نقوس المهدي
كاتب
الرسول العاشق ( 2 )
الرسول يتهافت على والنساء هن يتهافتن عليه . .
من مهازل القوم ما ينسبه الرواة للرسول ( ص ) حول علاقته بالنساء وكأنهم لم يكتفوا بما نسبوه له حول علاقته بعائشة فأرادوا توسيع دائرة هذه العلاقة لتكون فتحا للحاكم بعده كي يغنموا من النساء ويتوسعوا في التمتع بهن على حساب الرسول
ومثل هذه الروايات الشائنة التي تفضح الرسول جنسيا وتشوه صورته يتداولها القوم بكل ثقة واطمئنان . . ويقيني أن كثيرا من المسلمين لا يعرفون شيئا عن هذه الروايات التي تزدحم بها كتب السنن . فمن ثم هم بمجرد التعرف عليها سوف يرفضونها بالفطرة . . إن العقل لا يقبل أن تكون الحياة الخاصة للرسول مفضوحة بهذا الشكل الذي تبرزه الروايات . كما لا يقبل بصحة هذه الوقائع المنسوبة للرسول والمتعلقة بالنساء في ظل الدور المرسوم له والمهمة الملقاة على عاتقه كنبي خاتم ورسول للعالمين . . ولقد استثمرت هذه الروايات من قبل خصوم الإسلام ورسمت من خلالها صورة مشوهة للرسول كرجل غارق في الملذات يتهافت على النساء ولا يمل من مضاجعتهن ليل نهار . . والواجب على أصحاب العقول والقلم أن يتصدوا لهذه الروايات حفاظا على صورة الرسول وصورة الإسلام . . الواجب أن تكون هناك انتفاضة فكرية ضد هذه الموروثات التي أقل ما يقال فيها أنها من الإسرائيليات . .
- في المسلم : يروى أن رسول الله ( ص ) رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال : " إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يردها في نفسها " ( 1 ) . .
وفي رواية أخرى : أن النبي ( ص ) رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته منها ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم : " إن المرأة تقبل في صورة شيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله فإنه يضمر ما في نفسه " ( 2 ) . .
قال النووي : قوله إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان يعني الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له ( 3 ) . .
وقليل من التأمل في هذه الرواية يكشف لنا مصادمتها للعقل وللواقع . . أما مصادمتها للعقل فيظهر لنا من انفعال الرسول وقيام شهوته بمجرد أن وقع بصره على تلك المرأة . وهذا التصور فيه امتهان لشخص الرسول المعصوم والمبرأ من الهوى وهو يظهر بمظهر الرجل الشهواني الذي لا يكف عن ملاحقة النساء ببصره . وإذا كان هذا هو حال الرسول فكيف حال أصحابه ؟
إن الرواية لم تجيبنا عن هذا السؤال فهي قد بينت لنا أن الرسول هو الذي تأثر بتلك النظرة وقامت شهوته وحده فهرع إلى زينب ليطفئ نار الشهوة ثم خرج إلى أصحابه فإذا هم بانتظاره فأخبرهم بسبب تركه لهم ثم أنزل غضبه ولعنته على المرأة وعلى النساء أجمعين مشبها إياهن بالشيطان . .
ومن هذا البيان برزت لنا حقيقتان :
الأولى : أن الصحابة كانوا أكثر ثباتا وأقل تأثرا بتلك المرأة من الرسول . .
الثانية : أن الرسول فضح نفسه وكشف أمام أصحابه ما جرى له من تلك المرأة وما فعله مع زينب حين هرع إليها . . فهل يقبل العقل مثل هذا الكلام . . ؟
أما مصادمتها للواقع آنذاك فيظهر من أن النساء في زمن الرسول ( ص ) لم يكن يسرن في الطرقات عاريات أو مائلات أو مميلات فكل هذه صور من حال المرأة في آخر الزمان وهو قد تنبأ بها ( 1 ) . .
إذن فماذا كانت ترتدي تلك المرأة التي أثارت الرسول . . ؟
ويروى عن عائشة قولها : كنت أطيب رسول الله ( ص ) فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا ( 2 ) . .
ويروى عن أنس بن مالك : كان النبي ( ص ) يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشر . قلت لأنس : أو كان يطيقه . قال : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين ( 3 ) . .
قال النووي : أما طوافه ( ص ) على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه كان يتوضأ بينهما أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء .
وقد جاء في سنن أبي داود أنه ( ص ) طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه . فقيل يا رسول الله : ألا تجعله غسلا واحدا . فقال : " هذا أذكى وأطيب وأطهر " . وعلى تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت . وطوافه ( ص ) محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة . وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبا على رسول الله في الدوام كما يجب علينا . وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فإن له أن يفعل ما يشاء . وهذا اختلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا ( 4 ) . .
وقال القاضي عياض : إن الحكمة من طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن كأنه أراد به عدم تشوفهن للزواج إذ الاحصان له معان منها الإسلام والحرية والعفة والذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك وإن لم يكن واجبا ( 1 ) . .
ويتعلق ابن حجر بقوله : وفي التعليل الذي ذكره نظر لأنهن - أي نساء النبي - حرم عليهن التزويج بعده . وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا على ذلك - هي أم سلمة وتوفيت في عام 61 ه ( 2 ) . .
لقد غرق الفقهاء في التأويلات والاحتمالات وتناسوا جوهر الرواية . وهم بالطبع غير مكلفين بذلك فوظيفتهم هي التأويل والتبرير واستنباط الأحكام وليس إعمال العقل في الروايات لمعرفة مدى صحتها وانسجامها مع نصوص القرآن وشخص الرسول فما دامت هي من روايات البخاري ومسلم فقبلوها واجب شرعي ورفضها طعن في الدين وفي الرسول . . وإذا كان هناك من أصابته الدهشة لسماعه هذا الخبر في زمن الرسول ( ص ) وهو ما يظهر من خلال قوله : أو كان يطيقه ؟ فكيف الحال بنا اليوم . . ؟
وقد جاء رد أنس ليزيد الطين بلة بقوله : كنا نتحدث أن له قوة ثلاثين . أي قوة ثلاثين رجلا في الجماع . . فهل هناك فضح وتعرية للرسول أكثر من هذا . . ؟
إن هذا الكلام لا يعني إلا شيئا واحدا وهو أن الحياة الجنسية للرسول كانت مكشوفة للجميع وسيرته مع نسائه على السنة الناس بالمدينة . . وهذا كلام غير مقبول . كما أنه من غير المقبول فكرة الطواف ذاتها . من حيث القدرة ومن حيث الفراغ .
إن التسليم بمثل هذه الروايات يعني أن الشغل الشاغل للرسول كان النساء . وهذا العدد الذي ارتبط به - سواء كان تسعة أو إحدى عشر - كاف وحده لإضاعة الليل والنهار . فإن طاف عليهن ليلا لا بد أن ينام النهار . وإن طاف عليهن نهارا لا بد أن ينام الليل وفي كلتا الحالتين ليس هناك وقت لشؤون الدعوة والمسلمين ولا حتى لاستقبال الوحي . . ويلزم لنا حتى تتضح الصورة أن نلقي الضوء على نساء النبي ( ص ) لنتبين طبيعة علاقته بهن . . ومن المعروف أن الزوجة الأولى للنبي كانت خديجة وقد القينا عليها الضوء سابقا وهي قد توفيت في مكة وذكرناها للإشارة إلى الزوجة الثانية التي جاءت بعدها وهي سودة بنت زمعة . . والفقهاء يختلفون حول تاريخ وفاة خديجة وزواج الرسول بعائشة في سن التاسعة . هل تم هذا الزواج بعد خديجة أم بعد سودة ( 1 ) . . ؟
قال الماوردي : الفقهاء يقولون : تزوج عائشة قبل سودة . والمحدثون يقولون : تزوج سودة قبل عائشة ( 2 ) . .
فأيهما نصدق : الفقهاء أم المحدثون ؟
وإذا كان الفقهاء خاضعون على الدوام للمحدثين يعتمدون رواياتهم ويبنون على أساسها مذاهبهم وعقائدهم . فما هو المبرر للانشقاق عليهم في هذه المسألة . . ؟
يروى عن عائشة قولها : أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة . وكان النبي يقيم لعائشة بيومها ويوم سودة ( 3 ) . .
ويروى عن عائشة أيضا : قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله ( ص ) : يا رسول الله . يومي لعائشة . فقبل ذلك رسول الله منها . وفي ذلك أنزل الله تعالى ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ) ( 4 ) .
ويبدو من ظاهر هذه الرواية أن نساء النبي ( ص ) قد نقصن واحدة فأصبح الرسول يطوف على ثمانية لا تسع . أما باطنها فيكشف لنا أن سودة كانت مهددة بالطلاق وفراق الرسول لها لعدم قدرتها على تلبية رغباته الجنسية وأنها قد أنقذت نفسها بالبقاء على ذمة الرسول بالتخلي عن يومها لعائشة . .
فهل يجوز أن يقال مثل هذا الكلام في حق النبي الذي جاء يبشر بالعدل والرحمة ؟
وإذا كان هذا هو حال سودة فلماذا تزوجها إذن . . ؟
ولماذا وهبت سودة يومها لعائشة من دون نساء النبي ؟
هل لأن هوى النبي مع عائشة ؟
وإذا كان هذا ما تؤكده الروايات فهو يعني أن عائشة استأثرت بمعظم الليالي وهو ما ينقض فكرة الطواف . .
ويروى أن النبي ( ص ) بعث إلى سودة بطلاقها فلما أتاها جلست على طريق بيت عائشة . فلما رأته قالت : أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه لم طلقتني . الموجدة وجدتها في ؟ قال : " لا " . قالت : فإني أنشدك بمثل الأولى أما راجعتني وقد كبرت ولا حاجة لي في الرجال ولكني أحب أن أبعث في نسائك يوم القيامة . فراجعها النبي . قالت : فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله ( 1 ) . .
وهذه الرواية تؤكد إصرار الرواة على أن المسألة الجنسية هي أساس علاقة الرسول بنسائه مع أن سودة هذه كانت امرأة ضخمة طويلة وفوق ذلك كانت ثيبا . ترملت بعد وفاة زوجها السكران بن عمرو وكان من مهاجري الحبشة وتوفي في مكة بعد عودته منها ( 2 ) . .
وفيما يتعلق بعائشة الزوجة الثالثة للنبي حسب الترتيب التاريخي فقد استعرضنا في الباب السابق دورها وموقف الرسول منها . وإذا ما سلمنا بصحة الروايات الواردة فيها بكونها محظية الرسول ( ص ) فهذا يعني بطلان فكرة الطواف . وإذا ما قررنا رفضها فإن هذا يعني ضرب مكانة عائشة . . وفي كلا الحالتين الموقف ليس في صالح الرواة أو الفقهاء . .
أما حفصة فإنها كما أشرنا كانت حليفة عائشة وكانت ثيبا ترملت بعد وفاة زوجها خنيس بن حزافة . وعرضها عمر على عثمان فقال ما لي في النساء حاجة ثم عرضها على أبي بكر فأبى فغضب عليهما عمر . حتى تزوجها رسول الله بعد ذلك( 1 ) . . ولم تأت الروايات بشئ يرفع من مقامها عند الرسول كما هو حال عائشة بل روي ما ليس في صالحها كما أشرنا من قبل ونضيف هنا رواية تطليقها من قبل الرسول . .
يروى : طلق رسول الله ( ص ) حفصة ثم راجعها ( 2 ) . . وتزوج رسول الله زينب بنت خزيمة وكانت تحت عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر فجعلت أمرها إلى الرسول فتزوجها في السنة الثالثة من الهجرة فمكثت عنده ثمانية أشهر ثم توفيت وهي أول من توفيت من زوجاته بالمدينة في حياته ( 3 ) . . وهذه المدة القصيرة التي قضتها زينب مع الرسول تجعل من نسوة النبي اللاتي كان يطوف عليهن سبع . وهذا فيه نقض لرواية طوافه على التسع . . وتزوج رسول الله ( ص ) ريحانة بنت زيد وكانت من سبى بني قريظة بعد أن أسلمت وكان يستكثر منها فلم تزل عنده حتى ماتت أثناء رجوعها من حجة الوداع وكان قد تزوجها سنة ست من الهجرة ( 4 ) . .
وباستثناء ريحانة من نسوة النبي يصبح عدد الطائف عليهن ست . . وإذا ما جمعنا فوق سودة وعائشة وحفصة وزينب وريحانة وأم سلمة وأم حبيبة وصفية وجويرية وزينب بنت جحش وميمونة يصبح عدد زوجات النبي إحدى عشر . . وإذا ما أضفنا إليهن فاطمة الكلابية التي يقال إنها طلقت لبياض كانت بها . أو بسبب تخييرها بين قومها وبين الرسول فاختارت قومها ( 1 ) . . وأسماء بنت النعمان الجونية وكانت من أجمل النساء ولما دخل بها الرسول ثم أهوى عليها ليقبلها وكذلك كان يصنع إذا اجتلى النساء . قالت : أعوذ بالله منك فتركها الرسول وبعثها إلى أهلها ( 2 ) . . ومليكة بنت كعب الليثي وقتيلة بنت قيس وبنت جندب الجندعي وسنا بنت الصلت وغير ذلك من النساء اللاتي خطبهن واللاتي وهبن أنفسهن للرسول بالإضافة إلى مارية القبطية التي أنجبت ولده إبراهيم الذي توفي في المدينة ( 3 ) . .
بهذا يتبين لنا أن الرسول ارتبط بأكثر من عشرين امرأة ما بين زوجة وسرية . . وهناك خلاف بين الرواة والفقهاء حول عدد النسوة اللاتي ارتبط بهن الرسول بزواج دائم ما بين تسعة إلى إحدى عشر إلى ثلاثة عشر ( 4 ) . .
إلا أن ما يعنينا هنا من إلقاء الضوء على نساء النبي هو تبين استحالة تحقيق الطواف على النساء في ساعة واحدة أو ليلة واحدة من قبل الرسول إذ أن تاريخ اقتران الرسول بهن لم يكن في سنة واحدة وإنما كان في سنوات متفرقة . فقد تزوج سودة في مكة سنة عشر من النبوة . .
وتزوج عائشة في السنة الثالثة للهجرة . .
وتزوج حفصة في السنة الثالثة من الهجرة . .
وتزوج زينب بنت خزيمة في السنة الثالثة من الهجرة .
وتزوج أم سلمة في السنة الرابعة . .
وتزوج زينب بنت جحش في السنة الخامسة من الهجرة . .
وتزوج جويرية بنت الحارث في السنة الخامسة من الهجرة .
وتزوج ريحانة بنت زيد في السنة السادسة من الهجرة . .
وتزوج صفية بنت حيي في السنة السابعة من الهجرة . .
وتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان في السنة السابعة للهجرة . .
وتزوج ميمونة بنت الحارث في السنة السابعة من الهجرة . .
ودخل بمارية القبطية في السنة السابعة من الهجرة . . ويتبين لنا من خلال هذا العرض أن الرسول ( ص ) تزوج نساءه في سنوات متفرقة فهن لن يجتمعن معه في سنة واحدة . فكيف يتحقق الطواف بهن في وقت واحد ؟
والإجابة على هذا السؤال بين أمرين : إما أن يكون الأمر مختلق من أساسه . . وإما أن يكون الطواف في آخر سني عمر الرسول حيث تحقق له جمعهن . . وهو مردود بسبب تناقض الروايات ما بين التسعة والإحدى عشر . وبسبب أن الروايات تؤكد أن عائشة كانت تستأثر بالرسول وهذا فيه إخلال بالطواف وبسبب تنازل سودة ووفاة زينب بنت خزيمة مبكرا وبسبب روايات أخرى تشير إلى أن الرسول كان يستكثر من زينب بنت جحش وأم سلمة وغيرهما ( 1 ) . .
- في الحرب : كان ما سبق هو استعراض الحالة الجنسية للرسول ( ص ) في الوقت السلم من خلال الروايات التي نسبها القوم إلى الرسول . أما في زمن الحرب فقد شهدت الروايات أنه ليس هناك فرق . .
يروى أنه لما قسم السبي في غزوة خيبر . جاء دحية فقال يا نبي الله أعطني جارية من السبي . قال : " اذهب فخذ جارية ". فأخذ صفية بنت حيي . فجاء رجل إلى النبي فقال : يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير . لا تصلح إلا لك . قال " ادعوه بها " . فجاء بها . فلما نظر إليها النبي قال : " خذ جارية من السبي غيرها " . فأعتقها النبي وتزوجها . حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل . فأصبح النبي عروسا ( 1 ) . .
يقول الفقهاء : قوله : خذ جارية من السبي غيرها . يحتمل ما جرى مع دحية وجهين
أحدهما : أن يكون رد الجارية برضاه وأذن له في غيرها .
والثاني : أنه إنما أذن له في جارية له من حشو السبي لا أفضلهن .
فلما رأى النبي ( ص ) أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسبا وشرفا في قومها وجمالا استرجعها لأنه لم يأذن له فيها ورأى في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها على باقي الجيش . ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم ولما يخاف من استعلائها على دحية بسبب مرتبتها . وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره فكان أخذه ( ص ) إياها لنفسه قاطعا لكل هذه المفاسد المتحوفة . ومع هذا فعوض دحية عنها ( 2 ) . .
هذا ما يقوله الفقهاء حول هذه الرواية المزرية . احتمالات وتبريرات واهية فيها استخفاف بالعقول وتوهين للأمر وتعتيم على حقيقته . . ومثل هذه الاحتمالات لا تغني ولا تسمن من جوع فظاهر الرواية ينطق بالحق وهو أن الرسول ( ص ) وهو في
ميدان الحرب كما هو حاله في السلم لا ينسى النساء ولا يصبر عليهن فالهوس الجنسي يسيطر على مخيلته ودفعه إلى التراجع عن قراره بإعطاء صفية إلى دحية بمجرد أن زينها القوم له دون أن يراها . وما إن رآها في نفسه وتأكد له الخبر فأخذها منه لنفسه . ولو أن الأمر انتهى عند هذا الحد لقلنا إن الرسول احتجزها مخافة أن يفتن بها القوم وحتى يعود إلى المدينة فينظر في أمرها . لكن كلام الفقهاء يؤكد أن الرسول أخذها لنفسه لكونها لا تناسب دحية الفقير الذي ينتمي إلى طبقة وضيعة لا تلائم طبقة صفية العالية .
الفقهاء يؤكدون أن الرسول عالج المسألة من منظور طبقي لا من منظور شرعي . فهل جاء الإسلام ليدعم الطبقية ويؤكدها أم ليقضي عليها ويفتتها . . ؟
إن ما تصوره الرواية هو أكثر مما وصفنا . فالرسول اشتعلت شهوته بمجرد رؤية صفية وقرر أن يواقعها في أقرب فرصة فدفعها إلى أم سليم لتجهزها له وهو في الطريق إلى المدينة وما إن جهزتها حتى دخل بها في الطريق . . هل يحتمل عقل المسلم وقلبه هذا الامتهان والتشويه لنبيه . . ؟
واختلف الفقهاء فيمن أعتق أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها - كما فعل الرسول مع صفية - وقال الجمهور : لا يلزمها أن تتزوج به ولا يصح هذا الشرط ( 1 ) . .
هذا ما خرج به الفقهاء من هذه الرواية عدم جواز نكاح الأمة المعتقة من سيدها بدون صداق على أساس أن عتقها هو صداقها واعتبروا ما حدث مع صفية هو حكم خاص بالرسول وحده . . ولقد أسهم الفقهاء على الدوام في نشر أحكام الإماء وتوطينها وسط المسلمين بدلا من القضاء عليها ودفنها وذلك خدمة للحكام الذين اتخذوا من حكم ملك اليمين ألعوبة في أيديهم يملكون به من النساء ما يشتهون به مما ساعد على ازدهار تجارة الرقيق التي جاء الإسلام للقضاء عليها ( 2 ) . . ويبدو أن مسلم شعر بالخلل في روايته . فجاء بالرواية من طريق آخر يحوي مخرجا للرسول ( ص ) من التورط في أمر صفية . .
يروى : وقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله ( ص ) بسبعة أروس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها له وتهيئها . قال - أي الراوي - وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي . . وقال الناس : لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد . قالوا : إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد - أي أمة - فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا أنه قد تزوجها . فلما دنوا من المدينة دفع رسول الله ( ص ) ودفعنا . فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله وندرت . فقام فسترها وقد أشرفت النساء فقلن أبعد الله اليهودية ( 1 ) . .
ومن خلال هذه الرواية يحاول الراوي نفي الشبهات من حول الرسول في كونه أخذ ما ليس له . وكونه دخل على صفية من قبل أن تستبرأ . وذلك من خلال قوله الذي حشاه في وسط الرواية : وأحسبه قال وتعتد في بيتها أي في بيت أم سليم في المدينة . إلا أن بقية الرواية تكذب هذا الادعاء وتثبت أن الرسول دخل بصفية من قبل أن تنتهي عدتها وهذه مصيبة المصائب . فقد أقام الرسول وليمة العرس وتكلم الناس أتزوجها أم اتخذها أمة . . ؟
ومعنى ذلك هو ما أشارت إليه الرواية السابقة من أنه دخل بها في الطريق . . وهناك رواية ثالثة تزيل اللبس تقول : صارت صفية لدحية في مقسمه وجعلوا يمدحونها عند رسول الله ( ص ) ويقولون ما رأينا في السبي مثلها . قال فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد ثم دفعها إلى أم سليم فقال أصلحيها ثم خرج الرسول من خير حتى إذا جعلها في ظهره نزل ثم ضرب عليها القبة ( 2 ) . . وبهذا تكون الصورة قد اتضحت . . الرسول رأى صفية فوقعت في نفسه . . الرسول صادرها أو قايضها أو دفع ثمنها لدحية . . الرسول دخل بها وهي في العدة . . وهذه النتائج الثلاث تكفينا لدحض هذه الروايات والحكم بوضعها وبطلانها دفاعا عن الرسول ولا يعنينا سندها في شئ . .
ولم ينحصر أمر علاقة الرسول بالنساء في زمن الحرب في حدود صفية وحدها بل امتد ببركة الرواة ليشمل جويرية بنت الحارث وريحانة بنت زيد . . أما جويرية فكانت من سبي بني المصطلق . .
يروى عن عائشة قولها أصاب رسول الله ( ص ) نساء بني المصطلق . . فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وكانت تحت ابن عم لها يقال له صفوان بن مالك فقتل عنها . فكاتبها ثابت بن قيس على نفسها على تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه . فبينا النبي عندي إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابها . فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت . . فقال الرسول : أو خير من ذلك ؟ فقالت : ما هو ؟ قال : أؤدي عنك كتابك وأتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله ( 1 ) . .
ويروى : ضرب رسول الله على جويرية الحجاب . وكان يقسم لها كما يقسم لنسائه ( 2 ) . . أما ريحانة فكانت من سبي بني قريظة وكانت متزوجة من رجل يسمى الحكم . وكانت ذات جمال . فلما عرض السبي على الرسول أمر بها فعزلت ثم أعتقها وتزوجها وكان يقسم لها كما يقسم لنسائه وضرب عليها الحجاب وكان معجبا بها وكانت لا تسأله إلا أعطاها وكان يخلو بها ويستكثر منها ( 3 ) . . وحال رواية جويرية وريحانة هو حال رواية صفية . فما حدث هنا حدث هناك .
وكما افتتن الرسول بصفية افتتن بجويرية أيضا في حضور عائشة التي ما إن وقع بصرها عليها حتى علمت أن الرسول لن يفلتها وهو ما حدث . . ثم افتتن بريحانة وصارت عنده من المحظيات المدللات اللواتي يستكثر منهن . . وما نخرج به من هذه الروايات هو أن شهوة الرسول كانت مفتوحة دائما للنساء من وقت السلم ووقت الحرب وأن نسائه كانت تأكلهن الغيرة ولا يجدن حيلة في ذلك إلى الصبر وانتظار طوافه عليهن وقد يطول هذا الانتظار . . ولا شك أن افتتان الرسول بجويرية وريحانة جاء على حساب عائشة ونقض فكرة احتكارها
لفراش الرسول كما أكد من جانب آخر أن عائشة لم تكن على قدر من الجمال والفتنة التي تمكنها من الهيمنة على الرسول وعزله عن الافتتان بغيرها . .
- معارك نسائية :
وفي وسط هذا الكم من النساء اللاتي ارتبط بهن الرسول كانت تكثر الصدامات والخلافات والمؤامرات والسبب والغيرة . . وكان الرسول ( ص ) في مواجهة هذه المعارك النسائية يقف في صف عائشة ضد نسائه الأخريات . لترك الروايات تتحدث نيابة عنا . .
يروى عن عائشة : إن نساء النبي ( ص ) كن حزبين . فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة . والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء النبي . وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله أخرها حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة . فتكلم حزب أم سلمة . فقلن لها كلمي رسول الله يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه .
فكلمته أم سلمة بما قلن . فلم يقل لها شيئا فسألناها - أي حزبها - فقالت : ما قال لي شيئا . فقلن لها فكلميه . قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا فسألتها فقالت : ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته .
فقال : لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة . قالت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله . ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله فأرسلن إلى رسول الله تقول : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر ( 1 ) . .
ويروى عن عائشة أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله ( ص ) ( 1 ) . .
ويروى عن أم سلمة أن النبي ( ص ) حلف أن لا يدخل على بعض نسائه شهرا ( 2 ) . .
ويروى عن عمر أنه دخل على حفصة فقال يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنا حب الرسول الله إياها يريد عائشة . فقصصت على رسول الله فتبسم ( 3 ) . .
ويروى عن عائشة قالت إن النبي ( ص ) كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليه النبي ( ص ) فلتقل إني لأجد منك ريح مغافير . . فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال " لا بأس شربت عسلا عند زينب ولن أعود له " فنزلت ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) إلى ( أن تتوبا إلى الله ) لعائشة وحفصة
( وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا ) لقوله بل شربت عسلا ( 4 ) . .
ويروى عن عائشة : كان رسول الله ( ص ) يحب العسل والحلوى وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن . فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس . فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت النبي منه شربه . فقلت أي عائشة أما والله لنحتالن له . فقلت لسودة إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا . فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل .
فقولي له جرست نحلة العرفط وسأقول له ذلك . وقولي أنت يا صفية ذاك . قالت : تقول سودة فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بما أمرتني به فرقا منك فلما دنا منها قالت له سودة يا رسول الله أكلت مغافير . قال : " لا " . قالت : فما هذه الريح التي أجد منك . قال " سقتني حفصة شربة عسل " فقالت جرست نحلة العرفط . فلما دار إلي قلت له نحو ذلك . فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك . فلما دار إلى حفصة قالت : يا رسول الله ألا أسقيك منه . قال " لا حاجة لي فيه " تقول سودة والله لقد حرمناه . قلت لها اسكتي ( 1 ) . .
وهذه الروايات وغيرها مما ذكرناه في الباب السابق حول عائشة إنما تكشف لنا أن المعارك والمؤامرات النسائية لم تكن تتوقف في بيت الرسول والسبب الغيرة التي إن دلت على شئ فإنما تدل على أن هناك ظلم من قبل الرسول تجاه نسائه وعدم قدرته على تحقيق العدل بينهن . وهي - أي الغيرة - في ذاتها تنقض فكرة الطواف على النساء فلو كان هذا الطواف متحقق وبعدل لم يكن هناك مبرر للغيرة كما تشير بذلك الرواية التي طالب فيها نسوة النبي العدل في عائشة والتي ذكرناها كاملة في الباب السابق وهي تحوي تفاصيل الصدام بين عائشة وزينب ورفض الرسول الوساطات في أمر عائشة . . ومطالبة نسوة النبي العدل في التعامل معهن ينقض فكرة الطواف أيضا إذ يؤكد أن عائشة مستأثرة بالرسول وحدها بينما بقية النسوة محرومات منه . وهذا يعني أنه ليس هناك طواف . .
إن اعتراف عائشة بأن نساء النبي كن حزبين يدل على أن نساء النبي ( ص ) لم يكن يدا واحدة . وكما تصور الرواية والروايات الأخرى أن سبب ذلك هو الغيرة من عائشة إلا أن هذا السبب ليس كافيا لتبرير هذا الموقف الذي إن دل على شئ فإنما يدل على أن الرسول فقد زمام الضبط والربط في بيته وأن نسائه قد تفلتن منه . . وإن التبرير المقنع لهذا الانقسام هو القبلية والسياسة . فقد أشرنا سابقا إلى دور عائشة وحفصة سويا وأن لهما توجهات خاصة ترتبط بأبي بكر وعمر وأنهما اللتان نزلت فيهما آيات سورة التحريم . ومن هنا فهذه إشارة إلى أن حزبهما من السذاجة تصور أن سببه الغيرة .
من جهة أخرى لو نظرنا إلى واقع الحزب الآخر الذي تتزعمه أم سلمة فسوف تتكشف حقيقة وهي أن هناك قضية هامة أدت إلى هذا الانقسام بين نساء النبي وهي قضية آل البيت واختصاصهم بمكانة متميزة وعالية في حياة الرسول واختصاصهم بدور الإمامة من بعده . . ولم يكن هذا الانقسام ينحصر في دائرة نساء النبي وحدهن إنما شمل الصحابة أيضا والمتتبع لسيرة علي وما روي في حقه يتبين له هذا الأمر بوضوح . إن هناك من كان يبغض عليا ويقف ضده . . وهناك من يحبه ويقف معه . . وحزب أم سلمة كافي صف عليا وهو ما تؤكد سيرتها ومواقفها . .
يروى أن النبي ( ص ) خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كان معه . فكان أصحاب النبي ( ص ) فيهم فرقتين قال بعضهم نقتلهم . وقال بعضهم لا . فنزلت ( فما لكم في المنافقين فئتين ) ( 1 ) . وهذه الرواية التي تلقي الضوء على الذين رجعوا من الصحابة يوم أحد وتركوا الرسول تكشف لنا أن هناك حزب من الصحابة دافع عن هؤلاء المنافقين وصوت ضد قتلهم بينما كان موقف الحزب الآخر هو تأييد الحكم بقتلهم . . وما نخرج به من هذه الرواية هو أن ذلك الحزب الذي دافع عن هؤلاء المنافقين هو حزب يشك في إيمانه ومواقفه . إذ ما هي المصلحة في الدفاع عن المنافقين ؟
كما أن انقسام الصحابة في مواجهة هذا الحدث يدل على أن هناك حزبان من الصحابة كل له موقفه المختلف في مواجهة شتى الأحداث التي واجهت مسيرة الإسلام في حياة الرسول . .
يروى على لسان الإمام علي قوله : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي ( ص ) إلي أن لا يحبني إلا مؤمن . ولا يبغضني إلا منافق ( 2 ) . .
ويروى عن الرسول قوله : " حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق " ( 1 ) . .
وفي رواية أخرى : " من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله " ( 2 ) . .
ويروى عن الرسول ( ص ) قوله : " إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم " . قيل : يا رسول الله سمهم لنا . قال : " علي منهم " يقول ذلك ثلاثة " وأبو ذر والمقداد وسلمان أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم " ( 3 ) . .
ويروى عن النبي ( ص ) قوله تعالى لعلي : " أنت مني وأنا منك " ( 4 ) . .
ويروى عنه ( ص ) : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ( 5 ) . .
وهذه الروايات وغيرها مما تكتظ به كتب السنن خاصة روايات كتاب الله وعترتي التي أشرنا لها تعطينا دلالة قاطعة على أن الرسول كان يتعامل مع مجتمعه ومن حوله على أساس تصنيفي . فالصحابة كانوا درجات وكانوا طبقات . والرسول كان يتعامل مع كل فئة أو طبقة حسب درجتها ومستواها الايماني ومدى تضحياتها في سبيل الدعوة . وهذه بديهية قيادية تناسيها يعتبر طعنا في الرسول وشكا في قيادته . . وأهم ما تؤكده هذه الروايات هو هذا التصنيف . أن عليا والأنصار كانوا حزبا واحدا في مواجهة الحزب الآخر وهو حزب المهاجرين . . والرسول ( ص ) لا يطلق كلاما عشوائيا بلا هدف . وعندما يذكر هذه النصور بخصوص آل البيت وعلي والأنصار فإن هذا يدل على أن هناك من يبغضهم ويحسدهم . .
كذلك كان الرسول يتعامل مع نسائه على هذا الأساس . وهن كن فيهن الصالحات القانتات وكن فيهن غير ذلك وهو ما تشير إليه نصوص سورة التحريم ونحن وفقا للوقائع التاريخية نؤيد هذا الجزء من الرواية التي ذكرتها عائشة : ( أن نساء النبي كن حزبين ) لكننا نتوقف في الجزء الباقي من الرواية ونرفضه . . والاعتراف بمسألة الهدايا في ليلة عائشة يعني الاعتراف بمسألة الطواف وكلا الأمرين فضح للرسول وتعرية لحياته الخاصة .
وكيف كان الناس يعرفون أمر طواف الرسول على نسائه . . ؟
هل كان الرسول تحت المراقبة . . ؟
أم أن أنس - خادم الرسول - روى رواية الطواف بصفته العارف بأسرار بيته ؟
وإن صح هذا أمن الأدب أن يشيع أنس هذا الأمر عن الرسول . . ؟
إن مسألة الهدايا حالها كحال مسألة الطواف . ولما كانت مسألة الطواف قد تم نقضها فإن هذا ينقض مسألة الهدايا أيضا . .
إن معني إدخار الناس لهداياهم حتى يوم عائشة يعني أن الناس كانوا يرقبون حركة الرسول بين نسائه ويعرفون موعد دخوله على عائشة فيندفعون نحوه بالهدايا لكسب رضاه . . وهذا يعني أن الهدية لو أرسلت إلى الرسول في بيت زينب أو أم سلمة فلن يتحقق رضا الرسول . لأنه لا يتمتع وتتحقق له الراحة والسعادة إلا عند عائشة . .
والسؤال هنا ما معنى ابتغاء مرضاة الرسول من وراء هذه الهدايا . . ؟
هل كان الناس يتعاملون مع الرسول كحاكم فيتقون شره بهذه الهدايا التي تكون في هذه الحالة بمثابة رشوة يتحقق بواسطتها رضاه عنهم . . ؟
إننا دفاعا عن الرسول نرفض هذا السلفة الذي هو من اختراع الرواة للارتفاع بمكانة عائشة على حساب الرسول . . والرواية تؤكد أن الرسول رفض مطالب نسائه بالعدل بينهن أو حتى الكلام في هذا الأمر وهو ما يبدو من رفضه إجابة أم سلمة . ثم إنهاء الجدال حول هذه المسألة بقوله : " لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة "
فالرسول بهذا قد أقر الظلم على نفسه بعدم العدل بين نسائه معتبرا أن علاقته بعائشة علاقة مباركة من الوحي أما علاقته ببقية نسائه فهي علاقة غير مباركة . الأمر الذي ناقشناها سابقا . . والذي تؤكده هذه الرواية أيضا هو أن موقف الرسول من عائشة يعني تهديدا لبقية نسائه .
فمحاولة الحديث في أمر العدل أو المساس بعلاقته بعائشة يعتبر بمثابة أذى له سوف يرد عليه بأذى للطرف الآخر وهو ما يظهر لنا من خلال قوم أم سلمة : ( أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ) . . فهل كان الرسول مؤذيا . . ؟
وتؤكد الرواية أيضا أن السيدة سودة قد شاركت في هذه المعارك والألاعيب وهو ما يتناقض مع الروايات السابقة التي تؤكد أن الرسول تخلص منها أو هي قررت الانسحاب من حياته . . إلا أن ما تؤكده الرواية فوق هذا هو أن أم سلمة لم تتب واستمرت هي وحزبها في مناوشة الرسول بطلبها من فاطمة التدخل والوساطة ثم لما فشلت وساطتها تبعتها زينب التي دخلت في عراك مع عائشة على مشهد من الرسول الذي كان يراقب العراك متبسما . .
يروى : أن الرسول ( ص ) لما تزوج زينب بنت جحش نزلت آية الحجاب ( 1 ) . .
ويروى أيضا : أن الرسول ( ص ) ما أولم على امرأة من نسائه أكثر أو أفضل مما أولم على زينب . فإنه ذبح شاة ( 2 )
ويروى أن الناس لما تباطأوا في الخروج من عند الرسول في عرس زينب وشعر الرسول بالحرج من ذلك نزل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن إلى طعام غير ناظرين أناه ) إلى قوله ( إن ذلكم كان عند الله عظيما ) ( 3 ) . .
ويروى أن الرسول ( ص ) قال : " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا " . قالت - أيا عائشة - : فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا . فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق ( 1 ) . .
ومن هذه الرواية نخرج بالنتائج التالية :
أولا : إن الوحي تنزل في بيت زينب بآية الحجاب وآية الاستئذان وهو ما ينقض ادعاء حصر الوحي في حدود بيت عائشة أو كما نصت الروايات في لحاف امرأة أو في ثوب امرأة غير عائشة . .
ثانيا : إن هذه الروايات ترفع من مقام زينب لكونها نزلت بسببها آيات تحريم التبني . وزكاها الرسول بوصفها بطول اليد في معونة نفسها ومعونة الغير وهو ما لم يتحقق لعائشة المدللة . كما أولم عليها بشاة وهو ما لم يحدث من قبل في زيجات الرسول .
ثالثا : أن حال زينب الذي تصفه هذه الروايات يتناقض مع ما تصوره رواية عائشة التي تصفها بسوء الأدب في حضرة الرسول . .
ورواية أم سلمة التي تشير إلى أن الرسول قد هجر بعض نسائه شهرا إنما تؤكد أن تلك النسوة إنما هن من خارج دائرة حزبها لأنها هي الرواية . .
أما رواية نصيحة عمر لابنته حفصة فهي تعكس لنا مدى الغيرة والحسد أو الصراع الدائر بينها وبين عائشة من أجل السيطرة على الرسول . .
ورواية العسل تلقي الضوء على كيد النساء ومؤامرتهن وأنهن لم يكن يشغلهن شئ سوى الكيد لبعضهن وتآمر إحداهن على الأخرى وكل ذلك بسبب الغيرة . مما يصور بيت الرسول مشتعلا بالمعارك والخصومات على الدوام . .
فهل نكح الرسول هذا الكم من النساء لينشغل بمعاركهن وخصوماتهن . . ؟ إن ما تصوره الروايات أن نكاح الرسول هذا الكم من النساء إنما كان بغرض الشهوة والهوى ولم يكن لأي غرض آخر .
مما يضفي على الرسول صفات الرجل الشهواني الباحث عن اللذات وهذا من شأنه أن ينعكس على دعوته بالسوء . . وهذا هو الهدف من اختراع هذه الروايات وغيرها من الروايات التي تتحدث عن تهافت النساء على النبي ووهب أنفسهن له . .
.
http://www.vosartistes.com/sites/default/files/hamri_mixte_sur_papier.jpg
[SIZE=6]Hamri Mohamed[/SIZE]
الرسول يتهافت على والنساء هن يتهافتن عليه . .
من مهازل القوم ما ينسبه الرواة للرسول ( ص ) حول علاقته بالنساء وكأنهم لم يكتفوا بما نسبوه له حول علاقته بعائشة فأرادوا توسيع دائرة هذه العلاقة لتكون فتحا للحاكم بعده كي يغنموا من النساء ويتوسعوا في التمتع بهن على حساب الرسول
ومثل هذه الروايات الشائنة التي تفضح الرسول جنسيا وتشوه صورته يتداولها القوم بكل ثقة واطمئنان . . ويقيني أن كثيرا من المسلمين لا يعرفون شيئا عن هذه الروايات التي تزدحم بها كتب السنن . فمن ثم هم بمجرد التعرف عليها سوف يرفضونها بالفطرة . . إن العقل لا يقبل أن تكون الحياة الخاصة للرسول مفضوحة بهذا الشكل الذي تبرزه الروايات . كما لا يقبل بصحة هذه الوقائع المنسوبة للرسول والمتعلقة بالنساء في ظل الدور المرسوم له والمهمة الملقاة على عاتقه كنبي خاتم ورسول للعالمين . . ولقد استثمرت هذه الروايات من قبل خصوم الإسلام ورسمت من خلالها صورة مشوهة للرسول كرجل غارق في الملذات يتهافت على النساء ولا يمل من مضاجعتهن ليل نهار . . والواجب على أصحاب العقول والقلم أن يتصدوا لهذه الروايات حفاظا على صورة الرسول وصورة الإسلام . . الواجب أن تكون هناك انتفاضة فكرية ضد هذه الموروثات التي أقل ما يقال فيها أنها من الإسرائيليات . .
- في المسلم : يروى أن رسول الله ( ص ) رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال : " إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يردها في نفسها " ( 1 ) . .
وفي رواية أخرى : أن النبي ( ص ) رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته منها ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم : " إن المرأة تقبل في صورة شيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله فإنه يضمر ما في نفسه " ( 2 ) . .
قال النووي : قوله إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان يعني الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له ( 3 ) . .
وقليل من التأمل في هذه الرواية يكشف لنا مصادمتها للعقل وللواقع . . أما مصادمتها للعقل فيظهر لنا من انفعال الرسول وقيام شهوته بمجرد أن وقع بصره على تلك المرأة . وهذا التصور فيه امتهان لشخص الرسول المعصوم والمبرأ من الهوى وهو يظهر بمظهر الرجل الشهواني الذي لا يكف عن ملاحقة النساء ببصره . وإذا كان هذا هو حال الرسول فكيف حال أصحابه ؟
إن الرواية لم تجيبنا عن هذا السؤال فهي قد بينت لنا أن الرسول هو الذي تأثر بتلك النظرة وقامت شهوته وحده فهرع إلى زينب ليطفئ نار الشهوة ثم خرج إلى أصحابه فإذا هم بانتظاره فأخبرهم بسبب تركه لهم ثم أنزل غضبه ولعنته على المرأة وعلى النساء أجمعين مشبها إياهن بالشيطان . .
ومن هذا البيان برزت لنا حقيقتان :
الأولى : أن الصحابة كانوا أكثر ثباتا وأقل تأثرا بتلك المرأة من الرسول . .
الثانية : أن الرسول فضح نفسه وكشف أمام أصحابه ما جرى له من تلك المرأة وما فعله مع زينب حين هرع إليها . . فهل يقبل العقل مثل هذا الكلام . . ؟
أما مصادمتها للواقع آنذاك فيظهر من أن النساء في زمن الرسول ( ص ) لم يكن يسرن في الطرقات عاريات أو مائلات أو مميلات فكل هذه صور من حال المرأة في آخر الزمان وهو قد تنبأ بها ( 1 ) . .
إذن فماذا كانت ترتدي تلك المرأة التي أثارت الرسول . . ؟
ويروى عن عائشة قولها : كنت أطيب رسول الله ( ص ) فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا ( 2 ) . .
ويروى عن أنس بن مالك : كان النبي ( ص ) يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشر . قلت لأنس : أو كان يطيقه . قال : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين ( 3 ) . .
قال النووي : أما طوافه ( ص ) على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه كان يتوضأ بينهما أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء .
وقد جاء في سنن أبي داود أنه ( ص ) طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه . فقيل يا رسول الله : ألا تجعله غسلا واحدا . فقال : " هذا أذكى وأطيب وأطهر " . وعلى تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت . وطوافه ( ص ) محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة . وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبا على رسول الله في الدوام كما يجب علينا . وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فإن له أن يفعل ما يشاء . وهذا اختلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا ( 4 ) . .
وقال القاضي عياض : إن الحكمة من طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن كأنه أراد به عدم تشوفهن للزواج إذ الاحصان له معان منها الإسلام والحرية والعفة والذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك وإن لم يكن واجبا ( 1 ) . .
ويتعلق ابن حجر بقوله : وفي التعليل الذي ذكره نظر لأنهن - أي نساء النبي - حرم عليهن التزويج بعده . وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها وزادت آخرهن موتا على ذلك - هي أم سلمة وتوفيت في عام 61 ه ( 2 ) . .
لقد غرق الفقهاء في التأويلات والاحتمالات وتناسوا جوهر الرواية . وهم بالطبع غير مكلفين بذلك فوظيفتهم هي التأويل والتبرير واستنباط الأحكام وليس إعمال العقل في الروايات لمعرفة مدى صحتها وانسجامها مع نصوص القرآن وشخص الرسول فما دامت هي من روايات البخاري ومسلم فقبلوها واجب شرعي ورفضها طعن في الدين وفي الرسول . . وإذا كان هناك من أصابته الدهشة لسماعه هذا الخبر في زمن الرسول ( ص ) وهو ما يظهر من خلال قوله : أو كان يطيقه ؟ فكيف الحال بنا اليوم . . ؟
وقد جاء رد أنس ليزيد الطين بلة بقوله : كنا نتحدث أن له قوة ثلاثين . أي قوة ثلاثين رجلا في الجماع . . فهل هناك فضح وتعرية للرسول أكثر من هذا . . ؟
إن هذا الكلام لا يعني إلا شيئا واحدا وهو أن الحياة الجنسية للرسول كانت مكشوفة للجميع وسيرته مع نسائه على السنة الناس بالمدينة . . وهذا كلام غير مقبول . كما أنه من غير المقبول فكرة الطواف ذاتها . من حيث القدرة ومن حيث الفراغ .
إن التسليم بمثل هذه الروايات يعني أن الشغل الشاغل للرسول كان النساء . وهذا العدد الذي ارتبط به - سواء كان تسعة أو إحدى عشر - كاف وحده لإضاعة الليل والنهار . فإن طاف عليهن ليلا لا بد أن ينام النهار . وإن طاف عليهن نهارا لا بد أن ينام الليل وفي كلتا الحالتين ليس هناك وقت لشؤون الدعوة والمسلمين ولا حتى لاستقبال الوحي . . ويلزم لنا حتى تتضح الصورة أن نلقي الضوء على نساء النبي ( ص ) لنتبين طبيعة علاقته بهن . . ومن المعروف أن الزوجة الأولى للنبي كانت خديجة وقد القينا عليها الضوء سابقا وهي قد توفيت في مكة وذكرناها للإشارة إلى الزوجة الثانية التي جاءت بعدها وهي سودة بنت زمعة . . والفقهاء يختلفون حول تاريخ وفاة خديجة وزواج الرسول بعائشة في سن التاسعة . هل تم هذا الزواج بعد خديجة أم بعد سودة ( 1 ) . . ؟
قال الماوردي : الفقهاء يقولون : تزوج عائشة قبل سودة . والمحدثون يقولون : تزوج سودة قبل عائشة ( 2 ) . .
فأيهما نصدق : الفقهاء أم المحدثون ؟
وإذا كان الفقهاء خاضعون على الدوام للمحدثين يعتمدون رواياتهم ويبنون على أساسها مذاهبهم وعقائدهم . فما هو المبرر للانشقاق عليهم في هذه المسألة . . ؟
يروى عن عائشة قولها : أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة . وكان النبي يقيم لعائشة بيومها ويوم سودة ( 3 ) . .
ويروى عن عائشة أيضا : قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله ( ص ) : يا رسول الله . يومي لعائشة . فقبل ذلك رسول الله منها . وفي ذلك أنزل الله تعالى ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ) ( 4 ) .
ويبدو من ظاهر هذه الرواية أن نساء النبي ( ص ) قد نقصن واحدة فأصبح الرسول يطوف على ثمانية لا تسع . أما باطنها فيكشف لنا أن سودة كانت مهددة بالطلاق وفراق الرسول لها لعدم قدرتها على تلبية رغباته الجنسية وأنها قد أنقذت نفسها بالبقاء على ذمة الرسول بالتخلي عن يومها لعائشة . .
فهل يجوز أن يقال مثل هذا الكلام في حق النبي الذي جاء يبشر بالعدل والرحمة ؟
وإذا كان هذا هو حال سودة فلماذا تزوجها إذن . . ؟
ولماذا وهبت سودة يومها لعائشة من دون نساء النبي ؟
هل لأن هوى النبي مع عائشة ؟
وإذا كان هذا ما تؤكده الروايات فهو يعني أن عائشة استأثرت بمعظم الليالي وهو ما ينقض فكرة الطواف . .
ويروى أن النبي ( ص ) بعث إلى سودة بطلاقها فلما أتاها جلست على طريق بيت عائشة . فلما رأته قالت : أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه لم طلقتني . الموجدة وجدتها في ؟ قال : " لا " . قالت : فإني أنشدك بمثل الأولى أما راجعتني وقد كبرت ولا حاجة لي في الرجال ولكني أحب أن أبعث في نسائك يوم القيامة . فراجعها النبي . قالت : فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله ( 1 ) . .
وهذه الرواية تؤكد إصرار الرواة على أن المسألة الجنسية هي أساس علاقة الرسول بنسائه مع أن سودة هذه كانت امرأة ضخمة طويلة وفوق ذلك كانت ثيبا . ترملت بعد وفاة زوجها السكران بن عمرو وكان من مهاجري الحبشة وتوفي في مكة بعد عودته منها ( 2 ) . .
وفيما يتعلق بعائشة الزوجة الثالثة للنبي حسب الترتيب التاريخي فقد استعرضنا في الباب السابق دورها وموقف الرسول منها . وإذا ما سلمنا بصحة الروايات الواردة فيها بكونها محظية الرسول ( ص ) فهذا يعني بطلان فكرة الطواف . وإذا ما قررنا رفضها فإن هذا يعني ضرب مكانة عائشة . . وفي كلا الحالتين الموقف ليس في صالح الرواة أو الفقهاء . .
أما حفصة فإنها كما أشرنا كانت حليفة عائشة وكانت ثيبا ترملت بعد وفاة زوجها خنيس بن حزافة . وعرضها عمر على عثمان فقال ما لي في النساء حاجة ثم عرضها على أبي بكر فأبى فغضب عليهما عمر . حتى تزوجها رسول الله بعد ذلك( 1 ) . . ولم تأت الروايات بشئ يرفع من مقامها عند الرسول كما هو حال عائشة بل روي ما ليس في صالحها كما أشرنا من قبل ونضيف هنا رواية تطليقها من قبل الرسول . .
يروى : طلق رسول الله ( ص ) حفصة ثم راجعها ( 2 ) . . وتزوج رسول الله زينب بنت خزيمة وكانت تحت عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر فجعلت أمرها إلى الرسول فتزوجها في السنة الثالثة من الهجرة فمكثت عنده ثمانية أشهر ثم توفيت وهي أول من توفيت من زوجاته بالمدينة في حياته ( 3 ) . . وهذه المدة القصيرة التي قضتها زينب مع الرسول تجعل من نسوة النبي اللاتي كان يطوف عليهن سبع . وهذا فيه نقض لرواية طوافه على التسع . . وتزوج رسول الله ( ص ) ريحانة بنت زيد وكانت من سبى بني قريظة بعد أن أسلمت وكان يستكثر منها فلم تزل عنده حتى ماتت أثناء رجوعها من حجة الوداع وكان قد تزوجها سنة ست من الهجرة ( 4 ) . .
وباستثناء ريحانة من نسوة النبي يصبح عدد الطائف عليهن ست . . وإذا ما جمعنا فوق سودة وعائشة وحفصة وزينب وريحانة وأم سلمة وأم حبيبة وصفية وجويرية وزينب بنت جحش وميمونة يصبح عدد زوجات النبي إحدى عشر . . وإذا ما أضفنا إليهن فاطمة الكلابية التي يقال إنها طلقت لبياض كانت بها . أو بسبب تخييرها بين قومها وبين الرسول فاختارت قومها ( 1 ) . . وأسماء بنت النعمان الجونية وكانت من أجمل النساء ولما دخل بها الرسول ثم أهوى عليها ليقبلها وكذلك كان يصنع إذا اجتلى النساء . قالت : أعوذ بالله منك فتركها الرسول وبعثها إلى أهلها ( 2 ) . . ومليكة بنت كعب الليثي وقتيلة بنت قيس وبنت جندب الجندعي وسنا بنت الصلت وغير ذلك من النساء اللاتي خطبهن واللاتي وهبن أنفسهن للرسول بالإضافة إلى مارية القبطية التي أنجبت ولده إبراهيم الذي توفي في المدينة ( 3 ) . .
بهذا يتبين لنا أن الرسول ارتبط بأكثر من عشرين امرأة ما بين زوجة وسرية . . وهناك خلاف بين الرواة والفقهاء حول عدد النسوة اللاتي ارتبط بهن الرسول بزواج دائم ما بين تسعة إلى إحدى عشر إلى ثلاثة عشر ( 4 ) . .
إلا أن ما يعنينا هنا من إلقاء الضوء على نساء النبي هو تبين استحالة تحقيق الطواف على النساء في ساعة واحدة أو ليلة واحدة من قبل الرسول إذ أن تاريخ اقتران الرسول بهن لم يكن في سنة واحدة وإنما كان في سنوات متفرقة . فقد تزوج سودة في مكة سنة عشر من النبوة . .
وتزوج عائشة في السنة الثالثة للهجرة . .
وتزوج حفصة في السنة الثالثة من الهجرة . .
وتزوج زينب بنت خزيمة في السنة الثالثة من الهجرة .
وتزوج أم سلمة في السنة الرابعة . .
وتزوج زينب بنت جحش في السنة الخامسة من الهجرة . .
وتزوج جويرية بنت الحارث في السنة الخامسة من الهجرة .
وتزوج ريحانة بنت زيد في السنة السادسة من الهجرة . .
وتزوج صفية بنت حيي في السنة السابعة من الهجرة . .
وتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان في السنة السابعة للهجرة . .
وتزوج ميمونة بنت الحارث في السنة السابعة من الهجرة . .
ودخل بمارية القبطية في السنة السابعة من الهجرة . . ويتبين لنا من خلال هذا العرض أن الرسول ( ص ) تزوج نساءه في سنوات متفرقة فهن لن يجتمعن معه في سنة واحدة . فكيف يتحقق الطواف بهن في وقت واحد ؟
والإجابة على هذا السؤال بين أمرين : إما أن يكون الأمر مختلق من أساسه . . وإما أن يكون الطواف في آخر سني عمر الرسول حيث تحقق له جمعهن . . وهو مردود بسبب تناقض الروايات ما بين التسعة والإحدى عشر . وبسبب أن الروايات تؤكد أن عائشة كانت تستأثر بالرسول وهذا فيه إخلال بالطواف وبسبب تنازل سودة ووفاة زينب بنت خزيمة مبكرا وبسبب روايات أخرى تشير إلى أن الرسول كان يستكثر من زينب بنت جحش وأم سلمة وغيرهما ( 1 ) . .
- في الحرب : كان ما سبق هو استعراض الحالة الجنسية للرسول ( ص ) في الوقت السلم من خلال الروايات التي نسبها القوم إلى الرسول . أما في زمن الحرب فقد شهدت الروايات أنه ليس هناك فرق . .
يروى أنه لما قسم السبي في غزوة خيبر . جاء دحية فقال يا نبي الله أعطني جارية من السبي . قال : " اذهب فخذ جارية ". فأخذ صفية بنت حيي . فجاء رجل إلى النبي فقال : يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير . لا تصلح إلا لك . قال " ادعوه بها " . فجاء بها . فلما نظر إليها النبي قال : " خذ جارية من السبي غيرها " . فأعتقها النبي وتزوجها . حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل . فأصبح النبي عروسا ( 1 ) . .
يقول الفقهاء : قوله : خذ جارية من السبي غيرها . يحتمل ما جرى مع دحية وجهين
أحدهما : أن يكون رد الجارية برضاه وأذن له في غيرها .
والثاني : أنه إنما أذن له في جارية له من حشو السبي لا أفضلهن .
فلما رأى النبي ( ص ) أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسبا وشرفا في قومها وجمالا استرجعها لأنه لم يأذن له فيها ورأى في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها على باقي الجيش . ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم ولما يخاف من استعلائها على دحية بسبب مرتبتها . وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره فكان أخذه ( ص ) إياها لنفسه قاطعا لكل هذه المفاسد المتحوفة . ومع هذا فعوض دحية عنها ( 2 ) . .
هذا ما يقوله الفقهاء حول هذه الرواية المزرية . احتمالات وتبريرات واهية فيها استخفاف بالعقول وتوهين للأمر وتعتيم على حقيقته . . ومثل هذه الاحتمالات لا تغني ولا تسمن من جوع فظاهر الرواية ينطق بالحق وهو أن الرسول ( ص ) وهو في
ميدان الحرب كما هو حاله في السلم لا ينسى النساء ولا يصبر عليهن فالهوس الجنسي يسيطر على مخيلته ودفعه إلى التراجع عن قراره بإعطاء صفية إلى دحية بمجرد أن زينها القوم له دون أن يراها . وما إن رآها في نفسه وتأكد له الخبر فأخذها منه لنفسه . ولو أن الأمر انتهى عند هذا الحد لقلنا إن الرسول احتجزها مخافة أن يفتن بها القوم وحتى يعود إلى المدينة فينظر في أمرها . لكن كلام الفقهاء يؤكد أن الرسول أخذها لنفسه لكونها لا تناسب دحية الفقير الذي ينتمي إلى طبقة وضيعة لا تلائم طبقة صفية العالية .
الفقهاء يؤكدون أن الرسول عالج المسألة من منظور طبقي لا من منظور شرعي . فهل جاء الإسلام ليدعم الطبقية ويؤكدها أم ليقضي عليها ويفتتها . . ؟
إن ما تصوره الرواية هو أكثر مما وصفنا . فالرسول اشتعلت شهوته بمجرد رؤية صفية وقرر أن يواقعها في أقرب فرصة فدفعها إلى أم سليم لتجهزها له وهو في الطريق إلى المدينة وما إن جهزتها حتى دخل بها في الطريق . . هل يحتمل عقل المسلم وقلبه هذا الامتهان والتشويه لنبيه . . ؟
واختلف الفقهاء فيمن أعتق أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها - كما فعل الرسول مع صفية - وقال الجمهور : لا يلزمها أن تتزوج به ولا يصح هذا الشرط ( 1 ) . .
هذا ما خرج به الفقهاء من هذه الرواية عدم جواز نكاح الأمة المعتقة من سيدها بدون صداق على أساس أن عتقها هو صداقها واعتبروا ما حدث مع صفية هو حكم خاص بالرسول وحده . . ولقد أسهم الفقهاء على الدوام في نشر أحكام الإماء وتوطينها وسط المسلمين بدلا من القضاء عليها ودفنها وذلك خدمة للحكام الذين اتخذوا من حكم ملك اليمين ألعوبة في أيديهم يملكون به من النساء ما يشتهون به مما ساعد على ازدهار تجارة الرقيق التي جاء الإسلام للقضاء عليها ( 2 ) . . ويبدو أن مسلم شعر بالخلل في روايته . فجاء بالرواية من طريق آخر يحوي مخرجا للرسول ( ص ) من التورط في أمر صفية . .
يروى : وقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله ( ص ) بسبعة أروس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها له وتهيئها . قال - أي الراوي - وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي . . وقال الناس : لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد . قالوا : إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد - أي أمة - فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا أنه قد تزوجها . فلما دنوا من المدينة دفع رسول الله ( ص ) ودفعنا . فعثرت الناقة العضباء وندر رسول الله وندرت . فقام فسترها وقد أشرفت النساء فقلن أبعد الله اليهودية ( 1 ) . .
ومن خلال هذه الرواية يحاول الراوي نفي الشبهات من حول الرسول في كونه أخذ ما ليس له . وكونه دخل على صفية من قبل أن تستبرأ . وذلك من خلال قوله الذي حشاه في وسط الرواية : وأحسبه قال وتعتد في بيتها أي في بيت أم سليم في المدينة . إلا أن بقية الرواية تكذب هذا الادعاء وتثبت أن الرسول دخل بصفية من قبل أن تنتهي عدتها وهذه مصيبة المصائب . فقد أقام الرسول وليمة العرس وتكلم الناس أتزوجها أم اتخذها أمة . . ؟
ومعنى ذلك هو ما أشارت إليه الرواية السابقة من أنه دخل بها في الطريق . . وهناك رواية ثالثة تزيل اللبس تقول : صارت صفية لدحية في مقسمه وجعلوا يمدحونها عند رسول الله ( ص ) ويقولون ما رأينا في السبي مثلها . قال فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد ثم دفعها إلى أم سليم فقال أصلحيها ثم خرج الرسول من خير حتى إذا جعلها في ظهره نزل ثم ضرب عليها القبة ( 2 ) . . وبهذا تكون الصورة قد اتضحت . . الرسول رأى صفية فوقعت في نفسه . . الرسول صادرها أو قايضها أو دفع ثمنها لدحية . . الرسول دخل بها وهي في العدة . . وهذه النتائج الثلاث تكفينا لدحض هذه الروايات والحكم بوضعها وبطلانها دفاعا عن الرسول ولا يعنينا سندها في شئ . .
ولم ينحصر أمر علاقة الرسول بالنساء في زمن الحرب في حدود صفية وحدها بل امتد ببركة الرواة ليشمل جويرية بنت الحارث وريحانة بنت زيد . . أما جويرية فكانت من سبي بني المصطلق . .
يروى عن عائشة قولها أصاب رسول الله ( ص ) نساء بني المصطلق . . فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وكانت تحت ابن عم لها يقال له صفوان بن مالك فقتل عنها . فكاتبها ثابت بن قيس على نفسها على تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه . فبينا النبي عندي إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابها . فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت . . فقال الرسول : أو خير من ذلك ؟ فقالت : ما هو ؟ قال : أؤدي عنك كتابك وأتزوجك . قالت : نعم يا رسول الله ( 1 ) . .
ويروى : ضرب رسول الله على جويرية الحجاب . وكان يقسم لها كما يقسم لنسائه ( 2 ) . . أما ريحانة فكانت من سبي بني قريظة وكانت متزوجة من رجل يسمى الحكم . وكانت ذات جمال . فلما عرض السبي على الرسول أمر بها فعزلت ثم أعتقها وتزوجها وكان يقسم لها كما يقسم لنسائه وضرب عليها الحجاب وكان معجبا بها وكانت لا تسأله إلا أعطاها وكان يخلو بها ويستكثر منها ( 3 ) . . وحال رواية جويرية وريحانة هو حال رواية صفية . فما حدث هنا حدث هناك .
وكما افتتن الرسول بصفية افتتن بجويرية أيضا في حضور عائشة التي ما إن وقع بصرها عليها حتى علمت أن الرسول لن يفلتها وهو ما حدث . . ثم افتتن بريحانة وصارت عنده من المحظيات المدللات اللواتي يستكثر منهن . . وما نخرج به من هذه الروايات هو أن شهوة الرسول كانت مفتوحة دائما للنساء من وقت السلم ووقت الحرب وأن نسائه كانت تأكلهن الغيرة ولا يجدن حيلة في ذلك إلى الصبر وانتظار طوافه عليهن وقد يطول هذا الانتظار . . ولا شك أن افتتان الرسول بجويرية وريحانة جاء على حساب عائشة ونقض فكرة احتكارها
لفراش الرسول كما أكد من جانب آخر أن عائشة لم تكن على قدر من الجمال والفتنة التي تمكنها من الهيمنة على الرسول وعزله عن الافتتان بغيرها . .
- معارك نسائية :
وفي وسط هذا الكم من النساء اللاتي ارتبط بهن الرسول كانت تكثر الصدامات والخلافات والمؤامرات والسبب والغيرة . . وكان الرسول ( ص ) في مواجهة هذه المعارك النسائية يقف في صف عائشة ضد نسائه الأخريات . لترك الروايات تتحدث نيابة عنا . .
يروى عن عائشة : إن نساء النبي ( ص ) كن حزبين . فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة . والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء النبي . وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله أخرها حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة . فتكلم حزب أم سلمة . فقلن لها كلمي رسول الله يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله هدية فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه .
فكلمته أم سلمة بما قلن . فلم يقل لها شيئا فسألناها - أي حزبها - فقالت : ما قال لي شيئا . فقلن لها فكلميه . قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا فسألتها فقالت : ما قال لي شيئا فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته .
فقال : لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة . قالت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله . ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله فأرسلن إلى رسول الله تقول : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر ( 1 ) . .
ويروى عن عائشة أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله ( ص ) ( 1 ) . .
ويروى عن أم سلمة أن النبي ( ص ) حلف أن لا يدخل على بعض نسائه شهرا ( 2 ) . .
ويروى عن عمر أنه دخل على حفصة فقال يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنا حب الرسول الله إياها يريد عائشة . فقصصت على رسول الله فتبسم ( 3 ) . .
ويروى عن عائشة قالت إن النبي ( ص ) كان يمكث عند زينب ابنة جحش ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليه النبي ( ص ) فلتقل إني لأجد منك ريح مغافير . . فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال " لا بأس شربت عسلا عند زينب ولن أعود له " فنزلت ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) إلى ( أن تتوبا إلى الله ) لعائشة وحفصة
( وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثا ) لقوله بل شربت عسلا ( 4 ) . .
ويروى عن عائشة : كان رسول الله ( ص ) يحب العسل والحلوى وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن . فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس . فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت النبي منه شربه . فقلت أي عائشة أما والله لنحتالن له . فقلت لسودة إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا . فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل .
فقولي له جرست نحلة العرفط وسأقول له ذلك . وقولي أنت يا صفية ذاك . قالت : تقول سودة فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بما أمرتني به فرقا منك فلما دنا منها قالت له سودة يا رسول الله أكلت مغافير . قال : " لا " . قالت : فما هذه الريح التي أجد منك . قال " سقتني حفصة شربة عسل " فقالت جرست نحلة العرفط . فلما دار إلي قلت له نحو ذلك . فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك . فلما دار إلى حفصة قالت : يا رسول الله ألا أسقيك منه . قال " لا حاجة لي فيه " تقول سودة والله لقد حرمناه . قلت لها اسكتي ( 1 ) . .
وهذه الروايات وغيرها مما ذكرناه في الباب السابق حول عائشة إنما تكشف لنا أن المعارك والمؤامرات النسائية لم تكن تتوقف في بيت الرسول والسبب الغيرة التي إن دلت على شئ فإنما تدل على أن هناك ظلم من قبل الرسول تجاه نسائه وعدم قدرته على تحقيق العدل بينهن . وهي - أي الغيرة - في ذاتها تنقض فكرة الطواف على النساء فلو كان هذا الطواف متحقق وبعدل لم يكن هناك مبرر للغيرة كما تشير بذلك الرواية التي طالب فيها نسوة النبي العدل في عائشة والتي ذكرناها كاملة في الباب السابق وهي تحوي تفاصيل الصدام بين عائشة وزينب ورفض الرسول الوساطات في أمر عائشة . . ومطالبة نسوة النبي العدل في التعامل معهن ينقض فكرة الطواف أيضا إذ يؤكد أن عائشة مستأثرة بالرسول وحدها بينما بقية النسوة محرومات منه . وهذا يعني أنه ليس هناك طواف . .
إن اعتراف عائشة بأن نساء النبي كن حزبين يدل على أن نساء النبي ( ص ) لم يكن يدا واحدة . وكما تصور الرواية والروايات الأخرى أن سبب ذلك هو الغيرة من عائشة إلا أن هذا السبب ليس كافيا لتبرير هذا الموقف الذي إن دل على شئ فإنما يدل على أن الرسول فقد زمام الضبط والربط في بيته وأن نسائه قد تفلتن منه . . وإن التبرير المقنع لهذا الانقسام هو القبلية والسياسة . فقد أشرنا سابقا إلى دور عائشة وحفصة سويا وأن لهما توجهات خاصة ترتبط بأبي بكر وعمر وأنهما اللتان نزلت فيهما آيات سورة التحريم . ومن هنا فهذه إشارة إلى أن حزبهما من السذاجة تصور أن سببه الغيرة .
من جهة أخرى لو نظرنا إلى واقع الحزب الآخر الذي تتزعمه أم سلمة فسوف تتكشف حقيقة وهي أن هناك قضية هامة أدت إلى هذا الانقسام بين نساء النبي وهي قضية آل البيت واختصاصهم بمكانة متميزة وعالية في حياة الرسول واختصاصهم بدور الإمامة من بعده . . ولم يكن هذا الانقسام ينحصر في دائرة نساء النبي وحدهن إنما شمل الصحابة أيضا والمتتبع لسيرة علي وما روي في حقه يتبين له هذا الأمر بوضوح . إن هناك من كان يبغض عليا ويقف ضده . . وهناك من يحبه ويقف معه . . وحزب أم سلمة كافي صف عليا وهو ما تؤكد سيرتها ومواقفها . .
يروى أن النبي ( ص ) خرج إلى أحد فرجع ناس ممن كان معه . فكان أصحاب النبي ( ص ) فيهم فرقتين قال بعضهم نقتلهم . وقال بعضهم لا . فنزلت ( فما لكم في المنافقين فئتين ) ( 1 ) . وهذه الرواية التي تلقي الضوء على الذين رجعوا من الصحابة يوم أحد وتركوا الرسول تكشف لنا أن هناك حزب من الصحابة دافع عن هؤلاء المنافقين وصوت ضد قتلهم بينما كان موقف الحزب الآخر هو تأييد الحكم بقتلهم . . وما نخرج به من هذه الرواية هو أن ذلك الحزب الذي دافع عن هؤلاء المنافقين هو حزب يشك في إيمانه ومواقفه . إذ ما هي المصلحة في الدفاع عن المنافقين ؟
كما أن انقسام الصحابة في مواجهة هذا الحدث يدل على أن هناك حزبان من الصحابة كل له موقفه المختلف في مواجهة شتى الأحداث التي واجهت مسيرة الإسلام في حياة الرسول . .
يروى على لسان الإمام علي قوله : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي ( ص ) إلي أن لا يحبني إلا مؤمن . ولا يبغضني إلا منافق ( 2 ) . .
ويروى عن الرسول قوله : " حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق " ( 1 ) . .
وفي رواية أخرى : " من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله " ( 2 ) . .
ويروى عن الرسول ( ص ) قوله : " إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم " . قيل : يا رسول الله سمهم لنا . قال : " علي منهم " يقول ذلك ثلاثة " وأبو ذر والمقداد وسلمان أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم " ( 3 ) . .
ويروى عن النبي ( ص ) قوله تعالى لعلي : " أنت مني وأنا منك " ( 4 ) . .
ويروى عنه ( ص ) : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ( 5 ) . .
وهذه الروايات وغيرها مما تكتظ به كتب السنن خاصة روايات كتاب الله وعترتي التي أشرنا لها تعطينا دلالة قاطعة على أن الرسول كان يتعامل مع مجتمعه ومن حوله على أساس تصنيفي . فالصحابة كانوا درجات وكانوا طبقات . والرسول كان يتعامل مع كل فئة أو طبقة حسب درجتها ومستواها الايماني ومدى تضحياتها في سبيل الدعوة . وهذه بديهية قيادية تناسيها يعتبر طعنا في الرسول وشكا في قيادته . . وأهم ما تؤكده هذه الروايات هو هذا التصنيف . أن عليا والأنصار كانوا حزبا واحدا في مواجهة الحزب الآخر وهو حزب المهاجرين . . والرسول ( ص ) لا يطلق كلاما عشوائيا بلا هدف . وعندما يذكر هذه النصور بخصوص آل البيت وعلي والأنصار فإن هذا يدل على أن هناك من يبغضهم ويحسدهم . .
كذلك كان الرسول يتعامل مع نسائه على هذا الأساس . وهن كن فيهن الصالحات القانتات وكن فيهن غير ذلك وهو ما تشير إليه نصوص سورة التحريم ونحن وفقا للوقائع التاريخية نؤيد هذا الجزء من الرواية التي ذكرتها عائشة : ( أن نساء النبي كن حزبين ) لكننا نتوقف في الجزء الباقي من الرواية ونرفضه . . والاعتراف بمسألة الهدايا في ليلة عائشة يعني الاعتراف بمسألة الطواف وكلا الأمرين فضح للرسول وتعرية لحياته الخاصة .
وكيف كان الناس يعرفون أمر طواف الرسول على نسائه . . ؟
هل كان الرسول تحت المراقبة . . ؟
أم أن أنس - خادم الرسول - روى رواية الطواف بصفته العارف بأسرار بيته ؟
وإن صح هذا أمن الأدب أن يشيع أنس هذا الأمر عن الرسول . . ؟
إن مسألة الهدايا حالها كحال مسألة الطواف . ولما كانت مسألة الطواف قد تم نقضها فإن هذا ينقض مسألة الهدايا أيضا . .
إن معني إدخار الناس لهداياهم حتى يوم عائشة يعني أن الناس كانوا يرقبون حركة الرسول بين نسائه ويعرفون موعد دخوله على عائشة فيندفعون نحوه بالهدايا لكسب رضاه . . وهذا يعني أن الهدية لو أرسلت إلى الرسول في بيت زينب أو أم سلمة فلن يتحقق رضا الرسول . لأنه لا يتمتع وتتحقق له الراحة والسعادة إلا عند عائشة . .
والسؤال هنا ما معنى ابتغاء مرضاة الرسول من وراء هذه الهدايا . . ؟
هل كان الناس يتعاملون مع الرسول كحاكم فيتقون شره بهذه الهدايا التي تكون في هذه الحالة بمثابة رشوة يتحقق بواسطتها رضاه عنهم . . ؟
إننا دفاعا عن الرسول نرفض هذا السلفة الذي هو من اختراع الرواة للارتفاع بمكانة عائشة على حساب الرسول . . والرواية تؤكد أن الرسول رفض مطالب نسائه بالعدل بينهن أو حتى الكلام في هذا الأمر وهو ما يبدو من رفضه إجابة أم سلمة . ثم إنهاء الجدال حول هذه المسألة بقوله : " لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة "
فالرسول بهذا قد أقر الظلم على نفسه بعدم العدل بين نسائه معتبرا أن علاقته بعائشة علاقة مباركة من الوحي أما علاقته ببقية نسائه فهي علاقة غير مباركة . الأمر الذي ناقشناها سابقا . . والذي تؤكده هذه الرواية أيضا هو أن موقف الرسول من عائشة يعني تهديدا لبقية نسائه .
فمحاولة الحديث في أمر العدل أو المساس بعلاقته بعائشة يعتبر بمثابة أذى له سوف يرد عليه بأذى للطرف الآخر وهو ما يظهر لنا من خلال قوم أم سلمة : ( أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ) . . فهل كان الرسول مؤذيا . . ؟
وتؤكد الرواية أيضا أن السيدة سودة قد شاركت في هذه المعارك والألاعيب وهو ما يتناقض مع الروايات السابقة التي تؤكد أن الرسول تخلص منها أو هي قررت الانسحاب من حياته . . إلا أن ما تؤكده الرواية فوق هذا هو أن أم سلمة لم تتب واستمرت هي وحزبها في مناوشة الرسول بطلبها من فاطمة التدخل والوساطة ثم لما فشلت وساطتها تبعتها زينب التي دخلت في عراك مع عائشة على مشهد من الرسول الذي كان يراقب العراك متبسما . .
يروى : أن الرسول ( ص ) لما تزوج زينب بنت جحش نزلت آية الحجاب ( 1 ) . .
ويروى أيضا : أن الرسول ( ص ) ما أولم على امرأة من نسائه أكثر أو أفضل مما أولم على زينب . فإنه ذبح شاة ( 2 )
ويروى أن الناس لما تباطأوا في الخروج من عند الرسول في عرس زينب وشعر الرسول بالحرج من ذلك نزل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن إلى طعام غير ناظرين أناه ) إلى قوله ( إن ذلكم كان عند الله عظيما ) ( 3 ) . .
ويروى أن الرسول ( ص ) قال : " أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا " . قالت - أيا عائشة - : فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا . فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق ( 1 ) . .
ومن هذه الرواية نخرج بالنتائج التالية :
أولا : إن الوحي تنزل في بيت زينب بآية الحجاب وآية الاستئذان وهو ما ينقض ادعاء حصر الوحي في حدود بيت عائشة أو كما نصت الروايات في لحاف امرأة أو في ثوب امرأة غير عائشة . .
ثانيا : إن هذه الروايات ترفع من مقام زينب لكونها نزلت بسببها آيات تحريم التبني . وزكاها الرسول بوصفها بطول اليد في معونة نفسها ومعونة الغير وهو ما لم يتحقق لعائشة المدللة . كما أولم عليها بشاة وهو ما لم يحدث من قبل في زيجات الرسول .
ثالثا : أن حال زينب الذي تصفه هذه الروايات يتناقض مع ما تصوره رواية عائشة التي تصفها بسوء الأدب في حضرة الرسول . .
ورواية أم سلمة التي تشير إلى أن الرسول قد هجر بعض نسائه شهرا إنما تؤكد أن تلك النسوة إنما هن من خارج دائرة حزبها لأنها هي الرواية . .
أما رواية نصيحة عمر لابنته حفصة فهي تعكس لنا مدى الغيرة والحسد أو الصراع الدائر بينها وبين عائشة من أجل السيطرة على الرسول . .
ورواية العسل تلقي الضوء على كيد النساء ومؤامرتهن وأنهن لم يكن يشغلهن شئ سوى الكيد لبعضهن وتآمر إحداهن على الأخرى وكل ذلك بسبب الغيرة . مما يصور بيت الرسول مشتعلا بالمعارك والخصومات على الدوام . .
فهل نكح الرسول هذا الكم من النساء لينشغل بمعاركهن وخصوماتهن . . ؟ إن ما تصوره الروايات أن نكاح الرسول هذا الكم من النساء إنما كان بغرض الشهوة والهوى ولم يكن لأي غرض آخر .
مما يضفي على الرسول صفات الرجل الشهواني الباحث عن اللذات وهذا من شأنه أن ينعكس على دعوته بالسوء . . وهذا هو الهدف من اختراع هذه الروايات وغيرها من الروايات التي تتحدث عن تهافت النساء على النبي ووهب أنفسهن له . .
.
http://www.vosartistes.com/sites/default/files/hamri_mixte_sur_papier.jpg
[SIZE=6]Hamri Mohamed[/SIZE]