فتحي بن الحاج يحيى - رجاء إلى رجاء بن سلامة: لا تفسدي علينا فتوى الرضاع

العزيزة رجاء،
صداقتنا لن تمنعني من البوح لك بأنّك حقّا مزعجة لذكر مثلي (حول فتوى إرضاع المرأة زميلها في العمل: جنون العودة إلى ما قبل الفطام ).
أن يطلع علينا عالم فقيه وباحث أصيل من داخل أكبر المؤسّسات الإسلاميّة بفتوى حلوة كالتي أتى بها صاحبنا، فذلك لعمري بمثابة هديّة السّماء إلى ديوك الأرض وهبة اللّه إلى عياله.
أنت تقفين تماما خارج الوعي بمعاناة مواطن عربيّ يلتقي يوميّا بفاتنة زميلة له في الشّغل، ويستنفذ جميع طاقاته وحيله في مداراة الرّغبة، ومراوغة فيض الشّبق، وكبح الفحولة التي تمثّل عندنا فائض القيمة الوحيد الذي نمتاز به على سائر الشّعوب والأمم حتّى كادت تكون قولة "خير أمّة أُخرجت للنّاس" لا تأخذ معناها سوى ضمن هذا السّباق...


.



صورة مفقودة

تصوّري أختاه طوابير المسلمين مصطفّة أمام بيت هيفاء وهبي أو إحدى الفاتنات الأخريات الخارجات من ورشات "روتانا"، لأجل رضعة ثدي ننهي بها احتلاماتنا ووابل مشاعر الذّنب التي ترافقنا يوميّا في حياتنا بفعل صعوبة أو استحالة توفّقنا إلى الارتقاء من مرتبة البشر إلى مقام المسلم النّموذجيّ.
أنتِ كالذي يرفض استعمال "باتش" مرّة واحدة لينهي مأساته لبقيّة حياته مع التّدخين والإدمان على السّيجارة.
هناك حلاّن لا ثالث لهما لإضفاء العفّة والنّقاوة على علاقات الزّمالة بين الأنثى والذّكر في الشّغل: إمّا أن تُقطع الأداة الأمّارة بالسّوء، وفي ذلك انعكاس سلبيّ كارثيّ على سنّة الحياة في توالد الأجيال، علاوة على أنّ سلاحنا الوحيد في وجه الأعداء هو تطوير قنبلتنا البشرية، أو توسيع مساحة "التروماتيزم" (الصّدمة النّفسية) فينا فنبصم شهواتنا الطبيعية بشريّا والممنوعة دينيّا بوصمة اقتراف أعظم الخطايا ألا وهي خطيئة "أوديب".
أنت تنطلقين من فلسفات أوروبية ما بعد دينية في اعتبارك " الفطام شكلا من أشكال الانفصال بين الأمّ والابن، وبما أنّ الانفصال هو الإخصاء الرّمزيّ الضّروريّ لكي يكون الإنسان إنسانا..."، وكأنّي بالمسلمين يتوافدون عليك يوميّا ليقولوا لك: "نريد أن نكون أناسا بالمعنى التي تضفينه على لفظةالإنسان" بينما لا أراهم سوى قائلين "نريد أن نكون عبادا للّه". والفارق شاسع فلسفيّا وأنتروبولوجيّا ونفسانيّا ومصلحيّا وتعريفيّا.
ثمّ من وجهة نظر السّلم الاجتماعية، ما هو الأصلح لنا نحن الذّكور العرب، وقد متّعنا اللّه بقدرات جنسيّة تخرّ لها غواني البلاد الباردة من سائحات مللن برودة أزواجهنّ: أندع ما وضعه اللّه فينا من متفجّرات يتحوّل فجورًا، أم ننزع الفتيل ونُبدع في حِيَلِ تصريفها بما يُرضي اللّه ونبيّه شرعا وفقها أسوة بسابقينا من علماء أجلاّء ؟
الحجاب وحده لم يعد يكفي في زمن الفياغرا التي تنتجها خلايانا طبيعيّا، وأنت أكثر من يعلم أنّ الحجاب قد استنفد غايته التّاريخيّة بعدما اكتشفت عبقريّتنا أنّه لا يخفي سوى ليزيد إظهارا ولا يكتم سوى ليبوح أكثر.
وبما أنّنا خسرنا حرب 48 ثمّ 73 فكان لزاما تغيير استراتجيتنا أمام ما لم ينفع معه الدّهر: وهنا تندرج فتوى صديقنا العالم الأزهري الذي لم يُفهم مقصدها ولم تفهمي أنتِ مغزاها.
وفي كلمة خفيفة: في مصّ حلمة نهد فاتنة تؤرّقنا ربّ إطفاء لحريق قائم قادم، وعبقريّة علمائنا من أهل الدّين، وهو كلّ ما هو مطلوب منهم تاريخيّا، ووظيفيّا، ومنهجيّا، أن يساعدونا على نسج الوهم أو الإيهام المستحبّ في تسمية الفعلة بـ"استرضاع ثديِ لدرء مأساة". فباللّه لا تُنغصّي عليهم عيشهم وعيشنا، يعشيِّك، ودَعِي "فرويد" يرتاح في قبره حتّى نقضي وطرنا إضافة إلى أنّه لن يُفلح في شيء أمام العرب.
ولأنّي بطبعي شخص خجول ولا أحبّذ كثيرا النّزول إلى السّوق فسأحتفظ لنفسي بالسّؤال المشروع الوحيد الذي كان من المفترض طرحه على عالمنا الموقّر: وماذا عن المرأة ؟ ما الّذي سترضعه لإسباغ لعنة أوديب على كلّ ذكر اشتهته نفسها ؟
ولك منّي أجمل التحيّة وأسخن الدّعوات لأن يُبقي علينا اللّه الستر.
 
أعلى