نقوس المهدي
كاتب
كانت نظرة القرن العشرين للمرأة الجميلة أن تكون نحيلة، وكانت عارضات الأزياء يمثلن النموذج الأعلى للجمال، وكان اختيارهن يتم من النساء الطويلات النحيلات بصورة ملحوظة، وكانت نظرة الأوروبي إلى الجمال أن المرأة الجميلة هي النحيلة حتى اجتمع في لندن رؤساء تحرير مجلات الأزياء العالمية واتفقوا على التوقف عن الترويج للعارضات النحيلات، وقد عقد الاجتماع تحت رعاية الحكومة البريطانية لوقف الاتجاه المدمر إلى النحافة بين العارضات والتي تسير على دربه معظم النساء؛ لذا يمكن القول إن المرأة الممتلئة ستعود إلى عرش الجمال والذي أجلتها عنه المرأة النحيلة، وقديماً كان الشاعر العربي يرى الجمال في المرأة الممتلئة التي تسير كالهودج يقول الشاعر:
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
ولن ينسي للتراث للعربي أنه أتاح للهوى العذري الظهور، وجعل المرأة ركناً من أهم أركان هذا الحب، حيث أوجدها وأتاح لها الظهور في مكان المحبوبة، في حين لا مكان لها في بعض تراث الأمم الأخرى، كاليونان والرومان، إلا دورها في الإنجاب والمحافظة علي النوع البشري.
ولملاحظة الجمال والاهتمام به موقع مرموق في التراثي العربي.
ففي الفكر العربي الجاهلي. كان الجمال تجريبياً في استنتاج الأذواق الحسية بمعنى النظرة السائدة في تقويم المنظور القديم لمعنى الجمال، إذ كان العرب يربطون النظرة الحسية بوصف الطبيعة والمرأة، غير أن وصف المرأة كان له الحظ الأوفر من الإعجاب ولا غرابة في أن يكون تعبيرهم نابعاً من إحساسهم في تحقيق التكامل بين معطى النفس وملامح الطبيعة وفقاً لما تفرضه الصورة الحسية من نقل المشاعر الداخلية وما شابه ذلك من المظاهر الخارجية وفي صورها الشكلية الظاهرة، ولعل إدراكهم للعالم الخارجي الملموس في نتاجهم الفني يجعلنا نتأكد من تأثير الصورة الخارجية في عالم الفنان العربي الجاهلي الداخلي كما نجده عند الكثيرين من الشعراء في مثل قول النابغة الذبياني:
قامت ترائي بين سجفي كله = كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
وقوله:
بيضاء كالشمس وافت يوم أسعدها = لم تؤذ أهلاً ولم تفحش على جار
وقديماً كان العربي يرى في المرأة وصفاتها رمزاً لليونة والضعف والخصوبة - لا يتعدى ذلك إلى قدراتها العقلية وترتيبها الاجتماعي والسياسي في الأسرة والحياة العامة - فقالوا: أنثى، من قولهم: « أنث الحديد أي لان، وأنث زيد لفلان أي تساهل، وهذا سيف أنيث أي غير قاطع، وهذا مكان أنيث أي سريع الإنبات»..
ولذا قالوا: «امرأة أريضة أي: خصبة كالأرض». وقالوا: «أفكت الأرض أي: أجدبت، والمرأة المأفوكة هي ضعيفة الرأي والعقل». وقالوا: «عزبت الأرض أي لم يكن بها أحد والمرأة العزوب هي غير المتزوجة».
والعربي القديم ابتدع ما يعرف بتناسق الأجساد للمرأة بحيث تغدو المرأة على هيئة ناقة في بعض أجزاء جسمها، وعلى صورة الفرس أو الحجر في سائر الأعضاء! ولقد وعت المرأة العربية القديمة هذا الدرس جيداً، فجهدت جهدها لتشكيل بدنها على مثال بدن الناقة في بعضه، وعلى رسم بدن الفرس في البعض الآخر.
هذا عن النظرة الحسية للجمال عند العربي الجاهلي، أما عن التجربة الداخلية للجمال (الجمال المعنوي) فنراها تتمثل في فضائل عدة منها الكرم والشجاعة والصبر والبطولة والذكاء والفطنة وغير ذلك من الصفات الحميدة.
عناية الإسلام بالجمال.
الإسلام دين يحب الجمال ويدعو إليه في كل شيء. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه مسلم والترمذي عن عبدالله بن عمر. والقرآن الكريم في العديد من آياته يلفت الأنظار إلى ما في الكون من تناسق وإبداع وإتقان، وما يتضمنه ذلك من جمال وبهجة وسرور للناظرين، والإنسان مطبوع على حب الجمال سواء كان هذا الجمال في الأشياء أو في الأشخاص.
وإذا كان الله يحب الجمال – كما جاء في الحديث المشار إليه – فإن الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، من شأنه أيضاً أن يحب الجمال مع الفارق الكبير الذي يتمثل في أن الله هو خالق الجمال في الإنسان. ويعرف الجمال بأنه صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضاً. أو كما يقول ابن سينا: «جمال كل شيء وبهاؤه هو أن يكون على ما يجب له». أو كما ينبغي أن يكون، وهذا يعني التناسق التام والنظام الكامل. وقد اكتمل ذلك في خلق الكون كله الذي خلقه الله فقدره تقديراً وأبدع صنعه، وأحسن كل شيء خلقه:«ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فأرجع البصر هل ترى من فطور»(الملك: 3).
ولملاحظة الجمال والاهتمام به موقع مرموق في الإسلام، وتتمثل قمة الجمال في القرآن الكريم الأسر الذي لم يتملك العرب حين سمعوه إلا أن يعلنوا انصياعهم له، ويتضح أن الكلمة الواحدة كانت تأخذ بمجامع القلوب فقد سمع أعرابي قوله تعالى: «فاصدع بما تؤمر» (الحجر: 94) فذهب به الفكر كل مذهب في استحضار جوانب الروعة في فعل – اصدع – فلم يتمالك إلا أن سجد فقيل له لِمَ سجدت؟ فقال سجدت لجماله. وعلى نحو ما كان القرآن حريصاً على تربية الذوق الجمالي في الإنسان المسلم فكانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالًا تطبيقياً لما دعا إليه القرآن الكريم فقد كان صلى الله عليه وسلم معتنياً بمظهره فكان يقص شعر لحيته ويأخذ من طولها وعرضها بما يتناسب مع خلقته وهو القائل: «إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال». رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يتأنق في ملبسة نوعاً وخياطة ولوناً؛ إذ لبس صلى الله عليه وسلم، البرود اليمانية وبعث بملابسه إلى من يخيطها في بني النجار إذا كان منهم من يتقن الخياطة، وكان يكره لنفسه ولأصحابه تعمد اختيار الألوان الصارخة الجالبة للأنظار فكان ينهى عن لبس الأحمر غير المشوب بغيره، كما كان يختار ألواناً خاصة بمناسبات خاصة لما يوحي به اللون من طبيعة الموقف، فقد دخل مكة معتمّاً بعمامة سوداء للإشعار بجدية الموقف، كما كانت تصرفاته صلى الله عليه وسلم في نفسه وفيما يأمر به المؤمنين كانت تراعي مقتضيات الجمال والانسجام إلى الحد الذي أكسب فيه هذا الإحساس بالجمال المسلمين بالجمال.
والجمال من خلال الصورة الخارجية أمر نسبي وإدراكه يختلف باختلاف الشعور.
تقول اللغة في تعريف الإنسان الجميل: إنه هو «الذي يحرك قلبك حسنه» ولكن قلب من؟ لذا فإن الجمال يتوقف على نظرة الناظر إليه.
ومع ذلك فحسب ما يبدو لي وفي الأعم الغالب أن البدانة و الاكتناز في المرأة ما هي إلا مؤشرات صحية وعوامل هامة يميل الرجل إليها.
تقول العرب: « الجميلة هي السمينة» من الجميل وهو الشحم.
قالت أعرابية لابنتها: «أي بنية... تعففي وتجملي... فقامت ابنتها إلى قليل من اللبن كان في الشكوة (وعاء من الجلد) فشربته، وإلى وعاء فيه شحم مذاب فأخذت منه ما تأدمت به».
الجميل: هو الشحم المذاب، على وزن فعيل بمعنى المفعول مثل جريح بمعنى المجروح، ولا يكون الشحم المذاب إلا من أجزاء مختلفة من الثرب (الشحم الذي يغشي الكرش) وشحم الكلى ونحو ذلك فهو إذاً متفرق ولئن لم يكن كذلك فإن العادة قد جرت على تقطيعه لتسهيل إذابته. وهو بعد أن يذوب، يصبح مادة متجانسة متحدة. وقد جرت عادة المرأة العربية أيضاً أن تدخل الدهن الحيواني والنباتي، في مواد الزينة وفي الطب.. فيدهن به الجسم والشعر إلى جانب خلطه في مساحيق الأعشاب العطرية كالريحان الهندي والبلدي وغير ذلك.
ووجه جميل. أي كأنما دهن بالسمن والشحم المذاب أو بطيب يدخلان في تركيبه، فكأن المعنى أن الوجه الجميل، فعيل من (جمل) بمعني المفعول به، أي الذي دهن بالجميل وهو الشحم المذاب، فيكسبه ذلك لمعاناً وبريقاً ورواء وحسناً. والجميلة هي التي تأخذ بصرك جملة.
مواصفات الجمال عند العرب
والمرأة الجميلة في نظر العرب – هي المرأة الطويلة البيضاء البدينة سوداء الشعر والعينين. رقيقة الرائحة طيبة الملمس، ثقيلة الخطو والحركة، حيث إن البدانة سمة من سمات الخصوبة في المرأة، وشرط من الشروط الأساسية التي وضعها العرب، والتي يجب أن تتوافر في المرأة حتى تقوم بوظيفتها على أكمل وجه.
والبدانة في المرأة من أهم مقاييس الجمال العربي، فقد كانت المرأة العبلاء هي المرأة الجميلة- والعبلاء هي من كان أعلاها خفيفاً وأسفلها كثيباً- وكانوا يتعوذون بالله من المرأة النحيفة – الزلاء( خفيفة الشحم):
«أعوذ بالله من زلاء ضاوية = كأن ثوبيها علقا على عود»
وقد كثرت لدى العرب أسماء المرأة البدينة فأطلقوا عليها: «كناز وبحباحة وحنطوب وخرعوب وبهنكة وعفضاج وفينانة وسرعوف وأثاثة وثأدة».
وكانت العرب تحب الشحم على النساء، وربما تمكث المرأة العصلاء في بيت أبيها الدهور تنتظر العريس ليقرع الباب.
قال ابن شبرمة: ما رأيت لباساً على المرأة أزين من الشحم.
وقد قيل: السِّمن نصف الحسن، وهو يستر كل عيب في المرأة ويبدي محاسنها.
والمرأة البدينة خلدها الشعر وجعل لها صوراً محببة إلى النفس، فأطلق عليها خرساء الأساور. وخرساء الساق حيث كان العرب يرون في البدانة الجمال، ويصفون المرأة البدينة الجميلة بخرساء الأساور، حيث تمتد هذه البدانة إلى الرسغ فتمنع ارتطام الأساور فتصبح خرساء.
فالبحتري يعبّر عن جمال ساقَيْ موصوفته في صورة جميلة لطيفة، يقول:
مَشينَ ضحىً بأقدامٍ لِطافٍ = وسوقٍ في خلاخلها خِدالِ
(سوق: مفردها: ساق. خدال: ممتلئة ضخمة.)
فالسّيقان ممتلئة ومكتنزة وملتفّة، لا تظهر من خلالها العظام، وتوحي بذلك حركة الخلاخيل البطيئة، فمن شدّة امتلاء السيقان فإنّ حركة الساقين تكون ضعيفة، ومن ثمّ فإنّ اهتزاز الخلاخيل وتحرّكها يكون ضعيفاً أيضاً.
و يقول عمر بن أبي ربيعة:
إذا نهضن تعثرن من ثقل أردافهن = خلاخيلهن صوامت لسمن سوقهن
سوقهن جمع (ساق) فهو يراها صامتة الخلخال لأنها شبعى الساق.
والبدينة الجميلة هي التي كما تقول العرب: «رمجلة» إذا كانت المرأة ضخمة في تعود وعلى اعتدال، أما إذا زادت ضخامتها ولم تقبح، فهي كذلك مقبولة وتسمى عنئذ «مسجلة»، فإذا كانت السمينة ممتلئة الذراعين، والساقين فهي – خدلجة- وكل هذا مقبول عند العرب، أما إذا زادت عن ذلك فيخرجونها من هذا السياق كقولهم – مرمادة- إذا كانت المرأة سمينة ترتج من سمنها.
وكانت أرداف المرأة هي المقياس الوحيد لجمالها، وكانت المرأة ينتابها العيب إذا اكتشفت أن أردافها ليست بالحجم المطلوب فكانت تلجأ للقثاء مع الرطب حتى يزداد وزنها، فبقدر ما ينقص من المرأة وهو في طريقه إلى النحافة بقدر ما يأخذ معه في الطريق نفسه قسطاً – متورداً- من الجمال والعافية والجاذبية. يقول الشاعر العربي يصف حبيبته البدينة:
ومأكمة يضيق الباب عنها = وكشحا قد جننت به جنونا
تقول العرب «امرأة مؤكمة» أي عظيمة المأكمين، والكلمة مشتقة من الأكمة بمعنى التل الصغير.
ومعنى الكشح :هو ما بين السرة ووسط الظهر في جسد المرأة، والبعير على الحصر، وفي جسد باقي الحيوانات على الإطلاق، وفي معنى الأكمة والمأكمة يقول عمر بن أبي ربيعة متغزلاً بجسد حبيبته المكتنز:
إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها = تمايلن أو مالت بهن المآكم
أما الأعشى فقد فاق الجميع وأفرط في هذا أيما إفراط حيث يقول:
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها = مر السحابة لا ريث ولا عجل
صفر الوشاح وملء الدرع بهكنة = إذا تأتى يكاد الخصر ينخزلُ
أي أنها لامتلائها وسمنتها تمشي ببطء كأنها شخص رقيق جلد القدم يخوض في بركة من الوحل فينزع في كل خطوة قدمه من الوحل نزعاً ليرفعها ثم يقدمها. وأخيراً يطأ بها متحسساً بحرص الأرض لكي لا يدمي شيء جلد قدمه الرقيق، أو كأنها سحابة ممتلئة تمر متثاقلة لا ببطْء شديد ولا بسرعة وعجلة، وشاحها الذي تحيط به خصرها خال لهيف ذلك الخصر، بينما تملأ الرداء أردافها لضخامتها وعظمها، حتى يكاد خصرها ينقد من ثقل أردافها.
فقد وصفها بالضخامة، ولكنه ذكر إفراطاً، وقد قيل في التعليق على البيت الثاني للأعشى والتثني في مشية المرأة أحسن ما فيها.
وهذا هو الأحوص يقول:
من المدمجات اللحم جدلا كأنها = عنان صاع أنعمت أن تجودا
والمرأة البدينة تمتاز بالرعونة والليونة وطيب الملمس، لذا قال هشام بن عبدالملك عن ميمونة جاريته وكانت بدينة «لو أن رجلاً ابتلع ميمونة ما اعترض في حلقه منها شيء للينها».
وقد قيل في بدينة:
إذا مشت نحو بيت جارتها = خلت من الرمل خلفها حقف
يرتج من مرطها مئزرها = وفوقه غصن بانة قصف
ويستحب في المرأة البدينة أن تكون بدينة – رعبوبة- أي بدينة بيضاء البشرة حتى يتم حسنها، حيث إن البياض آية الملاحة والجمال.
ويصف الشاعر العربي القديم الفتاة التي يحبها بقوله:
من كل بيضاء، مِكْسالٍ بَرَهرهة = زانت معاطلها بالدرِ والذهبِ
حَوراءَ، عجزاءَ، لم تُقذف بفاحشةٍ = هيفاءَ رعبوبة، مكمورةَ القَصَبَ
-يقول: أنها بيضاء، مدللة، برهرهة، أي بشرتها صافية اللون، تتزين بالدر والذهب، وهي حوراء العينين، كبيرة العجيزة، محافظة على شرفها، هيفاء القد، ورعبوبة أي ممتلئة الجسم إلى جانب كونها معتدلة الخلق،(مكمورة القصب).
وحتى الذين تغنوا بالقوام الممشوق و(الخصر النحيل) لم يستطيعوا الفرار من بدانة ما يرغبون أن يروه بديناً في المرأة، فالعيون إذاً ترنو إلى البدانة، من ذلك ما قاله الشاعر:
أعجبت منك.. بكل جارحة = وخصصت منك جفونك الوطفا
ملء العيون هما وخيرها.. = ما يملأ العينين والكف
وفي المثل الشعبي:
« الراجل زى الجزَّار ما يحبش إلا السمينة» ويضرب في مدح المرأة السمينة – البدينة-.
بقي أن نذكر أن المرأة البدينة هي الأكثر مرحاً وصبراً وخفة ظل كما أكدت الدراسات التحليلية، كما أن الدهن هو الغلاف لمعظم أعضاء جسم المرأة وخلاياها، والدهن أيضاً عازل جيد للوقاية من البرودة. كما أكدت تلك الدراسات الطبية. ولا خوف على المرأة في البدانة من أمراض السمنة التي تصيب الرجال، فقد ثنت تشريحياً أن معدة المرأة أكبر حجماً. وأنها تحرق الأكسجين أسرع من الرجال، وتزيد نسبة الماء في دمها، وتقل نسبة كرات الدم الحمراء مما يجعلها أقل عرضة لأمراض السمنة إن كانت سمينة.
ومن المعروف أن المرأة تبتسم 89 في المائة من وقتها بينما الرجل يبتسم 67 في المائة مما يجعلها أكثر سعادة وراحة بال.
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
ولن ينسي للتراث للعربي أنه أتاح للهوى العذري الظهور، وجعل المرأة ركناً من أهم أركان هذا الحب، حيث أوجدها وأتاح لها الظهور في مكان المحبوبة، في حين لا مكان لها في بعض تراث الأمم الأخرى، كاليونان والرومان، إلا دورها في الإنجاب والمحافظة علي النوع البشري.
ولملاحظة الجمال والاهتمام به موقع مرموق في التراثي العربي.
ففي الفكر العربي الجاهلي. كان الجمال تجريبياً في استنتاج الأذواق الحسية بمعنى النظرة السائدة في تقويم المنظور القديم لمعنى الجمال، إذ كان العرب يربطون النظرة الحسية بوصف الطبيعة والمرأة، غير أن وصف المرأة كان له الحظ الأوفر من الإعجاب ولا غرابة في أن يكون تعبيرهم نابعاً من إحساسهم في تحقيق التكامل بين معطى النفس وملامح الطبيعة وفقاً لما تفرضه الصورة الحسية من نقل المشاعر الداخلية وما شابه ذلك من المظاهر الخارجية وفي صورها الشكلية الظاهرة، ولعل إدراكهم للعالم الخارجي الملموس في نتاجهم الفني يجعلنا نتأكد من تأثير الصورة الخارجية في عالم الفنان العربي الجاهلي الداخلي كما نجده عند الكثيرين من الشعراء في مثل قول النابغة الذبياني:
قامت ترائي بين سجفي كله = كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
وقوله:
بيضاء كالشمس وافت يوم أسعدها = لم تؤذ أهلاً ولم تفحش على جار
وقديماً كان العربي يرى في المرأة وصفاتها رمزاً لليونة والضعف والخصوبة - لا يتعدى ذلك إلى قدراتها العقلية وترتيبها الاجتماعي والسياسي في الأسرة والحياة العامة - فقالوا: أنثى، من قولهم: « أنث الحديد أي لان، وأنث زيد لفلان أي تساهل، وهذا سيف أنيث أي غير قاطع، وهذا مكان أنيث أي سريع الإنبات»..
ولذا قالوا: «امرأة أريضة أي: خصبة كالأرض». وقالوا: «أفكت الأرض أي: أجدبت، والمرأة المأفوكة هي ضعيفة الرأي والعقل». وقالوا: «عزبت الأرض أي لم يكن بها أحد والمرأة العزوب هي غير المتزوجة».
والعربي القديم ابتدع ما يعرف بتناسق الأجساد للمرأة بحيث تغدو المرأة على هيئة ناقة في بعض أجزاء جسمها، وعلى صورة الفرس أو الحجر في سائر الأعضاء! ولقد وعت المرأة العربية القديمة هذا الدرس جيداً، فجهدت جهدها لتشكيل بدنها على مثال بدن الناقة في بعضه، وعلى رسم بدن الفرس في البعض الآخر.
هذا عن النظرة الحسية للجمال عند العربي الجاهلي، أما عن التجربة الداخلية للجمال (الجمال المعنوي) فنراها تتمثل في فضائل عدة منها الكرم والشجاعة والصبر والبطولة والذكاء والفطنة وغير ذلك من الصفات الحميدة.
عناية الإسلام بالجمال.
الإسلام دين يحب الجمال ويدعو إليه في كل شيء. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه مسلم والترمذي عن عبدالله بن عمر. والقرآن الكريم في العديد من آياته يلفت الأنظار إلى ما في الكون من تناسق وإبداع وإتقان، وما يتضمنه ذلك من جمال وبهجة وسرور للناظرين، والإنسان مطبوع على حب الجمال سواء كان هذا الجمال في الأشياء أو في الأشخاص.
وإذا كان الله يحب الجمال – كما جاء في الحديث المشار إليه – فإن الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، من شأنه أيضاً أن يحب الجمال مع الفارق الكبير الذي يتمثل في أن الله هو خالق الجمال في الإنسان. ويعرف الجمال بأنه صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضاً. أو كما يقول ابن سينا: «جمال كل شيء وبهاؤه هو أن يكون على ما يجب له». أو كما ينبغي أن يكون، وهذا يعني التناسق التام والنظام الكامل. وقد اكتمل ذلك في خلق الكون كله الذي خلقه الله فقدره تقديراً وأبدع صنعه، وأحسن كل شيء خلقه:«ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فأرجع البصر هل ترى من فطور»(الملك: 3).
ولملاحظة الجمال والاهتمام به موقع مرموق في الإسلام، وتتمثل قمة الجمال في القرآن الكريم الأسر الذي لم يتملك العرب حين سمعوه إلا أن يعلنوا انصياعهم له، ويتضح أن الكلمة الواحدة كانت تأخذ بمجامع القلوب فقد سمع أعرابي قوله تعالى: «فاصدع بما تؤمر» (الحجر: 94) فذهب به الفكر كل مذهب في استحضار جوانب الروعة في فعل – اصدع – فلم يتمالك إلا أن سجد فقيل له لِمَ سجدت؟ فقال سجدت لجماله. وعلى نحو ما كان القرآن حريصاً على تربية الذوق الجمالي في الإنسان المسلم فكانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالًا تطبيقياً لما دعا إليه القرآن الكريم فقد كان صلى الله عليه وسلم معتنياً بمظهره فكان يقص شعر لحيته ويأخذ من طولها وعرضها بما يتناسب مع خلقته وهو القائل: «إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال». رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يتأنق في ملبسة نوعاً وخياطة ولوناً؛ إذ لبس صلى الله عليه وسلم، البرود اليمانية وبعث بملابسه إلى من يخيطها في بني النجار إذا كان منهم من يتقن الخياطة، وكان يكره لنفسه ولأصحابه تعمد اختيار الألوان الصارخة الجالبة للأنظار فكان ينهى عن لبس الأحمر غير المشوب بغيره، كما كان يختار ألواناً خاصة بمناسبات خاصة لما يوحي به اللون من طبيعة الموقف، فقد دخل مكة معتمّاً بعمامة سوداء للإشعار بجدية الموقف، كما كانت تصرفاته صلى الله عليه وسلم في نفسه وفيما يأمر به المؤمنين كانت تراعي مقتضيات الجمال والانسجام إلى الحد الذي أكسب فيه هذا الإحساس بالجمال المسلمين بالجمال.
والجمال من خلال الصورة الخارجية أمر نسبي وإدراكه يختلف باختلاف الشعور.
تقول اللغة في تعريف الإنسان الجميل: إنه هو «الذي يحرك قلبك حسنه» ولكن قلب من؟ لذا فإن الجمال يتوقف على نظرة الناظر إليه.
ومع ذلك فحسب ما يبدو لي وفي الأعم الغالب أن البدانة و الاكتناز في المرأة ما هي إلا مؤشرات صحية وعوامل هامة يميل الرجل إليها.
تقول العرب: « الجميلة هي السمينة» من الجميل وهو الشحم.
قالت أعرابية لابنتها: «أي بنية... تعففي وتجملي... فقامت ابنتها إلى قليل من اللبن كان في الشكوة (وعاء من الجلد) فشربته، وإلى وعاء فيه شحم مذاب فأخذت منه ما تأدمت به».
الجميل: هو الشحم المذاب، على وزن فعيل بمعنى المفعول مثل جريح بمعنى المجروح، ولا يكون الشحم المذاب إلا من أجزاء مختلفة من الثرب (الشحم الذي يغشي الكرش) وشحم الكلى ونحو ذلك فهو إذاً متفرق ولئن لم يكن كذلك فإن العادة قد جرت على تقطيعه لتسهيل إذابته. وهو بعد أن يذوب، يصبح مادة متجانسة متحدة. وقد جرت عادة المرأة العربية أيضاً أن تدخل الدهن الحيواني والنباتي، في مواد الزينة وفي الطب.. فيدهن به الجسم والشعر إلى جانب خلطه في مساحيق الأعشاب العطرية كالريحان الهندي والبلدي وغير ذلك.
ووجه جميل. أي كأنما دهن بالسمن والشحم المذاب أو بطيب يدخلان في تركيبه، فكأن المعنى أن الوجه الجميل، فعيل من (جمل) بمعني المفعول به، أي الذي دهن بالجميل وهو الشحم المذاب، فيكسبه ذلك لمعاناً وبريقاً ورواء وحسناً. والجميلة هي التي تأخذ بصرك جملة.
مواصفات الجمال عند العرب
والمرأة الجميلة في نظر العرب – هي المرأة الطويلة البيضاء البدينة سوداء الشعر والعينين. رقيقة الرائحة طيبة الملمس، ثقيلة الخطو والحركة، حيث إن البدانة سمة من سمات الخصوبة في المرأة، وشرط من الشروط الأساسية التي وضعها العرب، والتي يجب أن تتوافر في المرأة حتى تقوم بوظيفتها على أكمل وجه.
والبدانة في المرأة من أهم مقاييس الجمال العربي، فقد كانت المرأة العبلاء هي المرأة الجميلة- والعبلاء هي من كان أعلاها خفيفاً وأسفلها كثيباً- وكانوا يتعوذون بالله من المرأة النحيفة – الزلاء( خفيفة الشحم):
«أعوذ بالله من زلاء ضاوية = كأن ثوبيها علقا على عود»
وقد كثرت لدى العرب أسماء المرأة البدينة فأطلقوا عليها: «كناز وبحباحة وحنطوب وخرعوب وبهنكة وعفضاج وفينانة وسرعوف وأثاثة وثأدة».
وكانت العرب تحب الشحم على النساء، وربما تمكث المرأة العصلاء في بيت أبيها الدهور تنتظر العريس ليقرع الباب.
قال ابن شبرمة: ما رأيت لباساً على المرأة أزين من الشحم.
وقد قيل: السِّمن نصف الحسن، وهو يستر كل عيب في المرأة ويبدي محاسنها.
والمرأة البدينة خلدها الشعر وجعل لها صوراً محببة إلى النفس، فأطلق عليها خرساء الأساور. وخرساء الساق حيث كان العرب يرون في البدانة الجمال، ويصفون المرأة البدينة الجميلة بخرساء الأساور، حيث تمتد هذه البدانة إلى الرسغ فتمنع ارتطام الأساور فتصبح خرساء.
فالبحتري يعبّر عن جمال ساقَيْ موصوفته في صورة جميلة لطيفة، يقول:
مَشينَ ضحىً بأقدامٍ لِطافٍ = وسوقٍ في خلاخلها خِدالِ
(سوق: مفردها: ساق. خدال: ممتلئة ضخمة.)
فالسّيقان ممتلئة ومكتنزة وملتفّة، لا تظهر من خلالها العظام، وتوحي بذلك حركة الخلاخيل البطيئة، فمن شدّة امتلاء السيقان فإنّ حركة الساقين تكون ضعيفة، ومن ثمّ فإنّ اهتزاز الخلاخيل وتحرّكها يكون ضعيفاً أيضاً.
و يقول عمر بن أبي ربيعة:
إذا نهضن تعثرن من ثقل أردافهن = خلاخيلهن صوامت لسمن سوقهن
سوقهن جمع (ساق) فهو يراها صامتة الخلخال لأنها شبعى الساق.
والبدينة الجميلة هي التي كما تقول العرب: «رمجلة» إذا كانت المرأة ضخمة في تعود وعلى اعتدال، أما إذا زادت ضخامتها ولم تقبح، فهي كذلك مقبولة وتسمى عنئذ «مسجلة»، فإذا كانت السمينة ممتلئة الذراعين، والساقين فهي – خدلجة- وكل هذا مقبول عند العرب، أما إذا زادت عن ذلك فيخرجونها من هذا السياق كقولهم – مرمادة- إذا كانت المرأة سمينة ترتج من سمنها.
وكانت أرداف المرأة هي المقياس الوحيد لجمالها، وكانت المرأة ينتابها العيب إذا اكتشفت أن أردافها ليست بالحجم المطلوب فكانت تلجأ للقثاء مع الرطب حتى يزداد وزنها، فبقدر ما ينقص من المرأة وهو في طريقه إلى النحافة بقدر ما يأخذ معه في الطريق نفسه قسطاً – متورداً- من الجمال والعافية والجاذبية. يقول الشاعر العربي يصف حبيبته البدينة:
ومأكمة يضيق الباب عنها = وكشحا قد جننت به جنونا
تقول العرب «امرأة مؤكمة» أي عظيمة المأكمين، والكلمة مشتقة من الأكمة بمعنى التل الصغير.
ومعنى الكشح :هو ما بين السرة ووسط الظهر في جسد المرأة، والبعير على الحصر، وفي جسد باقي الحيوانات على الإطلاق، وفي معنى الأكمة والمأكمة يقول عمر بن أبي ربيعة متغزلاً بجسد حبيبته المكتنز:
إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها = تمايلن أو مالت بهن المآكم
أما الأعشى فقد فاق الجميع وأفرط في هذا أيما إفراط حيث يقول:
غراء فرعاء مصقول عوارضها = تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها = مر السحابة لا ريث ولا عجل
صفر الوشاح وملء الدرع بهكنة = إذا تأتى يكاد الخصر ينخزلُ
أي أنها لامتلائها وسمنتها تمشي ببطء كأنها شخص رقيق جلد القدم يخوض في بركة من الوحل فينزع في كل خطوة قدمه من الوحل نزعاً ليرفعها ثم يقدمها. وأخيراً يطأ بها متحسساً بحرص الأرض لكي لا يدمي شيء جلد قدمه الرقيق، أو كأنها سحابة ممتلئة تمر متثاقلة لا ببطْء شديد ولا بسرعة وعجلة، وشاحها الذي تحيط به خصرها خال لهيف ذلك الخصر، بينما تملأ الرداء أردافها لضخامتها وعظمها، حتى يكاد خصرها ينقد من ثقل أردافها.
فقد وصفها بالضخامة، ولكنه ذكر إفراطاً، وقد قيل في التعليق على البيت الثاني للأعشى والتثني في مشية المرأة أحسن ما فيها.
وهذا هو الأحوص يقول:
من المدمجات اللحم جدلا كأنها = عنان صاع أنعمت أن تجودا
والمرأة البدينة تمتاز بالرعونة والليونة وطيب الملمس، لذا قال هشام بن عبدالملك عن ميمونة جاريته وكانت بدينة «لو أن رجلاً ابتلع ميمونة ما اعترض في حلقه منها شيء للينها».
وقد قيل في بدينة:
إذا مشت نحو بيت جارتها = خلت من الرمل خلفها حقف
يرتج من مرطها مئزرها = وفوقه غصن بانة قصف
ويستحب في المرأة البدينة أن تكون بدينة – رعبوبة- أي بدينة بيضاء البشرة حتى يتم حسنها، حيث إن البياض آية الملاحة والجمال.
ويصف الشاعر العربي القديم الفتاة التي يحبها بقوله:
من كل بيضاء، مِكْسالٍ بَرَهرهة = زانت معاطلها بالدرِ والذهبِ
حَوراءَ، عجزاءَ، لم تُقذف بفاحشةٍ = هيفاءَ رعبوبة، مكمورةَ القَصَبَ
-يقول: أنها بيضاء، مدللة، برهرهة، أي بشرتها صافية اللون، تتزين بالدر والذهب، وهي حوراء العينين، كبيرة العجيزة، محافظة على شرفها، هيفاء القد، ورعبوبة أي ممتلئة الجسم إلى جانب كونها معتدلة الخلق،(مكمورة القصب).
وحتى الذين تغنوا بالقوام الممشوق و(الخصر النحيل) لم يستطيعوا الفرار من بدانة ما يرغبون أن يروه بديناً في المرأة، فالعيون إذاً ترنو إلى البدانة، من ذلك ما قاله الشاعر:
أعجبت منك.. بكل جارحة = وخصصت منك جفونك الوطفا
ملء العيون هما وخيرها.. = ما يملأ العينين والكف
وفي المثل الشعبي:
« الراجل زى الجزَّار ما يحبش إلا السمينة» ويضرب في مدح المرأة السمينة – البدينة-.
بقي أن نذكر أن المرأة البدينة هي الأكثر مرحاً وصبراً وخفة ظل كما أكدت الدراسات التحليلية، كما أن الدهن هو الغلاف لمعظم أعضاء جسم المرأة وخلاياها، والدهن أيضاً عازل جيد للوقاية من البرودة. كما أكدت تلك الدراسات الطبية. ولا خوف على المرأة في البدانة من أمراض السمنة التي تصيب الرجال، فقد ثنت تشريحياً أن معدة المرأة أكبر حجماً. وأنها تحرق الأكسجين أسرع من الرجال، وتزيد نسبة الماء في دمها، وتقل نسبة كرات الدم الحمراء مما يجعلها أقل عرضة لأمراض السمنة إن كانت سمينة.
ومن المعروف أن المرأة تبتسم 89 في المائة من وقتها بينما الرجل يبتسم 67 في المائة مما يجعلها أكثر سعادة وراحة بال.