نقوس المهدي
كاتب
سميت نفسي “نهاد”، واخترقت شبكة للوساطة بين فتيات الأحياء الجامعية بالرباط وأثرياء من الخليجيين يقصدون المغرب لإشباع جوعهم الجنسي. أقنعتُ نادية أبو علي قيّمة على بيت للدعارة، بأنني طالبة جامعية بكلية الآداب وأرغب في الحصول على بعض المال لتسديد مصاريف الدراسة كالعديد من طالبات الجامعة. استغرق التحقيق ستة أشهر وطوال هذه المدة عشت مع أعضاء الشبكة داخل مجتمع مغلق، يجتمعون مرة في الأسبوع على طبق الكبسة في بيت سري، يؤازر بعضهم البعض وتتحول طيبوبة المواطن البسيط الذي طحنته رحى الفقر والحرمان داخلهم إلى إجرام وحشي، كلما أحسوا بالتهديد في مصدر رزقهم. التحقيق التالي يحكي رحلة “الصحيفة” داخل دهاليز الجغرافيا السرية لأثرياء يهدوننا أكاليل الأخوة والصداقة نهارا ويغتصبون شرف فتياتنا على فراش اللذة ليلا.
-آلو: عبد النبي هذا؟
-ألو : شكون نتي؟
-هادي نهاد من طرف صوفيا أبو علي عرفتيها؟
-آه عرفتها
-كاين شي حاجة ليوم؟
أنا مزير في البنات اليوم، أنت زوينة؟
-كيقولو
-شحال فعمرك؟
-20 عام
-امرأة ولا باقة بنت؟
-باقة بنت
-فين كتسكني
-فالعرفان
-مع السبعة غادي يدوز تاكسي REGATA رقم 1213 ركبي فيه حدا الكمبوس.
كانت المكالمة أقصر مما توقعت، فعبد النبي السائق في الظاهر، عضو شبكة لجمع الفتيات للخليجيين في الواقع، يلقي بسؤاله مباشرة ولا يحتاج أن يلبسه عبارات “الصواب” المعروفة. كانت المكالمة أقصر مما توقعت وكان عبد النبي أيضا أكثر إجرائية مما ظننت، فالفتاة التي توسطت لي عنده حتى يصطحبني في ليلة ساهرة بإحدى قصور أثرياء الخليج التي تقام أسبوعيا بطريق زعير بالرباط، كانت صديقته وعملت معه غير ما مرة ويثق في “ذوقها” وفي كل من يأتي من طرفها.
مدينة القـُبل المهربة
الساعة السابعة مساء بالمركب التجاري “الكامبوس” بمدينة العرفان بالرباط. يوم شاحب ينسحب تحت ستائر الظلام التي بدأت تغلف المكان، السيارات الفارهة نفسها التي تمر من الطريق الذي يربط حي الرياض بأكدال مرورا بشارع علال الفاسي بمدينةالعرفان. الأحياء الجامعية تلفظ قاطنيها بعد وجبة عشاء هزيلة، يتوجهون مثنى وجماعات إلى فضاء “الكامبوس” للدردشة، أصحاب السيارات المشبوهة نفسها يطلون برؤوسهم من النوافذ، شاخصين إلى مؤخرات الطالبات المارات، يلوكون الكلام نفسه: “وافين أالتوت، ناري على صدر، بغيت غير نهضر معاك، رانتهلا فيك غير آجي..” ثم سرعان ما تتحول دعوته إلى عبارات بذيئة يرشق بها طالبة لم تعره اهتماما: “يا على بقرة راه غير ضحكت عليك، راكي غير خايبة أو حتى حد ما يرضى يركبك غير شي ثور ما عندو عينين”!!
مصباح عمومي ينير وينطفئ تباعا وكلما انطفأ استرق طالب قبلة من يد مرافقته وهما يبتعدان نحو الباب الضخم الذي يعزل مدينة العرفان. أقف في الجهة المقابلة لمدرسة علوم الإعلام، صدى دقات قلبي الراجف تغطي على ما عداه من الأصوات. أنتظر قدوم تاكسي من نوع Regata بين ثانية وأخرى أحمل معصمي إلى عيني المتوجستين وأراقب عقارب الساعة المتجمدة عند الرقمي: 7و12. لم تكد تمضي دقائق أخرى حتى رأيت التاكسي يتوقف أمام باب المدرسة، يشير إلي:
-نهاد؟
-نعم. من طرف عبد النبي؟
-آه، زيدي.
رحلة لا تنتهي
يتطلع إلى بنطالي الأحمر وصدريتي السوداء، يتوقف قليلا عند حذائي البدون كعب، يمص شفتيه ويمسح بحدقتيه المكان. إلى جانبه كانت تجلس فتاة جميلة، شعرها الأسود ينسدل على كتفيها ويحيط وجهها البض بأناقة، ملامحها تختفي خلف طبقة سميكة من الماكياج، كانا يضحكان حين استويتُ في المقعد الخلفي للتاكسي. سألني إن كنت أول مرة أخرج فيها، أجبت بنعم وصمتُ. رفعَت الفتاة التي إلى جانبه عينيها إلى المرآة ونظرت إلى وقالت: “عليها”!
انطلق التاكسي من مدينة العرفان ولم نكد نبتعد عن سورها حتى رن الهاتف المحمول لسائق التاكسي.
-آلو عبد النبي، صافي راه هزيت ديال أكدال وديال العرفان، فينك؟
-…
- صافي واخّة، من دابا خمسة دقايق.
سألت سائق التاكسي الشاب عن اسمه، أجابني باقتضاب: السيمو. مررنا بالمستشفى الجامعي ابن سيناء، ثم قصر الأمير مولاي رشيد وتوقف التاكسي أمام سور المحكمة الإدارية ببئر قاسم بالرباط. لم يكد التاكسي يتوقف حتى رنّ الهاتف المحمول من جديد:
- ألو صافي أنا راني هنا، آجي.
لم يكد يرجع الهاتف النقال مكانه، حتى توقفت سيارة بيضاء من نوع رونو 21، إنه عبد النبي، أوقف سيارته وقصد التاكسي:
- “يالاّ ألق…، زربوا لمكوم راه الزبوط كيدوروا..”!
لم أفهم ما كان يجب أن أفعل، لكنني رأيت الفتاة الأخرى تسرع بركوب السيارة البيضاء، ركبتُ خلفها وتركت عبد النبي يهمس في أذن السيمو: “سير جيب حي النهضة والتقدم”. قبل أن يغادر التاكسي ويلحق بنا، الفتاة إلى جانبه وأنا في المقعد الخلفي، تطلّع إلي عبر المرآة الداخلية للسيارة:
- شنو سميتك؟ أول مرة كنشوفك، جديدة؟
- أنا نهاد، من طرف نادية أبو علي، ما وصاتكش عليا راه أول مرة كنخرج.
- ما عندها ما توصيني عليك، كلكم ق… بحال بحال
عقدت المفاجأة لساني فسارعت بسؤال تلك الفتاة عن اسمها فأجابت “نسرين” كان اسما حركيا كما علمت فيما بعد، فاسمها كان خديجة وتقطن بالحي الجامعي أكدال وتنحدر من مدينة خنيفرة.
أخذت السيارة تمرق من الأزقة الأنيقة لبئر قاسم، لاحظت أننا مررنا بالفيلات نفسها أكثر من ثلاث مرات وهذا يعني بأن عبد النبي كان يراوغ سيارات الشرطة التي لم نصادف أية واحدة منها. رنّ الهاتف فأجاب عبد النبي:
- ألو أنا جهة الهيبير، فينك؟
-…
- واخّة يالاّه
مررنا قرب المتجر الممتاز الذي كان يحمل إسم الهيبير، ثم المقر الجديد لمنظمة اليونسيف، مدرسة HEM وانعطف فجأة إلى اليسار في مكان خال ومظلم، حيث كانت تربض سيارة سوداء فارهة من نوع مرسيدس، لم ينزل عبد النبي هذه المرة، بل نهرنا لنسرع بركوب السيارة الأخرى وكذلك كان. ما كدنا نستقر بالمرسيدس السوداء حتى انطلق السائق بسرعة. كان متجهما بشارب كثيف، ألقى تحية مقتضبة وانشغل بالسياقة.
مارتينيز وليس جامع
كان مسرعا، لم ألتقط أسماء الشوارع التي مررنا منها غير أنه انعطف مرة إلى اليسار بمحاذاة “قصر الشيخ زايد” ثم انعطف إلى اليمين قبل أن يتوقف أمام باب فيلا باذخة. فتح الباب عبر جهاز التحكم عن بعد وقاد السيارة بسرعة وترك الباب توصد دوننا.
قاد سيارته مسافة دقائق معدودة داخل ممر اصطفت على جنباته شجيرات بعناية بالغة، ثم توقف بمرآب تصطف فيه سيارتان من نوع 4+4 نيسان وسيارة من نوع مرسيدس 204 يجلس على مقدمتها رجلان يتهامسان وتحمل جميعها لوحات دبلوماسية. أول ما نزلنا من السيارة صرخ أحدهما: “سهام ها مصطفى وصل”.
وصلنا مزرعة إسمها المارتينيز تقع خلف “قصر الشيخ زايد”، يتناوب عليها أثرياء الخليج لإقامة أمسيات حمراء. خرجت فتاة تلبس زيا رياضيا، سلمت على نسرين ونظرت إلى باستنكار وقالت: “جايّا للجامع آختي، آش هاد اللباس!” بادرتها: “أنا من طرف صوفيا أبو علي أو هيّا قالت لي راكي غاديا تلبسني على ذوقك أو غير تهلاي فيا راه أول مرة أو النّص بالنص”.
-آه نادية، كيدايرة هي بعدة؟
- كتسلم عليك!
- يالاه آجي.
تبعتها إلى غرفة جانبية، الأضواء كانت خافتة ونسمات باردة تحمل أريج “مسك الليل”، كانت آخر ما شيّعني من العالم الخارجي. الغرفة كانت نظيفة بأرائك مخملية وجهاز تلفاز صغير يتوسط طاولة بنية اللون. دلفت سهام إلى غرفة الحمام الملحقة وأخرجت مجموعة فساتين سهرة سوداء براقة، رمت بها على الأريكة:
- جرّبي حتى تجدي قياسك ريثما أبحث لك عن حذاء بكعب عال، كم قياس رجليك؟
- …
الشيوخ غيعزلوا اللي عجباتهم
رجعت بعد حوالي الساعة، كنت قد لبست فستانا أسود، مدتني بحذاء ذا كعب عال وطلبت مني أن أتخلص من ساعتي، فتشتني بسرعة وطلبت مني أن أعاود رسم عيني بالكحل وأن أسرع. ارتديت الحذاء وتبعتها، مررنا ببهو أنيق قبل أن نتوقف بغرفة أكبر من الأولى حيث تجمّعت حوالي 14 فتاة رائعات الجمال، بينهن خمسة في عمر الزهور لم تنجح ألوان الماكياج الفاقعة في مسح نظرة البراءة من عيونهن. كن يرتجفن ويطلبن من سهام السماح لهن بالمبيت إذا لم يتم اختيارهن من طرف الشيوخ. سألتُ سهام مالذي سنفعله، فقالت: “وقفي أو قفزي على رزقك، الشيوخ غادي يجيوا باش يختاروا”. اصطففنا في خط مستقيم وكل واحدة ترغب في أن تزيح الأخرى، مرت حوالي 20 دقيقة قبل أن تصرخ سهام في وجهنا: “يا لاّه الشيوخ جايّين”.
دخل علينا أربعة رجال غامقوا البشرة، يعتمرون “دراعية” بيضاء، يضع ثلاثتهم عقالا على رؤوسهم بينما اكتفى الرابع بوضع كوفية على عنقه وذراعيه. اقتربوا منا وأخذوا يسلّمون على من يعرفون من الفتيات ويمازحنهن، سأل أحدهم نسرين: “ما زلت تسرقين ساعات خلانك؟” فضحكت وقالت بأنها لم تسرق ساعة من قبل. اقترب مني صاحب الكوفية وطلبت مني سهام أن أسلم على أبو ياسين، رجل أعمال خليجي يتردد باستمرار على المغرب، سألني عن إسمي فأجبته نهاد. قال : زين الأسماء، ما شُفتش من كبل هون، جديدة؟
-نعم.
أخذ يداعب خصلات شعري ثم مرر كفه على صدري وسألني:
-كم عمرك؟
-عشرون عاما.
-زين العمر والكدود، أنا باخدك الليلة”
سحبتني بعدها سهام من يدي وأدخلتني رفقة الفتيات الثلاث اللائي تم اختيارهن غرفة محايدة في انتظار الدخول إلى جلسة الشيوخ، أما الفتيات اللائي لم يُخترن فكان نصيبهن 300 درهم والعودة رفقة السائق من حيث أتين.
خمر، شيشة وحشيش
أصلحنا ماكياجنا وضمّخت سهام كل واحدة منا بنوع من العطر ودفعتنا تجاه قاعة فسيحة. كنت آخر من دخل القاعة، مكان فسيح جدا بديكور عربي شرقي خالص، جلسة عربية تقليدية على الأرض، رائحة الصندل المحروق تعبق بالجو وتنشر غلالة مضببة على الجلسة. الشيوخ يجلسون بصدر القاعة، أمامهم طاولة مربعة عليها قناني متنوعة من الخمر وعلب “المارلبورو” وقطع من الحشيش، إلى جانب اثنين منهم وضعت قناني الشيشة. نبيل شعيل يصدح بصوت عال “ما أروعك” وفتيات شبه عاريات يرقصن بمجون على إيقاع الموسيقى. أبو وليد رجل أعمال خليجي متزوج من أربع نسوة عمره يقارب 50 سنة كان يتمايل ويكرر الكلمات بحماس ظاهر والشيخ حمزة مليونير خليجي (حوالي 56 سنة) كان يصفق ويقبّل خصر فتاة كلما اقتربت منه. ناداني أبو ياسين وطلب مني الجلوس إلى جانبه، مدّ لي سيجارة فأخبرته بأنني لا أدخن، فاستغرب وقال: “سوف تدخنين من اليوم فصاعدا”.
كان الجميع يعرف دوره بدقة، الفتيات يتنافسن على إثارة الشيوخ وهؤلاء يشجعونهن بتعليق الأوراق النقدية من فئة مائة ومائتي درهم على صدورهن. مرت حوالي ساعتين والفتيات لا يتوقفن عن الرقص، بحثت في فضاء القاعة عن ساعة لكن يبدو أن أصحاب المكان لا يشغلون بالهم بالوقت، فلم أعثر على أية واحدة، فجأة صفق أبو علي (مواطن خليجي يبلغ حوالي55 سنة) بيديه طالبا من سهام أن تحضر العشاء، أقبلت تحمل صينية فارغة وضعت فيها الأكواب المستعملة لشرب الخمر ونظفت المنافض من بقايا السجائر وكذلك الشيشة وعند خروجها نهرتني وطلبت مني الرقص مع باقي الفتيات، رجعت بعد ذلك وهي تحمل طبقا كبيرا مليئا بحبات الأرز، علمت أن الطبق يسمى “الكبسة” وهي أكلة شعبية بالخليج كما هو الكسكس بالمغرب، وتوالت رحلاتها بين القاعة والمطبخ. أربعة أطباق ضخمة تضم كل واحدة نصف خروف مشوي، أطباق الكفتة المشوية وأطباق لا تحصى من السلطة والفواكه…
جلس الشيوخ إلى الأرض، وأحاطت بهن الفتيات، كن يتسابقن حول من سيُطعم الشيوخ أولا، كانوا يفترسون كل تلك الكميات من اللحم بأيد متعرّقة ويتجشأون بصوت مرتفع… انتهى وقت العشاء وعادت الموسيقى تصدح من جديد والفتيات للرقص، غير أن بعضهن فضلن الجلوس إلى جانب الشيوخ… رأيت أبا ياسين يبلّل شعر نسرين بكأس البيرة ويمرره على شفتيه كما كان أبو وليد يسكب سائل البيرة على كتف فتاة شقراء ويلحسه بطريقة مقززة، أما أبو علي فقد كان يحاول إقناع فتاة شقراء بتدخين لفافة حشيش وقد احمرّت عيناه، وعندما لم ينجح أطفأ اللفافة في فخذها فصرخت وجاءت سهام تجري وأخرجتها من القاعة.
كان أبو ياسين قد أهملني بعدما تأكد بأنني لا أجيد الرقص ولا أرغب في التدخين، فنهضت أتجول في أرجاء القاعة أحاول البحث عن هواء نقي أستنشقه، توقفت أمام شاشة ضخمة في ركن قصي من القاعة، شغلتها ووقعت على فضائية عربية كانت تبث برنامجا حول حرية الفكر والرأي بالوطن العربي، شغلني الحوار حتى فوجئت بأبي ياسين يطفئ الشاشة فجأة ويسحبني بعنف تجاه وسط القاعة طالبا مني الرقص، أخبرته بأن البرنامج يناقش موضوعا مهما عن الحرية بالوطن العربي فاستدار ناحيتي وأخرج لسانه مبللا بسائل البيرة وقال: “حرية بالوطن العربي! كلام فارغ وإشاعات فلا حرية بالوطن العربي.”
نعطيكم بترول، نعطيكم دولارات
أجبته مستفزة: “كيف لا توجد حرية؟ على الأقل بالمغرب هناك حرية وإلا ما كنتم تقومون بمثل هذه الأشياء” فأخرج لسانه مرة أخرى وقام بحركة جنسية بذيئة وقال: “نحن نقوم بمثل هذه الأشياء كما قلت ليس لأن بالمغرب حريات ولكن لأننا نعطيكم دولارات، نعطيكم بترول فلا تصدقي مجددا مثل هذه الإشاعات.” واستدرك قائلا “أنا اخترتك حتى نقضي وقتا جميلا وأتذوق حلاوة المغربيات ولم أخترك لأنك فيلسوفة”. تركني وانخرط في نوبة رقص ماجن مع أربع فتيات طلب منهن التجرد شبه الكامل من ملابسهن، ونثر الكثير من الأوراق النقدية على الأرض وطلب من كل واحدة التمرغ وأخذ الأوراق التي تعلق بجسدها، ولم تتردد الفتيات اللائي شربن حد الثمالة. تركت القاعة ورحت أبحث عن سهام، دخلتُ خطأ غرفة تجاور القاعة وفوجئت بخليجي وثلاث فتيات يتفرجون على فيلم خلاعة ويضحكون بصوت عال، لحق بي أبو ياسين وجرني إلى القاعة مجددا وبدأ بإلقاء نكت جنسية مغربية وقال بأن بعض شركائه من رجال الأعمال هم من علموه إياها…
بدت علامات العياء على الجميع وقرر الشيوخ الانصراف للنوم وبدأوا يختارون مرافقاتهم، تنافست الفتيات رغم دوخة بعضهن لإقناع الشيوخ باصطحابهن، غير أن الشيوخ كانوا قد عينوا أربع فتيات ممن وجدناهن في البداية يرقصن بالقاعة، اصطحب كل شيخ الفتاة التي اختارها وغادر القاعة بينما أصر أبو ياسين على اصطحاب فتاتين معا. بقينا نحو سبع فتيات بالقاعة وكانت الساعة جد متأخرة، حضرت سهام وطلبت منا أن ننظف معها القاعة. ساعدناها جميعا ما عدا فتاة كانت تُسمي نفسها شوق، كانت تتقيأ وهي تبكي، تنادي على شخص إسمه حميد وتقول إنه السبب فيما تعيشه من مأساة. اقتادتنا سهام إلى القاعة الأولى حيث تمت عملية “العزيل” ووزّعت علينا إكرامية الشيوخ وهي المبلغ الذي يمنحه الشيوخ للفتيات اللاتي يحضرن للرقص والمؤانسة فقط.
إكرامية لغسل العرق
كان المبلغ موحدا حيث حصلت كل واحدة منا على مبلغ 1200 درهم. تنهدت فتاة نحيلة وقالت: “لقد كانت الإكرامية لا تنزل عن 3000 درهم ولكن الق… كثروا، ما علينا فين غنعسوا أسهام؟”
- غير هنا فين بغيتي تنعسي ألالاّ؟! ثم قصدتني ومدت يدها قائلة:
- فين نُصّي؟
منحتها نصف المبلغ ورجوتها أن تدلني على الحمام. استرجعتُ ساعتي وكانت تشير إلى الرابعة والنصف صباحا، غيّرت ملابسي وعدتُ إلى القاعة حيث تمددت الأجساد المنهكة كيفما اتفق. مرّ بي الوقت أحسب شعيرات رأسي حتى بزغت الشمس، لا حركة بالمكان. فوجئت بنسرين تنزل متسللة من غرفة النوم التي قضت فيها ليلتها مع الشيخ، بدت كدمات زرقاء على كتفيها وطابع أحمر على عنقها، ردّت على نظراتي المتسائلة “افرسني ماشي نعس معايا” وحين سألتها عن سبب إبكارها والساعة التي يستفيق عليها الجميع أجابت: “ماكايفيقوا حتى الظهر كيلحلالف، أما أنا خاصني نجري دابا، هادا اللي فكرشي ما يتسناش” وحين سألتها عن المبلغ الذي حصلت عليه، وقالت إنه 4000 درهم وما جمعته من الرقص يكاد يصل ألفي درهم والتفتت إلي تسألني “يالاه تمشي معايا؟”
غادرنا المكان الذي تعرفه جيدا لكثرة السهرات التي حضرتها، حذّرتني من “الزبوط” وطلبت مني بألا أخاف إن وقعت بين أيديهم فهم يقنعون بمئتي درهم، وحتى إذا تربصوا بأبواب الفيلات المشبوهة قصدا فخمسمئة درهم كافية لإغلاق أعينهم ووأوصتني بأن أكون كريمة مع السائقين لأنهم أصحاب الحل والعقد في هذه “الحرفة”.
* ملحوظة جد هامة:
رجاء عدم الخلط بين نهاد واسم الصحفية فدوى مساط، فنهاد قد تكون أختك أو أختي، إنها مشروع فتاة مغربية لتقمص وضع فاسد أردت عبر مغامرة الداخل أن أكشف عوراته للقارئ الكريم.
-آلو: عبد النبي هذا؟
-ألو : شكون نتي؟
-هادي نهاد من طرف صوفيا أبو علي عرفتيها؟
-آه عرفتها
-كاين شي حاجة ليوم؟
أنا مزير في البنات اليوم، أنت زوينة؟
-كيقولو
-شحال فعمرك؟
-20 عام
-امرأة ولا باقة بنت؟
-باقة بنت
-فين كتسكني
-فالعرفان
-مع السبعة غادي يدوز تاكسي REGATA رقم 1213 ركبي فيه حدا الكمبوس.
كانت المكالمة أقصر مما توقعت، فعبد النبي السائق في الظاهر، عضو شبكة لجمع الفتيات للخليجيين في الواقع، يلقي بسؤاله مباشرة ولا يحتاج أن يلبسه عبارات “الصواب” المعروفة. كانت المكالمة أقصر مما توقعت وكان عبد النبي أيضا أكثر إجرائية مما ظننت، فالفتاة التي توسطت لي عنده حتى يصطحبني في ليلة ساهرة بإحدى قصور أثرياء الخليج التي تقام أسبوعيا بطريق زعير بالرباط، كانت صديقته وعملت معه غير ما مرة ويثق في “ذوقها” وفي كل من يأتي من طرفها.
مدينة القـُبل المهربة
الساعة السابعة مساء بالمركب التجاري “الكامبوس” بمدينة العرفان بالرباط. يوم شاحب ينسحب تحت ستائر الظلام التي بدأت تغلف المكان، السيارات الفارهة نفسها التي تمر من الطريق الذي يربط حي الرياض بأكدال مرورا بشارع علال الفاسي بمدينةالعرفان. الأحياء الجامعية تلفظ قاطنيها بعد وجبة عشاء هزيلة، يتوجهون مثنى وجماعات إلى فضاء “الكامبوس” للدردشة، أصحاب السيارات المشبوهة نفسها يطلون برؤوسهم من النوافذ، شاخصين إلى مؤخرات الطالبات المارات، يلوكون الكلام نفسه: “وافين أالتوت، ناري على صدر، بغيت غير نهضر معاك، رانتهلا فيك غير آجي..” ثم سرعان ما تتحول دعوته إلى عبارات بذيئة يرشق بها طالبة لم تعره اهتماما: “يا على بقرة راه غير ضحكت عليك، راكي غير خايبة أو حتى حد ما يرضى يركبك غير شي ثور ما عندو عينين”!!
مصباح عمومي ينير وينطفئ تباعا وكلما انطفأ استرق طالب قبلة من يد مرافقته وهما يبتعدان نحو الباب الضخم الذي يعزل مدينة العرفان. أقف في الجهة المقابلة لمدرسة علوم الإعلام، صدى دقات قلبي الراجف تغطي على ما عداه من الأصوات. أنتظر قدوم تاكسي من نوع Regata بين ثانية وأخرى أحمل معصمي إلى عيني المتوجستين وأراقب عقارب الساعة المتجمدة عند الرقمي: 7و12. لم تكد تمضي دقائق أخرى حتى رأيت التاكسي يتوقف أمام باب المدرسة، يشير إلي:
-نهاد؟
-نعم. من طرف عبد النبي؟
-آه، زيدي.
رحلة لا تنتهي
يتطلع إلى بنطالي الأحمر وصدريتي السوداء، يتوقف قليلا عند حذائي البدون كعب، يمص شفتيه ويمسح بحدقتيه المكان. إلى جانبه كانت تجلس فتاة جميلة، شعرها الأسود ينسدل على كتفيها ويحيط وجهها البض بأناقة، ملامحها تختفي خلف طبقة سميكة من الماكياج، كانا يضحكان حين استويتُ في المقعد الخلفي للتاكسي. سألني إن كنت أول مرة أخرج فيها، أجبت بنعم وصمتُ. رفعَت الفتاة التي إلى جانبه عينيها إلى المرآة ونظرت إلى وقالت: “عليها”!
انطلق التاكسي من مدينة العرفان ولم نكد نبتعد عن سورها حتى رن الهاتف المحمول لسائق التاكسي.
-آلو عبد النبي، صافي راه هزيت ديال أكدال وديال العرفان، فينك؟
-…
- صافي واخّة، من دابا خمسة دقايق.
سألت سائق التاكسي الشاب عن اسمه، أجابني باقتضاب: السيمو. مررنا بالمستشفى الجامعي ابن سيناء، ثم قصر الأمير مولاي رشيد وتوقف التاكسي أمام سور المحكمة الإدارية ببئر قاسم بالرباط. لم يكد التاكسي يتوقف حتى رنّ الهاتف المحمول من جديد:
- ألو صافي أنا راني هنا، آجي.
لم يكد يرجع الهاتف النقال مكانه، حتى توقفت سيارة بيضاء من نوع رونو 21، إنه عبد النبي، أوقف سيارته وقصد التاكسي:
- “يالاّ ألق…، زربوا لمكوم راه الزبوط كيدوروا..”!
لم أفهم ما كان يجب أن أفعل، لكنني رأيت الفتاة الأخرى تسرع بركوب السيارة البيضاء، ركبتُ خلفها وتركت عبد النبي يهمس في أذن السيمو: “سير جيب حي النهضة والتقدم”. قبل أن يغادر التاكسي ويلحق بنا، الفتاة إلى جانبه وأنا في المقعد الخلفي، تطلّع إلي عبر المرآة الداخلية للسيارة:
- شنو سميتك؟ أول مرة كنشوفك، جديدة؟
- أنا نهاد، من طرف نادية أبو علي، ما وصاتكش عليا راه أول مرة كنخرج.
- ما عندها ما توصيني عليك، كلكم ق… بحال بحال
عقدت المفاجأة لساني فسارعت بسؤال تلك الفتاة عن اسمها فأجابت “نسرين” كان اسما حركيا كما علمت فيما بعد، فاسمها كان خديجة وتقطن بالحي الجامعي أكدال وتنحدر من مدينة خنيفرة.
أخذت السيارة تمرق من الأزقة الأنيقة لبئر قاسم، لاحظت أننا مررنا بالفيلات نفسها أكثر من ثلاث مرات وهذا يعني بأن عبد النبي كان يراوغ سيارات الشرطة التي لم نصادف أية واحدة منها. رنّ الهاتف فأجاب عبد النبي:
- ألو أنا جهة الهيبير، فينك؟
-…
- واخّة يالاّه
مررنا قرب المتجر الممتاز الذي كان يحمل إسم الهيبير، ثم المقر الجديد لمنظمة اليونسيف، مدرسة HEM وانعطف فجأة إلى اليسار في مكان خال ومظلم، حيث كانت تربض سيارة سوداء فارهة من نوع مرسيدس، لم ينزل عبد النبي هذه المرة، بل نهرنا لنسرع بركوب السيارة الأخرى وكذلك كان. ما كدنا نستقر بالمرسيدس السوداء حتى انطلق السائق بسرعة. كان متجهما بشارب كثيف، ألقى تحية مقتضبة وانشغل بالسياقة.
مارتينيز وليس جامع
كان مسرعا، لم ألتقط أسماء الشوارع التي مررنا منها غير أنه انعطف مرة إلى اليسار بمحاذاة “قصر الشيخ زايد” ثم انعطف إلى اليمين قبل أن يتوقف أمام باب فيلا باذخة. فتح الباب عبر جهاز التحكم عن بعد وقاد السيارة بسرعة وترك الباب توصد دوننا.
قاد سيارته مسافة دقائق معدودة داخل ممر اصطفت على جنباته شجيرات بعناية بالغة، ثم توقف بمرآب تصطف فيه سيارتان من نوع 4+4 نيسان وسيارة من نوع مرسيدس 204 يجلس على مقدمتها رجلان يتهامسان وتحمل جميعها لوحات دبلوماسية. أول ما نزلنا من السيارة صرخ أحدهما: “سهام ها مصطفى وصل”.
وصلنا مزرعة إسمها المارتينيز تقع خلف “قصر الشيخ زايد”، يتناوب عليها أثرياء الخليج لإقامة أمسيات حمراء. خرجت فتاة تلبس زيا رياضيا، سلمت على نسرين ونظرت إلى باستنكار وقالت: “جايّا للجامع آختي، آش هاد اللباس!” بادرتها: “أنا من طرف صوفيا أبو علي أو هيّا قالت لي راكي غاديا تلبسني على ذوقك أو غير تهلاي فيا راه أول مرة أو النّص بالنص”.
-آه نادية، كيدايرة هي بعدة؟
- كتسلم عليك!
- يالاه آجي.
تبعتها إلى غرفة جانبية، الأضواء كانت خافتة ونسمات باردة تحمل أريج “مسك الليل”، كانت آخر ما شيّعني من العالم الخارجي. الغرفة كانت نظيفة بأرائك مخملية وجهاز تلفاز صغير يتوسط طاولة بنية اللون. دلفت سهام إلى غرفة الحمام الملحقة وأخرجت مجموعة فساتين سهرة سوداء براقة، رمت بها على الأريكة:
- جرّبي حتى تجدي قياسك ريثما أبحث لك عن حذاء بكعب عال، كم قياس رجليك؟
- …
الشيوخ غيعزلوا اللي عجباتهم
رجعت بعد حوالي الساعة، كنت قد لبست فستانا أسود، مدتني بحذاء ذا كعب عال وطلبت مني أن أتخلص من ساعتي، فتشتني بسرعة وطلبت مني أن أعاود رسم عيني بالكحل وأن أسرع. ارتديت الحذاء وتبعتها، مررنا ببهو أنيق قبل أن نتوقف بغرفة أكبر من الأولى حيث تجمّعت حوالي 14 فتاة رائعات الجمال، بينهن خمسة في عمر الزهور لم تنجح ألوان الماكياج الفاقعة في مسح نظرة البراءة من عيونهن. كن يرتجفن ويطلبن من سهام السماح لهن بالمبيت إذا لم يتم اختيارهن من طرف الشيوخ. سألتُ سهام مالذي سنفعله، فقالت: “وقفي أو قفزي على رزقك، الشيوخ غادي يجيوا باش يختاروا”. اصطففنا في خط مستقيم وكل واحدة ترغب في أن تزيح الأخرى، مرت حوالي 20 دقيقة قبل أن تصرخ سهام في وجهنا: “يا لاّه الشيوخ جايّين”.
دخل علينا أربعة رجال غامقوا البشرة، يعتمرون “دراعية” بيضاء، يضع ثلاثتهم عقالا على رؤوسهم بينما اكتفى الرابع بوضع كوفية على عنقه وذراعيه. اقتربوا منا وأخذوا يسلّمون على من يعرفون من الفتيات ويمازحنهن، سأل أحدهم نسرين: “ما زلت تسرقين ساعات خلانك؟” فضحكت وقالت بأنها لم تسرق ساعة من قبل. اقترب مني صاحب الكوفية وطلبت مني سهام أن أسلم على أبو ياسين، رجل أعمال خليجي يتردد باستمرار على المغرب، سألني عن إسمي فأجبته نهاد. قال : زين الأسماء، ما شُفتش من كبل هون، جديدة؟
-نعم.
أخذ يداعب خصلات شعري ثم مرر كفه على صدري وسألني:
-كم عمرك؟
-عشرون عاما.
-زين العمر والكدود، أنا باخدك الليلة”
سحبتني بعدها سهام من يدي وأدخلتني رفقة الفتيات الثلاث اللائي تم اختيارهن غرفة محايدة في انتظار الدخول إلى جلسة الشيوخ، أما الفتيات اللائي لم يُخترن فكان نصيبهن 300 درهم والعودة رفقة السائق من حيث أتين.
خمر، شيشة وحشيش
أصلحنا ماكياجنا وضمّخت سهام كل واحدة منا بنوع من العطر ودفعتنا تجاه قاعة فسيحة. كنت آخر من دخل القاعة، مكان فسيح جدا بديكور عربي شرقي خالص، جلسة عربية تقليدية على الأرض، رائحة الصندل المحروق تعبق بالجو وتنشر غلالة مضببة على الجلسة. الشيوخ يجلسون بصدر القاعة، أمامهم طاولة مربعة عليها قناني متنوعة من الخمر وعلب “المارلبورو” وقطع من الحشيش، إلى جانب اثنين منهم وضعت قناني الشيشة. نبيل شعيل يصدح بصوت عال “ما أروعك” وفتيات شبه عاريات يرقصن بمجون على إيقاع الموسيقى. أبو وليد رجل أعمال خليجي متزوج من أربع نسوة عمره يقارب 50 سنة كان يتمايل ويكرر الكلمات بحماس ظاهر والشيخ حمزة مليونير خليجي (حوالي 56 سنة) كان يصفق ويقبّل خصر فتاة كلما اقتربت منه. ناداني أبو ياسين وطلب مني الجلوس إلى جانبه، مدّ لي سيجارة فأخبرته بأنني لا أدخن، فاستغرب وقال: “سوف تدخنين من اليوم فصاعدا”.
كان الجميع يعرف دوره بدقة، الفتيات يتنافسن على إثارة الشيوخ وهؤلاء يشجعونهن بتعليق الأوراق النقدية من فئة مائة ومائتي درهم على صدورهن. مرت حوالي ساعتين والفتيات لا يتوقفن عن الرقص، بحثت في فضاء القاعة عن ساعة لكن يبدو أن أصحاب المكان لا يشغلون بالهم بالوقت، فلم أعثر على أية واحدة، فجأة صفق أبو علي (مواطن خليجي يبلغ حوالي55 سنة) بيديه طالبا من سهام أن تحضر العشاء، أقبلت تحمل صينية فارغة وضعت فيها الأكواب المستعملة لشرب الخمر ونظفت المنافض من بقايا السجائر وكذلك الشيشة وعند خروجها نهرتني وطلبت مني الرقص مع باقي الفتيات، رجعت بعد ذلك وهي تحمل طبقا كبيرا مليئا بحبات الأرز، علمت أن الطبق يسمى “الكبسة” وهي أكلة شعبية بالخليج كما هو الكسكس بالمغرب، وتوالت رحلاتها بين القاعة والمطبخ. أربعة أطباق ضخمة تضم كل واحدة نصف خروف مشوي، أطباق الكفتة المشوية وأطباق لا تحصى من السلطة والفواكه…
جلس الشيوخ إلى الأرض، وأحاطت بهن الفتيات، كن يتسابقن حول من سيُطعم الشيوخ أولا، كانوا يفترسون كل تلك الكميات من اللحم بأيد متعرّقة ويتجشأون بصوت مرتفع… انتهى وقت العشاء وعادت الموسيقى تصدح من جديد والفتيات للرقص، غير أن بعضهن فضلن الجلوس إلى جانب الشيوخ… رأيت أبا ياسين يبلّل شعر نسرين بكأس البيرة ويمرره على شفتيه كما كان أبو وليد يسكب سائل البيرة على كتف فتاة شقراء ويلحسه بطريقة مقززة، أما أبو علي فقد كان يحاول إقناع فتاة شقراء بتدخين لفافة حشيش وقد احمرّت عيناه، وعندما لم ينجح أطفأ اللفافة في فخذها فصرخت وجاءت سهام تجري وأخرجتها من القاعة.
كان أبو ياسين قد أهملني بعدما تأكد بأنني لا أجيد الرقص ولا أرغب في التدخين، فنهضت أتجول في أرجاء القاعة أحاول البحث عن هواء نقي أستنشقه، توقفت أمام شاشة ضخمة في ركن قصي من القاعة، شغلتها ووقعت على فضائية عربية كانت تبث برنامجا حول حرية الفكر والرأي بالوطن العربي، شغلني الحوار حتى فوجئت بأبي ياسين يطفئ الشاشة فجأة ويسحبني بعنف تجاه وسط القاعة طالبا مني الرقص، أخبرته بأن البرنامج يناقش موضوعا مهما عن الحرية بالوطن العربي فاستدار ناحيتي وأخرج لسانه مبللا بسائل البيرة وقال: “حرية بالوطن العربي! كلام فارغ وإشاعات فلا حرية بالوطن العربي.”
نعطيكم بترول، نعطيكم دولارات
أجبته مستفزة: “كيف لا توجد حرية؟ على الأقل بالمغرب هناك حرية وإلا ما كنتم تقومون بمثل هذه الأشياء” فأخرج لسانه مرة أخرى وقام بحركة جنسية بذيئة وقال: “نحن نقوم بمثل هذه الأشياء كما قلت ليس لأن بالمغرب حريات ولكن لأننا نعطيكم دولارات، نعطيكم بترول فلا تصدقي مجددا مثل هذه الإشاعات.” واستدرك قائلا “أنا اخترتك حتى نقضي وقتا جميلا وأتذوق حلاوة المغربيات ولم أخترك لأنك فيلسوفة”. تركني وانخرط في نوبة رقص ماجن مع أربع فتيات طلب منهن التجرد شبه الكامل من ملابسهن، ونثر الكثير من الأوراق النقدية على الأرض وطلب من كل واحدة التمرغ وأخذ الأوراق التي تعلق بجسدها، ولم تتردد الفتيات اللائي شربن حد الثمالة. تركت القاعة ورحت أبحث عن سهام، دخلتُ خطأ غرفة تجاور القاعة وفوجئت بخليجي وثلاث فتيات يتفرجون على فيلم خلاعة ويضحكون بصوت عال، لحق بي أبو ياسين وجرني إلى القاعة مجددا وبدأ بإلقاء نكت جنسية مغربية وقال بأن بعض شركائه من رجال الأعمال هم من علموه إياها…
بدت علامات العياء على الجميع وقرر الشيوخ الانصراف للنوم وبدأوا يختارون مرافقاتهم، تنافست الفتيات رغم دوخة بعضهن لإقناع الشيوخ باصطحابهن، غير أن الشيوخ كانوا قد عينوا أربع فتيات ممن وجدناهن في البداية يرقصن بالقاعة، اصطحب كل شيخ الفتاة التي اختارها وغادر القاعة بينما أصر أبو ياسين على اصطحاب فتاتين معا. بقينا نحو سبع فتيات بالقاعة وكانت الساعة جد متأخرة، حضرت سهام وطلبت منا أن ننظف معها القاعة. ساعدناها جميعا ما عدا فتاة كانت تُسمي نفسها شوق، كانت تتقيأ وهي تبكي، تنادي على شخص إسمه حميد وتقول إنه السبب فيما تعيشه من مأساة. اقتادتنا سهام إلى القاعة الأولى حيث تمت عملية “العزيل” ووزّعت علينا إكرامية الشيوخ وهي المبلغ الذي يمنحه الشيوخ للفتيات اللاتي يحضرن للرقص والمؤانسة فقط.
إكرامية لغسل العرق
كان المبلغ موحدا حيث حصلت كل واحدة منا على مبلغ 1200 درهم. تنهدت فتاة نحيلة وقالت: “لقد كانت الإكرامية لا تنزل عن 3000 درهم ولكن الق… كثروا، ما علينا فين غنعسوا أسهام؟”
- غير هنا فين بغيتي تنعسي ألالاّ؟! ثم قصدتني ومدت يدها قائلة:
- فين نُصّي؟
منحتها نصف المبلغ ورجوتها أن تدلني على الحمام. استرجعتُ ساعتي وكانت تشير إلى الرابعة والنصف صباحا، غيّرت ملابسي وعدتُ إلى القاعة حيث تمددت الأجساد المنهكة كيفما اتفق. مرّ بي الوقت أحسب شعيرات رأسي حتى بزغت الشمس، لا حركة بالمكان. فوجئت بنسرين تنزل متسللة من غرفة النوم التي قضت فيها ليلتها مع الشيخ، بدت كدمات زرقاء على كتفيها وطابع أحمر على عنقها، ردّت على نظراتي المتسائلة “افرسني ماشي نعس معايا” وحين سألتها عن سبب إبكارها والساعة التي يستفيق عليها الجميع أجابت: “ماكايفيقوا حتى الظهر كيلحلالف، أما أنا خاصني نجري دابا، هادا اللي فكرشي ما يتسناش” وحين سألتها عن المبلغ الذي حصلت عليه، وقالت إنه 4000 درهم وما جمعته من الرقص يكاد يصل ألفي درهم والتفتت إلي تسألني “يالاه تمشي معايا؟”
غادرنا المكان الذي تعرفه جيدا لكثرة السهرات التي حضرتها، حذّرتني من “الزبوط” وطلبت مني بألا أخاف إن وقعت بين أيديهم فهم يقنعون بمئتي درهم، وحتى إذا تربصوا بأبواب الفيلات المشبوهة قصدا فخمسمئة درهم كافية لإغلاق أعينهم ووأوصتني بأن أكون كريمة مع السائقين لأنهم أصحاب الحل والعقد في هذه “الحرفة”.
* ملحوظة جد هامة:
رجاء عدم الخلط بين نهاد واسم الصحفية فدوى مساط، فنهاد قد تكون أختك أو أختي، إنها مشروع فتاة مغربية لتقمص وضع فاسد أردت عبر مغامرة الداخل أن أكشف عوراته للقارئ الكريم.