نقوس المهدي
كاتب
يسمّونها ذات النهدين في اندونيسيا، والبعض يطلق عليها لقب شاكيرا الاندونيسية. نعلم أنها تدعى اينول دارانيستا، من أعمال قرية صغيرة شرق جزيرة جاوا. ونعلم ان رقصها يستفز غلاة الاصوليين الى حد ان مجلس العلماء الاندونيسيين أصدر فتوى في شباط الفائت اعتبرت رقصها من المحرّمات. لكن ذلك لم يمنع احد مشايخ الصوفية من رفع صورة كبيرة لها تُظهر جماعة من علماء الدين المتكئين حولها في "حلقة ذكر".
كانت جنيفر لوبيز في آخر كليب لها ترقص على مائدة يجلس اليها مجموعة من الرجال يتصببون عرقا. المفروض انهم لجنة تحكيم في مسابقة رقص. تنتهي الاغنية بجنيفر منسحبة من القاعة وهي تهندم المايوه وسط ذهول لجنة التحكيم في الاغنية. جنيفر لوبيز بجسدها المنحوت بعناية ربانية، وبلونها البرونزي الباهت الى اقصى درجات الوضوح، وبنظرتها القادرة على تحطيم الاعصاب تماما، يقال انها دفعت رقما خياليا للتأمين على مؤخرتها (لا عجب!). الارجح ان شاكيرا فعلت الامر نفسه واكثر. وإن كانت جنيفر ليست في مستوى شاكيرا، فهذه الاخيرة "سوسحت" البشر. استعملت الايقاع العربي في موسيقاها ورقصها الشرقي، فجعلت العالم يتحرك على ايقاع ردفيها.
حين نقول شاكيرا، نقول الصاروخ العابر للفضائيات. فهي المثال لفتيات الحياة وللمغنيات. لكن ما ان ظهرت اينول حتى قالوا انها "شاكيرا الاندونيسية"، لسبب واحد: اثارة الجمهور من خلال الرقص. فشاكيرا صاعقة في الرقص الشرقي الايقاعي، واينول التي كان اول ظهور لها في واحدة من حفلات المغني روما ايراما بدت بوجه بريء رغم رقصها الماجن المثير الذي فتن الجماهير. تقول ان رقصها ينطلق من رسم دوائر حول خصرها فتتصاعد الموسيقى ويتسع معها قطر الدائرة وتتسارع الحركات.
اينول دارانيستا، اي اينول ذات النهدين، في الرابعة والعشرين من العمر. تقول عنها مجلة "لونوفيل اوبسرفاتور" الفرنسية انها تنتمي الى عائلة بسيطة من عائلات قرية صغيرة في شرق جزيرة جاوا. اسمها الحقيقي اينول روخيما ومعناه "مصدر النعمة" او "عين (نبع) الرحمة". كانت دائما مصدر سخرية منذ صغرها بسبب مؤخرتها الكبيرة الحجم قياسا الى جسمها. وقد ترسخ لديها منذ طفولتها اعتقاد بأن تركيبتها الجسمانية المثيرة سوف تكون اكثر اثارة بحسب ما تنقل الصحف.
بدأت ظاهرة اينول في اول التسعينات، وكان اول ظهور لها في صحبة موسيقى البوب الشعبية الاندونيسية، المعروفة باسم "دانغ دوت" المشتقة من موسيقى صحراوية انتشرت في الثلاثينات لدى الطوائف ذات الاصول العربية في اندونيسيا. وعندما حصلت اندونيسيا على الاستقلال في 1945 تزاوجت الموسيقى العربية مع موسيقى الافلام الهندية التي كانت تصدح في دور السينما في الارخبيل الاندونيسي. علينا ان نذكر ان الكلام كثر في الفترة الاخيرة عن تزاوج الموسيقى العربية مع انماط موسيقية اخرى. ففي عدد آب من مجلة "هاي" كتب جوناثان ليسر عن انتشار الموسيقى العربية وتطورها وتأثيرها الواضح في عملية تهجين موسيقى البوب الاميركية. ورأى ليسر ان "الايقاع العربي له سحر غامر يسري في الجسم، فلا يملك الا ان يهتز له". والامر نفسه مع موسيقى "الدانغ دوت" القائمة على مزيج من الايقاع العربي والايقاع الشعبي الاندونيسي، فهي تسري في جسد اينول، وجسد اينول بدوره يشعل الجمهور كما لو انه يشعل الحطب اليابس.
اول من اطلق موسيقى "الدانغ دوت" في بداية السبعينات كان المغني الشهير روما ايراما فأصبحت تلك الموسيقى نوعا من الروك المحلي. عندما ادى هذا المغني مناسك الحج في مكة، اضاف الى اسمه لقب حاجي (حاج) وراون (امير). وحمل لقب "الحاج امير الايقاع" الى جانب لقب آخر هو "فارس الايمان". فكان يبدأ حفلاته بآيات قرآنية ويحمل في يده غيتارا كهربائيا وكانت معظم اغانيه اشبه بالوعظ. فهي تدين القمار وملاهي المجون والخمر والزنى وتدعو الى الوحدة الوطنية. وتحوي موسيقى ايراما كلاماً يبنى اساسا على معان سياسية واجتماعية. وهذه الموسيقى طالما استخدمها السياسيون في اندونيسيا ليضمّنوها ايديولوجياتهم وخطبهم الاجتماعية. في البداية دعم الرئيس الاندونيسي الاول احمد سوكارنو تزاوج الموسيقى العربية والاندونيسية على امل ان تقف الموسيقى الجديدة حاجزا امام غزو الافلام الهوليوودية الاميركية والتي كان يعتبرها رمزا للامبريالية الغربية، عدوة بلاده. وفي الثمانينات من القرن الماضي، استخدم الجنرال سوهارتو الـ"الدانغ دوت" لكسب ود الطبقة العاملة الاندونيسية، ومع تدخل الشركات الكبرى في صناعة الـ"دانغ دوت" لم تعد هذه الموسيقى خاصة بالفقراء بل بات جمهورها يشمل القرى والمدن الكبرى على حد سواء. هذه السنة يتقدم حزب الصحوة الاندونيسي من اينول بطلب قيادة الحملة الانتخابية للحزب في العام ،2004 وقام زوج الرئيسة الاندونيسية الحالية، بتنفيذ جلسة تصوير مع اينول بدا خلالها زوج الرئيسة وهو يحاول الرقص على خطواتها وبرفقتها، مما اثار جدلا واسعا في البلاد.
وكان روما ايراما اعد مجموعة من الاغاني خصيصا من اجل اينول وزعت مبيعاتها اكثر من 15 مليون نسخة في انحاء اندونيسيا، وهي كلها مقرصنة، ذلك لأن اينول لم تصدر البوماً رسمياً حتى اللحظة. وفي خضم نجوميتها المتألقة وشعبيتها الطاغية وكلماتها المتداولة وتحديدا في شباط 2003 اصدر مجلس العلماء الاندونيسيين فتوى تقول ان رقص اينول وملابسها من المحرمات طبقا للقانون الذي يحرم الاباحية والخلاعة والمجون. هذه الفتوى اغضبت اينول فردت عليها في حوار مع مجلة "تايم" الاميركية معتبرة ان مجلس العلماء لا يمثل كل مشايخ اندونيسيا ولا يحق له الحكم بالاجماع على امر من الامور. وقالت ان "على علماء الدين ان يفهموا ان اندونيسيا ليست بلدا اسلاميا، اندونيسيا بلد ديموقراطي"، و"لماذا يهتمون بي الى هذه الدرجة بينما تنتشر الافلام البورنوغرافية، والساهرات في الشوارع؟ لقد اختاروني لحربهم كوني عدوا سهلا"، لتقول ايضا "انا مسلمة وانا فنانة ولا اريد ان امزج بين الهويتين".
وكان الشيخ مصطفى بصري (او البيسري) اول من هب للدفاع عن اينول، وانتهز فرصة الاحتفال بأعياد رأس السنة الهجرية اوائل آذار الماضي فعرض لوحة كبيرة لأينول في اكبر مساجد العاصمة، وهي ترقص وتتمايل في اكثر الحانها اثارة، وعنوانها "الذكر مع اينول"، وتعرض اللوحة لمجموعة من علماء الدين يتحلقون حول المغنية وهي ترقص بينهم. واعتبر الشيخ الصوفي ان الله ينتقي خيرة العلماء من خلال اختلاجات اينول وتمايلاتها. وجاء رد الفعل من جانب جماعة اسلامية شبابية بالتهديد بحرق المسجد اذ لم ترفع هذه اللوحة منه، لكن الشيخ الصوفي وانصاره لم يخشوا التهديد ولم يتراجعوا. ونعلم ان اندونيسيا هي اكبر امة اسلامية في العالم من ناحية تعداد سكانها.
لم تهجم الجماعات الاصولية فقط على اينول، ففي شهر نيسان الماضي هاجمها روما ايراما بشدة بالرغم من انه كان قد وصفها بأنها بمثابة شقيقته الصغرى لكنه اتهمها بأنها القت بموسيقى "دانغ دوت" في الوحل وساهمت في تدمير نسيج المجتمع الاندونيسي وهويته. بعد هذا الاتهام ظهرت اينول في احد البرامج التلفزيونية وهي تبكي بسبب هجوم "فارس الايمان" عليها. في معنى آخر، اينول متمردة، وتمردها يذكّرنا بمغني الراب الاميركي ايمينيم. فعلى الرغم من ان البعض يشبّه اينول بشاكيرا في الرقص وهز الاوراك فهناك من يشبهها بأمينيم الغاضب الذي وصفه بوش بأنه "اخطر تهديد لأطفال اميركا منذ شلل الاطفال". فهو الابيض الذي يغني الراب بحنجرة اسود، ويسخط ضد امه. انه فنان صاحب موهبة في الاستفزاز.
رقص اينول يستفز غلاة الاصولية الدينية لكن الطريف ان غالبية الشعب الاندونيسي لا تخفي انحيازها الواضح الى اينول. هو انحياز الى ايقونة الترفيه والاثارة ضد زمن الديكتاتور العسكري. فحين منعت زوجة حاكم احدى المدن اينول من الغناء، ادى ذلك الى اندلاع تظاهرات في المدينة احتجاجا على المنع.
صحوة النار
لم تقتصر الحماسة لاينول على الفئات الشعبية، بل ان البعض من اقطاب الثقافة كتبوا في مديحها، مثل الشاعر المسلم الشهير امها اينون نجيب الذي هاجم روما ايراما لمهاجمته اياها قائلا: "مؤخرتك يا اينول هي وجهنا كلنا". علينا ان نتذكر هنا قول احد القادة بأن "العجيزة هي الوجه الخلفي للمرأة". والعالم يتأرجح بين ارداف الكولومبية - اللبنانية شاكيرا واينول الاندونيسية.
اليس العالم جميلا ايها السادة؟
كتب ماركيز عن شاكيرا التي بات اسمها مجاورا للنجوم، راصدا يومياتها وحركاتها وسكناتها، ومتناولا بداياتها. حينما اطلقت اغنيتها الاولى في عامها السابع، قال "انها اذا لم تغن فلن تعيش". قالت له: "اذا لم اغنّ فسأموت". استغرب البعض ما كتبه الروائي الكولومبي واستهجن ان يكتب ماركيز عن مغنية. لكن الامور ليست على هذه البساطة، فالشعور بالفوقية بات موضة قديمة. ربما سنجد ماركيز يكتب في يوم قريب عن اينول بالشعور نفسه الذي كتب فيه عن شاكيرا.
ابعد من الادب والفن، فقد دخل رقص اينول في نقاشات الاطباء والفيزيائيين. فقد استضافت احدى الصحف الاندونيسية ثلاثة اطباء، اثنين من الجراحين واختصاصيا في امراض النساء، فأكدوا جميعا ان رقص اينول يمكن ان يضر بالعظام والاعضاء الرقيقة، لكنها تمتلك موهبة خاصة بجسدها اللين. وفي جريدة "كومبارس" افاض احد اساتذة الفيزياء في جامعة اندونيسيا في شرح العلاقة بين رقص اينول واهتزازها الذي يشبه الى حد كبير اهتزازات الاشعة الكونية في الفضاء. اكثر من ذلك، ولد فيل في اندونيسيا من فصيلة نادرة في طريقها الى الانقراض، فأطلق عليه اسم اينول واقيمت حفلة في رامايانا اشعلتها اينول برقصها وغنائها، الى درجة ان احد الصحافيين اطلق عليها اسم "صحوة النار" في جاكرتا.
- النهار - 28.09.2003
كانت جنيفر لوبيز في آخر كليب لها ترقص على مائدة يجلس اليها مجموعة من الرجال يتصببون عرقا. المفروض انهم لجنة تحكيم في مسابقة رقص. تنتهي الاغنية بجنيفر منسحبة من القاعة وهي تهندم المايوه وسط ذهول لجنة التحكيم في الاغنية. جنيفر لوبيز بجسدها المنحوت بعناية ربانية، وبلونها البرونزي الباهت الى اقصى درجات الوضوح، وبنظرتها القادرة على تحطيم الاعصاب تماما، يقال انها دفعت رقما خياليا للتأمين على مؤخرتها (لا عجب!). الارجح ان شاكيرا فعلت الامر نفسه واكثر. وإن كانت جنيفر ليست في مستوى شاكيرا، فهذه الاخيرة "سوسحت" البشر. استعملت الايقاع العربي في موسيقاها ورقصها الشرقي، فجعلت العالم يتحرك على ايقاع ردفيها.
حين نقول شاكيرا، نقول الصاروخ العابر للفضائيات. فهي المثال لفتيات الحياة وللمغنيات. لكن ما ان ظهرت اينول حتى قالوا انها "شاكيرا الاندونيسية"، لسبب واحد: اثارة الجمهور من خلال الرقص. فشاكيرا صاعقة في الرقص الشرقي الايقاعي، واينول التي كان اول ظهور لها في واحدة من حفلات المغني روما ايراما بدت بوجه بريء رغم رقصها الماجن المثير الذي فتن الجماهير. تقول ان رقصها ينطلق من رسم دوائر حول خصرها فتتصاعد الموسيقى ويتسع معها قطر الدائرة وتتسارع الحركات.
اينول دارانيستا، اي اينول ذات النهدين، في الرابعة والعشرين من العمر. تقول عنها مجلة "لونوفيل اوبسرفاتور" الفرنسية انها تنتمي الى عائلة بسيطة من عائلات قرية صغيرة في شرق جزيرة جاوا. اسمها الحقيقي اينول روخيما ومعناه "مصدر النعمة" او "عين (نبع) الرحمة". كانت دائما مصدر سخرية منذ صغرها بسبب مؤخرتها الكبيرة الحجم قياسا الى جسمها. وقد ترسخ لديها منذ طفولتها اعتقاد بأن تركيبتها الجسمانية المثيرة سوف تكون اكثر اثارة بحسب ما تنقل الصحف.
بدأت ظاهرة اينول في اول التسعينات، وكان اول ظهور لها في صحبة موسيقى البوب الشعبية الاندونيسية، المعروفة باسم "دانغ دوت" المشتقة من موسيقى صحراوية انتشرت في الثلاثينات لدى الطوائف ذات الاصول العربية في اندونيسيا. وعندما حصلت اندونيسيا على الاستقلال في 1945 تزاوجت الموسيقى العربية مع موسيقى الافلام الهندية التي كانت تصدح في دور السينما في الارخبيل الاندونيسي. علينا ان نذكر ان الكلام كثر في الفترة الاخيرة عن تزاوج الموسيقى العربية مع انماط موسيقية اخرى. ففي عدد آب من مجلة "هاي" كتب جوناثان ليسر عن انتشار الموسيقى العربية وتطورها وتأثيرها الواضح في عملية تهجين موسيقى البوب الاميركية. ورأى ليسر ان "الايقاع العربي له سحر غامر يسري في الجسم، فلا يملك الا ان يهتز له". والامر نفسه مع موسيقى "الدانغ دوت" القائمة على مزيج من الايقاع العربي والايقاع الشعبي الاندونيسي، فهي تسري في جسد اينول، وجسد اينول بدوره يشعل الجمهور كما لو انه يشعل الحطب اليابس.
اول من اطلق موسيقى "الدانغ دوت" في بداية السبعينات كان المغني الشهير روما ايراما فأصبحت تلك الموسيقى نوعا من الروك المحلي. عندما ادى هذا المغني مناسك الحج في مكة، اضاف الى اسمه لقب حاجي (حاج) وراون (امير). وحمل لقب "الحاج امير الايقاع" الى جانب لقب آخر هو "فارس الايمان". فكان يبدأ حفلاته بآيات قرآنية ويحمل في يده غيتارا كهربائيا وكانت معظم اغانيه اشبه بالوعظ. فهي تدين القمار وملاهي المجون والخمر والزنى وتدعو الى الوحدة الوطنية. وتحوي موسيقى ايراما كلاماً يبنى اساسا على معان سياسية واجتماعية. وهذه الموسيقى طالما استخدمها السياسيون في اندونيسيا ليضمّنوها ايديولوجياتهم وخطبهم الاجتماعية. في البداية دعم الرئيس الاندونيسي الاول احمد سوكارنو تزاوج الموسيقى العربية والاندونيسية على امل ان تقف الموسيقى الجديدة حاجزا امام غزو الافلام الهوليوودية الاميركية والتي كان يعتبرها رمزا للامبريالية الغربية، عدوة بلاده. وفي الثمانينات من القرن الماضي، استخدم الجنرال سوهارتو الـ"الدانغ دوت" لكسب ود الطبقة العاملة الاندونيسية، ومع تدخل الشركات الكبرى في صناعة الـ"دانغ دوت" لم تعد هذه الموسيقى خاصة بالفقراء بل بات جمهورها يشمل القرى والمدن الكبرى على حد سواء. هذه السنة يتقدم حزب الصحوة الاندونيسي من اينول بطلب قيادة الحملة الانتخابية للحزب في العام ،2004 وقام زوج الرئيسة الاندونيسية الحالية، بتنفيذ جلسة تصوير مع اينول بدا خلالها زوج الرئيسة وهو يحاول الرقص على خطواتها وبرفقتها، مما اثار جدلا واسعا في البلاد.
وكان روما ايراما اعد مجموعة من الاغاني خصيصا من اجل اينول وزعت مبيعاتها اكثر من 15 مليون نسخة في انحاء اندونيسيا، وهي كلها مقرصنة، ذلك لأن اينول لم تصدر البوماً رسمياً حتى اللحظة. وفي خضم نجوميتها المتألقة وشعبيتها الطاغية وكلماتها المتداولة وتحديدا في شباط 2003 اصدر مجلس العلماء الاندونيسيين فتوى تقول ان رقص اينول وملابسها من المحرمات طبقا للقانون الذي يحرم الاباحية والخلاعة والمجون. هذه الفتوى اغضبت اينول فردت عليها في حوار مع مجلة "تايم" الاميركية معتبرة ان مجلس العلماء لا يمثل كل مشايخ اندونيسيا ولا يحق له الحكم بالاجماع على امر من الامور. وقالت ان "على علماء الدين ان يفهموا ان اندونيسيا ليست بلدا اسلاميا، اندونيسيا بلد ديموقراطي"، و"لماذا يهتمون بي الى هذه الدرجة بينما تنتشر الافلام البورنوغرافية، والساهرات في الشوارع؟ لقد اختاروني لحربهم كوني عدوا سهلا"، لتقول ايضا "انا مسلمة وانا فنانة ولا اريد ان امزج بين الهويتين".
وكان الشيخ مصطفى بصري (او البيسري) اول من هب للدفاع عن اينول، وانتهز فرصة الاحتفال بأعياد رأس السنة الهجرية اوائل آذار الماضي فعرض لوحة كبيرة لأينول في اكبر مساجد العاصمة، وهي ترقص وتتمايل في اكثر الحانها اثارة، وعنوانها "الذكر مع اينول"، وتعرض اللوحة لمجموعة من علماء الدين يتحلقون حول المغنية وهي ترقص بينهم. واعتبر الشيخ الصوفي ان الله ينتقي خيرة العلماء من خلال اختلاجات اينول وتمايلاتها. وجاء رد الفعل من جانب جماعة اسلامية شبابية بالتهديد بحرق المسجد اذ لم ترفع هذه اللوحة منه، لكن الشيخ الصوفي وانصاره لم يخشوا التهديد ولم يتراجعوا. ونعلم ان اندونيسيا هي اكبر امة اسلامية في العالم من ناحية تعداد سكانها.
لم تهجم الجماعات الاصولية فقط على اينول، ففي شهر نيسان الماضي هاجمها روما ايراما بشدة بالرغم من انه كان قد وصفها بأنها بمثابة شقيقته الصغرى لكنه اتهمها بأنها القت بموسيقى "دانغ دوت" في الوحل وساهمت في تدمير نسيج المجتمع الاندونيسي وهويته. بعد هذا الاتهام ظهرت اينول في احد البرامج التلفزيونية وهي تبكي بسبب هجوم "فارس الايمان" عليها. في معنى آخر، اينول متمردة، وتمردها يذكّرنا بمغني الراب الاميركي ايمينيم. فعلى الرغم من ان البعض يشبّه اينول بشاكيرا في الرقص وهز الاوراك فهناك من يشبهها بأمينيم الغاضب الذي وصفه بوش بأنه "اخطر تهديد لأطفال اميركا منذ شلل الاطفال". فهو الابيض الذي يغني الراب بحنجرة اسود، ويسخط ضد امه. انه فنان صاحب موهبة في الاستفزاز.
رقص اينول يستفز غلاة الاصولية الدينية لكن الطريف ان غالبية الشعب الاندونيسي لا تخفي انحيازها الواضح الى اينول. هو انحياز الى ايقونة الترفيه والاثارة ضد زمن الديكتاتور العسكري. فحين منعت زوجة حاكم احدى المدن اينول من الغناء، ادى ذلك الى اندلاع تظاهرات في المدينة احتجاجا على المنع.
صحوة النار
لم تقتصر الحماسة لاينول على الفئات الشعبية، بل ان البعض من اقطاب الثقافة كتبوا في مديحها، مثل الشاعر المسلم الشهير امها اينون نجيب الذي هاجم روما ايراما لمهاجمته اياها قائلا: "مؤخرتك يا اينول هي وجهنا كلنا". علينا ان نتذكر هنا قول احد القادة بأن "العجيزة هي الوجه الخلفي للمرأة". والعالم يتأرجح بين ارداف الكولومبية - اللبنانية شاكيرا واينول الاندونيسية.
اليس العالم جميلا ايها السادة؟
كتب ماركيز عن شاكيرا التي بات اسمها مجاورا للنجوم، راصدا يومياتها وحركاتها وسكناتها، ومتناولا بداياتها. حينما اطلقت اغنيتها الاولى في عامها السابع، قال "انها اذا لم تغن فلن تعيش". قالت له: "اذا لم اغنّ فسأموت". استغرب البعض ما كتبه الروائي الكولومبي واستهجن ان يكتب ماركيز عن مغنية. لكن الامور ليست على هذه البساطة، فالشعور بالفوقية بات موضة قديمة. ربما سنجد ماركيز يكتب في يوم قريب عن اينول بالشعور نفسه الذي كتب فيه عن شاكيرا.
ابعد من الادب والفن، فقد دخل رقص اينول في نقاشات الاطباء والفيزيائيين. فقد استضافت احدى الصحف الاندونيسية ثلاثة اطباء، اثنين من الجراحين واختصاصيا في امراض النساء، فأكدوا جميعا ان رقص اينول يمكن ان يضر بالعظام والاعضاء الرقيقة، لكنها تمتلك موهبة خاصة بجسدها اللين. وفي جريدة "كومبارس" افاض احد اساتذة الفيزياء في جامعة اندونيسيا في شرح العلاقة بين رقص اينول واهتزازها الذي يشبه الى حد كبير اهتزازات الاشعة الكونية في الفضاء. اكثر من ذلك، ولد فيل في اندونيسيا من فصيلة نادرة في طريقها الى الانقراض، فأطلق عليه اسم اينول واقيمت حفلة في رامايانا اشعلتها اينول برقصها وغنائها، الى درجة ان احد الصحافيين اطلق عليها اسم "صحوة النار" في جاكرتا.
- النهار - 28.09.2003