النور - الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة

يرى المؤلف أن ما دفعه الى وضع هذه الدراسة هو إعجابه الشديد بكتاب ألف ليلة وليلة لما ينطوي عليه من قدرة استثنائية على إضفاء أجواء من السحر والخرافة على واقع المدن الإسلامية وغيرها، في تلك الأثناء البعيدة، ومن ثم إدانة هذه المدن لنفسها، بسلطاتها وعاداتها وقيمها، وطبقاتها الاجتماعية، والسياسية، وعلاقاتها الأخلاقية المتهتكة، أحياناً، والمشروعة، أحياناً أخرى، مع فسادها في في آن .
ويعود سبب اقتران الاستبداد السلطوي بالفساد الجنسي، الى أن وجود الجماعات السياسية التي تحكم مدن ألف ليلة وليلة وتدير شؤونها، تقوم على رأسها سلطات فاسدة متجبّرة تحركها نزواتها وتتحكم بقراراتها. ويضيف أنه نظراً الى أن سلطات هذه المدن استبدادية، يلاحظ أن قوانين هذه المدن وأعرافها وتقاليدها، تتشكل، بالدرجة الأولى وفقاً لقوانين سلطة القصر ورغباتها قبل أن تُستمد من رغبات الشعب وآماله وتطلعاته.
يعتبر المؤلف أن الآراء التي تدعو الى التوقف عن البحث في حكايات ألف ليلة وليلة بذريعة أنها استوفت حقها من الدراسة والتحليل، ليست صائبة تماماً، ويبرّر ذلك بالقول إن نصوص ألف ليلة وليلة منفتحة على تاريخ الأمم والحضارات، وعاداتها وثقافاتها، الأمر الذي يجعل منها مشروعاً قائماً باستمرار يبعث على كثير من الاستلهام في سائر المجالات الإبداعية. من هذا المنطلق، يستخدم المؤلف منهجاً لمقاربة هذه الحكايات يقوم على دراسة نقاط التلاقي بين هذه الأخيرة، من جهة، وبين ما هو قائم في المجتمعات العربية الإسلامية. ودليله على ذلك، أنه لا يمكن الفصل بين النصوص الحكائية والواقع الاجتماعي الذي أدى الى تشكّل هذه النصوص في الحيّز الاجتماعي ـ السياسي الأوسع.
يؤكد المؤلف أنه أفاد من معطيات المنهج التاريخي في إلقاء الضوء على ما ورد في ألف ليلة وليلة، خصوصاً في ما يتعلق بتحرك الأبطال والجماعات الإنسانية ومواقفهم المختلفة. وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من الحكايات يوغل بعيداً في عمق الزمن المتخيّل، فإن قسماً آخر منها يستمد أحداثه من وقائع التاريخ. ونظراً الى أن حكام وزعماء مدن ألف ليلة وليلة، كثيرون، يكتفي الكاتب بإبراز أهم الملامح السلطوية التي كان ينطوي عليها بعضهم. من بينهم: الخليفة العباسي، هارون الرشيد، وابنه الخليفة المأمون، والخليفة الأموي، عمر بن عبدالعزيز، والحجاج بن يوسف الثقفي والي الخليفة عبدالملك بن مروان على العراق. وذلك لأن الحكايات تحتفي بهؤلاء على نحو واضح لا يقبل الشك أو الجدل. ثم إن ورود ذكرهم متعدد ومتشعّب، الأمر الذي ساعده في قراءة ملامحهم بشيء كثير من الاستفاضة. ومع ذلك، يشير الكاتب الى أن الخليفة الأموي، عمر بن عبدالعزيز، كان يمثل شخصية الحاكم الأكثر عدلاً من بين نظرائه في الحكايات فصورته الأخلاقية المثلى، بدت معبّرة، في نهاية المطاف، عن آمال الطبقات الفقيرة، والمسحوقة، أو المهمشة، وتطلعاتها الى تحقيق الحق والخير والعدل. في المقابل، توحي شخصيتا الملك عمر النعمان والحجاج بن يوسف بالإسراف في ممارسة الاستبداد في حكايا ألف ليلة وليلة، وتوق الطبقات الشعبية الى الانتقام منهما، أو التخلّص من بطشهما، على الأقل. على هذا الأساس، تبدو سمات هذين الحاكمين قاسماً مشتركاً بين سائر الحكام والقادة الذين احتفت بهم ليالي ألف ليلة وليلة .
في هذا السياق، يبرز الكاتب، كذلك، الوجه الاستبدادي لبعض نساء السلطة في الحكايا. من بينهنّ: زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد، وجارية مستبدة من أتباعها، وملكة أسطورية من شخصيات الحكايا، وأميرة أخرى غير معروفة تاريخياً، هي دنيا بنت الملك شهرمان. تبدو هذه النساء رموزاً سلطوية هي الأكثر إمعاناً في البطش وانتهاكاً للقيم والأعراف الأخلاقية والإنسانية. لذلك، فقد أفرد لهنّ المؤلف حيّزاً أوسع في دراسته من سواهنّ. كما يتطرّق بكثير من الشرح والتحليل إلى سلطة النساء واستبدادهن، في هذه الحكايات ، وتحديداً السلطات التي كانت تمارسها النساء الجميلات على الرجال.
يتضمن الكتاب الفصول الآتية: في بعض ملامح سلطة الحكام الرجال في ألف ليلة وليلة؛ استبداد نساء ألف ليلة وليلة ـ نماذج ثريّة وسلطوية؛ ملامح بعض النساء السلطويات الزواني وبعض ملامح الإيديولوجيا الرجولية المعادية لهنّ في ألف ليلة
، ووليلة. وينهي كتابه بفصل تحليلي نقدي بعنوان سلطة الحكاية وسلطة القتل في ألف ليلة وليلة يقول فيه:
إنّ للحكاية العجائبية في ألف ليلة وليلة تأثيراً شديداً على الشخوص السلطويين المروي لهم، إذ تأسرهم هذه الحكاية بفتنة سردها ، ونسائه الجميلات ، ومدنه وحوادثه العجائبية التي تنتشلهم من هموم السياسة والحكم، وتأخذهم إلى البلاد السحريّة العجيبة، حيث العلاقات السحرية بين الناس في ما بينهم من جهة، وبين هؤلاء الناس والجن والعفاريت من جهة ثانية.
إنّ تأثير سلطة الحكاية يعمل على إنقاذ الرواة وأبطالهم من القتل، فالراوي أو البطل المحكوم عليه بالقتل ـ سواء أكان الحكم من قبل السلطة السياسية، أم من قبل شخص مستبد أقوى من الراوي ـ يسارع إلى إنقاذ نفسه بقصّ حكاية غرائبية مثيرة ، وبعيدة في التخيّل ، شرط أن تكون هذه الحكاية جديدة لم يسمع بها الشخص السلطوي المروي له ، وعندما يسمع المروي له هذه الحكاية الجديدة المثيرة فأنّ أزمته الاجتماعية أو النفسية تنفرج أمام السرد العذب المثير، ويتصالح مع الراوي ويعفو عنه . ولا تنقذ الحكاية الشخص الراوي لها فحسب، بل تهبه مكافأة أو عدة مكافآت ، وكلما كانت الحكاية أكثر غرابة وعجباً، كان تأثيرها أشدّ على المروي له.
غير أنّ بعض حكايات ألف ليلة وليلة، ومهما كانت مثيرة وغريبة فإنها لا تستطيع إنقاذ الراوي، لأن الراوي لا يستطيع إنقاذ نفسه حين يكون مجرماً خطيراً يهدد أمن الجماعة في مجتمعات ألف ليلة وليلة ، وبخاصة حين يكون قد ارتكب أفعالاً إجرامية أضرّت بمصلحة المروي له ، أو تأذى منها أحد أفراد أسرته السلطويين .

غلاف الكتاب
يقع الكتاب في 248 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي على ثبت بالمراجع.
من مقدمة الكتاب
كنت أشعر حين قراءتي لنصوص ألف ليلة وليلة بمتعة عارمة تستوطن ذاكرتي، فقد كانت قادرة على إيقاظ جميع أحلامي الجامحة الملغاة، المتوثبة أبداً صوب مدن نائية مسكونة بالدهشة والغرابة. وهذه المتعة التي كنت أعايشها كانت أكبر من جميع المتع التي كنت أجدها في الخطابات الأدبية الأخرى، من شعر قديم وحديث وقصة ورواية ومسرح وتراث أدبي وتاريخي. ومسكوناً بالدهشة والأحلام الجامحة التي لم تتحقق طوال حياتي، رحت أقرأ هذه النصوص بشغف العاشق المنبهر بجمالها، وسحرها وصدقها وكذبها في آن. ولعل هذه الدهشة هي السبب الرئيس الذي دفعني لكتابة كتابي هذا. ونتيجة لإعجابي بهذا العمل، عكفت منذ سنوات على قراءته قراءة المستمتع، ثم حاولت دراسته وفهم نصوصه، وبعد ذلك أنجزت فيه عدة أبحاث طويلة نشرت في المجلات العربية.
وقد لاحظت، من خلال كثير من الدراسات حول ألف ليلة وليلة، والتي استطعت الإطلاع عليها، سواء أكانت مترجمة إلى اللغة العربية أم مكتوبة بها، أن هذه الدراسات لم تدرس موضوع الفساد السلطوي دراسة مستقلة ومستفيضة، ولا موضوع الفساد الجنسي، ولذا كان كتابي محتفياً بهذا الموضوع.
يلي الصورة لمحة عن الكتاب وفصوله

لمحة عن الكتاب
بدأ الباحث الدكتور محمد عبد الرحمن يونس كتابه بمدخل تحدّث فيه عن فعل السلطة عبر التاريخ، ودورها في استعباد الناس وإذلالهم، وتشويه العلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة في ما بينهم، حتى تتمكن من قيادتهم، وأثبت بعض تعريفات السلطة من خلال المراجع، وذكربعض الشروط التي يجب أن تتوافر في الحاكم أو الخليفة، حتى يعيش رعاياه في أمان من بطشه، تأسيساً على آراء الفلاسفة والفقهاء الإسلاميين، ثمّ حاول أنّ يدرس بعض ملامح سلطة الحكّام المهمّين في ألف ليلة وليلة، كما أبرزتها.
ونظراً لأنّ حكّام مدن الليالي كثيرون جداً، فقد اكتفى بإبراز أهمّ الملامح السلطويّة لبعض الخلفاء، والحكّام، وركّز على الحكّام المعروفين تاريخيّاً. ومن هؤلاء الحكّام: الخليفة العباسي هرون الرشيد، وابنه الخليفة عبد الله المأمون، والخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، والحجّاج بن يوسف الثقفي والي الخليفة عبد الملك بن مروان على العراق. وعرّج على بعض الملامح الاستبداديّة لملك غير معروف تاريخيّاً وهو الملك عمر النعمان.
ويأتي تركيزه على هؤلاء الحكام، لأنّهم أهمّ الحكّام الذين يأخذون مساحات واسعة من السرد الحكائيّ، إذ تحتفي حكايات ألف ليلة وليلة بهم احتفاءً واضحاً يفوق احتفاءها بغيرهم من الحكام، ولأنّ الحديث عنهم في الليالي كان متعدّداً ومتشعّباً فقد ساعد هذا التعدد على أن يدرس الباحث ملامحهم المتعددة والواضحة في الحكايات التي ذكرتهم، فالخليفة هرون الرشيد يكاد يكون محوراً رئيساً تدور حوله كثير من حكايات ألف ليلة وليلة، وهو حاكم متعدّد المواهب والملامح، ويجمع كثيراً من التناقضات في آن، ويبدو حضوره قوياً طاغياً عل كل من حوله. بينما تبدو شخصية ابنه الخليفة عبد الله المأمون شخصية رئيسة نامية، متعددة الملامح والوجوه، فهي شخصية حكيمة وعاقلة وخبيرة بفنّ السياسة، ومتسامحة وقادرة على أن تعفو عن المعارضين السياسيين لحكمها، وفي مواضع أخرى تبدو شخصية عابثة لاهية عاشقة للفنّ والموسيقى، ومرة أخرى تبدو قوية وحازمة تفرض هيبتها على جميع من حولها، وبالتالي فإنّ هذه الشخصيّة تجمع ملامح مشتركة لعدة حكّام من حكّام الليالي.
أمّا الخليفة عمر بن عبد العزيز فإنّه يُمثّل نموذج الحاكم الأكثر عدلاً من بين حكّام الليالي، فصورته العادلة تُمثّل في النهاية آمال الطبقات الفقيرة المسحوقة، وتطلّعاتها صوب الحقّ والخير والعدل. أمّا شخصيّتا الملك عمر النعمان والحجاج بن يوسف الثقفي، فإنّهما تمثّلان أهمّ الرموز الاستبداديّة السلطوية في حكايات ألف ليلة وليلة، الرموز التي تطمح الطبقات الشعبيّة إلى الانتقام منها، وإسقاط نظام حكمها، والسخرية بها، ومن هنا فإنّ دراسة ملامح هاتين الشخصيتين يمكن أن تشكّل محاور بديلة من دراسة ملامح كثير من حكام الليالي، الذين يلتقون معهما في ملامح الظلم والاستبداد والجبروت والاعتداء على حريّات مواطنيهم.
إنّ دراسة ملامح هؤلاء الحكّام يمكن أن تقدّم صورة واضحة عن جميع خلفاء مدن ألف ليلة وليلة وحكّامها ، سواء كانوا واقعيين أم من نسيج الخيال، وبالتالي كان التركيز عليهم من دون غيرهم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد اكتفى بدراسة ملامحهم منعاً للتكرار والإطالة، لأنّ دراسة ملامح الحكّام الآخرين لن تضيف جديداً إلى هذا الكتاب. كما يقول.
وحاول إبراز الوجه الاستبدادي لبعض نساء السلطة في ألف ليلة وليلة. ومن هؤلاء النساء: السيّدة زبيدة زوجة الخليفة هرون الرشيد، وجارية مستبدّة من جواريها، وملكة أسطوريّة من ملكات ألف ليلة وليلة، وهي الملكة منار السنا، وأميرة أخرى غير معروفة تاريخيّاً، وهي الأميرة دنيا بنت الملك شهرمان. وهذه النساء يمكن أن تكون أهمّ الرموز الاستبداديّة من بين نساء ألف ليلة وليلة جميعها، ولذا فقد اكتفى بدراسة ملامحهنّ من دون غيرهنّ من النساء السلطويّات الأخريات.
وعرّج على أهمّ ملامح بعض النساء السلطويّات الفاسدات الزواني، وبعض ملامح الإيديولوجيا الرجوليّة المعادية لهنّ. ولم يدرس ملامح المرأة السلطويّة العادلة الورعة، الأمّ والأخت، والزوجة الوفيّة المستقيمة في أخلاقها وسلوكها، لأنّ حكايات ألف ليلة وليلة تكاد تخلو من هذا النموذج. وحاول أن يبين إلى أيّ مدى تمارس النساء الجميلات من سلطة قويّة على رجال السلطة، ثمّ أنهى الفصل بدراسة تحت عنوان: سلطة الحكاية وسلطة القتل في ألف ليلة وليلة، درس فيها مدى تأثير سلطة الحكاية العجائبيّة على رجال السلطة، ودورها في إنقاذ الشخوص الرّواة من بطش رجال السلطة المروي لهم.
أما محتويات كتاب الاستبداد السطلوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة فيتكون من الموضوعات التالية:
مقدمة
مـدخـل.
1ـ في بعض ملامح سلطة الحكّام الرجال في ألف ليلة وليلة.
أ ـ بعض ملامح شخصيّة الخليفة هرون الرشيد.
ب ـ ملامح شخصيّة الخليفة عبد الله المأمون.
ج ـ ملامح شخصيّة الخليفة عمر بن عبد العزيز.
د ـ ملامح بعض الشخصيّات السلطويّة الأخرى في ألف ليلة وليلة.
2 ـ استبداد نساء ألف ليلة وليلة ـ نماذج ثريّة وسلطويّة.
أ ـ في بعض ملامح السيّدة زبيدة زوجة الخليفة هرون الرشيد.
ب ـ ملامح إحدى جواري السيّدة زبيدة.
ج ـ بعض ملامح استبداد إحدى الملكات الأسطوريّات في الليالي.
3 ـ ملامح بعض النساء السلطويّات الزواني و بعض ملامح الإيديولوجيا الرجوليّة المعادية لهنّ في ألف ليلة وليلة.
4 ـ سلطة الحكاية وسلطة القتل في ألف ليلة وليلة.


النور


* الكتاب: الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة
الكاتب: د. محمد عبدالرحمن يونس
الناشر: بيروت ـ الدار العربية للعلوم، ناشرون، 2007 مكتبة مدبولي، القاهرة
د. محمد عبد الرحمن يونس


صورة مفقودة


.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...