طريف سردست - دور الجنس في نشوء الاخلاق والدين

العثور على لقية لها من العمر 7200 سنة اطلق العنان لنقاشات حادة عن نشوء المواقف الاخلاقية من الجنس في العصر الحجري واسبابها. اللقية من الفخار الحجري لم يبقى منها إلا بضعة سنتيمات، عثر عليها فيمدينة ليبتزيغ الالمانية، ومع ذلك لايشك احد بأنها تمثل رجل مثار جنسياً وفي حالة ممارسة جنسية. ويصف عالما الاثار Harald Stauble اللقية بأن " خلفية الرجل فيها مصورة بشكل جيد، ويملك عضو ذكري قصير ولكنه غليظ" . اللقية التي اطلق عليها اسم Adonis from Zschernitz اصبحت مشهورة عالمياً بأعتبارها اقدم لقية طينية تمثل رجل في وضعية ممارسة جنسية. عند استمرار الحفر في المنطقة نفسها، عثر العلماء على المزيد من اللقى، احدهما تمثل ساقين الى بداية الحوض، بدون العضلات المميزة للرجل.
الدراسات اظهرت ان وضعية الساقان بإنحنائهما المميز ينسجمان تماما مع وضعية ادونيس الجنسية وبالتالي تعود الى امرأة في وضعية جنسية منحنية الى الامام تتناسب تماما مع وضعية ادونيس التي ايضا في وضعية تميل قليلا الى الامام. وإضافة الى ذلك نجد ان القطعتين مصنوعتان بأحجام متناسبة مع بعضهما البعض.
اهمية الاكتشاف من كون ان اقدم لقية لدينا تعبر عن العملية الجنسية تعود الى العصر الاغريقي اي الى ماقبل 4000 عام والى انها من ناحية ثانية تطرح تعبيراً ايروتيكياً واضحا لايقبل الشك.
العثور على هذه اللقية اشعلت نقاشات قديمة عن الحياة الجنسية للاجداد الاوائل. وجهتان نظر كانت تتصارعان في هذا المضمار. علماء الاجتماع البيلوجي يدعون ان اجدادنا لم يكن يملكون اطر أخلاقية وتقاليد وعرف واحكام مسبقة. حسب وجهة النظر هذه كان السلوك الجنسي لانسان العصر الحجري لايخضع إلا لقوى الهرمونات، او كما عبر عنها العالم الامريكي Helen Fisher: " المرأة في العصر الحجري كانت تتجامع بدون انقطاع مع مختلف الذكور"
وجهة النظر الاخرى تصر على وجود احكام ومعايير مسبقة في مجتمع الاجداد الاوائل القائم منها على سلطة هرمية يقف على رأسها الذكور ولها طقوس تطالب بالعفة والعذارة والتحمل. عالم الاثار الالماني Svend Hansen من معهد الاثار الالماني في برلين يدعي انه ومنذ 40000 عام كانت توجد قواعد وطقوس قاسية لتنظيم العلاقة الجنسية. يقول" ارتفاع نسبة الولادات في ظروف الحياة القاسية لذلك العصر، سيكون بكل بساطة معيق للانتاج والقدرة على الاستمرار" وهو يعني ان المجموعات الصغيرة التي كان يتألف المجتمع منها في ذلك الوقت، كانت تتنقل بإستمرار من منطقة الى اخرى تماما كالبدو بحثا عن الكلأ والطعام في منطقة جغرافية مليئة بالحيوانات المتوحشة. كل طفل سيكون بحد ذاته معوق وحجر عثرة على ظهر المجموعة في نضالها من اجل البقاء. النساء سيكونون مجبرين على حمل الاطفال مما سيعيق حركة المجموعة وسرعتها. من اجل ذلك يرى هانسين انه من المنطقي ان يكون البدو قد فرضوا قواعد اخلاقية تتحكم بولادة الاطفال وتبقيها ضمن حدود من الانسجام بين حاجات النمو وحاجات الانتقال، وعلى الاغلب قاموا بذلك من خلال الاحكام التي تتطورت الى قواعد ثابتة، عادات وتقاليد من اجل كبح نتائج النشاط الجنسي الغير مرغوب، وعلى الاغلب مع استخدام وسائل اخرى مثل التخلص من المواليد الجدد او اسقاط الجنين، مما يمكن ان يوضح اسباب بقاء عدد السكان ثابت عبر فترات تاريخية طويلة.
اقدم القواعد الاخلاقية التي وصلتنا هي مايشار إليها اصطلاحاً بالطوطمية (totamizm) والتي آثارت في حينها إهتمام سيغموند فرويد بالرغم من ان النظرية تعود الى الانكليزي روبرتسون سميث . الطقوس هي احكام راسخة متوارثة عن الاجداد والتي نتجت كخبرة الاجداد في فترة تاريخية معينة في خضم عملية الصراع من اجل البقاء، جرى توريثها الى الابناء كما تورث الخبرات الطيبة. في عصور متأخرة ظهرت رموز كانت تأخذ شكل الحيوان او الكواكب لتعبر على التوحد بين الجماعة الواحدة وتساهم في شد عرى الارتباط والتمييز سميت الطمطم واليها اصبحت تربط الطقوس، لتأخذ صفة مقدسة. حسب إدعاء فرويد تعتبر الطقوس الطوطمية هي المصدر المؤسس للنظام الاجتماعي وبالتالي الاخلاق. الممارسة الجنسية المفتوحة كانت الثمن الذي دفعه الانسان من اجل الوصول الى قواعد تحسن حظوظه في البقاء . المبدأ الذي استخدم من اجل المحافظة على هذه القواعد هو " خلق" سلاح يستخدمه رأس القبيلة لتجذير سلطته وتشريعها ومراقبة الطقوس والمحافظة عليها من خلال "رمز" بشكل حيوان او او كوكب لكل قبيلة وفوقها. القاعدة كانت تتضمن ان العلاقات الجنسية بين افراد القبيلة محرمة إلا من خلال طقوس معينة وصارمة ومراقبة اجتماعيا.
وبالرغم من اصرار اتباع الطوطمية على ان اجدادنا من العصر الحجري كانوا يفرضون قواعد صارمة لممارسة الجنس إلا انهم لاينفون ان هؤلاء الاجداد كانوا مهتمين للغاية بفنون الايروتيك، بالرغم المحاولات لإبعاد النظر عن هذا الاهتمام والتخفيف من اثره، ولذلك نرى ان فنون الايروتيك كان يعبر عنها بطرق غير مباشرة. من الامثلة على ذلك الطقوس الفينوسية التي نشأت قبل 35 الف سنة. فنانين ذاك العصر قاموا بصنع عددا كبيرا من التماثيل الصغيرة تمثل جسم المرأة بمختلف الاوضاع كرمز للخصب. لقد تم العثور على مالايقل عن 200 منهم في مختلف مناطق حوض المتوسط.
علماء الاثار يصفون هذه التماثيل بأنها ترمز للخصب لكونها في اغلب الحالات تعكس امرأة حامل. احداهم والتي تسمى Venus from Monpazier تعكس ليس فقط امرأة حامل ولكن بفرج مفتوح ايضا، الامر الذي يشير الى الولادة ايضاً.
العديد من العلماء يتسائلون عن اسباب التعظيم المتميز لطرف واحد من عملية الخصب والانجاب في ذلك الوقت ، إذ لايوجد مايشير الى انهم كانوا يعتبرون الرجل مشاركاً في عملية الخصب ودوره لم يكن يشار اليه، مما يدعو الى الريبة والشك. العلماء يرون طريقين لتوضيح هذا الالتباس. إذا اتبعنا الطريق الذي يطرحه هانسين يكون من المنطقي ان الاحكام المسبقة التي وضعت للسيطرة على العلاقة الجنسية المفتوحة وضعت ايضا لمنع الفنانين من تصوير ممارسة جنسية بين الجنسين او التلميح عنها. التوضيح الثاني الممكن الذي يطرحه بقية الباحثين يتلخص في ان الانسان في ذلك الوقت لربما لم يكن قد توصل الى ربط واضح بين الجماع والولادة وبالتالي لم يكن لديه سبب لتعظيم وتمجيد الرجل لدوره في عملية الخلق والتجديد، غير ان مايثير الاستغراب ان هذا الموقف من دور الرجل استمر حتى مرحلة متأخرة من تتطور الطوطمية ودخولها في مرحلة الاديان الاخيرة.
في المراحل المتأخرة من العصر الحجري نجد بدء الإشارة الى العملية الجنسية في الفن. مثلا التمثال المسمى Venus from Willendorf والذي صنع قبل حوالي 20-25 الف سنة كانت ليست فقط رمزا للخصب وانما للجنس ايضاً. وبالرغم من ان الرمز الجديد ممتلئ بالايروتيك فأن ذلك لايكفي للاعتقاد بأن الفنان كان واعياً للرابط مابين الخصب ، الولادة والجماع من الناحية البيلوجية.
قبل 12 الف سنة لم يعد هناك شك في ان الاجداد قد تخلوا عن شكوكهم السابقة، واصبحوا يعرفون العلاقة البيلوجية مابين الجماع والاولادة. في هذا الوقت تخلى البدو عن اسلوب حياتهم وبدؤا بالتحضر، وبدأت تظهر عندهم بوادر تشير الى انكشاف اسرار الولادة والسيطرة عليها، هذه المعلومات التي استخدموها بوضوح من اجل تحسين الحيوانات المدجنة.
مع هذه المعرفة الجديدة وطريقة الحياة الحضرية التي قدمت آمناً وطعاماً اكثر لم يعد الانسان يحتاج الى تحديد النسل كما كان الامر في عصر البداوة، وبالتالي فأن التقاليد والعادات والطقوس القديمة اختلت. الان لم يعد هناك احكاماً ذات ضرورة حيوية تمنع المتعة الايروتيكية وبالتالي اصبح من الممكن تمثيل ليس فقط جسم المرأة ولكن حتى العملية الجنسية، ليصبح رمز الخصب رمزاً دينياً منفصلا عن العادات الجديدة. مما يوضح ظهور تمثال العملية الجنسية المتأخر.
غير ان Harald Stauble يوضح ان من الممكن ان يكون للتمثال وظيفة طقوسية من خلال وضعه في مكان مقدس مخصص للممارسات الطقسية من اجل جلب الخصب. عند بعض الحضارات الافريقية الحالية نعرف بوجود عادات تقضي بممارسة الجنس مباشرة في الحقل " كصلاة" من اجل ان تسود الرغبة عند الجميع بما فيها بذور الحقل للبدء بالنمو والتكاثر. لربما هذه التماثيل كان للها الوظيفة نفسها عند الشعوب القديمة



مصادر:
مجموعة من صور التماثيل
وصف تماثيل العصر الحجري
venis von willendorf
the women of willendorf
وطبيعتها طقوس الزار
الموسوعة الفلسفية العربية، م1، 1986، ص:444


.


صورة مفقودة

الفنان أحمد شاويش
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...