نقوس المهدي
كاتب
مؤخرا شهدت الساحة الأدبية زخما وتنوعا فى الكتابات التى تناولت الجسد والفعل الجنسى، أو الموضوعات الإيروتيكية، وسواء جهرت عناوين هذه الكتابات بموضوعها للقارئ ك«رخصة بغاء» و«لذات سرية» و«الوصايا فى عشق النساء»، أو توارت خلف عناوين أكثر غموضا مثل «سرير الرجل الإيطالى» و«إنى أحدثك لترى» و«برهان العسل»، أو حتى اتخذت عناوين ذات بعد إيروتيكى رغم انفصالها عنه ك«خيال ساخن» و«فى كابينة الجسد» وغيرها.. فإن طرحا مغايرا تقدمه هذه الكتابة لموضوع قديم ولصيق بالإنسان، وجدلا كبيرا ارتبط بها منذ ظهورها، وتباينا وصل حد التطرف فى التعامل مع هذه الكتابات احتفاء ورفضا.
وعلى الرغم من إنكار البعض وجود الكتابة الإيروتيكية فى الأدب العربى خاصة الحديث، إلا أن عددا من القضايا والموضوعات الجدلية ارتبطت بها والتى يمكن من خلالها فهم هذه الكتابة ثم التصالح معها أو رفضها، مثل ارتباطها بالكتابة النسوية، والاتهامات الموجهة إليها كاللاأخلاقية، والاتكاء على التابو لاستجداء الدهشة، وافتعال الجرأة وغيرها.
يؤكد الكاتب والناقد سيد الوكيل غياب الكتابة الإيروتيكية بمعناها الكامل من الأدب العربى، موضحا أن الجنس ليس هدفا فى الرواية العربية الآن، وإنما أحد مفرداتها كما هو أحد مفردات الحياة اليومية، ويضيف أن السلف ربما كانوا أكثر انشغالا بالموضوع الجنسى منا، ولهم كتابات هدفها الوحيد هو الجنس، مثل كتب: «مصارع العشاق و«عودة الشيخ إلى صباه» و«تحفة العروس» وغيرها من الكتب ذات الألفاظ والدلالات الجنسية الواضحة، وعلى العكس أيضا لهم كتب إيروتيكية لم يكن الجنس بها هدفا وحيدا مثل «ألف ليلة وليلة» وشعر أبى نواس، موضحا أن هذا هو الفارق المهم بين أن يكون الجنس هدفا فى حد ذاته، وأن يكون جزءا من التجربة الفنية، ومشيرا إلى أن النوع الأول ليس موجودا فى أدبنا الحديث.
ويتفق معه الروائى محمد صلاح العزب الذى يؤكد على افتقاد الأدب العربى للأدب الإيروتيكى بالمعنى الموجود فى الخارج، موضحا أنه ربما تكون لدينا كتابات جنسية شعبية، كما لدى خليل حنا تادرس وأشباهه، لكن هذا فى رأيه لا يسمى أدبا من الأساس. ويتساءل العزب هل يمكن اعتبار كتابات صنع الله إبراهيم التى تحتوى على جنس كتابات إيروتيكية؟ بالطبع لا.
وشدد القاص الروائى محمود الغيطانى على ضرورة تحديد مفهوم الأدب الإيروتيكى، مؤكدا خطأ اعتبار أى مشهد جنسى فى أى عمل إبداعى عملا إيروتيكيا. وأوضح أن الأدب الإيروتيكى هو الأدب المبنى مباشرة من أجل الجنس باعتباره المحور والأساس ولبّ الكون، وهذا عمل صعب وخطير.
واعترض الغيطانى على ارتباط الكتابة الإيروتيكية بازدهار الكتابة النسوية متسائلا: أين هى الأنثى التى استطاعت النجاح فى الكتابة الإيروتيكية؟، ربما حاولت «منى برنس» ولكنها لم تصل إلى الإيروتيكية بمعناها الحقيقى بعد.
وأشار إلى أن الكتابة النسوية اهتمت فى مجملها بمشكلات المرأة الصغيرة التى قد لا تعنى الكثيرين، كما اهتمت بما تطلق عليه حريتها فى مقابل سطوة الرجل وتحكمه، معتبرا ذلك سببا فى كون جل ما تنتجه المرأة من إبداع غير مهم ولا يلتفت إليه، لأنها لم تستطع فى رأيه الخروج من بوتقتها ومشكلاتها الصغيرة كى تنظر للوجود نظرة أكثر شمولية.
وتختلف معه الكاتبة صفاء عبدالمنعم التى ترى أن كتابة الجسد جاءت شكلا من أشكال الاعتراض على تاريخ من الكتابات السابقة التى لم تكن تجرح المسكوت عنه، والرغبة فى طرح كتابة مختلفة. وإذا كانت أولى تجليات كتابة المرأة عن نفسها طرحت همومها الصغيرة إلا أنها سرعان ما اشتبكت مع الهموم والمشكلات الكبرى فى المجتمع لكن من منظور نسوى، وتؤكد الكاتبة ارتباط ازدهار كتابات الجسد فعلا بالكتابة النسوية لأن أول محاولات المرأة للكتابة كانت عن القمع الجسدي.
على العكس من ذلك جاء رأى سيد الوكيل نافيا وجود علاقة مباشرة بين الكتابة النسوية والإيروتيكية، موضحا أن الأخيرة كانت موجودة دائما فى الآداب العالمية، بينما جاءت النسوية نتاج وعى جديد بدأ مع الحداثة ومر بعدة مراحل وارتبط بما يعرف الآن بكتابة الجسد.
وقال الوكيل إن جسد المرأة كان طوال الوقت مجرد موضوع يتناوله الكتاب الرجال من وجهة النظر الذكورية، أما فى الكتابة النسوية فيكتب جسد الأنثى من وجهة النظر النسوية وتختفى وساطة الرجل، حيث يمكن للمرأة أن تعبر عن رغباتها واحتياجاتها وأحاسيسها، موضحا أن هذا الوضع لم يحتمله الوعى الذكورى، فبالغ فى اتهام الكتابة النسوية بالفضائحية والابتذال واعتبروها مرادفا للإيروتيكية.
من جانبها لفتت الكاتبة والناقدة هويدا صالح إلى تجرؤ الكاتبة العربية مؤخرا على الاحتفاء بجسدها عبر الكتابة لتتحول بذلك إلى ذات بعد أن كانت موضوعا، ووجود الكثير من الروايات التى استخدمت الجرأة الإيروتيكية فى فضح المسكوت عنه باعتباره أمرا يدعو للدهشة، خاصة لو أن كاتبته امرأة.
وأوضحت أن هذه الكتابة بدأت بثلاثية « أحلام مستغانمى»، ثم تلتها الكثيرات من المبدعات مثل سلوى النعيمى فى «برهان العسل» ومنى البرنس فى «إنى أحدثك لترى» ورجاء الصانع فى «بنات الرياض» وغيرهن من الكاتبات اللاتى تجرأن وخمشن جدار المسكوت عنه، وبُحن بعد صمت طويل كان الرجل فيه هو المعبر الأول عن صوت الأنثى.
يطرح كلام هوايدا صالح سؤالا حول مدى لجوء المبدعين لمثل هذه الكتابة (الإيروتيكية) وافتعال الجرأة والاتكاء على كسر التابو لمجرد التقاط الدهشة، وفى هذا السياق قال الناقد سيد الوكيل إن الرغبة فى اختراق التابو قديمة وغريزية موضحا أن النظام ممثلا فى القانون أو التقاليد أو الأخلاق أو الدين طوال الوقت يخلق التابو، وأن الفوضى ممثلة فى اللعب أو الفن تنتهكه.
وأضاف الوكيل أن اختراق التابو جزء من وظيفة الفن، بينما الافتعال ضده، مؤكدا أن الكتابة التى تفتعل اختراق التابو لا تهدم سوى نفسها ولا تحقق أهدافها لا الجمالية ولا الموضوعية، كما تفشل فى تحقيق الأهداف النفسية للقارئ الذى سرعان ما يكتشف تفاهتها.
بينما يرى الكاتب محمود الغيطانى أن هذا القول لا أساس له من الصحة، لأن ازدواجية المجتمع العربى الذى يمارس الجنس بشبق ثم يحتقره، ترعب أى كاتب من قسوة موقفه تجاه من يحاول الكتابة الإيروتيكية من رفض وتهميش واحتقار. ولذلك فليس من السهل على أحد الكتّاب افتعال الجرأة من أجل التقاط الدهشة؛ لأن سطوة المجتمع أخطر من ذلك، وهنا يكون من يكتب فى الفعل الإيروتيكى صاحب منهج وفكر خاص فى حياته لا يمكن أن نلومه عليه، كما أنه من أوائل الناس الذين أعطوا ظهرهم للمجتمع وصدقوا مع أنفسهم.
الكاتبة صفاء عبدالمنعم اعتبرت الإبداع عموما مرادفا للدهشة دون أن يستلزم ذلك بالضرورة اللجوء إلى كسر التابو، أو افتعال الجرأة على الموروث. ورغم مقتها لمصطلح الكتابة الأخلاقية ورفضه كمعيار لتصنيف الإبداع، ترى الكاتبة ضرورة توافر الدهشة حتى فى هذه الكتابات المرضى عنها مجتمعيا.
وتساءلت عن سر تزاحم هذه الاتهامات الافتعال واللاأخلاقية وغيرها... الموجهة لكتابة الجسد أو الكتابة الإيروتيكية فقط عندما يكتبها الكتاب العرب، بينما ننتفض إعجابا ودهشة عندما يأتينا هذا الأدب مترجما عن لغة أجنبية؟ ولماذا لم نجد صوتا واحدا ينتقص موهبة أو أخلاق هنرى ميللر أو آرثر ميللر أو أندريه جيد؟
كما لفتت إلى اشتعال هذه الاتهامات عندما تكتبها امرأة، لتتضح أكثر المعالم الذكورية للنظرة للأدب، كجزء من ذكورية المجتمع والدين.
واتفق معها الروائى محمد صلاح العزب فى رفض التقييم الأخلاقى للأدب أو تنقيته من الجنس، لأنه فعل إنسانى جوهرى تماما، وأى أدب لا يفهم دوره الجنس أو كيفية التعامل معه هو أدب ناقص، وأكد العزب على حرية الكاتب فى طرح ما يراه مناسبا بالشكل الذى يراه فنيا، مبديا اعتراضه على استخدام سلطة التصنيفات أو المصطلحات لإرهاب الكاتب، بوضعه فى إطار الأدب الجنسى أو الإيروتيكى، وحصره فى مساحة أضيق.
وتساءل محمود الغيطانى عن كيفية تقييم أى فعل إبداعى أو فنى أو حتى حياتى تقييما أخلاقيا؟ وعلى أى أساس من الأخلاق من الممكن التقييم؟ مؤكدا نسبية الأخلاق ووهميتها باعتبارها مجموعة من القوانين التى يفرضها الإنسان على نفسه نتيجة طريقة نشأته ومكانه وظروفه ومن ثم يحاول أن يتبع هذه القوانين مطلقا عليها أخلاقا. وقال الغيطانى «إذا لم يعجبنا الأدب الإيروتيكى فالحل الوحيد هو عدم قراءته والبعد عنه، وبالتالى سيموت وحده، ولكن العكس هو الحادث، رواج هائل للأدب الإيروتيكى فى ذات الوقت الذى يهاجمه الجميع بوقاحة.
واشتبك معه الناقد سيد الوكيل قائلا: «إذا كان من حق المبدع أن يعبر عن نفسه أو عن الآخرين بحرية، فمن حق القارئ أن ينظر للعمل الروائى من وجهة النظر التى تناسبه، وأن يقيمه رفضا أو تعاطفا كما يشاء. وأوضح أن حرية الرأى والتعبير منظومة متكاملة، لا يمكن أن تجتزأ لصالح الفنان وحده، لأنه جزء من هذا المجتمع عليه أن ينصت جيدا لثقافته ويتفاعل معه، وأن يتفهم احتياجاته التى تختلف وفقا لظروف عديدة، وأردف الوكيل: «لا أظن أن حاجة المجتمع المصرى للموضوع الجنسى أكثر إلحاحا من حاجته إلى لقمة العيش أو العدل وأشياء أخرى كثيرة، وعلى المبدع أن يعى هذا حتى يضمن علاقة سوية بقارئه».
* الأدب الجنسي بين الإبداع وافتعال أزمة
الشروق الجديد
.
وعلى الرغم من إنكار البعض وجود الكتابة الإيروتيكية فى الأدب العربى خاصة الحديث، إلا أن عددا من القضايا والموضوعات الجدلية ارتبطت بها والتى يمكن من خلالها فهم هذه الكتابة ثم التصالح معها أو رفضها، مثل ارتباطها بالكتابة النسوية، والاتهامات الموجهة إليها كاللاأخلاقية، والاتكاء على التابو لاستجداء الدهشة، وافتعال الجرأة وغيرها.
يؤكد الكاتب والناقد سيد الوكيل غياب الكتابة الإيروتيكية بمعناها الكامل من الأدب العربى، موضحا أن الجنس ليس هدفا فى الرواية العربية الآن، وإنما أحد مفرداتها كما هو أحد مفردات الحياة اليومية، ويضيف أن السلف ربما كانوا أكثر انشغالا بالموضوع الجنسى منا، ولهم كتابات هدفها الوحيد هو الجنس، مثل كتب: «مصارع العشاق و«عودة الشيخ إلى صباه» و«تحفة العروس» وغيرها من الكتب ذات الألفاظ والدلالات الجنسية الواضحة، وعلى العكس أيضا لهم كتب إيروتيكية لم يكن الجنس بها هدفا وحيدا مثل «ألف ليلة وليلة» وشعر أبى نواس، موضحا أن هذا هو الفارق المهم بين أن يكون الجنس هدفا فى حد ذاته، وأن يكون جزءا من التجربة الفنية، ومشيرا إلى أن النوع الأول ليس موجودا فى أدبنا الحديث.
ويتفق معه الروائى محمد صلاح العزب الذى يؤكد على افتقاد الأدب العربى للأدب الإيروتيكى بالمعنى الموجود فى الخارج، موضحا أنه ربما تكون لدينا كتابات جنسية شعبية، كما لدى خليل حنا تادرس وأشباهه، لكن هذا فى رأيه لا يسمى أدبا من الأساس. ويتساءل العزب هل يمكن اعتبار كتابات صنع الله إبراهيم التى تحتوى على جنس كتابات إيروتيكية؟ بالطبع لا.
وشدد القاص الروائى محمود الغيطانى على ضرورة تحديد مفهوم الأدب الإيروتيكى، مؤكدا خطأ اعتبار أى مشهد جنسى فى أى عمل إبداعى عملا إيروتيكيا. وأوضح أن الأدب الإيروتيكى هو الأدب المبنى مباشرة من أجل الجنس باعتباره المحور والأساس ولبّ الكون، وهذا عمل صعب وخطير.
واعترض الغيطانى على ارتباط الكتابة الإيروتيكية بازدهار الكتابة النسوية متسائلا: أين هى الأنثى التى استطاعت النجاح فى الكتابة الإيروتيكية؟، ربما حاولت «منى برنس» ولكنها لم تصل إلى الإيروتيكية بمعناها الحقيقى بعد.
وأشار إلى أن الكتابة النسوية اهتمت فى مجملها بمشكلات المرأة الصغيرة التى قد لا تعنى الكثيرين، كما اهتمت بما تطلق عليه حريتها فى مقابل سطوة الرجل وتحكمه، معتبرا ذلك سببا فى كون جل ما تنتجه المرأة من إبداع غير مهم ولا يلتفت إليه، لأنها لم تستطع فى رأيه الخروج من بوتقتها ومشكلاتها الصغيرة كى تنظر للوجود نظرة أكثر شمولية.
وتختلف معه الكاتبة صفاء عبدالمنعم التى ترى أن كتابة الجسد جاءت شكلا من أشكال الاعتراض على تاريخ من الكتابات السابقة التى لم تكن تجرح المسكوت عنه، والرغبة فى طرح كتابة مختلفة. وإذا كانت أولى تجليات كتابة المرأة عن نفسها طرحت همومها الصغيرة إلا أنها سرعان ما اشتبكت مع الهموم والمشكلات الكبرى فى المجتمع لكن من منظور نسوى، وتؤكد الكاتبة ارتباط ازدهار كتابات الجسد فعلا بالكتابة النسوية لأن أول محاولات المرأة للكتابة كانت عن القمع الجسدي.
على العكس من ذلك جاء رأى سيد الوكيل نافيا وجود علاقة مباشرة بين الكتابة النسوية والإيروتيكية، موضحا أن الأخيرة كانت موجودة دائما فى الآداب العالمية، بينما جاءت النسوية نتاج وعى جديد بدأ مع الحداثة ومر بعدة مراحل وارتبط بما يعرف الآن بكتابة الجسد.
وقال الوكيل إن جسد المرأة كان طوال الوقت مجرد موضوع يتناوله الكتاب الرجال من وجهة النظر الذكورية، أما فى الكتابة النسوية فيكتب جسد الأنثى من وجهة النظر النسوية وتختفى وساطة الرجل، حيث يمكن للمرأة أن تعبر عن رغباتها واحتياجاتها وأحاسيسها، موضحا أن هذا الوضع لم يحتمله الوعى الذكورى، فبالغ فى اتهام الكتابة النسوية بالفضائحية والابتذال واعتبروها مرادفا للإيروتيكية.
من جانبها لفتت الكاتبة والناقدة هويدا صالح إلى تجرؤ الكاتبة العربية مؤخرا على الاحتفاء بجسدها عبر الكتابة لتتحول بذلك إلى ذات بعد أن كانت موضوعا، ووجود الكثير من الروايات التى استخدمت الجرأة الإيروتيكية فى فضح المسكوت عنه باعتباره أمرا يدعو للدهشة، خاصة لو أن كاتبته امرأة.
وأوضحت أن هذه الكتابة بدأت بثلاثية « أحلام مستغانمى»، ثم تلتها الكثيرات من المبدعات مثل سلوى النعيمى فى «برهان العسل» ومنى البرنس فى «إنى أحدثك لترى» ورجاء الصانع فى «بنات الرياض» وغيرهن من الكاتبات اللاتى تجرأن وخمشن جدار المسكوت عنه، وبُحن بعد صمت طويل كان الرجل فيه هو المعبر الأول عن صوت الأنثى.
يطرح كلام هوايدا صالح سؤالا حول مدى لجوء المبدعين لمثل هذه الكتابة (الإيروتيكية) وافتعال الجرأة والاتكاء على كسر التابو لمجرد التقاط الدهشة، وفى هذا السياق قال الناقد سيد الوكيل إن الرغبة فى اختراق التابو قديمة وغريزية موضحا أن النظام ممثلا فى القانون أو التقاليد أو الأخلاق أو الدين طوال الوقت يخلق التابو، وأن الفوضى ممثلة فى اللعب أو الفن تنتهكه.
وأضاف الوكيل أن اختراق التابو جزء من وظيفة الفن، بينما الافتعال ضده، مؤكدا أن الكتابة التى تفتعل اختراق التابو لا تهدم سوى نفسها ولا تحقق أهدافها لا الجمالية ولا الموضوعية، كما تفشل فى تحقيق الأهداف النفسية للقارئ الذى سرعان ما يكتشف تفاهتها.
بينما يرى الكاتب محمود الغيطانى أن هذا القول لا أساس له من الصحة، لأن ازدواجية المجتمع العربى الذى يمارس الجنس بشبق ثم يحتقره، ترعب أى كاتب من قسوة موقفه تجاه من يحاول الكتابة الإيروتيكية من رفض وتهميش واحتقار. ولذلك فليس من السهل على أحد الكتّاب افتعال الجرأة من أجل التقاط الدهشة؛ لأن سطوة المجتمع أخطر من ذلك، وهنا يكون من يكتب فى الفعل الإيروتيكى صاحب منهج وفكر خاص فى حياته لا يمكن أن نلومه عليه، كما أنه من أوائل الناس الذين أعطوا ظهرهم للمجتمع وصدقوا مع أنفسهم.
الكاتبة صفاء عبدالمنعم اعتبرت الإبداع عموما مرادفا للدهشة دون أن يستلزم ذلك بالضرورة اللجوء إلى كسر التابو، أو افتعال الجرأة على الموروث. ورغم مقتها لمصطلح الكتابة الأخلاقية ورفضه كمعيار لتصنيف الإبداع، ترى الكاتبة ضرورة توافر الدهشة حتى فى هذه الكتابات المرضى عنها مجتمعيا.
وتساءلت عن سر تزاحم هذه الاتهامات الافتعال واللاأخلاقية وغيرها... الموجهة لكتابة الجسد أو الكتابة الإيروتيكية فقط عندما يكتبها الكتاب العرب، بينما ننتفض إعجابا ودهشة عندما يأتينا هذا الأدب مترجما عن لغة أجنبية؟ ولماذا لم نجد صوتا واحدا ينتقص موهبة أو أخلاق هنرى ميللر أو آرثر ميللر أو أندريه جيد؟
كما لفتت إلى اشتعال هذه الاتهامات عندما تكتبها امرأة، لتتضح أكثر المعالم الذكورية للنظرة للأدب، كجزء من ذكورية المجتمع والدين.
واتفق معها الروائى محمد صلاح العزب فى رفض التقييم الأخلاقى للأدب أو تنقيته من الجنس، لأنه فعل إنسانى جوهرى تماما، وأى أدب لا يفهم دوره الجنس أو كيفية التعامل معه هو أدب ناقص، وأكد العزب على حرية الكاتب فى طرح ما يراه مناسبا بالشكل الذى يراه فنيا، مبديا اعتراضه على استخدام سلطة التصنيفات أو المصطلحات لإرهاب الكاتب، بوضعه فى إطار الأدب الجنسى أو الإيروتيكى، وحصره فى مساحة أضيق.
وتساءل محمود الغيطانى عن كيفية تقييم أى فعل إبداعى أو فنى أو حتى حياتى تقييما أخلاقيا؟ وعلى أى أساس من الأخلاق من الممكن التقييم؟ مؤكدا نسبية الأخلاق ووهميتها باعتبارها مجموعة من القوانين التى يفرضها الإنسان على نفسه نتيجة طريقة نشأته ومكانه وظروفه ومن ثم يحاول أن يتبع هذه القوانين مطلقا عليها أخلاقا. وقال الغيطانى «إذا لم يعجبنا الأدب الإيروتيكى فالحل الوحيد هو عدم قراءته والبعد عنه، وبالتالى سيموت وحده، ولكن العكس هو الحادث، رواج هائل للأدب الإيروتيكى فى ذات الوقت الذى يهاجمه الجميع بوقاحة.
واشتبك معه الناقد سيد الوكيل قائلا: «إذا كان من حق المبدع أن يعبر عن نفسه أو عن الآخرين بحرية، فمن حق القارئ أن ينظر للعمل الروائى من وجهة النظر التى تناسبه، وأن يقيمه رفضا أو تعاطفا كما يشاء. وأوضح أن حرية الرأى والتعبير منظومة متكاملة، لا يمكن أن تجتزأ لصالح الفنان وحده، لأنه جزء من هذا المجتمع عليه أن ينصت جيدا لثقافته ويتفاعل معه، وأن يتفهم احتياجاته التى تختلف وفقا لظروف عديدة، وأردف الوكيل: «لا أظن أن حاجة المجتمع المصرى للموضوع الجنسى أكثر إلحاحا من حاجته إلى لقمة العيش أو العدل وأشياء أخرى كثيرة، وعلى المبدع أن يعى هذا حتى يضمن علاقة سوية بقارئه».
* الأدب الجنسي بين الإبداع وافتعال أزمة
الشروق الجديد
.