نقوس المهدي
كاتب
(حين يَعشق الرجل يؤنث)
والجملة للناقد الفرنسي رولان بارت! لهذا فهي اعتراف بأن العشق سمة أساسية من سمات الأنوثة، باعتباره، أي العشق، صنوا للغوص في الآخر، وأقصد الآخر هنا بالمعنى الاجتماعي لا بالمعنى البيولوجي فحسب، وباعتبار أن العشق كذلك صنو لتأليه الآخر وجعله الأسبق في سلّم الأولويات! وهذا ما عملت الأنثى دوماً على إثباته، ولنقل الأنثى بالمعنى المطلق دون أن نغفل الفروقات الفردية والاجتماعية والزمانية والمكانية والإيديولوجية وغيرها.
لربما بدا أن الرجل حين يعشق تُحفّز الأنثى النائمة في داخله، وفي داخل كل رجل، كي تمتلك ساحة الشعور الخاصة به، وبالتالي تطغى الأنوثة الجوانية على الذكورة فـ"يؤنث". كما تطغى الذكورة على الأنوثة في داخل المرأة حين تهبّ لتبني القيم البطريركية وإعلان الحرب على كل من لا تخضع لها، وبالتالي تجعل العدوانية والعنف يقودانها وليس أنوثتها!.
في استمرارية دلالية لجملة رولان بارت فالرجل حين يكتب يؤنث أيضاً! لأن الكتابة، كما العشق، تحفيز للأنوثة المطمورة في داخل الرجل، وفي تكملة فانتازية لن تكون كتابة المرأة إلا استجابة لنداء الأنوثة من جوانيتها، فالكتابة التي لا تؤنث لا يعوّل عليها، وفاء لشيخنا ابن عربي: كل ما لا يؤنث لا يعوّل عليه. يكمن الأمر برمته في أن الكتابة (الحقيقية) هي فعل عشق، وبالتالي فهي فعل تأنيث. أو لنقل إن الكتابة، الإبداعية منها على وجه التخصيص، تحمل كل ميزات التأنيث الحقيقي، وربما كل ميزات النسوية بمعناها المصطلحي، التي لم تشوّهها جائحات السلطات البطريركية، بمختلف أشكالها، على مرّ الزمان.
النص والجسد الأنثوي: توأمان بيولوجيان
من أسرار اللذة الجسدية أن الأنثى تعيشها بكامل جسدها، وتستمتع بمتعة الجنس بكل أجزائها، حيث أن رغبتها لا تتركز في منطقة أو جزء واحد منها كما تتركز لذة الرجل عموماً. هذا يعني أن طريقة ممارسة الجسد الأنثوي للذة تشبه ممارسة الكتابة، إذا اتفقنا بالطبع أن الكتابة، باعتبارها طريقة للعيش، تتطلب بذل الجسد كله في فعلها، بمعنى أن الجسد برمته، فيزيائياً وبيولوجياً وذهنياً وحتى ميتافيزيقياً، يشتغل أثناء عملية الكتابة. هل يشبه الأمر فعل تأنيث إذاً؟ ويمكننا ألا نغفل أن الجسد الأنثوي، بما هو صنو للخطوط المنحنية والزوايا الدائرية، هو التعبير الأكمل عن الكتابة المدوّرة (الحقيقية برأيي) في مواجهة الكتابة الحادة والمنكسرة (المزيفة برأيي أيضاً) التي كانت سائدة على مدار سنوات طويلة من عمر القمع مختلف التمظهرات.
من المؤكد، استكمالاً لما سبق، أن الخصب هو من أهم الصفات البيولوجية للتأنيث، والتي لم تستطع السلطات الذكورية تجريدها منها منذ أيام الأرباب الأسطوريين وحتى جنون العلم اليوم. والخصب هو أكمل صفة يمكن أن تطلق على كتابة: كتابة خصبة. حينها سيكون النص قادراً على التوالد اللغوي الذاتي من داخله، قادراً على الانفتاح على آفاق رحبة يصنعها القارئ بقراءته، وقادراً كذلك على الخلق الذي هو صنو للتجدد والانبعاث.
للنص المنشود صفات الجسد الأنثوي البيولوجية، وطريقته في ممارسة اللذة، ومنحنياته الظاهرية المغوية، وكذلك خصبه المتفرد.
توأمان اجتماعيان ووجدانيان أيضاً:
حين ممارسة الكتابة يحتاج الكاتب/ الكاتبة إلى قتل الثنائيات الحادة لأنها مقتل الكتابة التي تتحرك في منطقة الألوان اللامحدودة وليس في منطقة الأسود والأبيض المختصرة والممسوخة. وهذا من أولى علامات التأنيث، وفي كلمة أدق، من أهم علامات النسوية، أي القدرة على التعدد والتلون خارج الثنائيات الضدية. ومن المعروف أن مدارس النقد النسوي، المنتمية إلى تيارات ما بعد الحداثة الغربية، تركّز على هذه الفكرة بالذات، أي على تفعيل الكتابة الهامشية التي تعنى بالتعدد والتلون والتي تعنى أيضاً بقتل المطلق والانتصار للنسبية، والوقوف ضد المدجن في جبهة الفكر البري، وهذا المبدأ الأخير هو من أهم نضالات النسوية. وأقصد بالبري هنا الفكر العصي على التدجين، الفكر البري الذي لا يحفل بمفاصل الأخلاق الاجتماعية السائدة ولا بالعقوبات القطيعية التي لا تعمل إلا على تكبيل المبدع/ المبدعة خصوصاً إذا كانا من ألد أعدائها.
على هذا فالنص الذي يعتمد وجهة النظر الأحادية يجعل من الكاتب طاغية يقود لغته بخيوط متينة ومرئية مربوطة إلى أصابعه، كأن الكلمات مجموعة من الجنود ينفذون الأوامر دون اعتراض، مما يؤدي بالتأكيد إلى عقم النص وانغلاقه. يبدو الأمر أكثر وضوحاً في النصوص السردية فحين تتعدد الشخصيات، بالمعنى الكمّي والداخلي، وتعبر كل منها عن وجهة نظرها دون أحكام ودون تقييم تصبح مهمة السارد أصعب وهي القدرة على الغوص في الدواخل المختلفة، والقدرة على سبر الأمزجة المتباينة والقناعات والأفكار المتعددة وربما المتناقضة، والأهم هو القدرة على تبني مبادئ الآخر والدفاع عنها كما لو أنها مبادئ الكاتب الشخصية. على هذا فأجمل ما يمكن أن يتمثله كاتب/ كاتبة هو عشق الشخصيات كي تتم كتابتها، ولن نستطيع أن نعشق دون اقتناع بماهية الاختلاف، بمعنى القدرة على عشق الآخر مهما اختلف، وهذه سمة أساسية من سمات التأنيث.
لكن المفارقة أن المشهد الثقافي والإبداعي العربي، وعلى الرغم من توافقيته المعبرة بامتياز عن خوفه من القطيعة الفكرية والأخلاقية والسياسية، يرزح منذ مئات السنين تحت ثقل الثنائيات الحادة: أبيض أسود، أنا الآخر، الله الشيطان. وبالتالي أن يقتنع الكاتب/ الكاتبة بالغوص في دواخل أيَ كان ليكتبه بلا دروس وبلا صبغة تعليمية هو إنجاز حقيقي وانقلاب على إرث متراكم يعتبر الآخر مجرد عدو، وفي أحسن الأحوال مجرد مستقبل غير مبال وغير معني به.
للكتابة على هذا قدرة الفكر النسوي في الاختلاف، وفي قتل الثنائيات الضدية وتقويض المطلق، وبالتالي في الانتصار للبري ضد المدجن.
هل لهما الرغبة ذاتها في التمرد؟
من أهم سمات الكتابة الرغبة في تقويض السلطة (لغوياً)، أية سلطة كانت دينية أم اجتماعية أم سياسية أم فكرية، خصوصاً أن السلطات ارتبطت عموماً وعلى مرّ التاريخ بالبطريركية الذكورية، أي بالأقوى على كل الصعد، وهذه أيضاً من أهم علامات التأنيث التي كانت منتمية للهامش دوماً وتعاني من قمع المتن. وبما أن الكتابة المعبرة عن وجهة نظر السلطة هي كتابة المنتصر فمن الطبيعي أن يعمل ذلك المنتصر/ الأقوى على تجيير النصوص لصالحه، فيما تكون كتابات الهامش، أو كتابات المهزوم إن صح التعبير، مهملة ومنسية ومبعدة أو مجبرة على ذلك، مما يجعل من الرغبة في تقويض السلطة طاقة محفزة لكتابة نص مغاير ومختلف عما اعتدنا سماعه وقراءته. سنقرأ الإمام علي مثلاً في نص خارجي، وتاريخ العباسيين من وجهة نظر المعتزلة، وربما عرفنا التاريخ الإسلامي برمته من وجهة نظر القرامطة، وماهية الرجل من خلال نص المرأة وهكذا دواليك. سنعرف، عبر تفعيل كتابات الهامش، كل ما خفي لقرون عديدة، وبالتالي سنستطيع نبش كل ما عملت الأيام على ردمه وإخفائه.
في فكرة لا تبتعد عما سلف يرى ميشيل فوكو أن الناس يعتقدون أن لغتهم هي خادمتهم، ولا يدركون أنهم يخضعون هم أنفسهم لها. بناء على ذلك ستكون محاولات الإبداع العربي الدائمة لإخضاع اللغة، سواء أكان الإخضاع منهجياً أو إيديولوجياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو دينياً، باعتبار أن اللغة ليست إلا خادمة لهذا الإبداع وهي في النهاية محاولات لإخضاع الآخر. وفي فكرة مقبلة يتم الخضوع للغة، بالمعنى الجدلي بالطبع، حين يترك لها المجال للانتصار والإبداع والتفتح خارج القمقم المكرّس، حينئذ فحسب يكون المجال قد فسح للآخر كي يلج إلى المناطق المظلمة، وكم من مناطق مظلمة في ثقافتنا العربية! وبالتالي تكون اللغة قد أنّثت.
.
والجملة للناقد الفرنسي رولان بارت! لهذا فهي اعتراف بأن العشق سمة أساسية من سمات الأنوثة، باعتباره، أي العشق، صنوا للغوص في الآخر، وأقصد الآخر هنا بالمعنى الاجتماعي لا بالمعنى البيولوجي فحسب، وباعتبار أن العشق كذلك صنو لتأليه الآخر وجعله الأسبق في سلّم الأولويات! وهذا ما عملت الأنثى دوماً على إثباته، ولنقل الأنثى بالمعنى المطلق دون أن نغفل الفروقات الفردية والاجتماعية والزمانية والمكانية والإيديولوجية وغيرها.
لربما بدا أن الرجل حين يعشق تُحفّز الأنثى النائمة في داخله، وفي داخل كل رجل، كي تمتلك ساحة الشعور الخاصة به، وبالتالي تطغى الأنوثة الجوانية على الذكورة فـ"يؤنث". كما تطغى الذكورة على الأنوثة في داخل المرأة حين تهبّ لتبني القيم البطريركية وإعلان الحرب على كل من لا تخضع لها، وبالتالي تجعل العدوانية والعنف يقودانها وليس أنوثتها!.
في استمرارية دلالية لجملة رولان بارت فالرجل حين يكتب يؤنث أيضاً! لأن الكتابة، كما العشق، تحفيز للأنوثة المطمورة في داخل الرجل، وفي تكملة فانتازية لن تكون كتابة المرأة إلا استجابة لنداء الأنوثة من جوانيتها، فالكتابة التي لا تؤنث لا يعوّل عليها، وفاء لشيخنا ابن عربي: كل ما لا يؤنث لا يعوّل عليه. يكمن الأمر برمته في أن الكتابة (الحقيقية) هي فعل عشق، وبالتالي فهي فعل تأنيث. أو لنقل إن الكتابة، الإبداعية منها على وجه التخصيص، تحمل كل ميزات التأنيث الحقيقي، وربما كل ميزات النسوية بمعناها المصطلحي، التي لم تشوّهها جائحات السلطات البطريركية، بمختلف أشكالها، على مرّ الزمان.
النص والجسد الأنثوي: توأمان بيولوجيان
من أسرار اللذة الجسدية أن الأنثى تعيشها بكامل جسدها، وتستمتع بمتعة الجنس بكل أجزائها، حيث أن رغبتها لا تتركز في منطقة أو جزء واحد منها كما تتركز لذة الرجل عموماً. هذا يعني أن طريقة ممارسة الجسد الأنثوي للذة تشبه ممارسة الكتابة، إذا اتفقنا بالطبع أن الكتابة، باعتبارها طريقة للعيش، تتطلب بذل الجسد كله في فعلها، بمعنى أن الجسد برمته، فيزيائياً وبيولوجياً وذهنياً وحتى ميتافيزيقياً، يشتغل أثناء عملية الكتابة. هل يشبه الأمر فعل تأنيث إذاً؟ ويمكننا ألا نغفل أن الجسد الأنثوي، بما هو صنو للخطوط المنحنية والزوايا الدائرية، هو التعبير الأكمل عن الكتابة المدوّرة (الحقيقية برأيي) في مواجهة الكتابة الحادة والمنكسرة (المزيفة برأيي أيضاً) التي كانت سائدة على مدار سنوات طويلة من عمر القمع مختلف التمظهرات.
من المؤكد، استكمالاً لما سبق، أن الخصب هو من أهم الصفات البيولوجية للتأنيث، والتي لم تستطع السلطات الذكورية تجريدها منها منذ أيام الأرباب الأسطوريين وحتى جنون العلم اليوم. والخصب هو أكمل صفة يمكن أن تطلق على كتابة: كتابة خصبة. حينها سيكون النص قادراً على التوالد اللغوي الذاتي من داخله، قادراً على الانفتاح على آفاق رحبة يصنعها القارئ بقراءته، وقادراً كذلك على الخلق الذي هو صنو للتجدد والانبعاث.
للنص المنشود صفات الجسد الأنثوي البيولوجية، وطريقته في ممارسة اللذة، ومنحنياته الظاهرية المغوية، وكذلك خصبه المتفرد.
توأمان اجتماعيان ووجدانيان أيضاً:
حين ممارسة الكتابة يحتاج الكاتب/ الكاتبة إلى قتل الثنائيات الحادة لأنها مقتل الكتابة التي تتحرك في منطقة الألوان اللامحدودة وليس في منطقة الأسود والأبيض المختصرة والممسوخة. وهذا من أولى علامات التأنيث، وفي كلمة أدق، من أهم علامات النسوية، أي القدرة على التعدد والتلون خارج الثنائيات الضدية. ومن المعروف أن مدارس النقد النسوي، المنتمية إلى تيارات ما بعد الحداثة الغربية، تركّز على هذه الفكرة بالذات، أي على تفعيل الكتابة الهامشية التي تعنى بالتعدد والتلون والتي تعنى أيضاً بقتل المطلق والانتصار للنسبية، والوقوف ضد المدجن في جبهة الفكر البري، وهذا المبدأ الأخير هو من أهم نضالات النسوية. وأقصد بالبري هنا الفكر العصي على التدجين، الفكر البري الذي لا يحفل بمفاصل الأخلاق الاجتماعية السائدة ولا بالعقوبات القطيعية التي لا تعمل إلا على تكبيل المبدع/ المبدعة خصوصاً إذا كانا من ألد أعدائها.
على هذا فالنص الذي يعتمد وجهة النظر الأحادية يجعل من الكاتب طاغية يقود لغته بخيوط متينة ومرئية مربوطة إلى أصابعه، كأن الكلمات مجموعة من الجنود ينفذون الأوامر دون اعتراض، مما يؤدي بالتأكيد إلى عقم النص وانغلاقه. يبدو الأمر أكثر وضوحاً في النصوص السردية فحين تتعدد الشخصيات، بالمعنى الكمّي والداخلي، وتعبر كل منها عن وجهة نظرها دون أحكام ودون تقييم تصبح مهمة السارد أصعب وهي القدرة على الغوص في الدواخل المختلفة، والقدرة على سبر الأمزجة المتباينة والقناعات والأفكار المتعددة وربما المتناقضة، والأهم هو القدرة على تبني مبادئ الآخر والدفاع عنها كما لو أنها مبادئ الكاتب الشخصية. على هذا فأجمل ما يمكن أن يتمثله كاتب/ كاتبة هو عشق الشخصيات كي تتم كتابتها، ولن نستطيع أن نعشق دون اقتناع بماهية الاختلاف، بمعنى القدرة على عشق الآخر مهما اختلف، وهذه سمة أساسية من سمات التأنيث.
لكن المفارقة أن المشهد الثقافي والإبداعي العربي، وعلى الرغم من توافقيته المعبرة بامتياز عن خوفه من القطيعة الفكرية والأخلاقية والسياسية، يرزح منذ مئات السنين تحت ثقل الثنائيات الحادة: أبيض أسود، أنا الآخر، الله الشيطان. وبالتالي أن يقتنع الكاتب/ الكاتبة بالغوص في دواخل أيَ كان ليكتبه بلا دروس وبلا صبغة تعليمية هو إنجاز حقيقي وانقلاب على إرث متراكم يعتبر الآخر مجرد عدو، وفي أحسن الأحوال مجرد مستقبل غير مبال وغير معني به.
للكتابة على هذا قدرة الفكر النسوي في الاختلاف، وفي قتل الثنائيات الضدية وتقويض المطلق، وبالتالي في الانتصار للبري ضد المدجن.
هل لهما الرغبة ذاتها في التمرد؟
من أهم سمات الكتابة الرغبة في تقويض السلطة (لغوياً)، أية سلطة كانت دينية أم اجتماعية أم سياسية أم فكرية، خصوصاً أن السلطات ارتبطت عموماً وعلى مرّ التاريخ بالبطريركية الذكورية، أي بالأقوى على كل الصعد، وهذه أيضاً من أهم علامات التأنيث التي كانت منتمية للهامش دوماً وتعاني من قمع المتن. وبما أن الكتابة المعبرة عن وجهة نظر السلطة هي كتابة المنتصر فمن الطبيعي أن يعمل ذلك المنتصر/ الأقوى على تجيير النصوص لصالحه، فيما تكون كتابات الهامش، أو كتابات المهزوم إن صح التعبير، مهملة ومنسية ومبعدة أو مجبرة على ذلك، مما يجعل من الرغبة في تقويض السلطة طاقة محفزة لكتابة نص مغاير ومختلف عما اعتدنا سماعه وقراءته. سنقرأ الإمام علي مثلاً في نص خارجي، وتاريخ العباسيين من وجهة نظر المعتزلة، وربما عرفنا التاريخ الإسلامي برمته من وجهة نظر القرامطة، وماهية الرجل من خلال نص المرأة وهكذا دواليك. سنعرف، عبر تفعيل كتابات الهامش، كل ما خفي لقرون عديدة، وبالتالي سنستطيع نبش كل ما عملت الأيام على ردمه وإخفائه.
في فكرة لا تبتعد عما سلف يرى ميشيل فوكو أن الناس يعتقدون أن لغتهم هي خادمتهم، ولا يدركون أنهم يخضعون هم أنفسهم لها. بناء على ذلك ستكون محاولات الإبداع العربي الدائمة لإخضاع اللغة، سواء أكان الإخضاع منهجياً أو إيديولوجياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو دينياً، باعتبار أن اللغة ليست إلا خادمة لهذا الإبداع وهي في النهاية محاولات لإخضاع الآخر. وفي فكرة مقبلة يتم الخضوع للغة، بالمعنى الجدلي بالطبع، حين يترك لها المجال للانتصار والإبداع والتفتح خارج القمقم المكرّس، حينئذ فحسب يكون المجال قد فسح للآخر كي يلج إلى المناطق المظلمة، وكم من مناطق مظلمة في ثقافتنا العربية! وبالتالي تكون اللغة قد أنّثت.
.
صورة مفقودة