نقوس المهدي
كاتب
ليس في الوسع غير التضامن مع الروائي المصري الثلاثيني، أحمد ناجي، وهو في سجن طره الشهير الآن. أُخذ إليه مكبّل اليدين، تنفيذاً لحكمٍ بحبسِه عامين، لأن مواطناً مصرياً رفع قضيةً في المحكمة، بعد أن شعر بخدشٍ في حيائه، و"اضطرابٍ في ضربات قلبه"، و"أصيب بإعياءٍ شديد وانخفاض حاد في الضغط"، ما أن قرأ فصلاً وحيداً من رواية ناجي "استخدام الحياة" في جريدة أخبار الأدب الأسبوعية، على ما جاء في دعواه التي ردّتها محكمةٌ قبل شهور، بعد تقليبها القضية، وسماعها جابر عصفور وصنع الله إبراهيم ومحمد سلماوي بشأن الأدب والكتابة والخيال. طعنت النيابة العامة، فأصدرت المحكمة حكمها ذاك الذي بدأ تنفيذه، وصدَم الوسط الثقافي في مصر، وتوالت بيانات استنكاره ورفضه، وطالبت مؤتمراتٌ وفاعلياتٌ بالعدول عنه، وبحماية حرية التعبير في مصر، واعتبرت هذه الواقعة مؤشراً على خطرٍ مقيم في البلاد على الإبداع الفني والأدبي. ومن مفارقاتٍ كثيرة، طريفةٍ ومؤسفةٍ في الوقت نفسه، أنهما سطران فقط في النص الذي قرأه ذلك المواطن، ووجد فيهما أن أحمد ناجي نفث "شهوةً فانيةً ولذة زائلة"، وقال رئيس تحرير الجريدة، طارق الطاهر، الذي حُكم بغرامةٍ توازي ألف دولار، إنه اكتفى بقراءة عنوان النص قبل نشرِه، ولم تقع عيناه على ذينك السطريْن اللذيْن يتضمنان "خدشاً للحياء العام" بحسب المحكمة، ما يعني أن الطاهر لو صادفهما ربما كان سيحذفهما، فلا نصير أمام هذه الزوبعة ووقائعها الغريبة.
أمّا وأن عنوان هذه السطور يشتمل على تهنئةٍ للروائي الشاب، مع التأكيد البديهي لنصرته في محبسه، فذلك لأن روايته حظيت بقراءة مئات الآلاف في "الإنترنت"، ولأن طبعتها التي صدرت عن دار قاهريةٍ فرعيةٍ تتبع دار التنوير البيروتية نفدت، وهناك دعوةٌ إلى إعادة إصدارها في طبعةٍ شعبية، مؤازرةً لكاتبها. أما الشهرة الواسعة التي يحوزها ناجي الآن، فإنها ستيسّر لروايته الأولى "روجرز" مقروئيةً واسعة أيضاً. وهذا قبولٌ عريضٌ للرأي الداعي إلى تأجيل الانشغال بالقيمة الفنية والإبداعية لروايته التي حوكم مقطعٌ من فصلٍ منها (أجيز توزيعها كتاباً!)، لأن الأولوية هي للانتصار للكاتب السجين، ولإنقاذ الخيال الإبداعي في مصر من المحاكمات، ولإصلاح القوانين التي تجيز لمواطنٍ مصري (اسمه هاني صالح توفيق) من بين أكثر من ثمانين مليوناً، إقامة دعوى على "مقالٍ جنسي" (هذا مسمى الفصل الخامس من الرواية في الدعوى)، طالعه في صحيفةٍ، استفزّ حياءَه، وأصابه باضطرابٍ في نبضات قلبه.
ليست "استخدام الحياة" عملاً أدبياً ضعيفاً، وإنْ لا يمكن حسبانه فريداً طبعاً. الأساسي فيه هو التعبير عن التبرّم من القاهرة، والحياة فيها، وبكيفيّةٍ تتوسّل مشاهدة المدينة بنبرةٍ فيها نزوعٌ هجائي واضح، وذلك في عشرة فصولٍ، تتوزّع على مقاطع قصيرة، تعبّر فيها شخصيات الرواية، من منظور بطلها الذي يحكي حالاتِه، وخيالاتِه، ويُزاول علاقة حب مرتبكة، وينتقل السرد بين الحاضر والماضي. اللغة مباشرة، فيها تقريريّة وفيرةٌ ظاهرة، تكاد تذكّر بسرد صنع الله إبراهيم. ويقيم أحمد ناجي معمار روايته على موازاةٍ موفقةٍ بين النص والرسوم المرافقة له، ويمكن الزّعم أن روحاً تجريبيةً لافتةً تحضر في هذا النص الذي لا يريح أصحاب الذائقة الشغوفة بالبنيات الكلاسيكية والمحفوظية.
لا يصدر هذا التوصيف العاجل لرواية "استخدام الحياة" عن قراءةٍ معمقةٍ لها، وإنما هو انطباعٌ بعد قراءةٍ سريعة، يُساق هنا، لتسويغ تهنئة أحمد ناجي، على مغامرتِه فيها، وعلى أنه، في الذي يدفعه من حريته الشخصية في سجن طره، يمكن اعتباره بطل روايةٍ، يشتبك فيها الواقعي مع الخيالي، في غضون العبث الفادح الراهن في مصر. وكم كانت مصر، في هذا التضامن الواسع والمحمود مع الروائي السجين، وروايته، ستصير أكثر انسجاماً مع نفسها، لو أن نزراً من مثل هذا التضامن، بادر إليه الكتاب والمثقفون أنفسهم، مع عديدين آخرين، أودعتهم السلطة المرتعشة، والقضاء البائس، في السجون، لأنهم أصحابُ كلمةٍ ورأي، إسماعيل الإسكندراني مثلاً.
مبروك... أحمد ناجي
معن البياري
27 فبراير 2016
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّا وأن عنوان هذه السطور يشتمل على تهنئةٍ للروائي الشاب، مع التأكيد البديهي لنصرته في محبسه، فذلك لأن روايته حظيت بقراءة مئات الآلاف في "الإنترنت"، ولأن طبعتها التي صدرت عن دار قاهريةٍ فرعيةٍ تتبع دار التنوير البيروتية نفدت، وهناك دعوةٌ إلى إعادة إصدارها في طبعةٍ شعبية، مؤازرةً لكاتبها. أما الشهرة الواسعة التي يحوزها ناجي الآن، فإنها ستيسّر لروايته الأولى "روجرز" مقروئيةً واسعة أيضاً. وهذا قبولٌ عريضٌ للرأي الداعي إلى تأجيل الانشغال بالقيمة الفنية والإبداعية لروايته التي حوكم مقطعٌ من فصلٍ منها (أجيز توزيعها كتاباً!)، لأن الأولوية هي للانتصار للكاتب السجين، ولإنقاذ الخيال الإبداعي في مصر من المحاكمات، ولإصلاح القوانين التي تجيز لمواطنٍ مصري (اسمه هاني صالح توفيق) من بين أكثر من ثمانين مليوناً، إقامة دعوى على "مقالٍ جنسي" (هذا مسمى الفصل الخامس من الرواية في الدعوى)، طالعه في صحيفةٍ، استفزّ حياءَه، وأصابه باضطرابٍ في نبضات قلبه.
ليست "استخدام الحياة" عملاً أدبياً ضعيفاً، وإنْ لا يمكن حسبانه فريداً طبعاً. الأساسي فيه هو التعبير عن التبرّم من القاهرة، والحياة فيها، وبكيفيّةٍ تتوسّل مشاهدة المدينة بنبرةٍ فيها نزوعٌ هجائي واضح، وذلك في عشرة فصولٍ، تتوزّع على مقاطع قصيرة، تعبّر فيها شخصيات الرواية، من منظور بطلها الذي يحكي حالاتِه، وخيالاتِه، ويُزاول علاقة حب مرتبكة، وينتقل السرد بين الحاضر والماضي. اللغة مباشرة، فيها تقريريّة وفيرةٌ ظاهرة، تكاد تذكّر بسرد صنع الله إبراهيم. ويقيم أحمد ناجي معمار روايته على موازاةٍ موفقةٍ بين النص والرسوم المرافقة له، ويمكن الزّعم أن روحاً تجريبيةً لافتةً تحضر في هذا النص الذي لا يريح أصحاب الذائقة الشغوفة بالبنيات الكلاسيكية والمحفوظية.
لا يصدر هذا التوصيف العاجل لرواية "استخدام الحياة" عن قراءةٍ معمقةٍ لها، وإنما هو انطباعٌ بعد قراءةٍ سريعة، يُساق هنا، لتسويغ تهنئة أحمد ناجي، على مغامرتِه فيها، وعلى أنه، في الذي يدفعه من حريته الشخصية في سجن طره، يمكن اعتباره بطل روايةٍ، يشتبك فيها الواقعي مع الخيالي، في غضون العبث الفادح الراهن في مصر. وكم كانت مصر، في هذا التضامن الواسع والمحمود مع الروائي السجين، وروايته، ستصير أكثر انسجاماً مع نفسها، لو أن نزراً من مثل هذا التضامن، بادر إليه الكتاب والمثقفون أنفسهم، مع عديدين آخرين، أودعتهم السلطة المرتعشة، والقضاء البائس، في السجون، لأنهم أصحابُ كلمةٍ ورأي، إسماعيل الإسكندراني مثلاً.
مبروك... أحمد ناجي
معن البياري
27 فبراير 2016
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ