نقوس المهدي
كاتب
مع اقتراب القرن الحادي والعشرين من طي سنواته العشر الأولى سيبدأ النقاد مراجعة العقد للعثور على الموضوعات السائدة في أعمال روائييه. وهذه بالطبع مهمة لا يُنتظَر منها اجابة محدَّدة لأن سعة الأدب وطبيعته لا تتيحان مثل هذه الأحكام القاطعة. ولكن النقاد، مثلهم مثل الادباء، يتعاملون مع سرديات يمكن الاشتغال عليها، وإحدى هذه السرديات الجدال بأن الأعمال التي تستوحي روح العصر يكتبها ويقرأها الشباب بالدرجة الرئيسة. وفي هذا الإطار تعيد صحيفة "الغادريان" التذكير بأن فتيان عقد الثمانينات من أضراب كينسلي ايمس وايستن اليس وجون باريت ماكينرني وقفوا بالمرصاد للتجاوزات الريغانية ـ الثاتشرية في حين ان الناقمين والمتعيين من جيل التسعينات استطلعوا حالات آيرفن ويلش "الكيمياوية". ولكن ما كان مشاكسو التسعينات يفكرون فيه كل سبع ثوان هو المجون والاباحية، بحسب "الغارديان".
السحاق الذي جاهرت به سارا ووترز في كتابها "تقليب المخمل" Tipping the Velvet (1999) (المعنى المضمر والواضح بالنسبة الى قراء الانجليزية هو: عملية "لعق البظر"، بين السحاقيات خصوصا) أو سرد ريبيكا راي مراهقتها الصريحة في كتابها "عمر معين" A Certain Age (1998)، كانا بحلول نهاية التسعينات اعمالا تثير ضجة وقتذاك. ولكن الكتب المشوقة كانت لم تزل محصورة اساسا في زوايا من المكتبات يتردد إليها رجال مشبهون يورِّقون كتبا تحوي صور عرايا يستعرضن عجوزهن. بيد ان هذا الاتجاه سرعان ما تغير بنجاح كاثرين ميليت في كتابها "حياة كاثرين م الجنسية" The Sexual Life of Catherine M (1998) الذي كان ايذانا بأنه ما من مكتبة جديرة باسمها ستخلو بعد الآن من مذكرات نسائية.
ما تغير ايضا هو الطريقة التي يجري فيها تصوير الجنس. فقد ولى ذلك النثر القرمزي الخجول بأقلام كتاب يخشون تهمة الكتابة من اجل الاسترزاق. وصار الجيل الجديد يسمي القضيب قضيبا. فان "حسناء النهار" Belle de Jour والراوية في "فتاة احادية التفكير" Girl with One-Track Mind لم تعترفا بأنهما بكل بساطة تحبان الجنس فحسب بل واعترفت معهما ملايين النساء اللواتي قرأن هاتين الروايتين.
يلاحظ الروائي البريطاني الن بيست في مدونته في صحيفة "الغارديان" ان المفارقة تتمثل في ان الرجال البريطانيين، بمن فيهم هو نفسه، كانوا مواضيع اعمال مثل كتاب آيرفن ويلش "بورنو" (2002) وعمل آدم ثيرول "السياسة" (2003) ورواية ايوان موريسون "آخر كتاب قرأتَه" (2005) وعمل جو ستريتش "احتكاك" (2008) وكتاب كريس كيلن "غرفة الطيور" (2009). وهذه كلها اعمال تصور الرجال عبيدَ إدماناتهم الخاصة وتصور الجنس عملية بلا متعة أو عملية يشوبها القلق أو تكرارا آليا أو نتاجا آخر من نتاجات النزعة الاستهلاكية أو تعبيرا عن صراع إرادات. ولعل هناك سببا لهذا التوصيف. فالروائيون الرجال أكثر ميلا الى المواقف الاستعراضية والاستغراق في تشخيص ما آلت اليه حال الغرب، الذي يتعين ان يكون تشخيصا سلبيا كي يؤخذ على محمل الجد. وكان جي. حي. بالارد الروائي الأول في تجسيد هذا النمط من الكتاب: يأتي الجنس دائما في اطار علة أكبر تعاني منها الرأسمالية في مراحلها المتأخرة. كما يقلق كتاب آخرون، طبيعيون، من ان يظهروا وكأنهم رجال يكرهون النساء فينحون الى تغليف حياتهم الجنسية بهواجس سوسيولوجية متوترة. ونادرا ما يكون هناك احتفاء خالص بالاستمتاع مع المرأة.
المرأة وحدها التي تمكنت من كتابة أكثر الروايات إثارةً وتحطيماً للمحرمات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي هذا السياق، يشير بيست الى ان المرأة التي تسرد أحداث رواية شارلوت روش "مستنقعات" (2009) تجد لذة في مسح اعضائها التناسلية فوق مقعد المرحاض وتضرب كل معايير الصحة العامة عرض الحائط. ويضيف ان الجسد سُيِّس عند النساء والمثليين منذ عقود ليمكِّن الروائية روش من الكتابة بلغة الافرازات الجنسية ودم الدورة الشهرية والبواسير. ولكن نظرة الرجل الطبيعي ترنو في اتجاه آخر. وبخلاف النساء الطبيعيات فإن الرجال الطبيعيين ما زالوا يخافون من النظر الى أجساد نظرائهم أو التمتع بمنظرها، بما في ذلك أجسادهم. وليس من شأن هذا إلا ان يفضي الى وعي ناقص. غير ان مثل هذا التطير لا وجود له عند الن هولنغهرست، على سبيل المثال، كما يلفت بيست.
تخبو الشهية الى الجنس في الأدب مثلما تخبو الشهية الى الفعل الجنسي نفسه. وما كان ذات يوم جريئا وخارقا للتقاليد والمواضعات سرعان ما يصبح كليشهة مكررة. ويقول بيست ان من الصعب ان نتصور ما يقال عن الموضوع بعد رواية "مستنقعات" أو رواية تشاك بارنيوك Snuff التي تتناول أكبر عملية اغتصاب جماعي في العالم.
* ايلاف
السحاق الذي جاهرت به سارا ووترز في كتابها "تقليب المخمل" Tipping the Velvet (1999) (المعنى المضمر والواضح بالنسبة الى قراء الانجليزية هو: عملية "لعق البظر"، بين السحاقيات خصوصا) أو سرد ريبيكا راي مراهقتها الصريحة في كتابها "عمر معين" A Certain Age (1998)، كانا بحلول نهاية التسعينات اعمالا تثير ضجة وقتذاك. ولكن الكتب المشوقة كانت لم تزل محصورة اساسا في زوايا من المكتبات يتردد إليها رجال مشبهون يورِّقون كتبا تحوي صور عرايا يستعرضن عجوزهن. بيد ان هذا الاتجاه سرعان ما تغير بنجاح كاثرين ميليت في كتابها "حياة كاثرين م الجنسية" The Sexual Life of Catherine M (1998) الذي كان ايذانا بأنه ما من مكتبة جديرة باسمها ستخلو بعد الآن من مذكرات نسائية.
ما تغير ايضا هو الطريقة التي يجري فيها تصوير الجنس. فقد ولى ذلك النثر القرمزي الخجول بأقلام كتاب يخشون تهمة الكتابة من اجل الاسترزاق. وصار الجيل الجديد يسمي القضيب قضيبا. فان "حسناء النهار" Belle de Jour والراوية في "فتاة احادية التفكير" Girl with One-Track Mind لم تعترفا بأنهما بكل بساطة تحبان الجنس فحسب بل واعترفت معهما ملايين النساء اللواتي قرأن هاتين الروايتين.
يلاحظ الروائي البريطاني الن بيست في مدونته في صحيفة "الغارديان" ان المفارقة تتمثل في ان الرجال البريطانيين، بمن فيهم هو نفسه، كانوا مواضيع اعمال مثل كتاب آيرفن ويلش "بورنو" (2002) وعمل آدم ثيرول "السياسة" (2003) ورواية ايوان موريسون "آخر كتاب قرأتَه" (2005) وعمل جو ستريتش "احتكاك" (2008) وكتاب كريس كيلن "غرفة الطيور" (2009). وهذه كلها اعمال تصور الرجال عبيدَ إدماناتهم الخاصة وتصور الجنس عملية بلا متعة أو عملية يشوبها القلق أو تكرارا آليا أو نتاجا آخر من نتاجات النزعة الاستهلاكية أو تعبيرا عن صراع إرادات. ولعل هناك سببا لهذا التوصيف. فالروائيون الرجال أكثر ميلا الى المواقف الاستعراضية والاستغراق في تشخيص ما آلت اليه حال الغرب، الذي يتعين ان يكون تشخيصا سلبيا كي يؤخذ على محمل الجد. وكان جي. حي. بالارد الروائي الأول في تجسيد هذا النمط من الكتاب: يأتي الجنس دائما في اطار علة أكبر تعاني منها الرأسمالية في مراحلها المتأخرة. كما يقلق كتاب آخرون، طبيعيون، من ان يظهروا وكأنهم رجال يكرهون النساء فينحون الى تغليف حياتهم الجنسية بهواجس سوسيولوجية متوترة. ونادرا ما يكون هناك احتفاء خالص بالاستمتاع مع المرأة.
المرأة وحدها التي تمكنت من كتابة أكثر الروايات إثارةً وتحطيماً للمحرمات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي هذا السياق، يشير بيست الى ان المرأة التي تسرد أحداث رواية شارلوت روش "مستنقعات" (2009) تجد لذة في مسح اعضائها التناسلية فوق مقعد المرحاض وتضرب كل معايير الصحة العامة عرض الحائط. ويضيف ان الجسد سُيِّس عند النساء والمثليين منذ عقود ليمكِّن الروائية روش من الكتابة بلغة الافرازات الجنسية ودم الدورة الشهرية والبواسير. ولكن نظرة الرجل الطبيعي ترنو في اتجاه آخر. وبخلاف النساء الطبيعيات فإن الرجال الطبيعيين ما زالوا يخافون من النظر الى أجساد نظرائهم أو التمتع بمنظرها، بما في ذلك أجسادهم. وليس من شأن هذا إلا ان يفضي الى وعي ناقص. غير ان مثل هذا التطير لا وجود له عند الن هولنغهرست، على سبيل المثال، كما يلفت بيست.
تخبو الشهية الى الجنس في الأدب مثلما تخبو الشهية الى الفعل الجنسي نفسه. وما كان ذات يوم جريئا وخارقا للتقاليد والمواضعات سرعان ما يصبح كليشهة مكررة. ويقول بيست ان من الصعب ان نتصور ما يقال عن الموضوع بعد رواية "مستنقعات" أو رواية تشاك بارنيوك Snuff التي تتناول أكبر عملية اغتصاب جماعي في العالم.
* ايلاف