أحمد إبراهيم الشريف - أحمد ناجى فى السجن

الحكومات التى تتعامل مع شعوبها بمنطق أنه قاصر ويحتاج لـ«وصى» حكومات لا مستقبل لها وشعوب لا طائل من سعيها، والحرية التى يفسرها البعض حسب هواهم ليست حرية لكنها شكل آخر من أشكال القهر، والاختلاف الذى يعنى الإلغاء ليس اختلافا لكنه استبداد، وعبر التاريخ الطويل للإنسان ومن خلال التجارب المتعددة ثبت أن السجن والمنع والمصادرة لا تمثل قيمة ولا تحمل فى داخلها حلا لمشكلات المجتمع. أمس الأول قضت محكمة مستأنف جنح بولاق بحبس الروائى أحمد ناجى، صاحب رواية «استخدام الحياة» عامين، بتهمة خدش الحياء العام، وذلك لكونه نشر فصلا من روايته فى جريدة أخبار الأدب، وجاء فى الإحالة «نشر المتهم مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية، ولذة زائلة، وأجر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق والإغراء بالعهر خروجًا على عاطفة الحياء، وعن المثل العامة المصطلح عليها فولدت سفاحًا مشاهد صورت اجتماع الجنسين جهرة»، وهذا الحكم بالحبس سيجعل كل واحد يتحسس كلماته وأفكاره قبل أن ينطق بها أو يكتبها، وكانت المحكمة من قبل قد برأت الكاتب بعد أن طلبت شهادة ثلاثة من الكتاب الكبار وهم صنع الله إبراهيم ومحمد سلماوى وجابر عصفور، لكن النيابة طعنت فى البراءة وعادت القضية للمحكمة مرة ثانية ثم إلى الحبس. ورفضنا لمحاكمة الإبداع ليس دفاعا عن شخص أحمد ناجى فقط، ولا عن روايته بعينها، فرواية استخدام الحياة مجرد مادة كتابية أدبية من شاء فليقرأها ومن شاء فليتركها، وفى كلا الحالين لا إكراه ولا إجبار، لكن المعضلة تكمن فى الخوف الذى سيصنعه مثل هذا الحكم على «عملية الكتابة» فهذا الأمر سيلقى بظلاله على الجميع، فدور النشر سوف تقوم بدور الرقيب الصارم على ما يقدم لها، وسترفض كل الكتابات التى تحتوى خيالا أو تقترب من المحرمات الثلاثة» الدين، السياسة، الجنس» حتى ولو على طريق التأويل، وقبل دور النشر سيكون الكاتب نفسه رقيبا على إبداعه وستمتلئ صناديق القمامة بأوراق تحتوى كتابات مزقها أصحابها خوف السجن، وسيظل المبدع شاخصا بعينيه على صفحة word فارغة على شاشة الكمبيوتر يخشى أن يكتب شيئا فيكون نصيبه التشريد والسجن والغرامة. هناك جانب آخر فقد أظهر المثقفون تضامنهم مع أحمد ناجى ورفضوا سجن الخيال وطالبوا بوقفات ضد ما يحدث وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى مبادرات تصب كلها فى صالح حرية الإبداع، لكن المؤسسات الثقافية لم تبد شيئا ولم يظهر لها بيان، مع أنها طرف أساسى فى القضية، وموقفها ليس اختياريا لكنها مجبرة عليه، لذا على وزارة الثقافة واتحاد الكتاب واتحاد الناشرين أن يحددوا موقفهم الواضح والصريح فى هذه القضية.


.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...