نقوس المهدي
كاتب
لا يوجد أنسب من الصيف لقراءة كتاب بعنوان "حياة كاترين م. الجنسية". فالكتاب تتوافر فيه كل مقومات القراءة الخفيفة، عنوان فضائحي جذاب، نص تتنوع فيه المغامرات الجنسية وعجائب الأفعال الايروتيكية، ويبتعد تماماً عن أي نوع من التراجيديا أو الدراما المفرطة.
لكن العنوان الفضائحي الجذاب للكتاب لا يحقق غرضه إذا لم نعرف من هي كاترين مييه مؤلفة الكتاب، وهي ليست بالشخصية الجديدة أو الغريبة علي الثقافة العربية حيث ترجمت لها راوية صادق قبل ذلك كتاب "الفن المعاصر" والذي صدر عن دار شرقيات عام 2002، وهو واحد من الكتب المرجعية عن حركة الفن المعاصر ويجسد خلاصة خبرة وتجربة كاترين رئيسية تحرير الدورية الفنية "Art Press". وخلال 30 عاماً رأست فيه تلك الدورية وكتبت عشرات المقالات والدراسات عن الحراك الفني في نهاية القرن العشرين تحولت كاترين مييه إلي واحده من أهم أسماء النقد الفني المعاصر علي مستوي عالمي، لهذا فحينما صدر كتاب سيرتها الجنسية عام 2001 كان بمثابة قنبلة فضائحية من الطراز الأول، نتج عنها بيع الكتاب لأكثر من ثلاثة ملايين نسخة، وترجمته لأكثر من 33 لغة.
احتاج الأمر لثماني سنوات بعد صدور الكتاب بالفرنسية ليتم نشره باللغة العربية عن منشورات جسد اللبنانية بترجمة لنور الأسعد. الكتاب مقسم إلي أربعة فصول رئيسية العدد، المكان، المكان المنطوي علي نفسه، تفاصيل. لكن القارئ لا يشعر بأي اختلاف بين جميع هذه الفصول فالكتاب كله يبدو كمونولوج طويل من الاعترافات لكن الخدعة تكمن تحت طبقاته وتحتاج إلي قارئ ذكي لاستخلاصها.
سيشعر القارئ في البداية بالصدمة من الاستخدام المفرط للألفاظ الجنسية الصريحة، ومن المنطق اللامبالي بالأخلاق والعواطف وفصل الاثنين عن الممارسة الجنسية. ففي الفصل الأول "الأرقام" تحكي كاترين عن شغفها بالأعداد وحلمها وهي صغيرة حول امكانية الزواج من عدد مختلف
من الأزواج في نفس الوقت. هذا الحلم الطفولي الذي راودها وهي لم تبلغ العاشرة احتاج منها أن تصل لسن الثامنة عشر لتفقد عذريتها للمرة الأولي وبعدها بأقل من أسبوعين كانت تجربتها الأولي في الجنس الجماعي، ثم تمضي الكاتبة في سرد مغامراتها الجنسية المتعددة حتي صفحة 19 حينما تلتقي بجاك انريك الشاعر والروائي لتزداد المغامرات الجنسية سخونة، فانريك واحد من هؤلاء الذين يمتلكون بحبوحة مادية تمكنهم الحركة بمنتهي الحرية وفي نفس الوقت فهو لديه ميول قوية تجعله يستمتع بالجنس في إطار الممارسات الجماعية حيث يأخذ كاترين كطفلة صغيرة في الحادية والعشرين من عمرها نحو مستوي أعمق من الممارسات الجماعية، مرة علي الحشائش في غابة علي حدود باريس، فنادق رخيصة حيث تستلقي في غرفة رديئة والرجال يقفون في صف طويل في انتظار الدخول والقذف عليها، بارات ومطاعم سرية شرط دخولها التعري الكامل... إلخ، إلخ..
لكن بعد عدد قليل من الصفحات تفقد هذه الوقائع أثرها الصادم، يعتاد القارئ علي اللغة، ولا يجد في تلك الصراحة المفرطة أي نوع من الجاذبية خصوصاً حينما تتكشف اللعبة حيث أن الكتاب الذي تحاول كاترين كتابته ليس اعترافات، بل محاولة لتغطية أمر ما، فالصورة التي ترسمها كاترين عن نفسها كامرأة قوية غير مبالية، تستمتع بالجنس إلي أقصي درجة، وتصل في علاقتها بجسدها وأجساد الآخرين إلي مستوي يقترب من التصوف.. كل هذا ليس إلا حالة لإخفاء هذه المشاعر القوية تجاه "جاك انريك" الذي يمكن اعتباره بمثابة المرشد والمعلم لها في حياتها. هي لا تعترف بهذه المعلومة أبداً الأمر الذي يجعل النص دائماً متوتراً ورغم كمية الكشف والصراحة التي يحتويها إلا أن المخفي يظل أكثر من المصرح به، الأمر الذي يدفع القارئ للتركيز أكثر في القراءة لمحاولة معرفة ما بين السطور، وذلك حتي تتم ترجمة كتابها الجديد "الغيرة: الوجه الأخر لحياة كاترين م." والذي صدر عام 2008.
* أخبار الأدب يوم 31 - 07 - 2010
لكن العنوان الفضائحي الجذاب للكتاب لا يحقق غرضه إذا لم نعرف من هي كاترين مييه مؤلفة الكتاب، وهي ليست بالشخصية الجديدة أو الغريبة علي الثقافة العربية حيث ترجمت لها راوية صادق قبل ذلك كتاب "الفن المعاصر" والذي صدر عن دار شرقيات عام 2002، وهو واحد من الكتب المرجعية عن حركة الفن المعاصر ويجسد خلاصة خبرة وتجربة كاترين رئيسية تحرير الدورية الفنية "Art Press". وخلال 30 عاماً رأست فيه تلك الدورية وكتبت عشرات المقالات والدراسات عن الحراك الفني في نهاية القرن العشرين تحولت كاترين مييه إلي واحده من أهم أسماء النقد الفني المعاصر علي مستوي عالمي، لهذا فحينما صدر كتاب سيرتها الجنسية عام 2001 كان بمثابة قنبلة فضائحية من الطراز الأول، نتج عنها بيع الكتاب لأكثر من ثلاثة ملايين نسخة، وترجمته لأكثر من 33 لغة.
احتاج الأمر لثماني سنوات بعد صدور الكتاب بالفرنسية ليتم نشره باللغة العربية عن منشورات جسد اللبنانية بترجمة لنور الأسعد. الكتاب مقسم إلي أربعة فصول رئيسية العدد، المكان، المكان المنطوي علي نفسه، تفاصيل. لكن القارئ لا يشعر بأي اختلاف بين جميع هذه الفصول فالكتاب كله يبدو كمونولوج طويل من الاعترافات لكن الخدعة تكمن تحت طبقاته وتحتاج إلي قارئ ذكي لاستخلاصها.
سيشعر القارئ في البداية بالصدمة من الاستخدام المفرط للألفاظ الجنسية الصريحة، ومن المنطق اللامبالي بالأخلاق والعواطف وفصل الاثنين عن الممارسة الجنسية. ففي الفصل الأول "الأرقام" تحكي كاترين عن شغفها بالأعداد وحلمها وهي صغيرة حول امكانية الزواج من عدد مختلف
من الأزواج في نفس الوقت. هذا الحلم الطفولي الذي راودها وهي لم تبلغ العاشرة احتاج منها أن تصل لسن الثامنة عشر لتفقد عذريتها للمرة الأولي وبعدها بأقل من أسبوعين كانت تجربتها الأولي في الجنس الجماعي، ثم تمضي الكاتبة في سرد مغامراتها الجنسية المتعددة حتي صفحة 19 حينما تلتقي بجاك انريك الشاعر والروائي لتزداد المغامرات الجنسية سخونة، فانريك واحد من هؤلاء الذين يمتلكون بحبوحة مادية تمكنهم الحركة بمنتهي الحرية وفي نفس الوقت فهو لديه ميول قوية تجعله يستمتع بالجنس في إطار الممارسات الجماعية حيث يأخذ كاترين كطفلة صغيرة في الحادية والعشرين من عمرها نحو مستوي أعمق من الممارسات الجماعية، مرة علي الحشائش في غابة علي حدود باريس، فنادق رخيصة حيث تستلقي في غرفة رديئة والرجال يقفون في صف طويل في انتظار الدخول والقذف عليها، بارات ومطاعم سرية شرط دخولها التعري الكامل... إلخ، إلخ..
لكن بعد عدد قليل من الصفحات تفقد هذه الوقائع أثرها الصادم، يعتاد القارئ علي اللغة، ولا يجد في تلك الصراحة المفرطة أي نوع من الجاذبية خصوصاً حينما تتكشف اللعبة حيث أن الكتاب الذي تحاول كاترين كتابته ليس اعترافات، بل محاولة لتغطية أمر ما، فالصورة التي ترسمها كاترين عن نفسها كامرأة قوية غير مبالية، تستمتع بالجنس إلي أقصي درجة، وتصل في علاقتها بجسدها وأجساد الآخرين إلي مستوي يقترب من التصوف.. كل هذا ليس إلا حالة لإخفاء هذه المشاعر القوية تجاه "جاك انريك" الذي يمكن اعتباره بمثابة المرشد والمعلم لها في حياتها. هي لا تعترف بهذه المعلومة أبداً الأمر الذي يجعل النص دائماً متوتراً ورغم كمية الكشف والصراحة التي يحتويها إلا أن المخفي يظل أكثر من المصرح به، الأمر الذي يدفع القارئ للتركيز أكثر في القراءة لمحاولة معرفة ما بين السطور، وذلك حتي تتم ترجمة كتابها الجديد "الغيرة: الوجه الأخر لحياة كاترين م." والذي صدر عام 2008.
* أخبار الأدب يوم 31 - 07 - 2010