نقوس المهدي
كاتب
لم يعرف فرويد صديقنا الشاب، لكنّه كما أعتقد سيسعد بشدة حين يتأكد من نظريته الخالدة، ومن أن الإنسان لا يفكر سوى بما بين ساقيه، ولا شيء يشغل ذهنه أكثر من مؤخرة باهرة. ولا عجب في هذا لاسيما أنه، أي فرويد، كان متشائماً في رؤيته للحضارة، لأن تطورها حسب رأيه، يؤدي بالضرورة وبشكل متزايد إلى قمع الناس لغرائزهم الجنسية، وذلك لأن نمو الحضارة يعتمد بالضرورة على عملهم المتزايد، وبالتالي عليهم أن يتعلموا ضبط غرائزهم، وتأجيل أو إلغاء تلبيتها لفترات طويلة، ما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وشعور بالخواء والقنوط. وبذلك فإن الحضارة عند فرويد تؤدي لا محالة إلى الاغتراب والتعاسة. لقد أثبتت تقارير منظمة الصحة العالمية نبوءة فرويد، فهي تؤكد أن نسبة الأمراض النفسية، وخصوصاً الكآبة، قد بلغت الآن عشرة أمثال ما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، هذا على الرغم من التطور الكبير الذي حصل مؤخراً في مجال تشخيص وعلاج الأمراض النفسية.
سيسر فرويد كثيراً بعد أن يلقي نظرة متفحصة على ما آل إليه التقدم والتطور في المجتمعات الشرقية، وهنا، في العاصمة السورية دمشق، هاهو يجد ضالته أخيراً؛ فالشاب الذي جاء من الريف المحافظ في إحدى المناطق الداخلية للقطر ليكمل دراسته داخل المعهد العالي للفنون المسرحية (فعل الحضارة) يشكل نموذجاً مثالياً لنظريته في الكبت الجنسي، يستمر في التخبط بين جسده وثقافته بشكل مبالغ فيه هذه المرة، بالتزامن مع الظروف الاقتصادية الخانقة الأمر الذي يجعل (ماركس) يغوص في كرسيه وهو يلعن تركيبة البشر. وإذا كانت الأسس الثلاثة التي تركز عليها المدرسة التحليلية هي : الجنس - الطفولة - الكبت . فهي مفاتيح السيكولوجيا الفرويدية أيضاً، ولنبدأ بالطفولة، والتي هي مرحلة بدائية للكبت الجنسي:
لم يكن الشاب المسرحي الواعد سوى انعكاس لمنظومة كاملة من التخلف والجهل والعقد الغامضة، وصاحبنا فرويد يقول في هذا الشأن أنه في مرحلة الطفولة تشتد الهجمات الخيالية، والتي يراد بها إخفاء فاعليات العشق الذاتي، إذ تتضح لديه الجنسانية من وراء الهوامات أو (الفانتازم). الطفل الواعد في هذه الحالة كان يحلم أحلاماً سرية عن أنثى ترتدي جلابية أمه، وتشبه الممثلة الشهيرة (سهير رمزي)، تقوم باستدراجه ليلاً إلى غابات الزيتون، تفرك ظهره بالليفة، ثم تداعبه بشكل غامض بالنسبة إليه. وقد تم القبض عليه من قبل الأخ الأكبر يمارس العادة السرية على سطح البيت، ما سبب للشاب نوعاً من (الدفع) كما يدعوه فرويد. فهو، إلى جانب الأفعال الإرادية التي تعكس الأمنيات والرغبات، باتت تصيبه بعض الأفعال العارضة الخارجة عن إرادته كأن ينهي علاقاته العاطفية بشكل سريع إمعاناً في الكبت القهري ربما، أو استجابة لرغبة شديدة في التمسك بأي أنثى تمر في حياته.
المرحلة الثانية: الليبيدو، ويفسر باختصار بأنه الدافع الجنسي. فهو، أي الطفل الذي كبر وصار شاباً يدرس المسرح، إذ يأكل أو يشرب، و يلطش أفكار زملائه، يختزل قراءاته في كتابين أو ثلاث، ويعقد مواعيده الغرامية في الأماكن الأشد رخصاً في العاصمة، حتى في استعراضه الفكري أمام أي بنت على الطاولة يقع تحت سطوة الدافع الجنسي، فالجنس هو النشاط الذي يستهدف اللذة إذ يصبح الأداة التي تربط الشاب هنا بالعالم الخارجي.
هكذا يطبق الشاب الذي دخل الآن الثلاثينيات من عمره مبدأين هامين لدى فرويد هما اللذة والواقع، فالإنسان يتجه بطبيعته نحو اللذة العاجلة لمباشرة الرغبة، لكنه يواجه بحقائق البيئة المحيطة به، ومن ذلك المتطلبات الاجتماعية كالزواج. يعتقد الشاب أخيراً أنه سيفلت من فخ الزواج، بذريعة الخدمة العسكرية، وإذا بالفتاة تبدي رغبة صادقة في الانتظار، فيعمد إلى التهرب، وإلى تجنب اللذة التي سببت له ألاماً أكبر منها أو يؤجل تحقيقها. وفي محاولة مكشوفة للالتفاف على القفص الذهبيّ شوهد في الآونة الأخيرة يواعد فتاة جديدة، ولكي يجد لسلوكه تبريراً فكرياً عميقاً ابتدع نظريته الخاصة التي لم يسمع بها فرويد، فصديقنا الشاب توصل إلى أن كونه من منطقة داخلية يجعله بحاجة إلى فتيات من المدن الساحلية حصراً.
* قاصّة عراقيّة مقيمة في سوريا
الاوان
سيسر فرويد كثيراً بعد أن يلقي نظرة متفحصة على ما آل إليه التقدم والتطور في المجتمعات الشرقية، وهنا، في العاصمة السورية دمشق، هاهو يجد ضالته أخيراً؛ فالشاب الذي جاء من الريف المحافظ في إحدى المناطق الداخلية للقطر ليكمل دراسته داخل المعهد العالي للفنون المسرحية (فعل الحضارة) يشكل نموذجاً مثالياً لنظريته في الكبت الجنسي، يستمر في التخبط بين جسده وثقافته بشكل مبالغ فيه هذه المرة، بالتزامن مع الظروف الاقتصادية الخانقة الأمر الذي يجعل (ماركس) يغوص في كرسيه وهو يلعن تركيبة البشر. وإذا كانت الأسس الثلاثة التي تركز عليها المدرسة التحليلية هي : الجنس - الطفولة - الكبت . فهي مفاتيح السيكولوجيا الفرويدية أيضاً، ولنبدأ بالطفولة، والتي هي مرحلة بدائية للكبت الجنسي:
لم يكن الشاب المسرحي الواعد سوى انعكاس لمنظومة كاملة من التخلف والجهل والعقد الغامضة، وصاحبنا فرويد يقول في هذا الشأن أنه في مرحلة الطفولة تشتد الهجمات الخيالية، والتي يراد بها إخفاء فاعليات العشق الذاتي، إذ تتضح لديه الجنسانية من وراء الهوامات أو (الفانتازم). الطفل الواعد في هذه الحالة كان يحلم أحلاماً سرية عن أنثى ترتدي جلابية أمه، وتشبه الممثلة الشهيرة (سهير رمزي)، تقوم باستدراجه ليلاً إلى غابات الزيتون، تفرك ظهره بالليفة، ثم تداعبه بشكل غامض بالنسبة إليه. وقد تم القبض عليه من قبل الأخ الأكبر يمارس العادة السرية على سطح البيت، ما سبب للشاب نوعاً من (الدفع) كما يدعوه فرويد. فهو، إلى جانب الأفعال الإرادية التي تعكس الأمنيات والرغبات، باتت تصيبه بعض الأفعال العارضة الخارجة عن إرادته كأن ينهي علاقاته العاطفية بشكل سريع إمعاناً في الكبت القهري ربما، أو استجابة لرغبة شديدة في التمسك بأي أنثى تمر في حياته.
المرحلة الثانية: الليبيدو، ويفسر باختصار بأنه الدافع الجنسي. فهو، أي الطفل الذي كبر وصار شاباً يدرس المسرح، إذ يأكل أو يشرب، و يلطش أفكار زملائه، يختزل قراءاته في كتابين أو ثلاث، ويعقد مواعيده الغرامية في الأماكن الأشد رخصاً في العاصمة، حتى في استعراضه الفكري أمام أي بنت على الطاولة يقع تحت سطوة الدافع الجنسي، فالجنس هو النشاط الذي يستهدف اللذة إذ يصبح الأداة التي تربط الشاب هنا بالعالم الخارجي.
هكذا يطبق الشاب الذي دخل الآن الثلاثينيات من عمره مبدأين هامين لدى فرويد هما اللذة والواقع، فالإنسان يتجه بطبيعته نحو اللذة العاجلة لمباشرة الرغبة، لكنه يواجه بحقائق البيئة المحيطة به، ومن ذلك المتطلبات الاجتماعية كالزواج. يعتقد الشاب أخيراً أنه سيفلت من فخ الزواج، بذريعة الخدمة العسكرية، وإذا بالفتاة تبدي رغبة صادقة في الانتظار، فيعمد إلى التهرب، وإلى تجنب اللذة التي سببت له ألاماً أكبر منها أو يؤجل تحقيقها. وفي محاولة مكشوفة للالتفاف على القفص الذهبيّ شوهد في الآونة الأخيرة يواعد فتاة جديدة، ولكي يجد لسلوكه تبريراً فكرياً عميقاً ابتدع نظريته الخاصة التي لم يسمع بها فرويد، فصديقنا الشاب توصل إلى أن كونه من منطقة داخلية يجعله بحاجة إلى فتيات من المدن الساحلية حصراً.
* قاصّة عراقيّة مقيمة في سوريا
الاوان