أبو الفضل الوليد - فاتنتي السمراء جنيه

فاتِنتي السمراءُ جنيَّه = في مُقلتَيها ألفُ أغنيَّه
لكنّها في الحبِّ وَحشيَّه = تقولُ في الخلوةِ عَيناها
نَعم نعم ولا يقولُ اللسان
صغيرةٌ ضاقَ بها صَدري = وضيعةٌ ذلَّ لها كبري
كم قلتُ يا قلبُ وَهى عذري = لا حُسنَ يُغريكَ فتَهواها
فقال ما الحبُّ كعِلم البيان
الحسنُ معنى دقَّ لا يظهرُ = لكنما الروحُ بهِ تَشعرُ
ما الوجهُ إِلا صفحةٌ تُنشرُ = والعَينُ مَعناها ومَغزاها
والقلبُ يَستَغني عن الترجمان
على محيّاها شعاعُ الطفَلِ = وفي ثناياها بَريقُ الأمَلِ
ونحرُها زينَ بعَقدِ القُبلِ = وقُبلةُ النَّحرِ تَشهَّاها
ثغري ففيها للمحبِّ الأمان
والخصرُ كالبسمةِ في الهمِّ = قد أنحلتهُ شِدَّة الضمِّ
وخدُّها من كثرةِ الشمِّ = ذوى فريَّا الوردِ ريَّاها
وإن تراءى فَوقه الزَّعفران
إني لأهوى صفرةَ الخدِّ = ودقَّة الأطرافِ والقدّ
ونفرةً مِنها بلا صدٍّ = لها كذا يَهتزُّ نهداها
وهي كغُصنٍ فيه رمّانتان
أعشقُ منها الشَّعرَ مَحلولا = جَثلاً على الرِّدفَينِ مَسدُولا
يحكي ليالي أرقي طُولا = إن جاءَني الطَّيفُ بذكراها
لكي يُريني في الجحيمِ الجنان
ما أبعَدَ الحُسنَ عن الجودِ = أليسَ فردوسي بموجودِ
ما بينَ تلكَ الخصلِ السودِ = بَلى ففردَوسي محيَّاها
وفي الدُّجى تأتي المعاني الحِسان
أزورُها والشَّوقُ يُغلي دَمي = فَتَلتقي الرُّوحانِ عندَ الفمِ
كسقطِ نَسرٍ في الضُّحى قد حمي = يَنتفِضُ القلبُ لمرآها
وبيننا تنشبُ حربٌ عوان
فإن أحاوِل لمسَ نَهدَيها = حَمَتهما منّي بِكَفَّيها
وعندما أرضى بخَدَّيها = يعلو إِلى الخدَّينِ كفّاها
وهكذا يطردُني الحارسان
ما بي بها فالحبُّ لا يخفى = واللّحظُ عما خَلفَهُ شفَّا
لكنَّها إذ ترجعُ الكفَّا = أحسِبُ شوكَ الوَردِ يُمناها
والجرحُ من ذيّالِكَ الشَّوكِ هان
كم زفرت من حرّ قُبلاتي = أو صَرَخَت من عنف ضمّاتي
وبينَ لذَّاتي ولزَّاتي = تَنشَقُّ أضلاعي لِتلقاها
والقلبُ فيها صاهلٌ كالحصان
كأنَّها بينَ ذراعيَّا = ألوي قَواماً ليَّناً ليّا
غصنٌ عليهِ الزّهرُ والريَّا = يا حبّذا ما ضمَّ بُرداها
قلبي وعيني منهُ لا يَشبعان
قالت لقد ذوّبتني يا صَبي = باللهِ لا تَمزح ولا تَلعبِ
هذا أخي أشكو له أو أبي = رِفقاً بمن حُبُّكَ أضناها
فقلتُ جاءَ النّصحُ بعد الأوان
خصرُكِ من رِدفِك ينسلُّ = وعقدةُ الزّنارِ تَنحَلُّ
منهُ ومن جَفنكِ أعتلُّ = وفي مُنى النفسِ مناياها
والقلبُ لا يَشفيه إلا الحنان
فهو كزنّارِكِ مقلاقُ = كنّهدِكِ البارزِ خَفّاقُ
أهكذا يُحرَمُ مُشتاقُ = على اللّواتي رُمنَهُ تاها
وفي هَواكِ اليومَ يَلقي الهوان
فأطرَقت ما بينَ نارَينِ = كيلا تُلاقي عَينُها عَيني
وإذ رأتني أقتضي دَيني = مِن وَجنتَيها وثناياها
قالت لكَ التفَّاحُ لا الأقحوان
فكانَ ذاكَ القولُ تَشويقا = مِنها إِلى أن أرشفَ الرّيقا
وبعد ما حدَّقتُ تَحديقا = في لثمةٍ لاقى فَمي فاها
كما التَقَت في نَسمةٍ زهرتان
فيا لها من قبلةٍ طالتِ = ومُهجتي من حرّها سالت
ونِعمَ ما نلتُ وما قالتِ = تلك التي ما كنتُ لولاها
كما أنا ولا غَلبتُ الزمان
قبْلَتُها قد أثّرت في الزمنْ = وعلّمتني كيفَ أهوى الوطنْ
وكيفَ أهدي أُمتي في المحنْ = وكيف أبكي من بلاياها
والدمُ والحبرُ لها جاريان
حبيبتي سمراءُ شاميَّه = وعينُها سوداءُ شرقيَّه
فما أرى مجداً وحريَّه = لبنانُ ربّاها وغذّاها
هناكَ حيثُ الكرمُ والسنديان
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...