لورد كاڤي - في سيكولوچيا الذكر والأنثى: نقد علمي لأسطورة يوسف وزُليخة

أذاع تلفزيون جمهورية إيران الإسلامية الحكومي منذ عامين مسلسلًا تاريخيًا بعنوان “يوسف الصدّيق.” حكي المسلسل قصة يوسف، الذي يؤمن به معتنقي كل من اليهودية، المسيحية، والإسلام كنبي مُرسل.
حاول كثير من الباحثين ربط شخصية يوسف، المذكور في العهدين القديم والجديد والقرآن، بيويا، وهو أحد رجال البلاط الملكي الفرعوني الأقوياء الذي ينتمي للأسرة الثامنة عشر. يوجد، في الواقع، بعض التقارب بين الشخصيتين، ولكن هذا لا يجعلني أجزم بصحة هذه العلاقة، غير أن هناك الكثير من العوائق التي تمنعني من التصديق في صحة هذا الربط التاريخي، وعلى أي حال، لا تمثل هذه النقطة مثار مقالتي.
تحكي هذه القصة المزعومة، إجمالًا، عن ولع زُليخة، امرأة العزيز، بيوسف وعن محاولاتها المُضنية لإغوائه جنسيًا. وهي المحاولات التي فشلت جميعها مما سبب هذا حرجًا بالغًا لعزيز مصر وامرأته عندما سرت هذه الحكاية في جنبات الإمبراطورية وانتشرت، حتى استنكر النبلاء والرعية، على السواء، أفعال زُليخة، التي من المُفترض أن تكون امرأة العزيز، أو بوتيفار، وهو سيد ذو شأن رفيع في الدولة الفرعونية، مقارنةً بيوسف، والذي ليس فقط من العوام، بل سجين من سجناء القصر، على اعتبار صحة الروايات الدينية.
ماذا تفعل زُليخة لتبرير موقفها؟ نظمت حفلًا دعت إليه كل النبيلات، وأعطت كل منهن برتقالة وسكين. ولمّا أطلعت يوسف عليهن، قطّعن أيديهن جميعًا بدلًا من تقطيع البرتقالة؛ لأنهن لم يستطعن تحمّل النظر إلى جماله!
حُجتى في هذه المقالة هي حُجة شخصية متبوعة بأطروحة سيكولوچيا، وهذا مجرد تحليل منطقي للنص الديني نفسه، وهو ليس تحليل امرأة، ولا حتى خبير في العلاقات. ولكني، على القل، أدرك مدى اختلاف كيمياء العاطفة بين نوعيّ الذكر والأنثى.
غالبًا، لا تُفتن المرأة من أول نظرة، ولا تُمسّ لمجرد رؤية ذكر، بغض النظر عن مدى جماله، فهذه ليست الطريقة التي تقع بها المرأة في الحب. قد تؤخذ كل امرأة بجمال معيّن، وتصرّح بهذا وقتما تتعرض لهذا النوع المفضّل لديها من الجمال، ولكنها لا تبلغ مرحلة الهوس المذكورة في قصة يوسف وزُليخة على أي حال.
هذا النوع من الحب، حب الوهلة الأولى، لا يتواجد تجريبيًا إلا في الذكور، وبقوة. كلنا يعرف جيدًا قصص الرجال الذين يلمحون امرأة جميلة عابرة، فتُصدم سياراتهم، كما تُصدم حواسهم بالضبط، في حادثة طريق بسبب هذا النوع من الانبهار أو الفتنة اللحظية بجمال المرأة، أو يصطدمون، أنفسهم، بحائط، أو يسكبون سائلًا كان في أيديهم، أو حتى يقعون في مجرى مائي؛ كونهم لم يتمالكوا أنفسهم لحظة إطلالة المرأة الجذابة.
لا أحتاج لضرب المزيد من الأمثلة، خاصةً إذا كنت رجلًا، كي يعي القارئ ما أقصد. وقد يستعيض القارئ عن أمثالي بسماعه وقرائته لكلمات أغنية چيمز بلانت الشهيرة، “أنت جميلة!” والتي تصف هذه الفكرة التي سبق وأوضحتها؛ يقابل المغني امرأة فاتنة في الطريق بصحبة صديقها، فيُعجب بها، ويحبها، بل ويغني لها أيضًا.
من الصعب حقًا على أي امرأة تصديق ما جاء في قصة يوسف وزُليخة عن أن عدد ليس قليلًا من النسوة وقعن في الحب لهذه الدرجة الحالمة، جميعًا وفي نفس التوقيت، لدرجة أنهن قطّعن أيديهن بدلًا من تقطيع البرتقالة. وإذا كنت رجلًا، ومازلت لا تصدق، فأنت تحتاج على الأرجح لمزيد من التفهّم لطبيعة النساء السيكولوچية. وعلى الأقل، إذا ارتكبت امرأة واحدة هذا الفعل الغريب، وهو تقطيع يدها من المعصم مثلًا، بطريق الخطأ والسهو، فالبقيّة لن يحذون حذوها معًا. هذا النوع من الانجذاب الخاطف بالتحديد لا يحدث إلا في الرجال – المختلفون جذريًا، تطوريًا، فسيولوچيًا، ونفسيًا عن النساء.
وبناءً على كل ما تقدم ذكره، فإن علم النفس، السيكولوچيا، المُستخدم في قصة يوسف وزُليخة ليس صحيحًا، بل ومبنيًا على أسس غير علمية، ناتجة، تقريبًا، عن شخص غير مدرك لهذه الأسس.
كثيرات ممن قرأن مقالتي على مدونتي أو على شبكة شباب الشرق الأوسط وافقوا على مُجمل حُجتي، أن النساء لا يقعن في الحب لحظيًا. بينما آخرون، وغالبًا كانوا رجالًا، لم يوافقوا على تحليلي، بحجة أن هذا الكلام مكتوب في القرآن، والذي لا يمثل لي دليلًا قاطعًا على أي حال.
حُجتي هذه، أن النساء لا يقعن في الحب من أول نظرة أو على هذا المنوال الذي ذُكر في النصوص الدينية عامةً، مبنيّة على أطروحات علم نفس، ولكني في الوقت نفسه لا أملك دليلًا تجريبيًا على إمكانية عدم حدوث هذه القصة، مثلما لا يملك المتدينون أي دليل قاطع على إمكانية حدوثه.
أمّا السبب الذي دفعني لكتابة رأيي حول هذا الموضوع هو أني عثرت على الدليل التجريبي الذي يرمي لما تنبأت به منذ أكثر من عامين، وهو عبارة عن أطروحة تتفق ورأيي، تحت عنوان “دوزنة سيكولوچيا الانتباه التكيفيّة: أدلة على التمييز الإدراكي وعلاقتها بالتزاوج” (Adaptive attentional attunement: Evidence for mating-related perceptual bias)؛ من تأليف چون مانِر، ماثيو جايليوت، وناثان ديوول؛ والمنشورة في العدد الثامن والعشرين من دورية التطور والسلوك الإنساني (Evolution and Human Behaviour)؛ والصادرة في عام 2007، بين الصفحتين 28 إلى 36؛ قسم علم النفس، جامعة فلوريدا.
تُقيّم هذه الأطروحة العلاقة بين التمييز الإدراكي والتزاوج، بعدما أن درست هذه العلاقة على عينات من الذكور والإناث، وقد ترجمت مقتطفًا من هذه الأطروحة يتعلق بهذه المقالة تمامًا ويؤيد وجهة نظري، غير أنه يمكن للقراء الذين يرغبوا في الاستزادة الرجوع للأطروحة كاملةً من هنا.
“أثبتت نتائج هذه الدراسة، التي بين أيديكم، أن الجاذبية الظاهرية للأنثى، الهدف، حازت على انتباه الملاحِظين، العينة، في مرحلة مبكرة من عملية التجهيز البصري (Visual Processing)*** للعينات الملاحِظة. عجز الملاحظون، ذكورًا وإناثًا، عن تشتيت انتباههم عن الأهداف الأنثوية الجذابة. وقد تم تعيين هذا التمييز الإدراكي في مرحلة مبكرة للغاية، في أول ثانية فقط، من عملية التجهيز البصري.
“اتّسقت هذه النتائج، سابقة الذكر، مع الاحتمالية القائلة بأن العيّنات، الذكور والإناث على السواء، انتبهوا جميعًا للأهداف الأنثوية الجذابة عبر الإدراك تمييزي بغية غشباع رغبة التزاوج.
“لم يتم تعيين أي تمييز إدراكي على الملاحِظين من جرّاء تعرضهم لذكر جذاب. وهذه النتائج تواكب نظريات التطور التي تقترح أن الصفات الجسدية المتعلقة بالحكم على مدى جاذبية الأهداف من عدمها، والمتمثلة في ميكنة التمييز الإدراكي الذي مارسه الملاحظون على الأهداف الأنثوية والذكورية، تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد الحقيقة النفستطورية القائلة بأن المرأة، بالتحديد، تمثل القيمة الأكبر في عملية التزاوج، مقارنةً بالرجل.”
الختام: قد يستنتج القارئ الآن أن مؤلف أسطورة يوسف وزُليخة كان رجلًا، أو شخصًا ما لم يأخذ في اعتباره حقيقة سيكولوچية جوهرية تتمتع بها المرأة، وبالتالي لم يولي بدراستها أو تعيينها.
* كاڤي هي كلمة سنسكرتية، وتُعني حكيم أو مُفكّر أو قائد أو شاعر، وقد اسُخدمت كثيرًا لوصف آلهة أو شخصيات ذات تأثير في الأدب الهندي الكلاسيكي.
** هذه المقالة مُترجمة من الإنكليزية، وهي في الأصل مقالتين، هنا وهنا.
*** التجهيز البصري هي عملية تسلسلية تتدفق فيها البيانات المرئية من الحواس البصرية، كالعين في حالة الحيوان، إلى مراكز الإدراك العليا في المخ لتجهيز واستقبال الصورة. وتُطلق هذه العملية أيضًا على تدفق البيانات من خلال عدسة الكاميرا، أو أجهزة الاستشعار التي تستشعر أجزاء متباينة من الطيف الكهرومغناطيسي.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...