سكينة المشيخص - الجنس في الرواية السعودية.. «سيف الغريزة» على رقبة المجتمع

هل نجح الروائيون السعوديون في توظيف الجسد في أعمالهم أم تعاملوا معه كعنصر إثارة؟
وهل احترم هؤلاء حدود المجتمع الفاصلة بين مرفوضاته ومقبولاته؟، ثم ألم يتجاوز كثيرون منهم الحجاب الحاجز تحت دعاوى الحرية مما هتك العرض الافتراضي للمجتمع وعزز خطاب غرائز عشوائياً وسط العامة وغير الراشدين؟،ثم ما قدر المسؤولية التي احتملها الخطاب الإبداعي لهؤلاء وهم يخوضون في الجنس بشكل فاضح لا يعترف بقيود وضوابط المجتمع ونزلوا بالبراشوت من الفضاء الغربي الى أرض الواقع بأعمال لاتناسب الذائقة ولا أعراف المجتمع؟.
حول توظيف الجنس في الأعمال الروائية السعودية يتحدث عدد من الكتّاب و النقاد بلا رفض مطلق أو قبول مطلق ،ولكن في إطار نسبي يعقل الموضوع ويعتقل الإساءة للأدب والمجتمع من شرود غرائزي يضر الكل و يخدم الجزء.
الشاعراحمد قران الزهراني يقول: الأدب العربي عبر تاريخه الطويل وفي كل مناهجه وأشكاله حفل بتوظيف الجنس بتنوعاته، وعلى اختلافات في مستوى حضور الجنس في النص الأدبي العربي، إلا أن الجنس عنصر هام في بنية النص، لهذا كان ضمن التابو الذي اتفق على انه احد المحرمات التي يقع متجاوزها تحت طائلة المساءلة الاجتماعية، والحقيقة أنني لا أتصور أن عملا أدبيا يمكن أن يحقق نجاحا دون حضور الجنس وان بمستويات متفاوتة، فالنص الشعري منذ امرئ القيس وحتى عصرنا الحديث تناول الجنس بصوره المختلفة، ولدينا من الأمثلة ما لا يمكن حصرها في هذا الحيز، فنص أبي نواس الشعري حافل بالجنس بكل تجاوزاته، ونصوص ابن أبي ربيعة كذلك أعمال جلال الدين السيوطي، كتب التراث في الديانات اليهودية والمسيحية، الأدب اليوناني والروماني وظف الجنس بشكل جلي وواضح وعصرنا الحديث في تصوري هو أكثر العصور معالجة أو توظيفا للجنس في كل القنوات والأوعية الثقافية، سواء في الكتب أو عبر وسائل الإعلام باختلافاتها .
ويضيف الزهراني : ولعل النموذج المثالي الذي يمكن أن يضرب به المثل في توظيف الجنس في الأعمال الأدبية في العصر الحديث هو الروائي العربي نجيب محفوظ والذي استطاع بقدرة فائقة أن يوظف الجنس في أعماله الروائية والقصصية دون أن يصدم الذائقة الأخلاقية، وقد حاول بعض أو اغلب الكتاب العرب الاقتداء به في توظيف الجنس في نصوصهم الأدبية وخاصة الرواية إلا أنهم أخفقوا في ذلك من خلال توظيف النص من اجل الجنس لا توظيف الجنس من اجل خدمة النص، والروائيون السعوديون انتهجوا هذا المنحى في محاولة لاختراق تابو الجنس، فالمتتبع للمنتج الروائي المحلي يلاحظ بشكل لافت أن اغلب الروايات التي صدرت خلال العامين الماضيين لم تخل من صور جنسية واضحة المعالم، ولعل الإقبال على مثل هذه الأعمال من قبل الجمهور هو الدافع الأول للكاتب في خلط المفاهيم والقيم التي يقوم عليها الأدب وكتابة نصوص جنسية على شكل نص أدبي.
المحور يتحدث عن مشكلة أو لنقل ظاهرة في الأدب السعودي الحديث وهي ظاهرة توظيف الجنس من اجل الجنس لا من اجل العمل الأدبي وهي ظاهرة في تصوري ستأخذ بعدها الزمني ولكنها ستتراجع مع النضج المعرفي للكتاب خاصة الجيل الحديث الذي اصدر رواية أو روايتين.
ويخلص الزهراني الى أن توظيف الجنس بالكيفية التي خرجت بها الأعمال الروائية السعودية هو توظيف مبتذل وخارج عن الأطر والقيم التي يسعى الأدب إلى تحقيقها، وإذا استثنينا بعض الروائيين و الروائيات وهم قلة فان الكثرة سعت من خلال إصداراتها إلى توظيف الجنس من اجل الجنس بل وإقحام الجنس بصورة فجة.
باتجاه التأثيم
الناقد حامد بن عقيل يرى أن “الجسد” كمصطلح دال على مفهوم محدد، وبوصفه يشكّل حضوراً دالاً في الرواية المحلية لا يمكن أن تتم مناقشته بمعزل عن السياق الثقافي والاجتماعي الذي حصره في زاوية ضيقة، غالبا، هي “المحرّم”. وهذه هي أولى محظورات تناول الجسد بشكل فاعل في روايتنا المحلية.
غير أن ابن عقيل يتجه للحديث عن إشكالية لا تخلو من الحساسية الملازمة لحساسية الموضوع ،ومن وجهة نظره فإن تلك الإشكالية هي عدم وجود وعي لدى كتاب وكاتبات الرواية بضرورة طرح سؤال الجسد منفرداً عن المتغيرات التي غالباً ما تلقي بظلالها عليه كمصطلح له دلالته المنفردة، فالحب، على سبيل المثال، كان ولا يزال يلقي بظلاله على مفهوم الجسد في ثقافتنا العربية بعمومها، والمحلية بشكل خاص. خصوصاً حين نشير إلى طبيعة تناول الشعراء العرب في العصر الجاهلي لمفهوم الحب، فحين تناولوه بشكل حسي، يتعلق بجسد المرأة غالباً، جعلوا من الحب دالاً على الجسد، مع تغييب تام للجسد كمصطلح مستقل لا يدل حضوره في العمل الأدبي على أي شيء سوى الإثارة.
ويتابع بن عقيل حديثه قائلا : إن إنتاج الرواية الذي تقف وراءه ذوات مصنوعة، بفعل الإرث الثقافي أو الحصار الاجتماعي، أو ذوات غير نابهة لضرورة إيجاد وظيفة فاعلة للجسد في المنجز الروائي، هو ما جعل الجسد يدخل دائرة المسكوت عنه في بعض الروايات المحلية، بينما كان حاضراً في روايات أخرى ضمن التصور التقليدي للجسد المفضي إلى التأثيم، والدال في النهاية إلى عدم وجود أي نمو ثقافي قادر على توظيفه وفق رؤية جديدة وجادة.
و يستطرد قائلا: تكون إشكالية التعبير عن الجسد ذات محاذير أكبر حين تكون المرأة هي مؤلفة الرواية، فالسمة الغالبة على الروايات التي تكتبها المرأة كانت، ولا تزال، تتمحور حول دائرة التجريب عند كتابتها عن أي من المحظورات الاجتماعية، وأهمها الجسد، وهو تجريب لا يهدف إلى الخوض في مناطق تعبيرية جديدة وإنما يريد اختبار مدى القبول الاجتماعي لهذا التجريب، نتيجة لعدم وضوح التحولات الاجتماعية بخصوص هذا الموضوع تحديدا.
بقي أن أشير إلى أن المبدع، سواء كان رجلا أم امرأة، يواجه حين يكتب بنية ذهنية مجتمعية معيقة لحرية الإبداع ولا تقبل مجرد اختراق سقفها الأعلى أو حتى الاقتراب منه واختباره. ما يجعل الكتابة عن طبيعة تواجد الجسد داخل منجزنا الروائي المحلي كتابة تحاول توصيف رمزية محظور لم يُسهم وجوده في الروايات السعودية، حتى الآن، في إعادة صياغة القيم والمفاهيم المتعلقة به، لكونه لا يزال المفهوم الهلامي الذي تنتجه منظومة اجتماعية أخلاقية ذات ضوابط هلامية غير واضحة المعالم.

شهرة مزيفة

كوثر القاضي تؤكد حضور الجنس في الأعمال الإبداعية ولكن بعيدا عن وظيفته وتقول: الجنس عنصر رئيس وحيوي في الوجود، ولا ننسى أن كل الأساطير القديمة بل والكتب السماوية جميعها تعرضت له، ولم ينتقص ذلك من مهابتها وقدسيتها وإجلالها ..والجنس في الرواية ليس عابرا أو هامشيا، ونادرا ما نقرأ عملا أدبيا يخلو منه، لكن سوء النظرة، ورداءة المعالجة ، من قبل بعض القاصين ، خرج به عن وظيفته الرئيسة إلى مجرد رغبة صبيانية لوصف تفاصيل الجسد، ورصد تفاصيل العلاقة الجنسية وهذا وذاك يجعل الرواية تسقط في هاوية الابتذال بامتياز ..،أنا ممن يريدون أن يكون الفن للفن، والأدب للأدب حتى لو لم تكن هناك رسالة يتضمنها النص الذي أقدمه، أو العمل الأدبي الذي أقوم بكتابته أيا كان : أنا أكتب إذا أنا موجود ..لكن الذين يرددون هذا الشعار اليوم يحاولون من خلاله كسر “ التابوهات “ ومن أهمها “ تابوه الجنس “ حتى بدأ كتاب/ كاتبات ينتمون / ينتمين إلى هذا الوطن المحافظ يركبون / يركبن موجة الكتابة على حائط الجسد، وهم يحسبون / يحسبن أنهم / أنهن بذلك يقدمون / يقدمن أدبا رفيعا.
وتتابع رؤيتها قائلة : إن الجريمة التي يرتكبها الروائي هي حين ينفصل عن قضايا مجتمعه الكبرى، ويحاول أن يقلد الغربيين في ملء روايته بمقاطع من لقاءات، أو أوصاف جنسية لا لشيء إلا لينال شهرة مزيفة، وإذا قيل إنه يحاول أن يعالج مشكلة الجنس في مجتمعاتنا العربية مثلا فهذا لا يكون في عمل روائي يفترض أن يقرأه جميع القراء من مختلف المراحل العمرية ..نعم إن كتابنا وكاتباتنا لم ينجحوا في توظيف الجسد في رواياتهم لأنهم كما سبقت الإشارة كتبوا لمجرد الرغبة الذاتيه الخاصة في الشهرة، أو تفريغ شحنة من الطاقة الجنسية لا تجد مجالا للخروج إلا على صفحات الروية، فهم لم يعوا أبدا الرسالة التي يمكن أن يحققها توظيف الجنس في الرواية إذا ما استخدم بشكل صحيح في توعية المجتمع مثلا بالمخاطر التي يمكن أن تجرها عليه الحرية الجنسية من وراء الدعوة إلى الاختلاط التي تتبناها بعض الجهات التي تدعي الانفتاح والتقدم.

توظيف الجسد

الكاتبة سهام القحطاني تبدأ بإشارات متسائلة بقولها: علينا أن نقف أولا أمام الدلالة التي يمثلها الجسد في النص الأدبي عامة والرواية خاصة،وإن كانت الدلالة تظل تقريبا واحدة في النص الأدبي بصرف النظر عن نوعه،وإن اختلفت طريقة توزيع الجسد ونسبة ذلك التوزيع وفق ما تسمح به مساحة نوع النص الأدبي،فالرواية كونها مساحة وفضاء متسع على مستوى الحدث والزمان والمكان والشخصيات،فهي بالتالي يمكن أن تستعمر أكبر جزء ممكن من خارطة الجسد.
وتقدم القحطاني رؤيتها ببانوراما لمقاصد الرواة بقولها : الروائي السعودي يخزّن في الجسد دلالات عدة،منها التمرد على عباءة العرف الاجتماعي،باعتبار الجسد لديه رمزا للحجاب الفكري، أي انه يرى ان تحرير الجسد يعني تحرير الفكر،ونلاحظ أن هذه الدلالة غالبا تتوفر في رواية المرأة وتقل في رواية الرجل لدينا،إذ يصبح الجسد عند الروائية السعودية معادل لتقاليد المجتمع،وبذا يصبح الجسد كمفهوم حجاب/ ومركز لثقافة العيب سبب اضطهادها الإنساني،والتمرد والاعتراض على هذين المفهومين غير متاح إلا عبر الحكي المجازي /الرواية،ولا أعتقد أن الروائية لدينا استطاعت أن تعبر عن تلك الدلالة،ورغبتها في التعبير عن الرؤية التي ساقت من خلالها الجسد كمثال أول لثقافة الاضطهاد والتخلف، لعدم خبرتها في كتابة النص الروائي،ولحداثة صوتها المتمرد، مما أوقعها في الإغراق في الفضائحية،حتى إننا نقرأ صفحات كاملة من روايات نسائية مغرقة في الجنس.
وتواصل قولها: وهنا الجسد لا يؤدي سوى دور الإثارة،والشهرة وتسويق العمل،وأعتقد أنها نتائج تظل حاضرة في خاطر الروائي السعودي عند كتابة العمل الأدبي.
أيضا يرى بعض الروائيين وخاصة الواقعيين أن الجنس السوي أو غير السوي الحلال أو الحرام /الجسد أو العُري من تفاصيل الحياة اليومية للإنسان مثله مثل أي انفعال أو رغبات،ولذا يصبح الجسد هو جزء من تفاصيل النموذج المحكي الذي يشعرنا بواقعية ذلك المحكي وإنسانية شخصيات الرواية،حسب هذا الاتجاه يجب أن يوظف الجسد وفق المساحة التي يمثلها لنا في حياتنا العادية،وإن كان البعض يرد على أصحاب هذا الاتجاه أن الأدب هو تعبير عن الحياة وليس نقلا لها،يعني التجربة وليس ممارسة الفعل،ولا أعتقد أن روائيا سعوديا وصل لهذه المرحلة الناضجة في توظيف الجسد إلا الأستاذ عبدالله الجفري.

عكاظ الأسبوعية



.

صورة مفقودة
 
أعلى