابرة سبيل ابتسامتها في وجه الشاعر حتى تغدو تلك الإبتسامة مفتاحاً لقصيدة تُوهِمُ قارئها أنها ناجمة عن حالة عشق مضطرمة، كأنَّ تلك الإبتسامة عودَ ثقابٍ ضئيلٍ لكنه قادر على إشعال غابة. يحتاج الشاعر لكتابة قصيدته الى مفتاح أو طرف خيط متى توافرَ تدفق حبر القصيدة حاملاً مخزوناً متراكماً في جوف الشاعر. نُشبّه الشعر بالمياه الجوفية المحتاجة رعداً كي تتفجر وتتدفق ينابيعَ وأنهاراً، وكذلك حال الشاعر يحتاج رعوداً عاطفية وروحية ونفسية ووجودية كي تتفجر مخزوناته الشعرية قصائدَ ونصوصاً.
في كتابة المرأة (كتابة المرأة لا الكتابة عن المرأة، وثمة فارق جوهري بين أن نكتبها أو نكتب عنها) نوعان أو نمطان من الشعراء: الأول يُفرغ كل مكنوناته العاطفية على الورق فتبدو قصيدته بالغة الرهافة والعذوبة والرقة، فيما تراه في الواقع فظّاً غليظ القلب واللسان وبالتالي تتسع الهوة بين النص والسلوك، أما الثاني فيعيش قصيدته ويتماهى معها انطلاقاً من فهمه الشعر سلوكاً ونمط حياة وأسلوب عيش وطريقة تعامل مع الوجود والكائنات، ويعلي من شأن الحيّز الأنثويّ الكامن في كل مبدع أياً كان جنسه. فانتباه الشاعر الى هذه المسألة وتصالحه معها يجعله أكثر فهماً للأنوثة ولكيفية التعامل مع حالاتها المتعددة: حبيبة، صديقة، قريبة، ندّاً، خصماً، شريكةً، الخ... مع الإشارة الى أن ثمة امرأة دائمة في لاوعي الشاعر يمكننا تسميتها امرأة القصيدة أو المرأة المستحيلة التي لا تتمثل إلا نصاً أو قصيدة. فهل امرأة الخيال أكثر إلهاماً من امرأة الواقع؟ لعل الواقع يفقدنا جميعاً الكثير من أسباب الإلهام والغواية (نتوسع في الموضوع لاحقاً).
بلى، لولا النساء لكان العالم أقلّ شعراً والحياة أقل سحراً. بل لولاهن لما كانت - وِفقَ الكتاب - كل هذي الحياة الدنيا.
.
renoir - girls beach