جان دوست - الجنس في مم وزين.. مدخل إلى الايروتيكا الكردية

يشكل الجنس ضلعاً هاماً في ثالوث المحرمات المعروف ( الجنس, السياسة, الدين), و هو بالرغم من محاولة المجتمع تغليفه والحديث عنه همساً, إلا أنه العنصر الأبرز في رسم سلوكيات المرء منذ الولادة و حتى الممات و يمكننا إطلاق صفة الحيوان الايروتيكي على الإنسان لأنه عقلن الجنس و جعله فناً قائماً بحد ذاته ليست الغاية منه الرغبة في استمرار النسل البشري فقط كما هو الحال لدى الحيوانات الأخرى.

يزخر الفولكلور الكردي بصور و إيماءات جنسية عديدة تركز على الجانب الحسي الشهواني في العشق. و يمكن تحديد المنطقة المشتهاة في جسد الحبيبة في الصدر بما يحويه من نهدين بتفاصيلهما الشبقية كالاستدارة و الصلابة و البياض الناصع و الرائحة الطيبة و بروز الحلمة إلى آخر هذه التفاصيل التي يركز عليها الفولكلور كثيراً, ثم العنق و الوجه بما في ذلك الفم و الشفتان و الخدان. و لا يتعدى الفولكلور ( الذي يعبر في نسبة كبيرة منه عن رغبات الأنثى أيضاً و التي هي بحسب الفولكلور مستعدة لتقديم نهديها كوجبة إفطار للحبيب أو بدلاً عن أتعاب طبيب داوى جراح حبيبها)هذه المناطق الحسية إلى غيرها من أماكن أخرى كالأرداف و الأفخاذ و ما بينهما نظراً لثقل الموضوع و خطورته في مجتمع كالمجتمع الشرقي عامة و الكردي بشكل خاص.

و يمكن للمستزيد الاستماع إلى الأغاني الفولكلورية التي يغنيها فطاحل مغني الملاحم و الأغاني الشعبية مثل حسن زيرك و عارف جزراوي و غيرهما حتى يطلع على فنون البلاغة التي تشبه النهود بالتفاح حيناً و بفناجين القهوة حيناً آخر و بالمرمر المصقول و آيات القرآن إلى آخر هذه الاوصاف الجميلة.

إن الجنس كموضوع قائم بذاته, غريب عن الأدب الكردي المدون حسب معرفتي و نظراً للعديد من القصائد الكلاسيكية التي تيسر لي الاطلاع عليها سواء في ذلك ما كتب باللهجة الكرمانجية الجنوبية أو الشمالية. و ليس الجنس وحده لم يصبح موضوعاً مستقلا يخوض فيه الشعراء و الكتاب الكرد الأقدمون, بل نستطيع تعميم ذلك على فنون الأدب الأخرى كالرثاء و المديح و وصف الطبيعة و الهجاء و الشعر الهزلي إلا في القليل النادر الذي لا يشكل ظاهرة تستحق التوقف عندها إلا عند شيخ رضا طالباني في هجوياته المقذعة و علي فنكي في هزلياته القليلة. و على العموم فقد التزم الشاعر و الأديب الكردي بالاخلاق العامة و لم يأت في شعره على أي إشارات جنسية (تخل) بالذوق العام. و هذا شيخ شعراء الغزل ملاي جزري لا يحوم إلا حول وجه الحبيبة بما فيه من عيون و خدود و شفاه لعلية حمراء شهية حتى أنه لا يتجاوز ذلك إلى منطقة الصدر و النهدين اللذين أبدع في وصفهما شعراء الغزل العرب و الفرس على حد سواء.

و يجدر بالذكر هنا أن الشاعر العربي كان جريئاً أكثر من الشاعر الكردي فقد قال أحد شعراء الجاهلية مثلاً في وصف العملية الجنسية:
و لها هَنٌ رابٍ مجسته = وعر المسالك حشوه وقدُ
فإذا طعنتَ طعنتَ في لَبَدٍ = و إذا نزعت يكاد ينسد

و لا يخفى ما للشاعر أبي نواس من قصائد وقفها كلها على الجنس المثلي ( اللواط أو ما يسمى بالشذوذ الجنسي) و مدحه حتى أنه كان يصف الفتاة الجميلة بأنها تشبه الغلام و ليس العكس فقال:
غلام وإلا فالغلام شبيهها = وريحان دنيا لذة للمعانق

و يبدو أن حجاب الحياء الذي التحف به أدبنا الكردي قد تم تمزيقه جزئياً على يد الشعراء الشعبيين فكسروا التقليد المتبع في الأدب المدون و زخرت قصائدهم كما سردنا في البداية بصور و إيماءات جنسية عديدة إلا أنها لم ترق مع ذلك إلى المستوى الذي وجدناه في الأدب العربي الذي صنفت فيه كتب مختصة بذكر الجنس كموضوعة قائمة بذاتها.

الخاني رائداً للأدب الجنسي الكردي

قد لا يروق هذا العنوان للكثيرين من الذين لهم مواقف متشنجة حول الجنس و الكتابة عنه في النصوص الأدبية بحجة إثارة الغرائز و تهييج النشء جنسياً جراء تلك الكتابات. كما أن الصورة التقليدية للشاعر القومي الكبير و رائد الفكر القومي الكردي الشيخ أحمد خاني قد تهتز لدى الكثيرين ممن يعتبرون الخاني شيخاً من شيوخ الدين و متصوفاً و علماً بارزاً من أعلام الحب الأفلاطوني و داعية من دعاة العشق الإلهي السامي كما يشي بذلك كتابه الرائع الجامع مم و زين.

إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو القفز فوقها هي أن الشيخ أحمد الخاني قدم في الكتاب الموما إليه نموذجا جميلاً جداً للأدب الجنسي و لعله الأول في تاريخ الأدب الكردي.
و سنلجأ في هذا البحث الصغير إلى نموذجين من كتاب مم و زين يدلان دلالة صارخة على أن الشاعر إنما تحدث عن الجنس بوصفه فناً يثير الخيال الإنساني لا عملية غريزية بهيمية يسعى المرء من ورائها لحفظ النوع و إشباع الرغبات.

النموذج الأول:
الجنس خارج الإطار الشرعي

بقي الإثنان فترة أخرسين لاينطقان بحرف من الكلام.
كانا يشيران بأيديهما أولاً، وأخيراً حينما فتحت عليهما العبارة.
تكلما سوية واحترقا معاً.
سكب كل منهما السكر للآخر وارتشف كل من شفتي الآخر.
تساقيا الكؤوس معاً، وأديا ما عليهما من قضاء (الفروض).
العين والشفاه والصدر والجيد والأكتاف والوجه والذقن والعنق.
كانت بعضها نهباً للقبل وبعضها للعض.
ذانك الظامئة شفتاهما المتعطشان إلى الوصال، كانا يشمان صدر بعضهما بعضاً.
وزين التي تشبه بوجهها الشموع، كانت كثيرة الضياء والنور واللمعان.
ومم الذي كان في ظاهره كالفراشة، كان يقدم جسمه وروحه إلى النار.
وأحياناً كانت نيران الحب تزداد ضراماً، فلم تكن زين لتبالي بالنيران.
بقي الإثنان في تلك الحالة باديين للعيان، دون حجاب يسترهما.
(حتى) رأيا في البستان قصراً مثل كأس جمشيد الكاشفة للعالم.
نهض العاشقان وسعيا صوب الإيوان ثم جلس ذانك اللطيفان.
يتشاكيان الهجر والفراق، ويرويان من جديد عشقهما.
كانا أحياناً كالغيوم حزينين يبكيان، وأحياناً أخرى كالبراعم لطيفتين يضحكان.
كانا يؤديان السنن ويقضيان ما فاتهما، وإذا كانت الفرائض قُبَلاً فلا مِنَّةَ في قضائهما( يعني من الضروري بل و الفرض الواجب تأدية ما فات على العاشقين من وصل و قبلات و ما إلى ذلك).
ومع أن التكلف قد رفع بينما، فقد كبحا جماح تصرفاتهما.
إنهما وإن كانا يأملان (الزواج)، فما كانا لينحدرا كثيراً (ليتجاوزوا الحدود).
لقد تجاوز حب قلبيهما كل حد، وكان النطاق حداً للمداعبة (أي أن العاشقين اكتفيا بالتقبيل والضم والعناق ولم يتجاوزا ذلك).
إن العشق الذي يبلغ حد الكمال، والماء الصادر عن المنبع الزلال.
سيحرس نفسه قطعاً، ولن يقبل النجاسة .
الابيات 1555 حتى 1576 ( الدر الثمين في شرح مم و زين ـ تأليف جان دوست منشورات دار سبيريز دهوك كردستان 2006)

في هذا المقطع نحن أمام حالة عشق تدل أولاً على مدى التسامح الذي يتصف به الشيخ الشاعر أحمد الخاني. فالعاشقان مم و زين لا تربطهما ببعض أي روابط شرعية سوى رابطة الحب, فلا هما خطيبان و لا هما زوجان, إلا أن الخاني يسمح لهما بممارسات جنسية من قبلات و عض و همس و لمس و شم و ضم في أحد بساتين قصر الأمير شقيق الأميرة زين ثم في مرحلة أخرى في إحدى ردهات القصر الأميري. و نرى أنه يتسامح في الأمر إلى حدود معينة سماها حدود المداعبة, و قد حدد لها منطقة النطاق خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. و هذا يعني أن الخاني ما كان ليسمح لعاشقين بممارسة الجنس حتى النهاية بالرغم من مشروع الزواج الذي يأملان في تحقيقه. فهو يتسامح فقط في النصف العلوي من الجسد في حالة الحب و لا يقبل بالنزول, كما يعبر هو , أسفل من ذلك و هذا لحماية الحب من النجاسات بتعبيره طبعاً.

إن المرء ليتساءل هنا عن مدى جدية خاني في إباحة هذه الممارسات الايروتيكية بين العشاق, و هل كتب ما كتبه بدافع أدبي محض أم أن هذه هي عقيدته في الحب الذي لا بد حسب ما كتبه الشاعر أن يتخلله بعض من الاتصال الجسدي و المتعة؟.

أعتقد أن خاني الذي تسامح في كثير من الامور و كان من الجرأة إلى حد أنه قام بتبرئة إبليس من جرم عدم السجود لآدم, يعتقد بما كتبه في هذا المجال أيضاً فلا غضاضة في الأمر ما دام الحب و رضا الطرفين هو الأساس في أي عملية جنسية. و لا يشبه هذا الحب الذي يدعو إليه شاعر الكرد الأكبر ما عرف بالحب العذري و شاع لدى العرب أولاً ثم تغنى به شعراء العرب و العجم و كتبوا ملاحم عن عشاق لا ينالون من الحب سوى الحرقة و الفراق و الهجر و الموت في النهاية دون أن يظفر حبيب من حبيبته بقبلة أو عناق.
يقول أحد الشعراء العرب واصفاً قناعته من المحبوب حتى بالشتيمة:
و إني ليرضيني الممر ببابها = و أقتع منها بالشتيمة و الزجر
و يقول آخر:
فبتنا بليل طيب نستلذه = جميعاً و لم أقلب لها كف لامس
و يقول ثالث:
لا و الذي تسجد الجباه له = ما لي بما تحت ذيلها خبر
و لا بفيها و لا هممت بها = ما كان إلا الحديث و النظر

و في قصة شيرين و خسرو للشاعر الإيراني الكبير نظامي صاحب الكنوز الخمسة, نجد أن برويز الذي عشق شيرين يسعى وراء قبلة منها دون جدوى و يسرد لنا الشاعر عبر مئات الأبيات سعي خسرو برويز العبثي و راء تلك القبلة التي تمتنع شيرين عن منحها إياه مما يثير سخطه و غضبه و القصة طويلة.

إن خاني الذي وجدناه في البداية متسامحاً يطرب لوصال العاشقين يؤكد في نهاية القصة أن الحب عندما يتحول إلى حب إلهي يجب أن يبتعد عن الحسية و الشهوانية فيرفض العاشق مم فكرة الزواج من زين و يعتبر ذلك بمثابة خطيئة الزنا :
حاشا أن نكون زناة كالبهائم في هذه الدار الفانية البيت( 2236 المصدر السابق) و في هذه النقطة بالذات أراد خاني أن يحول حب مم و زين إلى حب صوفي مجرد من الشهوات و الحسيات اللذيذة و قد أطلنا في الحديث عن ذلك في كتابنا الدر الثمين في شرح مم و زين فليراجع هناك.

النموذج الثاني:
الجنس ضمن الإطار الشرعي

حينما خرج العريس (تاجدين) من الباب للقاء تلك الشمعة المشتعلة خلف الحجب والأستار.
قامت الشمعة (ستي) وتمخترت بدلال، وسحبت ذيل ردائها على الأرض بخيلاء.
كانت خصلات شعرها المبعثر تصل إلى قدميها، وقد رتبت شعر مفرقها بيديها.
كان وجهها المضيء كمصابيح بيت الأقصى تمد مصباح الفلك( الشمس) بالأنوار.
تاجدين ذلك الثمل بخمرة آلام الفراق، والمشتاق إلى خمرة وصال المحبوبة.
وجرياً على عادة الإباحة (كونهما أصبحا زوجين بطريق الشرع) مدَّ يده أولاً إلى الإبريق.
وارتشف من ذلك الإبريق كأساً من الخمر لذيذة مترعة حتى الشفة.
مرة كان يميل على النرجس والزنبق ومرة على الورود الحمراء، ومرة على الريحان والبنفسج ومرة على السنبل .
كان يمزجها جميعاً ويعانقها، يلثم بعضها ويعض بعضها الآخر.
كان أحدهما يلثم الآخر و لا يترك مجالاً لصاحبه في اللثم و التقبيل.
تبدلت الجواهر و الألماس و الجمان وتحولت إلى أحجار اللعل والمرجان (الشاعر يقصد أن العاشقين احْمَرَّا من كثرة التقبيل و كأن الألماس الأبيض تحول إلى مرجان أحمر!!).
فاض بحر الهوى، فكانت اليد على النحر، والشفة على الشفة والحبيبان في عناق.
سكرا بتلك الخمرة، وسقطا دون وعي ودون قدرة على القيام.
لم يستطيعا الجلوس، فتدحرجا معاً يسجدان.
وحينما قاما عن السجود وابتهجا سوية، مدة من الزمن.
تخاطفا السكر من شفاه بعضهما بعضاَ، واستجمعا الورد من الخدود.
ركبَّا لنفسيهما شراب (گل قند) وحينها تزوج العاشقان.
بقي ذانك الظامئة شفاههما ثلاثة أيام بلياليها يتساقيان كؤوس المدام .
وحينما لم يرتويا من ارتشاف الخمرة الصافية .
وأثر الشراب عليهما أيما تأثير، ووصلا إلى أقصى درجات الاضطراب .
رغبت صاحبة الجسد الشفاف والوجه الجميل، أن تزف .
تعانق ذانك الثملان، واحتضن كل منهما الآخر كالمكحلة والميل.
كانا يجتمعان حيناً، وينفصلان حيناً آخر،مرة كانا يهتزان ومرة أخرى كانا يرتعشان.
كانا حيناً منفصلين، وحيناً جسداً واحداً، حيناً متلاصقين وحيناً متباعدين.
سهم العاج الذي كان مصوباً نحو الهدف استهدف صفوة الصدفة.
حينما أصبحت الدريئة مسقطاً للنصال، استبدل العاشقان حبات الجوهر بالمرجان .
انطلق السهم وبقي النصل في الهدف، وعندها منح ذريته إياها( منح تاجدين ذريته للأميرة ستي).
سواء أكان ليلاً أم نهاراً فقد كان الإثنان يتناولان ثمار المحبة من بعضهما بعضاً.
كان الثملان العنيدان يتراشقان بالنبال بشكل دائم.
سواء في الليالي الحالكة أو في النهار، فقد كان ذانك الملاكان سعيدين معاً .
كانا وكأنهما كيميائيان يشتغلان في عقد الجواهر .
كانا منضمين كالروح والجسد، وكانت نفس كل واحد منهما مدغمة في نفس شريكه.
كان الإبريق يُنْزِلُ في الإناء، وكانا يقومان بالتصعيد بالقرع والإنبيق .
مزجا خليطاً يشبه السكر والحليب، مزيجاً من نبع الحياة والكوثر.
لم يتناولا طعاماً، ولم يتذوقا طعم النوم، ولم يكن يخطر في بالهما الطعام أو الشراب.
المصدر السابق الأبيات من 1067 حتى 1102.

إن الشاعر الكبير يتحدث في هذا المقطع عن ما اصطلح عليه بليلة الدخلة و هي الليلة الأولى في المعاشرة الزوجية. و لا يخفى على القراء أن لهذه الليلة بذاتها رهبة كبيرة لدى المقبلين على الزواج سواء من قبل الذكر الذي يخاف أن تخونه فحولته فيخرج بسواد الوجه أمام المحتفلين, أو من الأنثى التي تتخوف من الألم الذي سيرافق عملية فض بكارتها و فقدها عذريتها.

و قد انطبعت في ذاكرة الناس تصورات و أوهام شتى عن هذه الليلة المرعبة و نحن هنا لسنا بصدد مئات القصص التي حيكت حول المشاكل الكبيرة التي رافقت اللقاء الأول بين الجنسين في ليلة الدخلة. إن ما يهمنا هنا هو تناول الشيخ الخاني لتفاصيل هذه الليلة و الاسباب التي دعته إلى ذلك مما شكل خرقاً للمألوف في الأدب الكلاسيكي إذ لم أعثر فيما قرأته من ملاحم كردية و فارسية على شيء من هذا القبيل.

نحن هنا لسنا أبدا مع الصورة المعهودة لليلة الدخلة حيث العريس يدخل على عروسه و يفض بكارتها سريعاً ثم يخرج و يري الناس مدى فحولته من جهة و عذرية و بكارة زوجته من جهة أخرى عن طريق المنديل الملطخ بالدم.

إن الخاني يتمتع كما يظهر جلياً من خلال تلك الأبيات السالفة بثقافة جنسية عالية إذ أن تصوره لتلك الليلة مشوب بمشاهد رائعة من قطف ثمار اللذة من قبل الحبيبين. و ليس هناك ما يدل على الخوف سواء من قبل العريس تاجدين أو من قبل عروسه الأميرة ستي التي تزينت بأبهى حلة و أجمل منظر و هي تنتظر حبيبها ليدخل عليها. و يبدو أيضاً أن الزوجين يتمتعان بما فيه الكفاية من الصبر و ليسا على عجلة من أمرهما و لا يهمهما من ينتظر خارجاً إنما هما مشغولان بفردوس اللذات الذي دخلاه من أوسع أبوابه.

تاجدين العريس لا يفض بكارة عروسه سريعاً بل يعمد إلى مداعبات طويلة تمهيداً للوصول إلى حالة النشوة الكبرى فيمد يده أولاً إلى حبيبته يعانقها و يرتشف خمرة شفتيها ( وارتشف من ذلك الإبريق كأساً من الخمر لذيذة مترعة حتى الشفة) ثم يعرج على وجه حبيبته فيقبل عينيها النرجسيتين تارة و يلثم خدودها الحمر الزنبيقية تارة أخرى, ثم يشم خصلاتها التي تشبه البنفسج و الريحان في اللون و الرائحة, و من كثرة التقبيل و المداعبة يتحول جسد العروس إلى ما يشبه اللعل( و هو حجر كريم أحمر اللون) و المرجان, بعد كان أن أبيض كاللؤلؤ و الدر. و يعطينا الشيخ الخاني صورة عن الأنثى الواعية التي تبادل شريكها قبلة بقبلة و عناقاً بعناق فيتحدث عن ستي التي تغرق مع تاجدين في بحر الملذات و المداعبات السابقة لعملية الجماع حيث يبالغ الشاعر في ذلك و يجعل مدة هذه المداعبات تطول لثلاثة ‌يام بلياليها. فالعاشقان و بالرغم من نيران الشوق المستعرة بين ضلوع كل واحد منهما يمهدان للحظة النشوة الكبرى بسيل من القبلات و و العناق إلى حد التدحرج على الأرض و عدم القدرة على القيام.

لقد باتت العروس الآن مستعدة لقضاء وطرها من عريسها العاشق و تمكينه منها و قد آن لتلك المقدمة أن تنتهي و يبدأ الفصل الأهم في لقائهما الجنسي الأول. و هنا أيضاً يركز الخاني على أهمية المداعبة التي تسبق الجماع الأول فيتحدث قليلاً عن المعانقة و التصاق الحبيبين ببعضهما لدرجة أنهما أصبحا مثل جسد واحد يهتز و يرتعش منتشياً باللذة التي تثيرها تلك المداعبات.

الجنس كرمز :

استخدم الخاني في هذه المشاهد رموزاً جنسية عديدة و لجأ إلى التشبيهات البلاغية للإشارة إلى العضو الجنسي الذكري و الأنثوي على حد سواء. فعمد إلى تشبيه القضيب بسهم من العاج منطلق نحو هدفه الذي هو الفرج و قد شبهه الخاني بالصَدَفة تشبيهاً بليغاً و معبراً , و لم ينس الخاني أن يعمد إلى صورة الميل و المكحلة الكلاسيكية التي نجدها في كتب الفقه خاصة عند الحديث عن الاتصال الجنسي.

إن الخاني يتحدث عن الإيلاج المتكرر أيضاً في صورة بلاغية فيقول إن الدريئة( أي عضو الأنوثة) ‌أصبحت مسقطاً للنصال أي أنه شبه عملية الإيلاج بكثرة تساقط السهام على الهدف, و هذه صورة حربية رائجة في الخيال الذكري و قد شاهدنا في البداية كيف أن الشاعر العربي الجاهلي شبه الجماع بالطعن.

و نأتي على عملية فض البكارة فقد أشار إليها الخاني في صورة مقتضبة معبرة و هي استبدال حبات الدر الأبيض بالمرجان الأحمر, فالعريس تاجدين منح عروسه الأميرة ستي حبات من الدر و هي دفقة المني الذي يشبه في لونه لون الدر, أما قطرات الدم الناتجة عن عملية تمزيق غشاء العذرية فهي تشبه المرجان.

ثم تتوالى الرموز الجنسية بعد الانتهاء من تصوير فض البكارة الذي رافقه بالتأكيد بعض الألم لذلك كانت الصورة قاسية نوعاً ما ففي الجماع الأول شبه الخاني القضيب بالسهم المنطلق من قوسه, و شبه الفرج بالدريئة أو مسقط النصال و لا بد هنا من أن نتخيل آلام الدريئة التي تستقبل السهام.

إن الرموز الأخرى جاءت أقل عنفاً بل و أقرب إلى الرغبة في كشف جغرافية الطرف الآخر الجسدية. فبعد أن كانت الصورة في اللقاء الجنسي الأول صورة تحمل معاني الألم و القسوة جاءت الصورة الثانية مفعمة بالهدوء و السكينة عبر تشبيه العروسين بكيميائيين يشتغلان في الجواهر. لقد تبدلت الصورة الجنسية تماماً و زالت رهبة اللقاء الأول و ذاق كل طرف عسيلة الطرف المقابل و اكتشفا سوية ما وراء الجنس من لذة و متعة فهما الآن يرغبان في مزيد من الاستكشاف و التعرف على الآخر جسدياً. إنهما الآن كيميائيان لديهما من أدوات الكيمياء الإبريق الذي هوالعضو الذكري طبعاً فهو مليء بالماء , و الإناء المقصود به العضو الأنثوي و هو الذي سيستقبل ما يسكبه ذلك الإبريق فيه. و القرع و الإنبيق ايضاً من أدوات الكيمياء حيث أن الإنبيق حوجلة أو إناء زجاجي ذو فتحة يمر منها السائل الكيميائي ليختلط بسوائل في آنية أخرى.

لقد استخدم الخاني إلى جانب رموزه الجنسية عبارات ذات دلالات جنسية و لعل أوضحها ما ورد في آخر تلك الأبيات التي استشهدنا بها و هي عبارة الإدغام.

الإدغام في اللغة إدخال شيء في شيء و اختفاؤه فيه و هذه اللفظة معبرة تماماً عن حالة الاتحاد الجسدي الذي وصفه الشيخ الشاعر أحمد الخاني في هذه القطعة الفنية الرائعة من كتابة الأروع مم و زين. كذلك استخدم عبارة الإنزال و هي عبارة جنسية بحت تعبر عن خروج المني من القضيب و سكبه في الرحم.

خاتمة:

ربما يتبادر إلى ذهن أحدنا هذا السؤال: ما الذي حدا بالخاني للحديث عن الجنس بهذه الصورة الساطعة و الاحتفالية في كتابه؟ ألم يكن بإمكانه القفز من فوق تفاصيل ليلة زواج تاجدين و الأميرة الجميلة ستي؟ أو الحديث عن الموضوع باختصار دون الدخول في هذه التفاصيل التي لو تم تمثيلها سينمائياً مثلاً لشاهدنا مشهداً بورنوغرافياً محضاً؟

طبعاً كان بإمكان الخاني فعل ذلك, بل كان المتوقع أن يفعل ذلك إلا أنه في اعتقادي و بسبب ما جبل عليه من حب التجديد و الابتداع أراد أن يكون في كتابه هذا( الجامع لنتف من الفلسفة و الدين و التاريخ و التصوف و السرد القصصي و الحب الأفلاطوني و السياسة و الفكر القومي و فنون البلاغة) أن يتحدث عن الجنس حديثاً فنياً بلاغياً بعيداً عن الإثارة, فهو لم يقصد من وراء إيراد تلك التفاصيل إلى الترويج للجنس, و ربما كان من أغراضه و غاياته التثقيف الجنسي فهو رجل دين و كتب الفقه و الأحاديث النبوية تتحدث عن الجنس بحرية و تعتبر ذلك أمراً هاماً من أمور الدين يجب معرفته و التعرف إليه خاصة لدى المقبلين على الزواج من الشباب و الشابات.

هناك تفسير آخر أريد أن أضيفه و هو تفسير سيكولوجي, فالمعروف من خلال الدراسات التي تناولت سيرة الشاعر الخاني أنه لم يتزوج أبداً , فإذا صحت هذه الروايات فإن الخاني عمد إلى تصوير العملية الجنسية كعنصر تعويض نفسي, و ما لم يتمكن الخاني من فعله في حياته أدركه بخياله الخصب و الخلاق.

يجدر بالذكر أن أحمد الخاني يرفض المثلية الجنسية أو الشذوذ و انجذاب أنثى لأنثى أخرى أو ذكر لذكر آخر و قد شرح فكرته هذه في مقدمة مم و زين عندما احتارت الاميرتان ستي و زين في فتاتين جميلتين في حفلة النوروز, و استغربتا تلك العاطفة العجيبة التي جذتهما إلى فتاتين و ليس شابينز و تستغرب العجوز المربية أيضاً من كلامهما و تقول لهما لا شك أن ما تدعيانه حلم أو وهم و إلا فلا يمكن أبدأ أن تنجذب فتاة إلى أخرى. و في النهايو يتبين أن الفتاتين التين هامت بهما الأميرتان هما الشابان الصديقان تاجدين و مم . إن خاني هنا لا يدين المثلية الجنسية بقدر ما يقول إنها منافية لمبدأ الحب الذي تقوم معادلته على ذكر و أنثى فقط.


.


صورة مفقودة
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...