نقوس المهدي
كاتب
شعراء الذكورة المعطوبة
قدر لي أن أقضي من زماني في صحبة المشتغلين بالأدب صناعة أو فناً أكثر مما قضيت بين عشيرتي وأهلي وأن أجد من الذكريات والعبر ما لم يمنحه الزمان لعلة الترحال مع أخوتي وأربابي. وفي تصدع المكان والزمان شروخاً تمشي فيك وحولك تصدك عن أمر وتوردك إلى سواه فتحدق ملء روحك علك تجد العزاء في المعنى وتتجاوز ضيق الترحال الذي يعيدك إلى " أثيكا " ، وتردم مقولة كفافيس " أنك وكما دمرت نفسك في ذلك المكان فأنت أنى ما تذهب دمار ".
وفي الشعر عزاء عن لوثة الدنيا ، قل ما تراه في شخوص الشعراء. فكم من معنى وصورة فاقت بهاءها الخيال وكان قائلها أصغر من العبارة. وكم من ضجيج وعجاج تثيره أشعار على صفحات الصحف اليوم وهي وكاتبها ذرات غبار جعل منه الإعلام شمساً منيرة. وفي الحروب التي تثار منذ نصف قرن من الزمان العربي حول الشعر والحداثة والشكل والمصطلح والإجتثاث والقطيعة يغيب بيرق المعنى ويغيب أكثر كيان الشاعر ، وكينونته.
وبعد أن إنتهى رواد النصف الأول من الحداثة من شعارات ورموز هيلانة ، والفينيق ، وطروادة ، وغيلان ، وزرقاء اليمامة وغيرهم من شعراء البروليتاريا ، والثورة ، والدم ، والبرتقال ، والزيزفون ، والزيتون ورأس الحسين ، وقبر إبن العربي، وصدى إبن الفارض ، وتهويمات المطولات القائمة على إستحلاب المفردات من بعضها البعض والحديث عن القصائد المدورة ، والمستطيلة ، والمربعة ، والبصرية، والمرئية ، وغير المرئية جاء جيل جديد.
جيل يتمنطق الحداثة ، أحياناً ، وما بعد الحداثة ، أحياناً والقطيعة مع الموروث في أغلب الوقت. بعض هذا الجيل يرى أن الحياة تبدأ في رحم أمه وتنتهي في رحمه هو شخصياً. وتمتد به القطيعة لا مع التراث فقط بل مع الإنسانية جمعاء حتى يكاد الشك يفضي إلى قطيعة حقيقية حتى مع إنسانه هو في بعض النصوص.
كانت شعارات الحريات هي الأعلى صوتاً في القرن العشرين بدءاً من تحرير العبيد ، والأوطان ، إلى حرية التعبير والمرأة ، ثم التباس الحرية السياسية تحت مسميات الديمقراطية وحقوق الإنسان بفكرة الاقتصاد الحر والعولمة. وإذا كان "باتاي" يبدأ كتابة " العقل العربي" بفكرة أن أشد الهواجس اشتعالاً في العقل العربي هو الكبت الجنسي وأن الجنس بالنسبة لهذا العقل هو " فيل وردي " فإنه عليه أن يعرف أنه ليس هناك في هذا العالم فيل وردي. ويكاد الربع الأخير من هذا القرن يكون مكرساً لتحرير المرأة على المستوى النفسي والإبداعي والقيمي وقد إنعكس ذلك في حركة النقد النسوية الغربية وعكست هذه أفكارها على بقية العالم. نتيجة لذلك زادت حركة النشر والإبداع النسائية وخرجت إلى النور نصوصاً جديدة لها سمات البحث والجرأة ومحاولة إستكشاف هذه الذات مراوحة بين عدوانية إجتماعية أحياناً تجاه القيم القديمة ، أو تأصيل لرؤى ذات أبعاد إنسانية كونية ، وقد تتقلص أحياناً إلى محاولات طفولية – معذورة – لتلمس الجسد والعاطفة كطفل يتأكد من وجود أعضائه وجدواها.
ذكورة الشعر المبتورة
غير أن جيلاً جديداً من شعراء اللحظة الراهنة قرر أن ينصرف هو الآخر لإكتشاف ذكورته ومحاولة فصلها عن مفهوم الرجولة والحب ، أحياناً. تدور الحركة اليومية لأمثال هؤلاء بين بعض المقاهي والحانات وقراءة جيله ممن يشبهه وأكثر ما يتجلى فيه ليس فقط غياب العلاقة الحالمة بالأنثى ، بل بالسياسة ، والمجتمع والثقافة البصرية ودهشة الترحال. ويستطيع كرسي خشبي مهمل في بعض المقاهي أو الحانات أن يكتب السيرة الذاتية لأمثال هؤلاء بيسر ومصداقية لا تحتاج إلا إلى ذاكرة هشة وبسيطة. يكاد ما يكتبه هؤلاء يتلخص في العلاقة المباشرة مع أعضاءهم ، المراحيض ، العادة السرية ، هزائم الجسد والعلاقة المعطوبة والمريضة مع العالم.
وسأورد الأمثلة لذلك كله في بحث عن المعنى لدى هؤلاء وأغض البصر عن الشكل الفني والجوانب البلاغية لأدعها لمناسبة أخرى تجيء.
ولننظر إلى فحوى الشاعر وهي تتجلى في معدته ، وأسنانه ، وقضيبه فها هو أحمد يماني – شاعر مصري – يقول :
- " لا شيء معي
سيجارة فاسدة وألم في المعدة ".
ثم يقول :
- " لكن سعادة ما تكون
وأنا أقذف في آذان أصدقائي ".
ثم يقول :
- " أعرف أن حبيبتي لا أحبها
لكنني أشعر بدوار
كلما تذكرت إسمها
ومؤخرتها المعوجة ".
هكذا يفتتح كتابه الشعري "شوارع الأبيض والأسود" والذي صدر في القاهرة – يناير 1995 وكان موضع احتفال رفاقه به وضمه إلى قائمة الشعراء. كتاب يحتوي على خمسة قصائد ويبدأ بـ " هواء توقف أمام البيت " حيث يحكي فيه عن ذاته غير المبجلة مفتتحاً بألم المعدة ، وبنشوة القذف في آذان الأصدقاء ، وبتذكار مؤخرة حبيبته المعوجة ثم ينتقل بعد ذلك لوصف " أردافه الملتهبة " ويقول :
- " أنزلق خطوة أخرى فوق السرير
أردافي ملتهبة ،
وأتذكر عضوك الصغير وهو يعبث بينهما ".
وإذ يفرغ من العضو والمؤخرة يحدثنا عن أحداث يومه والتي تتجلى في قوله :
- " وأننا ما زلنا نأكل ثلاث مرات
ونتبرز مرة أو مرتين ".
وفي تأملاته العميقة يستحضر :
- " وفكر جيداً ما الذي يعنيه أن تأكل كل يوم
أن تفرح بالأرداف المستديرة ".
أما في علاقته مع الأنثى فها هو يسرد علينا فنه في ذلك إذ يقول :
- " قصصت نصف شعرك
وتركتك تبكين تحت نساء عديدة
سأضعها فوقك ،
لأنني أكره تورم خيباتك ،
أكره صرخاتك وأنا أتحسس بظرك
وتبتل أصابعي في ثوان.
لأنك غبية ".
ثم يقول :
- " ما الذي يعنيه أن تحبيني مثلاً
لماذا لا تحبين أردافك وشكل عينيك
ونهديك السمينين
لماذا ؟ "
وبعد أن تأخذ ذكورة أحمد يماني مداها في القذف في الآذان ، والبراز ، والأرداف ، وتحقير الأنثى يفرغ للإستزادة في علاقته بأعضائه ونشرها في كتاب يؤكد فيه حداثته الإبداعية إذا يقول :
- " أود أن أمسك كليتي بيدي ،
وأمسك كبدي والمعدة ،
وأن أقيس أمعائي بنفسي
وأشرف على تنظيم ضربات القلب
وكمية الدم المضخوخة إلى المخيخ
وإلى عروق القضيب.
أود أن أتحرك داخل خصيتي
أود أن أنام فوق دهون مؤخرتي
وعندما أموت أود أن أدفن هنا ".
ثم يقول :
- " أرسم نفقاً في الهواء
وأضع فيه قضيبي ".
ويقول :
- " أود أن أنام هادئاً
بعد كل استمناء
أنام وحيداً ".
ويقول :
- " قضيبي هو أحب منطقة في جسدي ".
أية ذكورة معطوبة تلك التي يبشر بها أحمد يماني مزهواً بأردافه ومحاطاً بروائح النتن مفصولاً عن الأنوثة إلا بتشيئها في أسفل درك يستطيع وعيه الشقي أن يأخذه إليه. وطوال قصائده الخمس يؤكد أحمد يماني على معاني تحتاج إلى معالجة نفسية وطبية أكثر من طرحها في سوق الشعراء. ويكاد يغرق نفسه في هوسه بأحط أشكال الجنس الذي يمارسه مع خلاياه فها هو في قصيدة " أسى " يتحدث عن الأطفال وكيف "يفتحون شفاهاً غير مثيرة جنسياً " ، أما في قصيدته " أنا " فهو يريد إختيار أم جديدة - " ستكون مفكوكة من طيبتها ، وستسمح لأبي أن يضاجعها من الخلف ". أما في قصيدته يوتوبيا المقابر فهو حزين للغاية لأنه " لا أرداف هنا ، ولا دماء ، كيف سأتخيل إذن شكل المرأة ؟ وكيف يمكنني أن أحصل على استمناءات كافية ؟ " ، ثم يختم قصيدته بتساؤلات كونية وجد لها إجابات بحجم حقيقي يناسبه إذ يقول :
- " نغني جميعاً عن البعوض الذي
ينام في آذاننا ،
وعن طولنا الذي أثار المراهقات ،
وعن الإستمناءات المتكررة ،
في برميل كبير يسمونه الحياة ".
"جراد" الأحاسيس الفاسدة
وإذا أفتتح نماذج هذا التيار في الشعر العربي الجديد بأحمد يماني فذلك ليس لندرة معانيه فقد صارت لغة المراحيض والجسد المنهوش والمعطوب سائدة ومكرسة وكم من المعارك الإعلامية ومشاجرات المقاهي والحانات قد أصبحت سمة من سمات هذا التيار الجديد وخصوصاً في القاهرة. وهو تيار يضم بعض النساء أيضاً ممن يعزفن اللحن المطلوب ذاته سواء في القصة القصيرة أو الشعر وسترد المناسبة للحديث عنهن في مقال آخر. أما الذي أبحث عنه الآن فهو التجسيد الشعري لهذا التيار لمفهومه لذكورته وعلاقته بالآخر والعالم وغياب الأحاسيس الحية عن النص لا في فكرة ما وراء العلاقة الحبية بين الرجل والمرأة بل في مفاهيم الأيروتيكا ، أيضاً ، وفي العلاقة مع العالم تلك التي إختصرها أحمد يماني إلى " برميل كبير يسمونه الحياة " أي مزبلة ليست جديرة إلا بسيوف لم يأكلها الصدى مثل القضيب ، والأرداف ، والبراز ، والمرحاض في لغة أحمد يماني الشعرية وأمثاله.
ومع أحمد يماني يأتي رفل آخر من شعراء القاهرة الجدد وأنصاف القدماء فها هو الشاعر أحمد طه معاصر جيلي السبعينات والثمانينات والذي كان لتجربته مذاقاً جاداً آئنذاك يحفر بجدية لتأسيس حوائطه في مجموعته الأخيرة " إمبراطورية الحوائط " ويسيج نفسه بمن يسميهم " الجراد ". الجراد فكرة أحمد طه عن التجديد بعد غياب دام لأعوام في الولايات المتحدة وعودة بشرت أول ما بشرت به " بالجراد " مجلة ثم إصدارات شعرية.
بعد أن أصدر أحمد طه ، " لا تفارق إسمي ، عام 1980 ، " والطاولة " ، عام 1992 جاءت " إمبراطورية الحوائط " ، عام 1993. يبدأها بقصيدة " ثقب " طارحاً رؤاه الجديدة حيث يقول :
- " هكذا
ينبغي الآن أن أستريح
ينبغي الآن أن أبتني حائطاً
خلف حائط
وأن أنحني
خلف مملكتي
كإمبراطور أخير ".
ولكن ... أية إمبراطورية قائمة على العدم وعلى تشجيع واحتواء تيار يفتقد إلى الجذور والثقافة الإنسانية المعاصرة ووعي الذات والخيال ذلك الذي يتبناه أحمد طه.
قضبان بغير رؤوس ولا أبدان
كان أحمد طه في قديمه الشعري ينتمي إلى حداثة تختلط بالحس الشعبي والإنساني مؤصلاً لمدينته الشعرية في شبرا ، والزاوية الحمراء ، ووسط البلد. برز إسمه مميزاً وسط جماعة " أصوات " وحين غادر مصر إلى أمريكا دار حتى داخ حنيناً لروائح وسط البلد وكتب قصائداً مليئة بالمكان ، والحنين ، والأسماء. بل أن حسه النقدي كان واضحاً تجاه النموذج " الكاوبوي " فها هو في قصيدة "حكاية" يتحدث عن راعي البقر منتقداً حباله الغليظة حيث يقول : " ويطلق فروجاً وقضباناً بغير رؤوس ولا أبدان " ، خالطاً ذلك بالوجع السياسي الذي يحسه من هيمنة راعي البقر على بقية العالم. فلماذا حين يعود أحمد طه إلى القاهرة يؤسس للجراد ويطلق علينا شعراء بلا رؤوس ولا أبدان. وفي غيابه كان قريباً من " أنور كامل " ، " وجورج حنين " رواد الحرية والفن. وها هو أحمد طه في قصيدته " حائط الحلم " يذكر بأن :
- " وأذكر
قبل أن تبدأ معراجك اليومي
أن الجنس ليس الطريق الوحيد
إلى الثورة
وإن كان أقصرها ".
غير أن أحمد طه لا يدخر وسعاً في توزيع مفردات الجراد في بعض جديده الشعري فها هو في قصيدته " كيف سألت الآلهة عن ضريح أنور كامل " ، يقول :
- " سوف أقودهم كالعميان بين الخرائب
التي تعرفها قدماي
مشيراً إلى ما تبقى
من الفولاذ
والبلاستيك
والأعضاء الجنسية المعلبة ".
ثم يشير إلى جمجمة باريس ، وفرج لندن المغطى بالشعر الرمادي ، ومؤخرة واشنطن ، وثدي موسكو هذا التأنيث المشوه الشرس مخلوطاً بكل ما يثير كراهية أحمد طه في العالم. ومرة أخرى في قصيدته شخص (2) يقول :
- " يركب بغلة تميل إلى السمرة
لكنها تهيج كإمرأة حقيقية
حين يضغط خصرها بفخذيه".
ما الذي تأصل عميقاً كي يشيء الجسد الإنساني ذكراً كان أم أنثى ويوظف في استخدامات شائهة لا نهائية ، وعدوانية شرسة تجاه الحسية والإيروتيكية والرومانتيكية لتستخدم مفردات الجسد كمخالب غير آدمية في وصف مجازي أو واقعي لا يعبر إلا عن المزيد من السوداوية والعدمية.
شعراء المراحيض
لا يخلو إصدار واحد من أربعة إصدارات للجراد من مرادف يعبر عن مثل هذه الروح. في كتابة " ماريونيت " ، إصدارات الجراد 1998 ها هو ماهر صبري يعزف معزوفة الأعضاء المفككة فيقول :
- " يقترب الحواريون
يحملقون في جسدي العاري
بشبق
ثم يرحلون ضاحكين
في شهوة مبتورة ".
وتجيء قصيدة " الحرملك " ليتحدث عن إمرأة :
- " قد تتعثر في آهة شبقة
فتسرق نظرة من خلف الستار
لا يصدمها أن ترى ثدياً يترنح في فم عاشقة
أو ألعاباً جنسية لجارتين ".
وفي قصيدة لو كان الزمان إلها يقول :
- " بإمكانك
أن تباعد بين ساقيك
لإستنبات عضو تناسلي
تباهي به أقرانك
ينتصب تنيناً ".
أما في تنافسه مع التاريخ وهوميروس فها هو في قصيدته " رغم أنفك يا هوميروس " يشهر أسلحة جسده قائلاً :
- " كي ألحق بالجنرالات والقادة
الذين تحشو بهم قصائدك
فإنني إتخذت من ذكورتي سلاحاً
متوسماً فيها كلاشينكوف متعدد القذائف ...
أغزو به إمرأتي ".
أية روح مدججة بإستعراضها العسكري في ذكورة فجة ومنفرة تهيمن على ماهر صبري – رسول الجراد – حتى يجعل من قضيبه تنيناً مرة ومرة كلاشينكوف وفي كل الأحوال فهو أداته المبتورة الوحيدة في معرض نقاشه الإبداعي مع التاريخ ، هوميروس، المرأة ، والحواريين. وإذ يحشد قصائده بالآلهة ، والمسيح ، والرومان ، والإغريق لا يجد ميداناً لحربه مع ذلك كله إلا صوراً مبتورة تأتي فيها الأنثى كحالة عرض رخيصة. ها هو في قصيدته " الكوميديا الإلهية " يتحدث عن إله عتيق ويقول:
- " ثم يحكي في مرارة
عن العاهرة التي التقطها من الشانزليزيه
فكشفت له عن ثدييها
وعن أنيابها
تلك الميدوسا ".
ومن ماهر صبري إلى محمد متولي في كتابه الشعري " القصة التي يرددها الناس هنا في المساء " ، إصدارات الجراد 1998 تستمر الظاهرة فها هو في القصيدة الأولى في المجموعة يتحدث عن :
- " وعندما تبادل الحديث مع مدرسة الأدب الإنجليزي المسنة – جارته في القطار – التي كانت تقرأ كتاباً ضخماً عن مركزية القضيب كظاهرة تهدد وجودها جعله الرنين يصرف إنتباهه إلى ظفر إصبعها الذي يشق جوربها الأسود ذا الخروم الضيقة ".
وما زالت أزمة " القضيب " مسيطرة على شعراء الجراد فالشاعر محمد متولي بعد أن إفتتح موضوع مركزية القضيب يذهب في قصيدة أخرى " أجنة تنظر بعين الطائر " إلى أمه وأبيه فيحكي عن :
- " عادة ما ينسانا الأب هكذا ويبدأ في إفراز ذكورته على جسم الأم المريح وفي لعق حلماتها الشهية بلا خجل من كبر سنه ، فنبدأ في الصراخ ".
وبعد ذلك عودة للشذوذ الجنسي فها هو يقول :
- " يبدأ صديقي بمحادثتي بإسم أمه ، وأحياناً تتحول شهوته للإمساك بصدري إلى رغبة في الرضاعة الآمنة – تسيل وقتها من عينيه ندف من الورق – فأوفرها له مقابل حمايته لي فيما بعد عندما يطلع الصباح
ألم أقل لك ؟ تقسيم الأدوار !! ".
ولا تغيب الأرداف عن مفردات نص التيار الجديد فها هو محمد متولي يتحدث في قصيدته " إرشادات مسرحية " عن " إمرأة راقدة مثبتة عينيها نحو السقف ، وبداخل البالونة ترى نفسها وهي تضاجع رجلاً معمراً من الفيلات المجاورة مضاجعة سادو – ماسوشيه حيث يتحول شعره الأشيب وحكمته الما بعد حرب عالمية ثانية إلى سوط تبرز له الأرداف نفسها ليتحول سطحها البض إلى قضبان حمراء متراصة ".
وفي القصيدة نفسها عودة للأرداف مرة أخرى إذ يقول الشاعر :
- " وكأن اللحن الذي يعزفه يذكره بصديق الدراسة الذي دفعته وسامته وإمتلاء ردفيه أن يحاصره في حوش المدرسة بعد الإنصراف ويدس أصبعه – بكل لذة – بين تلك الأرداف ".
هذا الإنتماء المعلن للأرداف ، والقضيب ، وعرى الأم والأب ، والمراحيض ، والجسد الأنثوي المشوه بعيداً عن كل محاولة للترميز أو الإيحاء أو حتى الإستخدام البسيط لبلاغة اللغة العربية وصورها ماذا يحاول أن يقول. والأشد خطورة من ذلك كله ماذا وراء تكريسه وأية روح عدمية تلتهم ذاتها تحت مسميات الإبداع الشعري علينا أن نستقبلها ونتلقاها. إنه ليس إنسلاخاً في لغة الشعر ولكنه إنسلاخ حقيقي على مستوى آدمية الكاتب والمتلقي وخلط فاحش بين الهوس ، والإستعراض الجنسي ، والعدائية المطروحة ، والتحطيم لعلاقة المرأة والرجل الطبيعية ومفاهيم التحضر الإنساني فيما يخص احترام الجسد وقدسيته. كل ذلك يتعدى محور الذات-القضيب إلى الصورة الشائهة المقدمة للأم والأب ومفهوم العلاقة بين رجلين أو إمرأتين. يحدث ذلك في مجتمع ما زالت قضاياه وجمالياته وتراثه القديم والجديد حية. يحدث ذلك دون روح نقدية تواكب مثل هذه النصوص ودون جملة إعتراضية للتكريس الإعلامي سواء على مستوى الإصدار أو الشللية للترويج لمثل هذه الكتابات المحتشدة بالبذاءة والرخص بل والفشل الذريع على مستوى النص الشعري شكلاً ، وإيقاعاً ، ومضموناً.
روح العدائية والعدمية ، معاً
ويوالي أحمد طه نشر هذه المجموعات ليأتينا كتاب " غريزة أساسية " للشاعر شحاته العريان إصدارات الجراد 1998 ، أيضاً. " غريزة أساسية " عنوان لكتاب شعري مأخوذ من عنوان الفيلم السينمائي الأمريكي الشهير الذي ذاع فيه صيت الممثلة "شارون ستون" بسبب المشاهد الجنسية الساخنة فيه. غير أن شحاته العريان يقدم لنا نصوصاً بلا قانون فهي لغة تأتي كما يحلو له خارج التراكيب والأشكال. ليس ذلك فقط ما ينجزه شاعر الجراد فهو أيضاً يخلط النصوص بين العامية وما يشبه لغة الصحف من فصاحة عربية. وكل ذلك بالطبع تحت مسمى الإصدار الشعري للجراد.
في قصيدته " خيبة لإثنين وثلاثين " يبدأ شحاته العريان قصيدته بقوله : " معنديش حاجة أقولها لأي حد " ثم يعدد احتياجاته ليصل إلى :
- " ح أعمل جنس بأي طريقة .. الأسبوع ده ". ثم في قصيدته "صوابع" يقول :
- " من ثلاث أربع تيام
وعلاقتي بأيدي غريبة شوية
صوابعها طويلة رغم أني قصير
صاحبتي لاحظت ده
ثم يقول :
مقدرتش أقول :
" عندي حاجات أطول ".
أما " غريزة أساسية " فيقدمها لنا شحاته العريان باللغة العربية فماذا تراه يقدم. يتحدث عن تجوال الآلهة زيوس ، وإيزيس وعن القاهرة والإله الأمريكي ونيوجيرسي وعن النوم. يتحدث عن ثلاثة أزواج من الأجساد البشرية المؤنثة والمذكرة – على حد قوله. أجساد نائمة وبالنسبة إليه فالأجزاء الأنثوية ، حتى وهي تتحرك عكس مثيلتها الذكورية ، تبدو مشدودة إليها. ولأنه من العالم الثالث كما يذكر فهو يتحدث عن –" ما يولده تراكم التاريخ في مكان ما من شبق " ونزوعات أيروتيكية في النظر إلى الأشياء". ثم يعود إلى غرفة نوم قاهرية وزوج وزوجة وإيزيس إذ تساعدهما ويقول :
- " إيزيس .. وقد تضرج وجهها. كما يليق بزوجة إله ميت مشهود له بالوفاء ، وبالرغم من مطاردات " ست " التي لم تنقطع حتى إضطر في النهاية إلى إدخال منيه في جسد إبنها (حوريس) ". ها نحن نشهد عودة أخرى للأرداف حتى لو لم يذكرها الكاتب مباشرة كما قد عودنا شعراء الجراد في مفرداتهم البلاغية.
ويمضي الشاعر للتحدث حول أخلاق المضاجعة في مصر ، وبين الآلهة وأماكن أخرى تتداعى في رأسه مؤكداً بقوله :
- " حيث لن تسعفنا اللغة الفصحى – سوى بكلمة مضاجعة ويمكنني التأكيد-على الأقل- أنني لم أسمع هذه الكلمة أو ما يشابهها صوتياً أثناء ما حدث ".
ثم يمضي الشاعر في هذيانه بين الأمم السوفيت والأمريكيين والمصريين ومشاكل البنات مؤكداً أن البنات :
- " ويفرحن مثلنا عندما يعرف صلاح جاهين المرأة بأنها : (رجل منحرف جداً)."
ثم في هذيانه بين الحانات والمقاهي يتحدث عن البنت الشاعرة صاحبته والتي حين:
- " تصرفت وكأنني عاشق لها
نهرتني كأنثى
ولأن إيزيس لا تهتم كثيراً لهاته المثقفات
ولا تفهمهن أيضاً
فلم تساعد أياً منا
ومضت إلى إنشغالاتها
ومضيت إلى الساعة الأخيرة ، قبيل الفجر
لأسعد إمرأة فعلية ،
عبر ثلاث ساعات من التصبب عرقاً
دون أن أذكر كيف نمت
وأكتب هذا الكلام
الذي قد لا يهم أحداً ".
الإنحراف الذوقي المشوه
هذا الكلام – بالفعل – الذي لا يهم أحداً أصبح شعاراً لتجديد اللغة والنص الشعري له حراسه وحوارييه والمبشرين به. وهو كلام فوق النقد إذ أن النقد يوازي مسدساً يسحبه أحد ما في وجه الناقد ويطلق رصاصات الإتهام بالرجعية ، والمحافظة ، والكلاسيكية ، واليسارية ، والرومانتيكية كل ذلك مخلوطاً في قنبلة واحدة وفي أحسن الأحوال قد يجيء الدفاع عن مثل هذه النصوص بأن المتلقي متأخر خطوة ما في الفهم ولديه عيوب في التلقي وخلط أخلاقي واضح عليه أن يتخلص منه كي يعي الإنجاز المتفوق لمثل هذه النصوص في الحركة الشعرية الحديثة.
إن هذا الإنحراف الذوقي المشوه الذي فقد الجمالية كما فقد قضاياه الإنسانية مكرساً أحوالاً عدائية ورخص عبثي في التعامل مع الجسد مع التأكيد والتأصيل للشذوذ الجنسي والتحقير المتكرر للأنوثة مبرقعاً ذلك بمسميات الإبداع الشعري خارج أي إطار فني أو أدبي سواءاً من الموروث العربي القديم والحديث أو حتى العالمي لهو ظاهرة تستحق التحليل والتوقف عندها بعد أن إنتهت المعارك الكبرى مع الحياة ولم يتبق لأصوات جديدة غير قضايا القضيب ، والأرداف. بل أن الأمر تعدى الأصوات الجديدة إلى أصوات أخرى مخضرمة. فها هو أخر إصدارات جراد أحمد طه " تلويحة النسيان التي تعبر دون هدف " ، والذي صدر في منتصف عام 1998 للناقد والشاعر الدكتور محمد بدوي يؤصل هو بدوره للتيار ذاته وللعلم فإنه محمد بدوي ليس فقط أستاذاً للأدب العربي ولكنه أحد شعراء الثمانينات وأحد النقاد المميزين في حركة النقد المصرية. لذلك يأتي كتابه هذا مثيراً للدهشة السلبية ومعبراً عن هشاشة أدبية وفكرية مفاجئة. فها هو متأثراً بالجراد يفتتح قصيدته الأولى " غيمة أخرى في البنطلون " بمقاطع إعتادت عليها عين القارئ لهذا المقال في هذه الرحلة العبثية ، فهو يقول :
- " يزداد فمك إنطباقاً حين تخوض في سيرة صديق
بعد ذهابه ، أو نطلب من آخر تقريراً
عن المزايا الجنسية لصاحبته ".
أما في قصيدة سهرة الرجل المختمر فهو يواصل ما بدأه بقوله :
- " ها هي الحيوانات تنزلق من فوق ساقيك
إلى الأرض المبلطة للمقهى ،
وتبدأ تجوالها ".
وفي الهواء الحيادي يقول :
- " صحيح أن المشاعر تأخذ لون السماوات
التي تظلنا ، لكنك اعتدت السماوات الخنثى ".
وفي " إدراك " يقول :
- " ديانا مثلاً التي كم إضطرتك بعد فراغكما من الحب إلى التدخين في الشرفة ، لم تعد تذكر منها سوى صراخها البدائي لحظة أورجازمها ، ومثابرتها في خلق علاقة لك بالقطط ".
وفي " حدث مرة .. هكذا " لابد من ذكر الأرداف لتكتمل الصورة فهو يقول :
- " اليدان الآن تصعدان من الردف للعمود الفقري ".
وكذلك لابد له كأحد شعراء الجراد أن يتذكر المراحيض فيقول :
- " أحببت جارتك ولم تتصور أنها نحلة
تتبرز عسلاً أو مربى".
وحين يأتي الحديث عن النساء فلابد من مناسبة لإبداء مشاعر التحقير فها هو يقول :
- " إنه الفضاء المؤمم باللاهوت
بزكاة الأرداف الممتلئة
لنسوة يشبهن الأبقار ".
وفي سيرة الأرداف لابد من خلطها مع المدن فها هو يقول :
- " قديمة هي القاهرة. لا هدب ولا ردفين".
أما عن ذكرياته مع الكاتب الراحل يحي الطاهر عبد الله فلنستعرض التعبير الإبداعي عن تلك الذكريات فها هو محمد بدوي يقول :
- " ولابد أنه كان يحبني ، فوردته تنفتح بعد لمسة ، لكن يحيى أفرط في مدح رموز الأحشاء فيما كنت أفضل هاجرة الشمس ".
- " أخاللك
لكن مطاياك لركوبي لا تصلح
وحده الدم يكفينا ".
ثم في قصيدته " أسرارنا إنكشفت " يواصل بدوي إبداعه الجرادي قائلاً :
- " ننصب الشراك للبنات العائدات
من نواديهن الرياضية
فيما رائحة المني في أصواتنا ".
وبعد المني لابد من سيرة الأرداف وعجائز الأمهات فهو يقول :
- سنذهب إلى أمهاتنا إذن
بلا أوسمة
فيسطن أردافنا بجريد لين
رافعات
عجيزاتهن ، هكذا ، في الهواء ".
وأخيراً في قصيدته " تحريض " يكمل محمد بدوي سيرته الذاتية ، قائلاً :
- " إنك لكي تصل إلى هنا مررت بأوحال ، وحملت على جلدك رسوماً
لقتلة ومؤسسات".
- " ولا تخاف كيوم رفع جيمي مطواته في وجهك لتمنحه بعض اللذة ، ولم يعف عنك إلا حين تقيأت فودعك ببصقة ".
هل يمكن إعتبار هذا النوع من البوح تأصيل لفكرة الحرية الإبداعية وخصوصاً أن التراث العربي مليء بسيرة الغلمان والجواري مما جاء في الشعر والنثر سواء تحت مسميات أدب المجون أو فن النكاح وإن كان أشد ثراءاً على المستوى اللغوي والفني والبلاغي. ولماذا يختار الذكور من شعراء هذه الموجة الغرق المباشر في أحضان المراحيض ، والأرداف ، والقضبان. ولماذا تتكرر العبارات المحقرة للأنوثة والأمومة على حد السواء. أضف إلى ذلك تلازم مفردات مثل البصاق ، والمراحيض ، والدخان ، والخمور ، وأنواع الحشرات في عدد كبير من هذه القصائد مع ذكرياتهم الذاتية عن أعضاءهم الجسدية. ومع هذا الميل إلى قبح العالم وإعتباره مزبلة تغيب أية فكرة وصفية أو إنفعالية للطبيعة ، أو الحب ، أو القضايا المجتمعية ، أو السياسية. ثمة تأكيد ، شبه دائم ، في حوارات هؤلاء عن رغبة في تدمير العالم من منطلق قيمي فأية إنجازات تلك التي يستبدلون فيها قضايا العالم بقضايا القضيب التنين ، والبرونز ، والخشب والأعضاء الجنسية البلاستيكية على حد قولهم. بل أن الأمر صار يتعداهم الآن لكي يصل إلى خطاب أحد أهم الشعراء العرب الرواد الشاعر سعدي يوسف في كتابه الشعري " إيروتيكا " وها هي مقاطع تصله بالجراد إن يقول :
- " كل الاستدارات ، ولا تدرين ماذا تفعلين
بالفم المضموم ؟
لو كورته ، وامتصني حتى إبتداء الماء
أو حتى إنتهاء الماء ،
هل أسأل عما تفعلين
بالفم المضموم ؟
هل أسأل عما تنهلين ".
- " هدأت شفتي
وإستكن قضيب النحاس ".
- " أنا ملك هذه
أي نسغ أول ، تدفق ، بغتة فيها
كي تطبق على عضوي
كماشة من الفضة ".
حتى سعدي يوسف صار صاحب قضيب نحاس وصار للمرأة عنده كماشة من الفضة تتعامل مع ذلك النحاس فأية معدنية شعرية صارت تعيشها أعضاء الشعراء من الذكور وأية إيروتيكية فجة تلك القائمة على الجنس الفمي ، والإستمناء ، ومعدنة أعضاء الجسد.
القاهرة
15 يونيو 1998
.
http://www.vosartistes.com/sites/de...uile_sur_toile_50_x_50_cm_8_000_dirhams_3.jpg
Housbane Said
قدر لي أن أقضي من زماني في صحبة المشتغلين بالأدب صناعة أو فناً أكثر مما قضيت بين عشيرتي وأهلي وأن أجد من الذكريات والعبر ما لم يمنحه الزمان لعلة الترحال مع أخوتي وأربابي. وفي تصدع المكان والزمان شروخاً تمشي فيك وحولك تصدك عن أمر وتوردك إلى سواه فتحدق ملء روحك علك تجد العزاء في المعنى وتتجاوز ضيق الترحال الذي يعيدك إلى " أثيكا " ، وتردم مقولة كفافيس " أنك وكما دمرت نفسك في ذلك المكان فأنت أنى ما تذهب دمار ".
وفي الشعر عزاء عن لوثة الدنيا ، قل ما تراه في شخوص الشعراء. فكم من معنى وصورة فاقت بهاءها الخيال وكان قائلها أصغر من العبارة. وكم من ضجيج وعجاج تثيره أشعار على صفحات الصحف اليوم وهي وكاتبها ذرات غبار جعل منه الإعلام شمساً منيرة. وفي الحروب التي تثار منذ نصف قرن من الزمان العربي حول الشعر والحداثة والشكل والمصطلح والإجتثاث والقطيعة يغيب بيرق المعنى ويغيب أكثر كيان الشاعر ، وكينونته.
وبعد أن إنتهى رواد النصف الأول من الحداثة من شعارات ورموز هيلانة ، والفينيق ، وطروادة ، وغيلان ، وزرقاء اليمامة وغيرهم من شعراء البروليتاريا ، والثورة ، والدم ، والبرتقال ، والزيزفون ، والزيتون ورأس الحسين ، وقبر إبن العربي، وصدى إبن الفارض ، وتهويمات المطولات القائمة على إستحلاب المفردات من بعضها البعض والحديث عن القصائد المدورة ، والمستطيلة ، والمربعة ، والبصرية، والمرئية ، وغير المرئية جاء جيل جديد.
جيل يتمنطق الحداثة ، أحياناً ، وما بعد الحداثة ، أحياناً والقطيعة مع الموروث في أغلب الوقت. بعض هذا الجيل يرى أن الحياة تبدأ في رحم أمه وتنتهي في رحمه هو شخصياً. وتمتد به القطيعة لا مع التراث فقط بل مع الإنسانية جمعاء حتى يكاد الشك يفضي إلى قطيعة حقيقية حتى مع إنسانه هو في بعض النصوص.
كانت شعارات الحريات هي الأعلى صوتاً في القرن العشرين بدءاً من تحرير العبيد ، والأوطان ، إلى حرية التعبير والمرأة ، ثم التباس الحرية السياسية تحت مسميات الديمقراطية وحقوق الإنسان بفكرة الاقتصاد الحر والعولمة. وإذا كان "باتاي" يبدأ كتابة " العقل العربي" بفكرة أن أشد الهواجس اشتعالاً في العقل العربي هو الكبت الجنسي وأن الجنس بالنسبة لهذا العقل هو " فيل وردي " فإنه عليه أن يعرف أنه ليس هناك في هذا العالم فيل وردي. ويكاد الربع الأخير من هذا القرن يكون مكرساً لتحرير المرأة على المستوى النفسي والإبداعي والقيمي وقد إنعكس ذلك في حركة النقد النسوية الغربية وعكست هذه أفكارها على بقية العالم. نتيجة لذلك زادت حركة النشر والإبداع النسائية وخرجت إلى النور نصوصاً جديدة لها سمات البحث والجرأة ومحاولة إستكشاف هذه الذات مراوحة بين عدوانية إجتماعية أحياناً تجاه القيم القديمة ، أو تأصيل لرؤى ذات أبعاد إنسانية كونية ، وقد تتقلص أحياناً إلى محاولات طفولية – معذورة – لتلمس الجسد والعاطفة كطفل يتأكد من وجود أعضائه وجدواها.
ذكورة الشعر المبتورة
غير أن جيلاً جديداً من شعراء اللحظة الراهنة قرر أن ينصرف هو الآخر لإكتشاف ذكورته ومحاولة فصلها عن مفهوم الرجولة والحب ، أحياناً. تدور الحركة اليومية لأمثال هؤلاء بين بعض المقاهي والحانات وقراءة جيله ممن يشبهه وأكثر ما يتجلى فيه ليس فقط غياب العلاقة الحالمة بالأنثى ، بل بالسياسة ، والمجتمع والثقافة البصرية ودهشة الترحال. ويستطيع كرسي خشبي مهمل في بعض المقاهي أو الحانات أن يكتب السيرة الذاتية لأمثال هؤلاء بيسر ومصداقية لا تحتاج إلا إلى ذاكرة هشة وبسيطة. يكاد ما يكتبه هؤلاء يتلخص في العلاقة المباشرة مع أعضاءهم ، المراحيض ، العادة السرية ، هزائم الجسد والعلاقة المعطوبة والمريضة مع العالم.
وسأورد الأمثلة لذلك كله في بحث عن المعنى لدى هؤلاء وأغض البصر عن الشكل الفني والجوانب البلاغية لأدعها لمناسبة أخرى تجيء.
ولننظر إلى فحوى الشاعر وهي تتجلى في معدته ، وأسنانه ، وقضيبه فها هو أحمد يماني – شاعر مصري – يقول :
- " لا شيء معي
سيجارة فاسدة وألم في المعدة ".
ثم يقول :
- " لكن سعادة ما تكون
وأنا أقذف في آذان أصدقائي ".
ثم يقول :
- " أعرف أن حبيبتي لا أحبها
لكنني أشعر بدوار
كلما تذكرت إسمها
ومؤخرتها المعوجة ".
هكذا يفتتح كتابه الشعري "شوارع الأبيض والأسود" والذي صدر في القاهرة – يناير 1995 وكان موضع احتفال رفاقه به وضمه إلى قائمة الشعراء. كتاب يحتوي على خمسة قصائد ويبدأ بـ " هواء توقف أمام البيت " حيث يحكي فيه عن ذاته غير المبجلة مفتتحاً بألم المعدة ، وبنشوة القذف في آذان الأصدقاء ، وبتذكار مؤخرة حبيبته المعوجة ثم ينتقل بعد ذلك لوصف " أردافه الملتهبة " ويقول :
- " أنزلق خطوة أخرى فوق السرير
أردافي ملتهبة ،
وأتذكر عضوك الصغير وهو يعبث بينهما ".
وإذ يفرغ من العضو والمؤخرة يحدثنا عن أحداث يومه والتي تتجلى في قوله :
- " وأننا ما زلنا نأكل ثلاث مرات
ونتبرز مرة أو مرتين ".
وفي تأملاته العميقة يستحضر :
- " وفكر جيداً ما الذي يعنيه أن تأكل كل يوم
أن تفرح بالأرداف المستديرة ".
أما في علاقته مع الأنثى فها هو يسرد علينا فنه في ذلك إذ يقول :
- " قصصت نصف شعرك
وتركتك تبكين تحت نساء عديدة
سأضعها فوقك ،
لأنني أكره تورم خيباتك ،
أكره صرخاتك وأنا أتحسس بظرك
وتبتل أصابعي في ثوان.
لأنك غبية ".
ثم يقول :
- " ما الذي يعنيه أن تحبيني مثلاً
لماذا لا تحبين أردافك وشكل عينيك
ونهديك السمينين
لماذا ؟ "
وبعد أن تأخذ ذكورة أحمد يماني مداها في القذف في الآذان ، والبراز ، والأرداف ، وتحقير الأنثى يفرغ للإستزادة في علاقته بأعضائه ونشرها في كتاب يؤكد فيه حداثته الإبداعية إذا يقول :
- " أود أن أمسك كليتي بيدي ،
وأمسك كبدي والمعدة ،
وأن أقيس أمعائي بنفسي
وأشرف على تنظيم ضربات القلب
وكمية الدم المضخوخة إلى المخيخ
وإلى عروق القضيب.
أود أن أتحرك داخل خصيتي
أود أن أنام فوق دهون مؤخرتي
وعندما أموت أود أن أدفن هنا ".
ثم يقول :
- " أرسم نفقاً في الهواء
وأضع فيه قضيبي ".
ويقول :
- " أود أن أنام هادئاً
بعد كل استمناء
أنام وحيداً ".
ويقول :
- " قضيبي هو أحب منطقة في جسدي ".
أية ذكورة معطوبة تلك التي يبشر بها أحمد يماني مزهواً بأردافه ومحاطاً بروائح النتن مفصولاً عن الأنوثة إلا بتشيئها في أسفل درك يستطيع وعيه الشقي أن يأخذه إليه. وطوال قصائده الخمس يؤكد أحمد يماني على معاني تحتاج إلى معالجة نفسية وطبية أكثر من طرحها في سوق الشعراء. ويكاد يغرق نفسه في هوسه بأحط أشكال الجنس الذي يمارسه مع خلاياه فها هو في قصيدة " أسى " يتحدث عن الأطفال وكيف "يفتحون شفاهاً غير مثيرة جنسياً " ، أما في قصيدته " أنا " فهو يريد إختيار أم جديدة - " ستكون مفكوكة من طيبتها ، وستسمح لأبي أن يضاجعها من الخلف ". أما في قصيدته يوتوبيا المقابر فهو حزين للغاية لأنه " لا أرداف هنا ، ولا دماء ، كيف سأتخيل إذن شكل المرأة ؟ وكيف يمكنني أن أحصل على استمناءات كافية ؟ " ، ثم يختم قصيدته بتساؤلات كونية وجد لها إجابات بحجم حقيقي يناسبه إذ يقول :
- " نغني جميعاً عن البعوض الذي
ينام في آذاننا ،
وعن طولنا الذي أثار المراهقات ،
وعن الإستمناءات المتكررة ،
في برميل كبير يسمونه الحياة ".
"جراد" الأحاسيس الفاسدة
وإذا أفتتح نماذج هذا التيار في الشعر العربي الجديد بأحمد يماني فذلك ليس لندرة معانيه فقد صارت لغة المراحيض والجسد المنهوش والمعطوب سائدة ومكرسة وكم من المعارك الإعلامية ومشاجرات المقاهي والحانات قد أصبحت سمة من سمات هذا التيار الجديد وخصوصاً في القاهرة. وهو تيار يضم بعض النساء أيضاً ممن يعزفن اللحن المطلوب ذاته سواء في القصة القصيرة أو الشعر وسترد المناسبة للحديث عنهن في مقال آخر. أما الذي أبحث عنه الآن فهو التجسيد الشعري لهذا التيار لمفهومه لذكورته وعلاقته بالآخر والعالم وغياب الأحاسيس الحية عن النص لا في فكرة ما وراء العلاقة الحبية بين الرجل والمرأة بل في مفاهيم الأيروتيكا ، أيضاً ، وفي العلاقة مع العالم تلك التي إختصرها أحمد يماني إلى " برميل كبير يسمونه الحياة " أي مزبلة ليست جديرة إلا بسيوف لم يأكلها الصدى مثل القضيب ، والأرداف ، والبراز ، والمرحاض في لغة أحمد يماني الشعرية وأمثاله.
ومع أحمد يماني يأتي رفل آخر من شعراء القاهرة الجدد وأنصاف القدماء فها هو الشاعر أحمد طه معاصر جيلي السبعينات والثمانينات والذي كان لتجربته مذاقاً جاداً آئنذاك يحفر بجدية لتأسيس حوائطه في مجموعته الأخيرة " إمبراطورية الحوائط " ويسيج نفسه بمن يسميهم " الجراد ". الجراد فكرة أحمد طه عن التجديد بعد غياب دام لأعوام في الولايات المتحدة وعودة بشرت أول ما بشرت به " بالجراد " مجلة ثم إصدارات شعرية.
بعد أن أصدر أحمد طه ، " لا تفارق إسمي ، عام 1980 ، " والطاولة " ، عام 1992 جاءت " إمبراطورية الحوائط " ، عام 1993. يبدأها بقصيدة " ثقب " طارحاً رؤاه الجديدة حيث يقول :
- " هكذا
ينبغي الآن أن أستريح
ينبغي الآن أن أبتني حائطاً
خلف حائط
وأن أنحني
خلف مملكتي
كإمبراطور أخير ".
ولكن ... أية إمبراطورية قائمة على العدم وعلى تشجيع واحتواء تيار يفتقد إلى الجذور والثقافة الإنسانية المعاصرة ووعي الذات والخيال ذلك الذي يتبناه أحمد طه.
قضبان بغير رؤوس ولا أبدان
كان أحمد طه في قديمه الشعري ينتمي إلى حداثة تختلط بالحس الشعبي والإنساني مؤصلاً لمدينته الشعرية في شبرا ، والزاوية الحمراء ، ووسط البلد. برز إسمه مميزاً وسط جماعة " أصوات " وحين غادر مصر إلى أمريكا دار حتى داخ حنيناً لروائح وسط البلد وكتب قصائداً مليئة بالمكان ، والحنين ، والأسماء. بل أن حسه النقدي كان واضحاً تجاه النموذج " الكاوبوي " فها هو في قصيدة "حكاية" يتحدث عن راعي البقر منتقداً حباله الغليظة حيث يقول : " ويطلق فروجاً وقضباناً بغير رؤوس ولا أبدان " ، خالطاً ذلك بالوجع السياسي الذي يحسه من هيمنة راعي البقر على بقية العالم. فلماذا حين يعود أحمد طه إلى القاهرة يؤسس للجراد ويطلق علينا شعراء بلا رؤوس ولا أبدان. وفي غيابه كان قريباً من " أنور كامل " ، " وجورج حنين " رواد الحرية والفن. وها هو أحمد طه في قصيدته " حائط الحلم " يذكر بأن :
- " وأذكر
قبل أن تبدأ معراجك اليومي
أن الجنس ليس الطريق الوحيد
إلى الثورة
وإن كان أقصرها ".
غير أن أحمد طه لا يدخر وسعاً في توزيع مفردات الجراد في بعض جديده الشعري فها هو في قصيدته " كيف سألت الآلهة عن ضريح أنور كامل " ، يقول :
- " سوف أقودهم كالعميان بين الخرائب
التي تعرفها قدماي
مشيراً إلى ما تبقى
من الفولاذ
والبلاستيك
والأعضاء الجنسية المعلبة ".
ثم يشير إلى جمجمة باريس ، وفرج لندن المغطى بالشعر الرمادي ، ومؤخرة واشنطن ، وثدي موسكو هذا التأنيث المشوه الشرس مخلوطاً بكل ما يثير كراهية أحمد طه في العالم. ومرة أخرى في قصيدته شخص (2) يقول :
- " يركب بغلة تميل إلى السمرة
لكنها تهيج كإمرأة حقيقية
حين يضغط خصرها بفخذيه".
ما الذي تأصل عميقاً كي يشيء الجسد الإنساني ذكراً كان أم أنثى ويوظف في استخدامات شائهة لا نهائية ، وعدوانية شرسة تجاه الحسية والإيروتيكية والرومانتيكية لتستخدم مفردات الجسد كمخالب غير آدمية في وصف مجازي أو واقعي لا يعبر إلا عن المزيد من السوداوية والعدمية.
شعراء المراحيض
لا يخلو إصدار واحد من أربعة إصدارات للجراد من مرادف يعبر عن مثل هذه الروح. في كتابة " ماريونيت " ، إصدارات الجراد 1998 ها هو ماهر صبري يعزف معزوفة الأعضاء المفككة فيقول :
- " يقترب الحواريون
يحملقون في جسدي العاري
بشبق
ثم يرحلون ضاحكين
في شهوة مبتورة ".
وتجيء قصيدة " الحرملك " ليتحدث عن إمرأة :
- " قد تتعثر في آهة شبقة
فتسرق نظرة من خلف الستار
لا يصدمها أن ترى ثدياً يترنح في فم عاشقة
أو ألعاباً جنسية لجارتين ".
وفي قصيدة لو كان الزمان إلها يقول :
- " بإمكانك
أن تباعد بين ساقيك
لإستنبات عضو تناسلي
تباهي به أقرانك
ينتصب تنيناً ".
أما في تنافسه مع التاريخ وهوميروس فها هو في قصيدته " رغم أنفك يا هوميروس " يشهر أسلحة جسده قائلاً :
- " كي ألحق بالجنرالات والقادة
الذين تحشو بهم قصائدك
فإنني إتخذت من ذكورتي سلاحاً
متوسماً فيها كلاشينكوف متعدد القذائف ...
أغزو به إمرأتي ".
أية روح مدججة بإستعراضها العسكري في ذكورة فجة ومنفرة تهيمن على ماهر صبري – رسول الجراد – حتى يجعل من قضيبه تنيناً مرة ومرة كلاشينكوف وفي كل الأحوال فهو أداته المبتورة الوحيدة في معرض نقاشه الإبداعي مع التاريخ ، هوميروس، المرأة ، والحواريين. وإذ يحشد قصائده بالآلهة ، والمسيح ، والرومان ، والإغريق لا يجد ميداناً لحربه مع ذلك كله إلا صوراً مبتورة تأتي فيها الأنثى كحالة عرض رخيصة. ها هو في قصيدته " الكوميديا الإلهية " يتحدث عن إله عتيق ويقول:
- " ثم يحكي في مرارة
عن العاهرة التي التقطها من الشانزليزيه
فكشفت له عن ثدييها
وعن أنيابها
تلك الميدوسا ".
ومن ماهر صبري إلى محمد متولي في كتابه الشعري " القصة التي يرددها الناس هنا في المساء " ، إصدارات الجراد 1998 تستمر الظاهرة فها هو في القصيدة الأولى في المجموعة يتحدث عن :
- " وعندما تبادل الحديث مع مدرسة الأدب الإنجليزي المسنة – جارته في القطار – التي كانت تقرأ كتاباً ضخماً عن مركزية القضيب كظاهرة تهدد وجودها جعله الرنين يصرف إنتباهه إلى ظفر إصبعها الذي يشق جوربها الأسود ذا الخروم الضيقة ".
وما زالت أزمة " القضيب " مسيطرة على شعراء الجراد فالشاعر محمد متولي بعد أن إفتتح موضوع مركزية القضيب يذهب في قصيدة أخرى " أجنة تنظر بعين الطائر " إلى أمه وأبيه فيحكي عن :
- " عادة ما ينسانا الأب هكذا ويبدأ في إفراز ذكورته على جسم الأم المريح وفي لعق حلماتها الشهية بلا خجل من كبر سنه ، فنبدأ في الصراخ ".
وبعد ذلك عودة للشذوذ الجنسي فها هو يقول :
- " يبدأ صديقي بمحادثتي بإسم أمه ، وأحياناً تتحول شهوته للإمساك بصدري إلى رغبة في الرضاعة الآمنة – تسيل وقتها من عينيه ندف من الورق – فأوفرها له مقابل حمايته لي فيما بعد عندما يطلع الصباح
ألم أقل لك ؟ تقسيم الأدوار !! ".
ولا تغيب الأرداف عن مفردات نص التيار الجديد فها هو محمد متولي يتحدث في قصيدته " إرشادات مسرحية " عن " إمرأة راقدة مثبتة عينيها نحو السقف ، وبداخل البالونة ترى نفسها وهي تضاجع رجلاً معمراً من الفيلات المجاورة مضاجعة سادو – ماسوشيه حيث يتحول شعره الأشيب وحكمته الما بعد حرب عالمية ثانية إلى سوط تبرز له الأرداف نفسها ليتحول سطحها البض إلى قضبان حمراء متراصة ".
وفي القصيدة نفسها عودة للأرداف مرة أخرى إذ يقول الشاعر :
- " وكأن اللحن الذي يعزفه يذكره بصديق الدراسة الذي دفعته وسامته وإمتلاء ردفيه أن يحاصره في حوش المدرسة بعد الإنصراف ويدس أصبعه – بكل لذة – بين تلك الأرداف ".
هذا الإنتماء المعلن للأرداف ، والقضيب ، وعرى الأم والأب ، والمراحيض ، والجسد الأنثوي المشوه بعيداً عن كل محاولة للترميز أو الإيحاء أو حتى الإستخدام البسيط لبلاغة اللغة العربية وصورها ماذا يحاول أن يقول. والأشد خطورة من ذلك كله ماذا وراء تكريسه وأية روح عدمية تلتهم ذاتها تحت مسميات الإبداع الشعري علينا أن نستقبلها ونتلقاها. إنه ليس إنسلاخاً في لغة الشعر ولكنه إنسلاخ حقيقي على مستوى آدمية الكاتب والمتلقي وخلط فاحش بين الهوس ، والإستعراض الجنسي ، والعدائية المطروحة ، والتحطيم لعلاقة المرأة والرجل الطبيعية ومفاهيم التحضر الإنساني فيما يخص احترام الجسد وقدسيته. كل ذلك يتعدى محور الذات-القضيب إلى الصورة الشائهة المقدمة للأم والأب ومفهوم العلاقة بين رجلين أو إمرأتين. يحدث ذلك في مجتمع ما زالت قضاياه وجمالياته وتراثه القديم والجديد حية. يحدث ذلك دون روح نقدية تواكب مثل هذه النصوص ودون جملة إعتراضية للتكريس الإعلامي سواء على مستوى الإصدار أو الشللية للترويج لمثل هذه الكتابات المحتشدة بالبذاءة والرخص بل والفشل الذريع على مستوى النص الشعري شكلاً ، وإيقاعاً ، ومضموناً.
روح العدائية والعدمية ، معاً
ويوالي أحمد طه نشر هذه المجموعات ليأتينا كتاب " غريزة أساسية " للشاعر شحاته العريان إصدارات الجراد 1998 ، أيضاً. " غريزة أساسية " عنوان لكتاب شعري مأخوذ من عنوان الفيلم السينمائي الأمريكي الشهير الذي ذاع فيه صيت الممثلة "شارون ستون" بسبب المشاهد الجنسية الساخنة فيه. غير أن شحاته العريان يقدم لنا نصوصاً بلا قانون فهي لغة تأتي كما يحلو له خارج التراكيب والأشكال. ليس ذلك فقط ما ينجزه شاعر الجراد فهو أيضاً يخلط النصوص بين العامية وما يشبه لغة الصحف من فصاحة عربية. وكل ذلك بالطبع تحت مسمى الإصدار الشعري للجراد.
في قصيدته " خيبة لإثنين وثلاثين " يبدأ شحاته العريان قصيدته بقوله : " معنديش حاجة أقولها لأي حد " ثم يعدد احتياجاته ليصل إلى :
- " ح أعمل جنس بأي طريقة .. الأسبوع ده ". ثم في قصيدته "صوابع" يقول :
- " من ثلاث أربع تيام
وعلاقتي بأيدي غريبة شوية
صوابعها طويلة رغم أني قصير
صاحبتي لاحظت ده
ثم يقول :
مقدرتش أقول :
" عندي حاجات أطول ".
أما " غريزة أساسية " فيقدمها لنا شحاته العريان باللغة العربية فماذا تراه يقدم. يتحدث عن تجوال الآلهة زيوس ، وإيزيس وعن القاهرة والإله الأمريكي ونيوجيرسي وعن النوم. يتحدث عن ثلاثة أزواج من الأجساد البشرية المؤنثة والمذكرة – على حد قوله. أجساد نائمة وبالنسبة إليه فالأجزاء الأنثوية ، حتى وهي تتحرك عكس مثيلتها الذكورية ، تبدو مشدودة إليها. ولأنه من العالم الثالث كما يذكر فهو يتحدث عن –" ما يولده تراكم التاريخ في مكان ما من شبق " ونزوعات أيروتيكية في النظر إلى الأشياء". ثم يعود إلى غرفة نوم قاهرية وزوج وزوجة وإيزيس إذ تساعدهما ويقول :
- " إيزيس .. وقد تضرج وجهها. كما يليق بزوجة إله ميت مشهود له بالوفاء ، وبالرغم من مطاردات " ست " التي لم تنقطع حتى إضطر في النهاية إلى إدخال منيه في جسد إبنها (حوريس) ". ها نحن نشهد عودة أخرى للأرداف حتى لو لم يذكرها الكاتب مباشرة كما قد عودنا شعراء الجراد في مفرداتهم البلاغية.
ويمضي الشاعر للتحدث حول أخلاق المضاجعة في مصر ، وبين الآلهة وأماكن أخرى تتداعى في رأسه مؤكداً بقوله :
- " حيث لن تسعفنا اللغة الفصحى – سوى بكلمة مضاجعة ويمكنني التأكيد-على الأقل- أنني لم أسمع هذه الكلمة أو ما يشابهها صوتياً أثناء ما حدث ".
ثم يمضي الشاعر في هذيانه بين الأمم السوفيت والأمريكيين والمصريين ومشاكل البنات مؤكداً أن البنات :
- " ويفرحن مثلنا عندما يعرف صلاح جاهين المرأة بأنها : (رجل منحرف جداً)."
ثم في هذيانه بين الحانات والمقاهي يتحدث عن البنت الشاعرة صاحبته والتي حين:
- " تصرفت وكأنني عاشق لها
نهرتني كأنثى
ولأن إيزيس لا تهتم كثيراً لهاته المثقفات
ولا تفهمهن أيضاً
فلم تساعد أياً منا
ومضت إلى إنشغالاتها
ومضيت إلى الساعة الأخيرة ، قبيل الفجر
لأسعد إمرأة فعلية ،
عبر ثلاث ساعات من التصبب عرقاً
دون أن أذكر كيف نمت
وأكتب هذا الكلام
الذي قد لا يهم أحداً ".
الإنحراف الذوقي المشوه
هذا الكلام – بالفعل – الذي لا يهم أحداً أصبح شعاراً لتجديد اللغة والنص الشعري له حراسه وحوارييه والمبشرين به. وهو كلام فوق النقد إذ أن النقد يوازي مسدساً يسحبه أحد ما في وجه الناقد ويطلق رصاصات الإتهام بالرجعية ، والمحافظة ، والكلاسيكية ، واليسارية ، والرومانتيكية كل ذلك مخلوطاً في قنبلة واحدة وفي أحسن الأحوال قد يجيء الدفاع عن مثل هذه النصوص بأن المتلقي متأخر خطوة ما في الفهم ولديه عيوب في التلقي وخلط أخلاقي واضح عليه أن يتخلص منه كي يعي الإنجاز المتفوق لمثل هذه النصوص في الحركة الشعرية الحديثة.
إن هذا الإنحراف الذوقي المشوه الذي فقد الجمالية كما فقد قضاياه الإنسانية مكرساً أحوالاً عدائية ورخص عبثي في التعامل مع الجسد مع التأكيد والتأصيل للشذوذ الجنسي والتحقير المتكرر للأنوثة مبرقعاً ذلك بمسميات الإبداع الشعري خارج أي إطار فني أو أدبي سواءاً من الموروث العربي القديم والحديث أو حتى العالمي لهو ظاهرة تستحق التحليل والتوقف عندها بعد أن إنتهت المعارك الكبرى مع الحياة ولم يتبق لأصوات جديدة غير قضايا القضيب ، والأرداف. بل أن الأمر تعدى الأصوات الجديدة إلى أصوات أخرى مخضرمة. فها هو أخر إصدارات جراد أحمد طه " تلويحة النسيان التي تعبر دون هدف " ، والذي صدر في منتصف عام 1998 للناقد والشاعر الدكتور محمد بدوي يؤصل هو بدوره للتيار ذاته وللعلم فإنه محمد بدوي ليس فقط أستاذاً للأدب العربي ولكنه أحد شعراء الثمانينات وأحد النقاد المميزين في حركة النقد المصرية. لذلك يأتي كتابه هذا مثيراً للدهشة السلبية ومعبراً عن هشاشة أدبية وفكرية مفاجئة. فها هو متأثراً بالجراد يفتتح قصيدته الأولى " غيمة أخرى في البنطلون " بمقاطع إعتادت عليها عين القارئ لهذا المقال في هذه الرحلة العبثية ، فهو يقول :
- " يزداد فمك إنطباقاً حين تخوض في سيرة صديق
بعد ذهابه ، أو نطلب من آخر تقريراً
عن المزايا الجنسية لصاحبته ".
أما في قصيدة سهرة الرجل المختمر فهو يواصل ما بدأه بقوله :
- " ها هي الحيوانات تنزلق من فوق ساقيك
إلى الأرض المبلطة للمقهى ،
وتبدأ تجوالها ".
وفي الهواء الحيادي يقول :
- " صحيح أن المشاعر تأخذ لون السماوات
التي تظلنا ، لكنك اعتدت السماوات الخنثى ".
وفي " إدراك " يقول :
- " ديانا مثلاً التي كم إضطرتك بعد فراغكما من الحب إلى التدخين في الشرفة ، لم تعد تذكر منها سوى صراخها البدائي لحظة أورجازمها ، ومثابرتها في خلق علاقة لك بالقطط ".
وفي " حدث مرة .. هكذا " لابد من ذكر الأرداف لتكتمل الصورة فهو يقول :
- " اليدان الآن تصعدان من الردف للعمود الفقري ".
وكذلك لابد له كأحد شعراء الجراد أن يتذكر المراحيض فيقول :
- " أحببت جارتك ولم تتصور أنها نحلة
تتبرز عسلاً أو مربى".
وحين يأتي الحديث عن النساء فلابد من مناسبة لإبداء مشاعر التحقير فها هو يقول :
- " إنه الفضاء المؤمم باللاهوت
بزكاة الأرداف الممتلئة
لنسوة يشبهن الأبقار ".
وفي سيرة الأرداف لابد من خلطها مع المدن فها هو يقول :
- " قديمة هي القاهرة. لا هدب ولا ردفين".
أما عن ذكرياته مع الكاتب الراحل يحي الطاهر عبد الله فلنستعرض التعبير الإبداعي عن تلك الذكريات فها هو محمد بدوي يقول :
- " ولابد أنه كان يحبني ، فوردته تنفتح بعد لمسة ، لكن يحيى أفرط في مدح رموز الأحشاء فيما كنت أفضل هاجرة الشمس ".
- " أخاللك
لكن مطاياك لركوبي لا تصلح
وحده الدم يكفينا ".
ثم في قصيدته " أسرارنا إنكشفت " يواصل بدوي إبداعه الجرادي قائلاً :
- " ننصب الشراك للبنات العائدات
من نواديهن الرياضية
فيما رائحة المني في أصواتنا ".
وبعد المني لابد من سيرة الأرداف وعجائز الأمهات فهو يقول :
- سنذهب إلى أمهاتنا إذن
بلا أوسمة
فيسطن أردافنا بجريد لين
رافعات
عجيزاتهن ، هكذا ، في الهواء ".
وأخيراً في قصيدته " تحريض " يكمل محمد بدوي سيرته الذاتية ، قائلاً :
- " إنك لكي تصل إلى هنا مررت بأوحال ، وحملت على جلدك رسوماً
لقتلة ومؤسسات".
- " ولا تخاف كيوم رفع جيمي مطواته في وجهك لتمنحه بعض اللذة ، ولم يعف عنك إلا حين تقيأت فودعك ببصقة ".
هل يمكن إعتبار هذا النوع من البوح تأصيل لفكرة الحرية الإبداعية وخصوصاً أن التراث العربي مليء بسيرة الغلمان والجواري مما جاء في الشعر والنثر سواء تحت مسميات أدب المجون أو فن النكاح وإن كان أشد ثراءاً على المستوى اللغوي والفني والبلاغي. ولماذا يختار الذكور من شعراء هذه الموجة الغرق المباشر في أحضان المراحيض ، والأرداف ، والقضبان. ولماذا تتكرر العبارات المحقرة للأنوثة والأمومة على حد السواء. أضف إلى ذلك تلازم مفردات مثل البصاق ، والمراحيض ، والدخان ، والخمور ، وأنواع الحشرات في عدد كبير من هذه القصائد مع ذكرياتهم الذاتية عن أعضاءهم الجسدية. ومع هذا الميل إلى قبح العالم وإعتباره مزبلة تغيب أية فكرة وصفية أو إنفعالية للطبيعة ، أو الحب ، أو القضايا المجتمعية ، أو السياسية. ثمة تأكيد ، شبه دائم ، في حوارات هؤلاء عن رغبة في تدمير العالم من منطلق قيمي فأية إنجازات تلك التي يستبدلون فيها قضايا العالم بقضايا القضيب التنين ، والبرونز ، والخشب والأعضاء الجنسية البلاستيكية على حد قولهم. بل أن الأمر صار يتعداهم الآن لكي يصل إلى خطاب أحد أهم الشعراء العرب الرواد الشاعر سعدي يوسف في كتابه الشعري " إيروتيكا " وها هي مقاطع تصله بالجراد إن يقول :
- " كل الاستدارات ، ولا تدرين ماذا تفعلين
بالفم المضموم ؟
لو كورته ، وامتصني حتى إبتداء الماء
أو حتى إنتهاء الماء ،
هل أسأل عما تفعلين
بالفم المضموم ؟
هل أسأل عما تنهلين ".
- " هدأت شفتي
وإستكن قضيب النحاس ".
- " أنا ملك هذه
أي نسغ أول ، تدفق ، بغتة فيها
كي تطبق على عضوي
كماشة من الفضة ".
حتى سعدي يوسف صار صاحب قضيب نحاس وصار للمرأة عنده كماشة من الفضة تتعامل مع ذلك النحاس فأية معدنية شعرية صارت تعيشها أعضاء الشعراء من الذكور وأية إيروتيكية فجة تلك القائمة على الجنس الفمي ، والإستمناء ، ومعدنة أعضاء الجسد.
القاهرة
15 يونيو 1998
.
http://www.vosartistes.com/sites/de...uile_sur_toile_50_x_50_cm_8_000_dirhams_3.jpg
Housbane Said