نقوس المهدي
كاتب
1
حُجبَ الوجه الآخر للإنسان العربي، وفُرض عليه كبتُ طاقته الجسدية، ومحاصرتها تحت سلطة الرقيب الرسمي الذي تأثر بالسلطة الدينية واستبداد المجتمع. وقد اختلط وعي الفرد برغبته الجنسية، فتوقفت عجلة الإبداع لديه، وبقي الجنس رابضاً في جسده ومخيلته كجثة متفسخة، تترقب أضيق نافذة كي تخرج رائحتها الكريهة.
حين نناقش موضوع "الجنس" لا يمكننا أن نتحدث عن تجربة شخصية فقط؛ لأنه مرتبط بالآخر سواء على المستوى الخيالي أو الواقعي. كما لا يمكننا نسبه إلى الزمن الماضي، فهو ليس حالة طارئة استمرت فترة وانقضت، بل يمكن التأكيد أن "الجنس" يتبعنا منذ بدء تشكل الوعي البسيط في مراحل الطفولة، ويستمر معنا حتى نهاية الأجل، وبعد توقف آلية عمله في أجسادنا في مراحل معينة يبقى الشيء الذي نتوق لسماع صوته داخلنا، مستمتعين بالتلميحات والمفارقات، واللعب على المفردات التي توحي بمعاني مختلفة.
حين تحضر المرأة الجميلة، نظهر الشجاعة على تحريك "المُعطّل" في أجسادنا حتى نشدَّ انتباهها صوبنا، مما يؤكد على أن الرغبة تظلّ ينبض في أعماقنا، وأن هناك جزءاً من هذا التفكير يعود إلى الذكورة المتمثلة بالفحولة، والتي لا نعرف كيف نُظهرها إلا بشوارب معقوفة، وأعضاء منتصبة، خائفين أن نُظهر الفشل أو العجز، وفي حال ظهورهما تجد الكثيرين يلهثون وراء العقاقير والوصفات، غير أن ما يدفعنا إلى ذلك ليس الحاجة، بل نزعة الاستبداد الكامنة فينا والمتمثّلة في السيطرة على المرأة ــــ الأنثى، وتحقيق التفوق عليها جسدياً.
قرأنا عن تقديس الجسد في المعتقدات والأديان في مراحل معيّنة، وكيف حاربته السلطات الدينية في مراحل أخرى، غير أنها لم تحاربه في ذاته بل حاربت إظهاره إلى العلن، حتى احترنا بين قدسيته ووضاعته.
من الصعب أن نجد الجسد في معبد في هذا القرن، مع أني اجتمعت معه بخسّة في أحد أماكن العبادة، قبل أن يكتمل الإدراك المعرفي للفصل بين المقدس والمدنس، وكان ذلك عن طريق قُبلي الشهوانية ليد فتاة جميلة. فبدل أن أقبّل الحجارة ، كنت أنتظر أن تتكئ بيدها على المكان كي ألثمها. ولم يكن هناك أدنى رابط بتقديس الفعل، أو الارتباط بالمكان، لكنني أجزم أنها كانت حالة هيجان فكري لاستغلال الظرف، خرجت كرد فعل غير مدروس لفتاة جميلة تنتظر أن ألاحقها، بثوب لا ينفك عن تحدي سافر لمراهق شبق، حتى أنه حدثت حالة من التعلق الوجداني بيني وبين أول عضو مؤنث شاهدته عن كثب.
أذكر تماماً المشاهد الجنسية التي رأيتها في مراحل الطفولة. إنها لا تزال عالقة في المخيلة إلى هذه اللحظة. ربما لا تندرج تحت الإيحاء الجنسي، أو الصور الجنسية، لكنها مؤرشفة ضمن ملف المشاهدات الجنسية المؤثرة: "فخذ ناصع البياض، جسد أسمر نحيل لأنثى تغطيه ملابس داخلية ذكورية، فتاة تأخذ وضع القرفصاء كي تتبول، مشوهة جسدياً لا تمتلك خصيتين، يعوضها عنهما شعر أسود جميل يحيط بعانتها".
لم أدرك وقتها سبب اهتمامي بهذا الشعر، لكن بعد تشكل مرحلة الوعي أدركتُ أنها رغبات غير ناضجة بأجساد لم أعرفها جيداً، غير أن الغريب في الأمر أن تلك المشاهدات كانت مزيجاً من المتعة والخوف.
لم أكن أمتلك وقتها عضواً ذكرياً آلي الحركة، فقد كنت أعتقد أن هذه "الحمامة" للتبول فقط، لكن بعد مشاهدة الفتاة تتبول بدأتْ رحلة البحث عن الأشياء المفقودة عندها. كانت بداية تشكل الوعي والبحث عن الفروق الجنسية ووظائف الأعضاء، وأسباب التناقض التناسلي. أحياناً كنتُ أعتقد أنني أنا من يمتلك أشياء زائدة، وأن النقص عندها. كنت أشعر بإثارة من دون أن أعرف عنها شيئاً، لتبدأ رحلة ترقب أي صور أو مشاهد مبتورة تزيد من معرفتي الضئيلة. ولم تكن الألعاب التي كنا نمارسها في طفولتنا بريئة تماماً. كان هدفها المعرفة في البداية "كلعبة الطبيب، أو تبادل الملابس"، لكن مع ازدياد ثقافتنا الجنسية وفضول المعرفة تطورت الألعاب فتسنّى لنا لمس نهد فج، أو رؤية الأعضاء الأنثوية الموحدة في انتمائها للنوع، والمختلفة تماماً عما نشاهده بشكل يومي، لكننا في رحلة البحث لم نجد بحوزة الفتيات الصغيرات إلا أعضاء تافهة جرداء لم ينمُ الشعر بعد على أديمها. ولم تكن تلك المعرفة بقصد الثقافة التي كانت غائبة بشكل كامل، ذلك أن الغريزة هي من كان يوجهنا، والصدفة المحضة هي من نثرت بذور الجنس الأولى بشكل عشوائي دون أدنى عناية أو رعاية.
لم أكتشف الإثارة الحقيقية إلا بالصدفة مع فتاة تكبرني بعام أو عامين طلبت مني أن أحبها، وزعمت أنها تحبني، بالطبع طرت من الفرح لأنها جميلة وتمتلك صدراً كالفتيات، ويمكن من خلال هذا الحب أن أشاهد ما أريد. أحسست بأني أمتلك نهدين وعضواً مؤنثاً أستطيع تشريحهما، ومداعبتهما ساعة أشاء. يمكن أيضاً أن أتحدث عن تجربة جنسية لطالما حلمتُ بها، مختلفة عمّا كنت أشاهده في القصص والتلفاز. وافقتْ بدون مقدمات، سألتها إن كانت تمتلك الشعر على عانتها، فأومأت برأسها بخجل. طلبتُ أن أشاهده، فلم تتردد أبداً، رفعتْ فستانها، وتحت جزء من لباسها الداخلي ــــ خيبتي كانت أقل من المرات السابقة ــــ وجدت الشعر وكان كثيفاً أيضاً. شاهدتُ صدرها أيضاً، كان صغيراً لا يتجاوز حجمه حجم ثمرة الدراق، كان كنهد الذكور تماماً من غير حلمة. يومها طلبتْ أن تشاهد "زبي". استغربتُ الاسم في البداية لكني أدركت فوراً أن البشر والحمير يمتلكون الأسماء ذاتها لأعضائهم التناسلية، لأنني كنت أسمع من يكبروننا سناً يشتمون بعضهم بقولهم: "وزب حمار".. في البداية استأتُ من التسمية، لكنني لم أعلق على الموضوع لأن "زب الحمار" يعتبر ميزة جيدة عند الفتاة على حسب معرفتنا، بالطبع لم أتردد في إخراجه، وهي لم تتردد في القبض عليه من رأسه بكفها، وما زلتُ أشعر ببرودة كفها كلما مررت بشيء يتعلق بالجنس. أدركت حينها الإثارة، والمتعة، وأن الحب هو العلاقة التناسلية بين ذكر وأنثى، يبدأ بالقبل ، وينتهي بغبطة ولذة استثنائية، لا يمكن معرفتها إلا إذا داعبتْ عضوك بيدها الباردة، أو بشعر عانتها.
منذ ذلك اليوم بدأ الجنس بضخ المعرفة، بعد ذلك كنا ندّعي ممارسة الجنس، لكن بشكل غبي، أو بريء، وكانت تلك الممارسة تقتصر على تقبيل النهدين ومداعبتهما، وتحسس شعر العانة، والفرجة على شكل أعضائها، أما هي فكانت تستمتع بمسك القضيب وتحريكه، ومراقبة طريقة القذف المحرومة منها، لكنها كانت تخاف أن يلامس المنيّ جسدها أو ثيابها خشية الحمل. كنّا أحياناً نتوق لمشاهدة "الفرج"، ونداعب "المؤخرة". لم نكن نعي حتى وظائف الأعضاء، أو أن طريق السعادة مخبأ تحت هرم الشعر المقلوب. كنتُ أطلب منها المواثيق بأن تبقى هذه العلاقة مستمرة بعد أن تكبر ويصبح نهداها كبيرين، وهي لم تبخل بالوعود أبداً، لكن بعد أن كبرنا، لا هي برت بوعودها، وأنا لم أعد أعشق النهود الكبيرة.
كانت المشاهدات تعني شيئاً لم أدركه إلا بعد سنوات، وكانت العلاقات الجنسية الطفولية تشعرنا بالإثارة، مع أننا لم نكن قد وصلنا بعد إلى مرحلة البلوغ. وفي المرحلة الإعدادية عرفنا من خلال بعض الدروس في كتاب التربية الدينية أن هناك مرحلة بلوغ للذكر والأنثى على حد سواء، وتعرفنا عليها من باب النظافة لا من باب الثقافة الجنسية، إذ يجب أن لا نقرب الصلاة ونحن جُنب، وقتها أدركتُ أنني من البالغين.
عرفتُ أيضاً أن الأنثى تكون جُنباً بسبب الدورة الشهرية، أو "العادة" كما كنا نطلق عليها حسب لهجة البيئة الشامية. وقد كانت تلك الحالة تثيرنا شفوياً، لكن الثقافة الجنسية التي كنا نتناقلها كمراهقين، لم تكن تعكس معرفة أو تجربة، بل كانت إثباتاً للرجولة. وكان الجميع يكذبون مختلقين قصصاً عن علاقاتهم الخطيرة. هذا يدّعي بأنه وطأ جارته العانس، وذاك يدّعي بأنه شاهد نهدها، ومنهم من شاهد "ضهر" المدرّسة أو "شهوتها"، وأن لها مادة تشابه المادة المنوية عند الرجل لكنها تميل إلى الاصفرار.
لم تكن لدينا أدنى ثقافة جنسية. كان كل ما شاهدناه أو اكتسبناه ناجماً عن جهدنا الشخصي، وعن طريق الصدفة أو الصدمة المباشرة. ومع مرور الأيام كنا ننسف نظريات قديمة ونبني غيرها، تبعاً للمشاهدات الجديدة. فبعد أن شاهدنا السائل المنوي على عضو أنثى في بعض الصور عرفنا بأنها تقذف كالرجال، لكن هذه المعرفة جعلتنا نخاف من أن نحيض أيضاً، فطالما أن للنساء "ضهراً" كالرجال ليس من المستبعد أو الغريب أن يحيض الذكور.
كان السؤال الأصعب الذي ظلّ يحيّرنا: كم فتحة أو ثقب تمتلك الفتاة؟
شاهدتُ فتحتين قبل تلك المرحلة، فتحة الشرج، وكامل العضو المؤنث. "ظننتهُ فتحة للتبول" لكنني كنت أعتبر أنّ الخوض في هذا الأمر لا يجوز؛ فلا أريد فضح الفتاة بعد أن عاهدتها على التكتم، مع أنها كانت من محافظة أخرى. من ناحية ثانية بدأتُ أشكُّ أن باقي الفتحات تنمو عندما تصل الفتاة إلى سن الحمل كي يخرج الجنين من جسدها
مع استمرار بحثنا عن الجنس بدأت الأمور تتضح وتنكشف، لكن المشكلة أن الجنس كان ممنوعاً ومن المحال أن تعرف أي شيء عن طريق الأسرة، أو المدرسة، أو المجتمع.
كان "رفاق السوء" كما ينعتهم المجتمع الذي يدّعي المحافظة، هم المصدر الوحيد للمعرفة، وإذا كنت تريد أن تجرب الجنس فعليك أن تزور حي المرجة حيث "الشراميط" في الشوارع، أو تذهب إلى بيروت، أو تعشقك أجنبية تموت بالعرب، وبفحولتهم الخلبية.
وفعلاً ذهبنا إلى ساحة المرجة لكن للأسف لم نشاهد أي "شرموطة". كانت جميع النساء يرتدين ثيابهنّ، والبعض منقبات. تمكّنا من الوصول إلى بيروت، لم نشاهد مجلات "البورنو" المعروضة في السوبر ماركت كما أخبرونا، ولم نجرؤ على السؤال، ولم نلتق الأجنبيات اللاتي يقتلن أنفسهن من أجل مضاجعة رجل عربي. كنا نكتشف حجم التلفيق، بعد الفشل الذي ينتظرنا بعد كل مغامرة.
هنا لا يمكن إقصاء دور الثقافة عن هذه المعرفة، لاسيما الثقافة المكتسبة من الشارع والجمهور. أما الكتب القديمة، وحسب ما وصلنا في مراحل لاحقة، فلم تقدم أو تؤخر في هذه المعرفة. وهذا لا يعني أننا ننكر دور الثقافة في الربط بين الجنس والفكر، ودورها الأساسي في تشكيل وعي الفرد لمفهوم الجنس، لكن في الوقت ذاته يجب التأكيد على دورها السلبي في عصرنا، ويمكن اعتباره ظلامياً بالنسبة لهذه المسألة خاصةً. وفي عموم العالم العربي، غابت الثقافة الجنسية بشكل كامل، وتحولت إلى عدوٍّ للإنسان العربي، لاسيما فكرة ارتباط الجسد أو العقل بشكل من أشكال الجنس التي تعتبر موبقة، إلا في إطار الزواج المرتبط بحفظ النوع البشري، لكن الثقافة المسموح بها لم تجتمع مع الجنس في مجتمعنا العربي، إلا بالتحريم السماوي والتحذير من العقاب. وإذا أردنا البحث بشكل موضوعي داخل الثقافة العربية نرى أنها تُقسم إلى نوعين: ثقافة مكتسبة من الكتب والمنشورات الثقافية المحلية والتي ما تزال شبه منعدمة حتى يومنا هذا، إذ ليس هناك ثقافة عربية في العصر الحديث إلا من خلال كاتب أو مؤلف من إحدى الدول العربية، وهذه أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت المواطن العربي يلهث وراء الكتب المترجمة، وثانيها الثقافة الجنسية التي صدّرها الغرب. حتى الكتب التي مُنعت في المكتبات العربية لم تكن أكاديمية أو تعليمية بل كانت عبارة عن صور بورنوغرافية على شكل حروف، المقصود بها إثارة خيال القارئ لا التعليم أو التوعية. ولا يخلو الأمر من وجود كتب قليلة صدرت في عدة دول عربية على مر السنين ككتاب "حدائق الجنس" لمحمد الباز، أو كتاب "الفياغرا والمنشطات الجنسية" لماهر يسري، أو "برهان العسل" لمؤلفته سلوى النعيمي. لم تنتشر هذه الكتب في الوطن العربي، ولم يتمكن القارئ العربي من الوصول إليها. وحدها مجلة "طبيبك" لصاحبها الدكتور صبري القباني، كانت متوفرة لتقديم الجانب العلمي والوقائي بواسطة بعض المقالات الجنسية. وكانت توفّر للمراهق متعة لا حدود لها عبر العناوين المثيرة في بريد القراء، قسم الأمراض الجنسية ، حيث كانت تتيح لنا دخول عالم محرّم علينا الاقتراب منه، لكنها لم تكن تعليمية، أو مخصصة للمراهق العربي، ولم يذكر فيها اسم المراهق إلا في موادَّ كانت تُنشر عن سن المراهقة لتوعية الأهل.
أما الكتب والمؤلفات القديمة حول الجنس فلم تتوفر بشكل ورقي، والشبكة الافتراضية التي قدمتها لاحقاً كانت غائبة وعند بحثنا عن تلك المؤلفات وجدناها مفقودة. ولا يمكن للمراهق العربي إيجاد نسخ منها في المكتبات العربية، ربما يعثر على بعضها بخط غير واضح على صفحات المكتبات الإلكترونية، وأغلبها بالغ في الزخرفة وبلاغة اللغة، لتتحول الرغبة إلى حصة نحو وسجع، فالمتمرس في اللغة صنّفها ككتب صوفية لكثرة ما أدخل عليها من ألفاظ دينية، ونفر منها القارئ العادي لما تضمّنته من أشعار وألفاظ صعبة.
.
حُجبَ الوجه الآخر للإنسان العربي، وفُرض عليه كبتُ طاقته الجسدية، ومحاصرتها تحت سلطة الرقيب الرسمي الذي تأثر بالسلطة الدينية واستبداد المجتمع. وقد اختلط وعي الفرد برغبته الجنسية، فتوقفت عجلة الإبداع لديه، وبقي الجنس رابضاً في جسده ومخيلته كجثة متفسخة، تترقب أضيق نافذة كي تخرج رائحتها الكريهة.
حين نناقش موضوع "الجنس" لا يمكننا أن نتحدث عن تجربة شخصية فقط؛ لأنه مرتبط بالآخر سواء على المستوى الخيالي أو الواقعي. كما لا يمكننا نسبه إلى الزمن الماضي، فهو ليس حالة طارئة استمرت فترة وانقضت، بل يمكن التأكيد أن "الجنس" يتبعنا منذ بدء تشكل الوعي البسيط في مراحل الطفولة، ويستمر معنا حتى نهاية الأجل، وبعد توقف آلية عمله في أجسادنا في مراحل معينة يبقى الشيء الذي نتوق لسماع صوته داخلنا، مستمتعين بالتلميحات والمفارقات، واللعب على المفردات التي توحي بمعاني مختلفة.
حين تحضر المرأة الجميلة، نظهر الشجاعة على تحريك "المُعطّل" في أجسادنا حتى نشدَّ انتباهها صوبنا، مما يؤكد على أن الرغبة تظلّ ينبض في أعماقنا، وأن هناك جزءاً من هذا التفكير يعود إلى الذكورة المتمثلة بالفحولة، والتي لا نعرف كيف نُظهرها إلا بشوارب معقوفة، وأعضاء منتصبة، خائفين أن نُظهر الفشل أو العجز، وفي حال ظهورهما تجد الكثيرين يلهثون وراء العقاقير والوصفات، غير أن ما يدفعنا إلى ذلك ليس الحاجة، بل نزعة الاستبداد الكامنة فينا والمتمثّلة في السيطرة على المرأة ــــ الأنثى، وتحقيق التفوق عليها جسدياً.
قرأنا عن تقديس الجسد في المعتقدات والأديان في مراحل معيّنة، وكيف حاربته السلطات الدينية في مراحل أخرى، غير أنها لم تحاربه في ذاته بل حاربت إظهاره إلى العلن، حتى احترنا بين قدسيته ووضاعته.
من الصعب أن نجد الجسد في معبد في هذا القرن، مع أني اجتمعت معه بخسّة في أحد أماكن العبادة، قبل أن يكتمل الإدراك المعرفي للفصل بين المقدس والمدنس، وكان ذلك عن طريق قُبلي الشهوانية ليد فتاة جميلة. فبدل أن أقبّل الحجارة ، كنت أنتظر أن تتكئ بيدها على المكان كي ألثمها. ولم يكن هناك أدنى رابط بتقديس الفعل، أو الارتباط بالمكان، لكنني أجزم أنها كانت حالة هيجان فكري لاستغلال الظرف، خرجت كرد فعل غير مدروس لفتاة جميلة تنتظر أن ألاحقها، بثوب لا ينفك عن تحدي سافر لمراهق شبق، حتى أنه حدثت حالة من التعلق الوجداني بيني وبين أول عضو مؤنث شاهدته عن كثب.
أذكر تماماً المشاهد الجنسية التي رأيتها في مراحل الطفولة. إنها لا تزال عالقة في المخيلة إلى هذه اللحظة. ربما لا تندرج تحت الإيحاء الجنسي، أو الصور الجنسية، لكنها مؤرشفة ضمن ملف المشاهدات الجنسية المؤثرة: "فخذ ناصع البياض، جسد أسمر نحيل لأنثى تغطيه ملابس داخلية ذكورية، فتاة تأخذ وضع القرفصاء كي تتبول، مشوهة جسدياً لا تمتلك خصيتين، يعوضها عنهما شعر أسود جميل يحيط بعانتها".
لم أدرك وقتها سبب اهتمامي بهذا الشعر، لكن بعد تشكل مرحلة الوعي أدركتُ أنها رغبات غير ناضجة بأجساد لم أعرفها جيداً، غير أن الغريب في الأمر أن تلك المشاهدات كانت مزيجاً من المتعة والخوف.
لم أكن أمتلك وقتها عضواً ذكرياً آلي الحركة، فقد كنت أعتقد أن هذه "الحمامة" للتبول فقط، لكن بعد مشاهدة الفتاة تتبول بدأتْ رحلة البحث عن الأشياء المفقودة عندها. كانت بداية تشكل الوعي والبحث عن الفروق الجنسية ووظائف الأعضاء، وأسباب التناقض التناسلي. أحياناً كنتُ أعتقد أنني أنا من يمتلك أشياء زائدة، وأن النقص عندها. كنت أشعر بإثارة من دون أن أعرف عنها شيئاً، لتبدأ رحلة ترقب أي صور أو مشاهد مبتورة تزيد من معرفتي الضئيلة. ولم تكن الألعاب التي كنا نمارسها في طفولتنا بريئة تماماً. كان هدفها المعرفة في البداية "كلعبة الطبيب، أو تبادل الملابس"، لكن مع ازدياد ثقافتنا الجنسية وفضول المعرفة تطورت الألعاب فتسنّى لنا لمس نهد فج، أو رؤية الأعضاء الأنثوية الموحدة في انتمائها للنوع، والمختلفة تماماً عما نشاهده بشكل يومي، لكننا في رحلة البحث لم نجد بحوزة الفتيات الصغيرات إلا أعضاء تافهة جرداء لم ينمُ الشعر بعد على أديمها. ولم تكن تلك المعرفة بقصد الثقافة التي كانت غائبة بشكل كامل، ذلك أن الغريزة هي من كان يوجهنا، والصدفة المحضة هي من نثرت بذور الجنس الأولى بشكل عشوائي دون أدنى عناية أو رعاية.
لم أكتشف الإثارة الحقيقية إلا بالصدفة مع فتاة تكبرني بعام أو عامين طلبت مني أن أحبها، وزعمت أنها تحبني، بالطبع طرت من الفرح لأنها جميلة وتمتلك صدراً كالفتيات، ويمكن من خلال هذا الحب أن أشاهد ما أريد. أحسست بأني أمتلك نهدين وعضواً مؤنثاً أستطيع تشريحهما، ومداعبتهما ساعة أشاء. يمكن أيضاً أن أتحدث عن تجربة جنسية لطالما حلمتُ بها، مختلفة عمّا كنت أشاهده في القصص والتلفاز. وافقتْ بدون مقدمات، سألتها إن كانت تمتلك الشعر على عانتها، فأومأت برأسها بخجل. طلبتُ أن أشاهده، فلم تتردد أبداً، رفعتْ فستانها، وتحت جزء من لباسها الداخلي ــــ خيبتي كانت أقل من المرات السابقة ــــ وجدت الشعر وكان كثيفاً أيضاً. شاهدتُ صدرها أيضاً، كان صغيراً لا يتجاوز حجمه حجم ثمرة الدراق، كان كنهد الذكور تماماً من غير حلمة. يومها طلبتْ أن تشاهد "زبي". استغربتُ الاسم في البداية لكني أدركت فوراً أن البشر والحمير يمتلكون الأسماء ذاتها لأعضائهم التناسلية، لأنني كنت أسمع من يكبروننا سناً يشتمون بعضهم بقولهم: "وزب حمار".. في البداية استأتُ من التسمية، لكنني لم أعلق على الموضوع لأن "زب الحمار" يعتبر ميزة جيدة عند الفتاة على حسب معرفتنا، بالطبع لم أتردد في إخراجه، وهي لم تتردد في القبض عليه من رأسه بكفها، وما زلتُ أشعر ببرودة كفها كلما مررت بشيء يتعلق بالجنس. أدركت حينها الإثارة، والمتعة، وأن الحب هو العلاقة التناسلية بين ذكر وأنثى، يبدأ بالقبل ، وينتهي بغبطة ولذة استثنائية، لا يمكن معرفتها إلا إذا داعبتْ عضوك بيدها الباردة، أو بشعر عانتها.
منذ ذلك اليوم بدأ الجنس بضخ المعرفة، بعد ذلك كنا ندّعي ممارسة الجنس، لكن بشكل غبي، أو بريء، وكانت تلك الممارسة تقتصر على تقبيل النهدين ومداعبتهما، وتحسس شعر العانة، والفرجة على شكل أعضائها، أما هي فكانت تستمتع بمسك القضيب وتحريكه، ومراقبة طريقة القذف المحرومة منها، لكنها كانت تخاف أن يلامس المنيّ جسدها أو ثيابها خشية الحمل. كنّا أحياناً نتوق لمشاهدة "الفرج"، ونداعب "المؤخرة". لم نكن نعي حتى وظائف الأعضاء، أو أن طريق السعادة مخبأ تحت هرم الشعر المقلوب. كنتُ أطلب منها المواثيق بأن تبقى هذه العلاقة مستمرة بعد أن تكبر ويصبح نهداها كبيرين، وهي لم تبخل بالوعود أبداً، لكن بعد أن كبرنا، لا هي برت بوعودها، وأنا لم أعد أعشق النهود الكبيرة.
كانت المشاهدات تعني شيئاً لم أدركه إلا بعد سنوات، وكانت العلاقات الجنسية الطفولية تشعرنا بالإثارة، مع أننا لم نكن قد وصلنا بعد إلى مرحلة البلوغ. وفي المرحلة الإعدادية عرفنا من خلال بعض الدروس في كتاب التربية الدينية أن هناك مرحلة بلوغ للذكر والأنثى على حد سواء، وتعرفنا عليها من باب النظافة لا من باب الثقافة الجنسية، إذ يجب أن لا نقرب الصلاة ونحن جُنب، وقتها أدركتُ أنني من البالغين.
عرفتُ أيضاً أن الأنثى تكون جُنباً بسبب الدورة الشهرية، أو "العادة" كما كنا نطلق عليها حسب لهجة البيئة الشامية. وقد كانت تلك الحالة تثيرنا شفوياً، لكن الثقافة الجنسية التي كنا نتناقلها كمراهقين، لم تكن تعكس معرفة أو تجربة، بل كانت إثباتاً للرجولة. وكان الجميع يكذبون مختلقين قصصاً عن علاقاتهم الخطيرة. هذا يدّعي بأنه وطأ جارته العانس، وذاك يدّعي بأنه شاهد نهدها، ومنهم من شاهد "ضهر" المدرّسة أو "شهوتها"، وأن لها مادة تشابه المادة المنوية عند الرجل لكنها تميل إلى الاصفرار.
لم تكن لدينا أدنى ثقافة جنسية. كان كل ما شاهدناه أو اكتسبناه ناجماً عن جهدنا الشخصي، وعن طريق الصدفة أو الصدمة المباشرة. ومع مرور الأيام كنا ننسف نظريات قديمة ونبني غيرها، تبعاً للمشاهدات الجديدة. فبعد أن شاهدنا السائل المنوي على عضو أنثى في بعض الصور عرفنا بأنها تقذف كالرجال، لكن هذه المعرفة جعلتنا نخاف من أن نحيض أيضاً، فطالما أن للنساء "ضهراً" كالرجال ليس من المستبعد أو الغريب أن يحيض الذكور.
كان السؤال الأصعب الذي ظلّ يحيّرنا: كم فتحة أو ثقب تمتلك الفتاة؟
شاهدتُ فتحتين قبل تلك المرحلة، فتحة الشرج، وكامل العضو المؤنث. "ظننتهُ فتحة للتبول" لكنني كنت أعتبر أنّ الخوض في هذا الأمر لا يجوز؛ فلا أريد فضح الفتاة بعد أن عاهدتها على التكتم، مع أنها كانت من محافظة أخرى. من ناحية ثانية بدأتُ أشكُّ أن باقي الفتحات تنمو عندما تصل الفتاة إلى سن الحمل كي يخرج الجنين من جسدها
مع استمرار بحثنا عن الجنس بدأت الأمور تتضح وتنكشف، لكن المشكلة أن الجنس كان ممنوعاً ومن المحال أن تعرف أي شيء عن طريق الأسرة، أو المدرسة، أو المجتمع.
كان "رفاق السوء" كما ينعتهم المجتمع الذي يدّعي المحافظة، هم المصدر الوحيد للمعرفة، وإذا كنت تريد أن تجرب الجنس فعليك أن تزور حي المرجة حيث "الشراميط" في الشوارع، أو تذهب إلى بيروت، أو تعشقك أجنبية تموت بالعرب، وبفحولتهم الخلبية.
وفعلاً ذهبنا إلى ساحة المرجة لكن للأسف لم نشاهد أي "شرموطة". كانت جميع النساء يرتدين ثيابهنّ، والبعض منقبات. تمكّنا من الوصول إلى بيروت، لم نشاهد مجلات "البورنو" المعروضة في السوبر ماركت كما أخبرونا، ولم نجرؤ على السؤال، ولم نلتق الأجنبيات اللاتي يقتلن أنفسهن من أجل مضاجعة رجل عربي. كنا نكتشف حجم التلفيق، بعد الفشل الذي ينتظرنا بعد كل مغامرة.
هنا لا يمكن إقصاء دور الثقافة عن هذه المعرفة، لاسيما الثقافة المكتسبة من الشارع والجمهور. أما الكتب القديمة، وحسب ما وصلنا في مراحل لاحقة، فلم تقدم أو تؤخر في هذه المعرفة. وهذا لا يعني أننا ننكر دور الثقافة في الربط بين الجنس والفكر، ودورها الأساسي في تشكيل وعي الفرد لمفهوم الجنس، لكن في الوقت ذاته يجب التأكيد على دورها السلبي في عصرنا، ويمكن اعتباره ظلامياً بالنسبة لهذه المسألة خاصةً. وفي عموم العالم العربي، غابت الثقافة الجنسية بشكل كامل، وتحولت إلى عدوٍّ للإنسان العربي، لاسيما فكرة ارتباط الجسد أو العقل بشكل من أشكال الجنس التي تعتبر موبقة، إلا في إطار الزواج المرتبط بحفظ النوع البشري، لكن الثقافة المسموح بها لم تجتمع مع الجنس في مجتمعنا العربي، إلا بالتحريم السماوي والتحذير من العقاب. وإذا أردنا البحث بشكل موضوعي داخل الثقافة العربية نرى أنها تُقسم إلى نوعين: ثقافة مكتسبة من الكتب والمنشورات الثقافية المحلية والتي ما تزال شبه منعدمة حتى يومنا هذا، إذ ليس هناك ثقافة عربية في العصر الحديث إلا من خلال كاتب أو مؤلف من إحدى الدول العربية، وهذه أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت المواطن العربي يلهث وراء الكتب المترجمة، وثانيها الثقافة الجنسية التي صدّرها الغرب. حتى الكتب التي مُنعت في المكتبات العربية لم تكن أكاديمية أو تعليمية بل كانت عبارة عن صور بورنوغرافية على شكل حروف، المقصود بها إثارة خيال القارئ لا التعليم أو التوعية. ولا يخلو الأمر من وجود كتب قليلة صدرت في عدة دول عربية على مر السنين ككتاب "حدائق الجنس" لمحمد الباز، أو كتاب "الفياغرا والمنشطات الجنسية" لماهر يسري، أو "برهان العسل" لمؤلفته سلوى النعيمي. لم تنتشر هذه الكتب في الوطن العربي، ولم يتمكن القارئ العربي من الوصول إليها. وحدها مجلة "طبيبك" لصاحبها الدكتور صبري القباني، كانت متوفرة لتقديم الجانب العلمي والوقائي بواسطة بعض المقالات الجنسية. وكانت توفّر للمراهق متعة لا حدود لها عبر العناوين المثيرة في بريد القراء، قسم الأمراض الجنسية ، حيث كانت تتيح لنا دخول عالم محرّم علينا الاقتراب منه، لكنها لم تكن تعليمية، أو مخصصة للمراهق العربي، ولم يذكر فيها اسم المراهق إلا في موادَّ كانت تُنشر عن سن المراهقة لتوعية الأهل.
أما الكتب والمؤلفات القديمة حول الجنس فلم تتوفر بشكل ورقي، والشبكة الافتراضية التي قدمتها لاحقاً كانت غائبة وعند بحثنا عن تلك المؤلفات وجدناها مفقودة. ولا يمكن للمراهق العربي إيجاد نسخ منها في المكتبات العربية، ربما يعثر على بعضها بخط غير واضح على صفحات المكتبات الإلكترونية، وأغلبها بالغ في الزخرفة وبلاغة اللغة، لتتحول الرغبة إلى حصة نحو وسجع، فالمتمرس في اللغة صنّفها ككتب صوفية لكثرة ما أدخل عليها من ألفاظ دينية، ونفر منها القارئ العادي لما تضمّنته من أشعار وألفاظ صعبة.
.
صورة مفقودة