نقوس المهدي
كاتب
مقدمة
تحتل الأخبار على اختلاف موضوعاتها مكانة بارزة في التراث العربي الفني منه وغير الفني ؛ حيث عرفها العرب منذ عصر ما قبل الإسلام حين كانت تُنقل شفاها بين الناس، الأمر الذي أدى إلى شيوعها وحفظها، ثم تدوينها فيما بعد ؛ وعليه كثُرت كتب الأخبار وكانت من المصنفات الأدبية الجديرة بالإهتمام، ولاسيما أن نصوصها تنطوي على جملة من الفنيات التي اعتمدها القدماء في ترويج مدوناتهم ونشرها.
وقد اختلفت كتب الأخبار وتنوعت في مؤلفيها وموضوعاتها فكان منها أخبار الأذكياء، وأخبار الحمقى والمغفلين لأبن الجوزي، والبرصان والعرجان للجاحظ، وأخبار النساء لأبن قيم الجوزية، وأخبار الزمان للمسعودي، وأخبار مكة للأزرقي وغيرها من الأخبار التي وإن اختلفت في موضوعها فإنها تتقارب في بنيتها الفنية وطرائق تقديمها، وهذا ما كشفت عنه الدراسات السردية المنصبة على هذا النوع من المدونات في الأدب العربي ؛ إذ حظي هذا الفن العربي القديم باهتمام الباحثين وعنايتهم فتناولوه بالبحث والدراسة ومن تلك الدراسات نذكر على سبيل المثال وليس الحصر، دراسة بعنوان (الكلام والخبر) قام بها الباحث سعيد يقطين، و دراسة أخرى قام بها الباحث عبد الله محمد عيسى الغزالي تناولت (المكونات السردية للخبر الفكاهي في أخبار الحمقى والمغفلين لأبن الجوزي)، وأخرى بعنوان (القص في أخبار الفرج بعد الشدة) للباحث البشير الوسلاتي، واقتداءً بمن سبقنا في الاهتمام بالأخبار سنحاول في الدراسة هذه الوقوف من جديد عند هذا الجانب المهم من تراثنا العربي لإبراز بعض قيمه الفنية والجمالية من خلال دراسة الاستهلال السردي في واحدٍ من تلك الأخبار.
فالبحث هذا يختص بدراسة الاستهلال – في خطاب أخبار النساء لأبن قيم الجوزية – بوصفه عنصرا سرديا فعّالا يتصدر تلك الأخبار ويشير إلى موضوعها، وذلك من خلال الملاءمة بين طبيعة هذا الخطاب النثري القديم والنظريات الحديثة في النقد القصصي، لكن ضمن حدود النص ذاته، وما يسمح به المنهج وبذلك نحاول وضع هذا النص في سياق التصورات الجديدة، وترهينه الى جانب الإبداعات الأخرى التي يُعنى بها فننظر إليه بعين معاصرة من خلال الوقوف على بعد واحد من أبعاده السردية، ونقول بعدا واحدا لأن هذا النص – أخبار النساء – وبعد قراءته لاحظنا أنه ينطوي على إمكانات سردية كثيرة تربطه بشكل أو بآخر بالحكايات المسرودة، ومنها اشتماله على عناصر البناء السردي ووسائله فضلا عن مكونات البنية السردية للخطاب من (سارد ومسرود ومسرود له) التي تشكل في حضورها في النص حكاية مكتملة.
وما دمنا في معرض الحديث عن الاستهلال السردي في أخبار النساء فيجدر بنا الوقوف عند مدلول الخبر، وبيان موضعه عند العرب بين الفنون الأدبية الأخرى، وكذلك الوقوف عند لفظ الاستهلال وتحديد مدلوله اللغوي، ومعاني بعض الألفاظ التي تدور في فلكه كالمطلع والابتداء والافتتاح، ثم التعريف بأخبار النساء وبيان ما تنطوي عليه من معان وفنيّات، وعليه ستحاول الدراسة تناول الأمور الاتية:
1 – مدلول الخبر.
2 – مدلول الاستهلال.
3 – أخبار النساء العنوان والمحتوى.
4 – الاستهلال السردي في أخبار النساء.
1. مدلول الخبر:
ورد في معاجم اللغة أن الخبر يعني النبأ والجمع أخبار، وأخابير: هو جمع الجمع، والخبر ما أتاك من نبأ عمن تستخبر عنه [1]. وهو العلم بالأمر، يقال: " خبرت بالأمر أي علمته. وخبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته " [2]، وبهذا المعنى وردت في قوله تعالى: " يومئذ تحدّث أخبارها "[3]، أي تحدِّث بما عمل الخلق على ظهرها [4].
والخبر هو الأثر، والأثر مصدر قولك أثرتُ الحديث آثره إذا ذكرته عن غيرك، ومن هذا قيل حديث مأثور أي يُخبّر الناسُ به بعضهم بعضاً أي ينقله خلف عن سلف، والأثر اسم للمأثور المروي كالخطبة وغيرها [5]، وأياً كان نوع الخبر المروي فإنه لا يُنقل اعتباطاً إذ لابد من فائدة ينطوي عليها ويروم تبليغها، يقول ابن وهب: " والخبر كل قول أفدت به مستمعه ما لم يكن عندك كقولك: " قام زيد " فقد أفدته العلم بقيامه " [6]، ومعنى هذا أن الخبر يهدف إلى إفادة المخاطب أمراً في ماضٍ من زمان أو مستقبل أو دائم، وهو ما جاز فيه التصديق أو التكذيب[7]. وعليه يمكن القول أن الخبر هو ما يُنقل للغير من أنباء وقعت أم لم تقع، أي أن النبأ لا يستحيل خبراً إلاّ بعد وقوعه والإعلام به نقلاً قصد الإمتاع والإفادة. وبعبارة أخرى يخضع الخبر بوصفه مدونة مروية لعمليات متعددة تسهم في تشكيله وإرساله وهي وقوع الأمر وسماعه ثم إرساله، ويمكن توضيح عملية إرسال الخبر وتلقيه بالشكل الآتي:
سارد ------------------------- مسرود ------------------------ مسرود له
(الحدث) مُرسِل الخبر الخبر متلقي الخبر
وقد كثُرت الأخبار وتوزعت في آثار عدّة متنوعة الأغراض ومتشعبة المواضيع، فمنها ما يخص اللغة، ومنها ما يخص الأدب شعره ونثره، ومنها ما هو داخل في التاريخ، ومنها ماله نسب صريح بالدين سواء كان حديثا أم سيرة أم فقها[8]. وهذا إن يدل على شيء فإنما يدل على أن الإلتفات إلى الأخبار والاهتمام بجمعها وتأليفها لم يكن متأخرا عند العرب بل كان قديما عندهم كغيره من أنواع النثر الأخرى الفنية منها وغير الفنية.
ومثل القدماء كان الدارسون المعاصرون في الاهتمام بالخبر ؛ إذ تناولوه – كما ذكرنا سالفا – بالدرس والتحليل فجعلوه ضمن أقسام الكلام العربي في أجناسه وصيغه وأنواعه، فقالوا: إن الكلام العربي من حيث الجنس ينقسم إلى: خبر، وشعر، وحديث. ومن حيث الصيغ فينقسم إلى: قول و خبر، أما من حيث النوع فينقسم إلى: خبر وحكاية وقصة وسيرة، وفي حديثهم عن هذه الأقسام ميّزوا بين القول والخبر، فالقول هو ما يصدر من قائل إلى سامع بشكل مباشر دون فاصل زمني، ويتمثل هذا القول في المحاورات والمناظرات والخطب. أما الخبر فهو ما يصدر من مُخبر إلى مُتلقٍ – بشكل غير مباشر – أي مع وجود فاصل زمني بين المُخبر (السارد)، والأخبار (القصص، الشعر...) التي يسردها [9].
والخبر نوع سردي يتسم بالواقعية بشكل عام، وبقربه من المنشأ التاريخي حتى لو لم تكن وقائعه قد تحققت، فضلا عن اعتماده غالبا على السند أو صيغة الرواية التي تشتمل على أسماء الرواة [10]، وتعلن عن وجود مروي ومروي له، وهذا كما نعلم مبحث مهم من مباحث السردية العربية التي " تبحث في مكونات البنية السردية للخطاب من راوٍ ومروي ومروي له، ولما كانت بنية الخطاب السردي نسيجاً قوامه تفاعل تلك المكونات، أمكن التأكد أن السردية هي العلم الذي يُعنى بمظاهر الخطاب السردي أسلوبا وبناءً ودلالة " [11]. وبما أن مكونات البنية السردية للخطاب أيا كان نوعه متعلقة بشكل أو بآخر ببنية الاستهلال فيه فإن تلك المكونات في خطاب الأخبار لا تختلف عن غيرها في الخطابات السردية الأخرى حيث تتكون من تلك المكونات وتفاعلها إذ توافر على (السارد والمسرود والمسرود له)، وعليه سيسعى هذا البحث إلى دراسة بنية الاستهلال في تلك الأخبار في محاولة لإبراز مكونات الخطاب التي تظهر فيه أولا بوصفه عبارة النص الأولى، ثم رصد تفاعلها وما تنتج من وظائف تسهم في تشكيل النص وانتاج دلالاته.
2. مدلول الاستهلال:
بما أن الدراسة هذه تتناول الاستهلال السردي في أخبار النساء، فلابد إذن من الوقوف عند مفهوم الاستهلال وبيان ماهيته ؛ للكشف عن فنّياته وطاقاته الإبداعية التي تبرزه عنصرا سرديا يسهم في تشكيل النص وجذب المتلقي.
يشكّل الاستهلال مكونا مهما من مكونات الخطاب السردي فكما أنّ " خاتمة الكلام أبقى في السمع، وألصق بالنفس ؛ لقرب العهد بها " [12]، فضلا عن اشتمالها – أي الخاتمة – على عناصر إثارة تخيلية للمتلقي وتحصيل متعة الإكتشاف وانفراج الأزمة وتحصيل الغاية[13]. كذلك كان الاستهلال له أهميته ودوره الفعّال في جلب انتباه المتلقي وشدّه إلى الموضوع [14]، ولاسيما أنه يضطلع بمهمة زرع الترقب والتشويق لدى المتلقي ليتابع ما بعده.
وحال الاستهلال في النثر كحاله في الشعر، فكما أن الشعر قفل أوله مفتاحه، وينبغي للشاعر أن يجودّ ابتداءه، لأنه أول ما يقرع السمع، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة[15]، كذلك النثر بدايته مفتاحه ونقطة الإنطلاق الأولى لقراءته فلابد للقارىء من الوقوف عندها للوصول إلى ما بعدها، فيتوجب على السارد الأهتمام بها وتحسينها شأنه في ذلك شأن الشاعر.
وبما أن العملية السردية قائمة على مجموعة من الملفوظات المتتابعة والموظفة فيها لتشاكل ألسنيا جملة من التصرفات الهادفة إلى تحقيق مشروع ما[16]، فإنه يمكن عد الاستهلال – بوصفه أول تلك الملفوظات – ركنا فاعلا في بث الرسالة الأدبية التي تمثلها العملية السردية، وهذا أمر بدهي ؛ ولاسيما أنه أي الاستهلال في أي خطاب كان يشكّلّ إطارا " لاغنى عنه، ينظم عملية الرواية والتلقي معا "[17] حيث يشترك المؤلف والمتلقي في خلق النص وتلك مزية العمل الأصيل[18]، وفضلا عن ذلك فإنّ الاستهلال يرتبط ارتباطا وثيقا بمكونات البنية السردية الأخرى للقصة، وبخاصة عنصري الزمان والمكان، فإن كانت بنية النص مكانية رأيت تفوق المكان على الزمان في الاستهلال، وإذا كانت زمانية رأيت تفوق الزمان على المكان فيه [19]، وهذا إن يدل على شيء فإنما يدل على أنّ بنية الاستهلال في أي خطاب أدبي يتصدره تتشكل استنادا إلى طبيعة ذلك الخطاب ونوعه ومقصده[20].
وعملية اختيار الاستهلال ليست عملية سهلة، فالمرسل لا يختار الاستهلال الذي يفتتح به نصه اعتباطا، بل يعمد إلى افتتاحه بما يناسبه ويرسم لدى المتلقي صورة أولية عنه، صورة تمهد له وتوحي بمحتواه كأن تشير إلى طرافته أو جديته أو أهميته... ولذلك قيل أن الاستهلال يستحسن إذا كان " مناسبا لمقصد المتكلم من جميع جهاته، فإذا كان مقصده الفخر كان الوجه أن يعتمد من الألفاظ والنظم والمعاني والأسلوب ما يكون فيه بهاء وتفخيم، وإذا كان المقصد النسيب كان الوجه أن يعتمد فيها ما يكون فيه رقة وعذوبة من جميع ذلك، وكذلك سائر المقاصد فإن طريقة البلاغة فيها أن تفتتح بما يناسبها ويشبهها من القول من حيث ذكر "[21]، ومن هنا كان الاستهلال مقياسا مهما لتشخيص براعة السارد أو الأديب في إنجاز استهلال قوي الوشيجة بمفاصل النص من خلال بنيته السردية التي يقف منها فعل الزمان والمكان والشخوص، مكونات أساسا لبنية أي نص سردي، فمن خلال التحرك الحر والمتمكن داخل هذه المكونات، أمكن إنجاز تشكيلات أسلوبية متطورة تشكّل بمجملها فنية الخطاب الأدبي بأكمله[22]. وبناء على ما تقدّم وانطلاقا من القيمة التي يمثلها الاستهلال في مجمل الحدث القصصي في السرد برزت أهمية دراسته في أخبار النساء.
3. أخبار النساء، العنوان والمحتوى:
بما أن السرد - كما مرّ سالفاً – اسم جامع لكل الأنواع الأدبية المشتملة على أعمال حكائية، وبما أن الخبر يتسع ليشمل كل أنواع القصص، فهل معنى هذا أن أخبار النساء وهي نوع سردي تنطوي على أعمال حكائية ؟ وإذا كانت كذلك لماذا عُنونت بالأخبار وليس بعناوين أخرى أوضح في اشتمالها على الحكي كالقصة والحكاية... ؟ ثم ما تلك الأخبار وعلى ماذا تنطوي ؟ بيد أن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب الوقوف على محتويات هذا الكتاب وبعض من نماذجه لبيان كيفية تقديم الأخبار فيه وطريقة صياغتها، وكذلك ملاحظة مدى التقارب أو الأختلاف بينها.
إن القارىء لكتاب أخبار النساء يلاحظ اهتمام ساردها بترتيب الأخبار وتنظيمها ؛ حيث جعلها في تسعة أبواب – لا يسبقها مقدمة – هي:
- باب في أوصاف النساء.[23]
- باب يذكر فيه من صيّره العشق إلى الاخلاط والجنون.[24]
- باب ما جاء في الغيرة.[25]
- باب من هذا الشكل.[26]
- باب ما ذُكرمن وفاء النساء.[27]
- باب ما يُذكر من غدر النساء.[28]
- باب ما جاء في الزنا والتحذير من أليم عقابه.[29]
- من أحاديث المؤلفين.[30]
- باب خلق النساء.[31]
وللتعرف أكثر على معنى تلك الأخبار ومبناها نقف على بعض من نماذجها في تلك الأبواب ومنها:
1 – " ويروى، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، خطب امرأة من كلب فبعث عائشة رضي الله عنها تنظر إليها، فقال لها: كيف رأيتها ؟ قالت: ما رأيت طائلا. قال: لقد رأيت طائلا، ولقد رأيت حالا تجدينها حتى اقشعرت كل شعرة فيك. قالت: ما دونك ستر يا رسول الله "[32].
2 – " روى ابراهيم بن حسن بن يزيد، عن شيخ من ساكني العقيق[33]، قال: إني لواقف بالعقيق، وقد جاء الحجاج، إذا طلعت إمرأة على راحلة وحولها نسوة، فنظرنا إليها، فأعجبتنا حالها. فلما كانت حذاء قصر سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان، عدلت إلينا، ونحن ننظر. فنزلت قصرا من تلك القصور فأقامت فيه ساعة ثم خرجت، فركبت ومضت، وإن عينيها لتنقطان دموعا. فقلت: لننظر ما صنعت هذه المرأة ؟ فدخلتُ القصر، فإذا كتاب يواجهني في الجدار، فقرأته فإذا هو:
أليس كفى حزنا لذي الشوق أن يرى - منازل من يهوى معطلة قفرا ؟
بلى، إن ذا الشوق الموكّل بالهوى، = يزيدُ اشتياقا كلما حاول الصبرا
وتحته مكتوب: وكتبته آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، وكان سفيان بن عاصم زوجها وتوفي عنها"[34].
3 – " وقال الصباحة في الوجه الوضاءة في البشرة. الجمال في الأنف. الحلاوة في العينين، الملاحة في الفم، الظُّرف في اللسان. الرشاقة في القدّ. اللباقة في الشمائل. كمال الحُسن في الشعر " [35].
4 – قال السارد: " وإذا كانت المرأة شابة حسنة الخلق فهي خود. فإذا كانت جميلة الوجه حسنة المعري فهي: بهكنة. فإذا كانت دقيقة المحاسن فهي: مملودة... "[36].
وبعد قراءة النماذج المذكورة سالفا وغيرها التي لم تُذكر من أخبار النساء يمكن القول أن هذا الخطاب النثري اعتمد في تشكيله جملة من الخصائص والسمات - التي تربطه بشكل أو بآخر بالمصادر الأدبية القديمة عامة والنثرية خاصة – نذكر منها:
1 – كل أخبار النساء تشترك في موضوع واحد هو موضوع النساء، إذ عرض السارد فيه كل صفات النساء الخَلقية منها والخُلقية، الجيدة منها والسيئة... إلاّ أنه ومن خلال التبويب قسّمها وفق تنوع تلك الصفات واختلافها فمنها ما يرفع من شأن المرأة، ومنها ما يحطّ من شأنها، وبعض تلك الصفات تُثاب عليها، بينما تُعاقب لاتصافها بصفات أخرى، ومنها ما يخص شكل النساء، ومنها ما يكشف عن جوهرها.
2 – أغلب أخبار النساء تعتمد صيغة الإسناد في افتتاحها أي تعتمد ثنائية الإسناد والمتن.
3 – أغلب أخبار النساء خطابها يجمع بين الشعر والنثر.
4 – كان من أهداف أخبار النساء الجمع بين الإفادة والإمتاع ؛ ولذلك جمعت في أغلبها بين الجد والهزل.
5 – تميزت أخبار النساء بكثرتها والتنوع في اختيارها ؛ حيث أنها لم تقتصر على صفة نسائية واحدة أو مدة زمنية معينة، بل جمعت كل صفات النساء تقريبا، وتداخلت الأزمنة فيها لتنقل المتلقي أثناء قراءته لها من صفة إلى صفة ومن عصر إلى آخر، فأخبار النساء زمنيا تنتمي لعصور مختلفة فمنها ما يعود لعصر المؤلف – أي القرن السادس الهجري – ومنها ما يعود للعصور السابقة لعصره كالعصر الأموي والعصر الإسلامي...،مما أوجد فاصلا زمنيا ليس بين السارد الأول وما يسرد فحسب بل بينه بين الساردين الذين ينسب الخبر إليهم، وعليه تكون أخبار النساء كغيرها من الخطابات النثرية القديمة " شاملة من جهة الزمان محددة من جهة الموضوع "[37].
5 – ليست كل أخبار النساء تنطوي على أعمال حكائية بل تنوعت في مبناها لتتخذ شكلين مختلفين هما:
أ – بعض أخبار النساء تعدّ نوعا من أنواع القصص القصيرة ؛ إذ يتجلى فيها البعد السردي بمختلف أشكاله وصوره، حيث تعرض لصفات النساء من خلال أعمال حكائية متكاملة كما في النموذجين الأول والثاني، فالخبر الأول على الرغم من قصره اشتمل على كل عناصر العمل الحكائي من حدث وزمان ومكان وشخصيات... والقارئ لهذا المسرود يلاحظ أن السارد فيه يسرد خبر عائشة – رضي الله عنها – مع الرسول – صلى الله عليه وسلّم – وما دار بينهما عندما بعثها لترى له إمرأة من كلب كان قد خطبها، وقد اعتمد السارد الحوار لنقل هذا الخبر فجعل الكلام على لسان الشخصيات، أما زمان الحادثة والمكان الذي شهدها فهما وإن لم يُذكرا صراحة في المسرود إلاّ أنّ أسماء الشخصيات فيه دلّت عليهما فالخبر يعود للعصر الإسلامي والمكان هو بيت الرسول – صلى الله عليه وسلّم –،فثمة مسافة زمنية تفصل بين السارد الرئيس ومسروده وتجعله يقف خارج الأحداث يعلم كل شيء لكنه يتكفل بمهمة السرد فقط دون أي تدخل، وفيما يخصّ بناء الحدث فهو بناء متتابع يبدأ بنقطة معينة وتتوالى فيه الأحداث لتصل إلى النهاية ويمكن توضيح تسلسل الأحداث فيما يأتي:
1 - خِطبة الرسول – صلى الله عليه وسلّم – لإمرأة من كلب.
2 - إرسال عائشة – رضي الله عنها – من قِبل الرسول – صلى الله عليه وسلّم – لرؤية المرأة.
3 - عودة عائشة – رضي الله عنها – وسؤال الرسول – صلى الله عليه وسلّم – لها عن المرأة.
4 - جواب عائشة – رضي الله عنها –.
5 - ردّ الرسول – صلى الله عليه وسلّم – على عائشة – رضي الله عنها –.
6 - ردّ عائشة – رضي الله عنها – على الرسول – صلى الله عليه وسلّم –.
والخبر كما نلاحظ ينطوي على رسالة مغزاها بيان صفة الغيرة ولكي يكون وقعها أكبر وتأثيرها أقوى أختار السارد هذه القصة عن عائشة – رضي الله عنها – فهي على الرغم من امتلاكها للخُلق الرفيع والعلم والفضل والمكانة العالية فإنها بوصفها إمرأة لم تسلم من هذه الصفة
وكذلك الخبر الثاني يتجلى فيه البعد السردي بمختلف صوره وأشكاله فهو قصة تدور أحداثها حول شخصية رئيسة هي (آمنة بنت عمر بن عبد العزيز)، فهي على الرغم من أنها لم تتكلم نهائيا إلاّ أنّ السارد – الشيخ – الذي كان حاضرا الحدث وشاهدا عليه تكفل بمهمة وصف الشخصية وتصويرها لبيان حالها وصفتها التي أراد توصيلها لنا وهي (الوفاء)، وقد أبرز لنا هذه الصفة من خلال عرض تصرف الشخصية وسلوكها عند نزولها على قصر زوجها المتوفى وخروجها منه محزونة باكية، فالسارد أوكل مهمة تقديم الشخصية المحورية (آمنة) إلى شخصية أخرى داخل القصة نفسها، وبناء الحدث كما لاحظنا كان بناءً متتابعا توالت فيه الأحداث بشكل متسلسل، أما المكان فقد حدده السارد (العقيق) وهو مكان حقيقي، والزمان وإن لم يُحدد فإن أسماء الشخصيات – الحجاج، عاصم بن عبد العزيز بن مروان... – تشير إليه، فالخبر هذا كما لاحظنا لا يخرج عن كونه رسالة سردية مُرسلة من سارد إلى مسرود له قصد التأثير والإفادة.
ب – أما النوع الثاني من أخبار النساء فهي أخبار تعرض لصفات النساء من خلال القول أو الوصف المجرد المباشر البعيد عن الحكي وعناصره وهذا ما تجلى لنا في النموذجين (3، 4) المذكورين سالفا، حيث ركز السارد فيهما على ذكر مواطن جمال المرأة وآيات الحسن فيها ذكرا مباشرا يعتمد تعديدها وذكر مسمياتها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الخبر أيا كان شكله وسواء اشتمل على عمل ٍ حكائي أم لم يشتمل عليه فإنه لا يخرج عن كونه خطابا سرديا أو مسرودا يمرّ عبر قناة اتصالية تجمع بين طرفي السرد (السارد والمسرود له) وهذه كما ذكرنا سالفا مكونات سردية متعلقة ببنية الاستهلال الذي تظهر من خلاله، وهذا ما ستُعنى الدراسة به في الصفحات القادمة.
بناء على ما ذُكر من سمات هذه المدونة – أخبار النساء – وخصائصها صار بالإمكان الإجابة على الأسئلة المذكورة سالفا، ويبدو أن السارد فضّل اختيار هذا العنوان لأسباب كثيرة منها ما يخصّ الموضوع ومنها ما يخصّ النوع السردي، فأما ما يخصّ الموضوع فيبدو أن السارد اختار لفظة (أخبار) دون غيرها وأضافها إلى لفظة (النساء) دون غيرها للأسباب الآتية:
1 – اختار لفظة (أخبار) وأضافها إلى لفظة (النساء)حتى لا ينصرف ذهن المتلقي إلى أخبار أخرى غير أخبارهن، كأخبار الرجال، أو أخبار الحيوان أو أيّة أخبار أخرى.
2 – إنّ السارد لم يُعنون مد ونته بما يدّل على صفة واحدة من صفات النساء ليقول (جمال النساء، أو ذكاء النساء، أو الجميلات، أو البخيلات..) كما فعل ابن طيفور حين عنون كتابه ب(بلاغات النساء) لأنه جمع فيه كل الأخبار الدالة على صفة واحدة في النساء وهي بلاغتهن ولذلك ذكر الصفة وأضافاها إلى النساء، وأيضا لم يفعل كما فعل الجاحظ في (البخلاء) الذي اختار هذا العنوان المكوّن من كلمة واحدة تدل على المتصفين بالبخل ؛ لأنه جمع فيه كل النصوص التي تتحدث عن البخل والبخلاء، ولدى الرجال والنساء معا وليس عند أحداهما، فالسارد لأخبار النساء لم يختر عنوانا غير الذي اختاره لأنه لم يهدف بتلك الأخبار إلى بيان صفة واحدة خاصة عند النساء بل أراد ان تجمع أخباره كل ما يخص النساء من صفات خلقية وخُلقية.
وأما مايخصّ النوع السردي فالسارد قال أخبار النساء ولم يقل قصص النساء أو حكايات النساء لأنه يدرك تماما أن أدب القصص النثري " هو ذلك الجنس الأدبي الذي يشمل كل أنواع القصص من روايات وحكايات وقصص على اختلافها في الطول، بشرط أن تكون مكتوبة نثرا لاشعرا "[38] وأن تنطوي على عمل حكائي وهذا يخالف التنوع الحاصل في شكل أخبار النساء حيث تشكلت من القصص وغير القصص – كما ذكرنا سالفا –.
فالسارد فضّل اختيار لفظة (أخبار) بصيغة الجمع وأضافه إلى لفظة (النساء) بصيغة الجمع أيضا ؛ لأنهما أقوى في الدلالة على محتوى مدونته التي جمعت أخبارا – وليس خبرا – تتحدث عن صفات ممكن أن تتصف بها ليس إمرأة واحدة فقط بل كل النساء، فضلا عن أن مصطلح (الخبر) – كما ذكرنا سالفا – يتسع ليشمل كل الأنواع السردية الأخرى، كما أنه – أي مصطلح الخبر – يقصر دور السارد على الإبلاغ والسرد فقط وليس شيئا آخر، وكأن السارد أراد أن يخبرنا أن دوره في هذا الكتاب لا يتجاوز مهمتي (النقل والسرد) وهذا ما سنوضحه لاحقا.
4. الاستهلال السردي في أخبار النساء:
تعدُّ أخبار النساء من الخطابات السردية المبنية على نقل حدث أو قول عن سارد سمع أو رأى ذلك الخبر أو أُخبر عنه من قِبل آخرين، وتتجلى قيمة الاستهلال في هذا النوع من الخطابات في جملة من الصيغ الاستهلالية المختلفة التي سيقف البحث عندها لبيان أشكالها ووظائفها.
1 – صيغ الاستهلال وميزاته:
إنّ نظرة في أخبار النساء تكشف أنّ أغلبها أفتتح بعبارات قد تطول أو تقصر لكنها متشابهة في الصياغة والدلالة، وللتعرف عليها وبيان سماتها نذكر بعضاً من نماذجها مثل: " قال معاوية ---- "[39] و " حكى أبو الحسن... "[40] و " روى عبد الرحمن بن نافع... "[41] و " عن المغيرة بن شعبة قال... "[42] و " ذكر بن عتيق... "[43] و " يُروى عن أبي هريرة... "[44] و " قيل لآخر... "[45] و " وزعموا أنّ... "[46] وغيرها من الجمل الاستهلالية الواردة بالصيغ السابقة نفسها أو ما يماثلها.
يتبين من النماذج السابقة أن الاستهلال فيها لم يكن إلاّ نوعاً من الإسناد، حيث وظّفه السارد في افتتاح أغلب أخباره حتى أصبح عنصرا مهماً من العناصر السردية فيها ؛ لاسيما أنه اللفظ الأول الذي اختاره السارد ليكون عنصر الجذب الأول للمتلقي ومدخله للنص الذي يليه، والإسناد – كما هو معروف – يعني " نسبة المسرود إلى أشخاص آخرين حقيقيين أو خياليين، معروفين أو مجهولين "[47]، وهذا ما يتمثّل في أخبار النساء التي وجدناها منسوبة إلى أشخاص مختلفين سنتحدث عنهم فيما بعد. وتعريف الإسناد هذا يطرح علينا عددا من الإسئلة، مثل: من الذي نسب المسرود إلى هؤلاء الأشخاص المذكورين في عبارة الإسناد ؟ ولماذا نسب المسرود إليهم ؟ أو لماذا وُظِّف الإسناد في سرد هذه الأخبار ؟ ثم ما علاقتهم بالمسرود ؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، ولتوضيح دور الإسناد وبيان المهمات المتكفل بها في العملية السردية نقف على استهلال خبر من تلك الأخبار التي افتتحها السارد قائلاً: " روى هشام بن عروة عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنها، قالت: سمعت ُ زيد بن عمرو بن فضل في الجاهلية وهو مُسنِد ظهره إلى الكعبة يقول:..."[48] فالخبر كما نلاحظ استهل بعبارة السند التي تؤطِّره، والتي من خلالها تتضح الطريقة التي انتقل بها الخبر وسُرِد، حيث تم نقله عبر سلسلة من الساردين يأخذ بعضهم من البعض الآخر، وهذه الطريقة نفسها المتبعة في إرسال النوع الإخباري خاصة والرواية الأدبية عامة، وللتوضيح أكثر سنحاول بيان عملية انتقال الخبر المذكور فيما يأتي من سطور:
- هشام بن عروة، وقد سُبق اسمه بفعل الإخبار الماضي (روى).
- أسماء بنت أبي بكر، ويلي اسمها الفعلان الإخباريان الماضيان (قالت) و (سمعتُ).
- زيد بن عمرو بن فضل، ويلي اسمه الفعل الإخباري الماضي في المعنى (يقول).
فالخبر – كما نلاحظ – منقول عن هشام بن عروة الذي أخذه بالنقل عن أسماء بنت أبي بكر التي أخذته بالسماع من زيد من... الذي يمكن أن يكون قد أخذه من رواه آخرين، لكن هل بذكر هؤلاء الساردين المذكورين نصيا تنتهي قائمة الساردين ؟ أم أنّ ساردا آخر متخفيا ينضاف لهم ؟.
إن نظرة في عبارات الاستهلال التي افتتحت بها أخبار النساء تجيب على تلك الأسئلة، فالأفعال (روى، قال، حدّث،...) في أول تلك العبارات تكشف عن وجود سارد آخر يتقدم الساردين المذكورين سالفاً، فالذي أبدع القصة هو الذي أبدع معها تلك العبارات. ومما يؤكد ذلك ياء المتكلم التي يصطنعها السارد في بعض عباراته الاستهلالية، حيث تدل على انه هو الذي يسرد، وهو المستحوذ على خيوط الحدث، والمتمكن من مكوناته السردية في مختلف مظاهرها واشكالها، كما تعني ان السارد يسرد من الداخل فيقذف بالحدث الى الخارج، ومن خلالها يعمد السارد الى ربط المسرود له ربطاً قوياً منذ انطلاقة البداية السردية[49]. وعليه فإن خلف هذه السلسلة من الساردين في استهلال أخبار النساء يقف سارد اول[50], تكفل بمهمة نسبة السرد إليهم وبنطق جمل الاستهلال المذكورين فيها وصياغتها بما فيها من أفعال وأسماء، إذ على الرغم من أن سارد أخبار النساء لم يقرن أفعال الخبر التي وظّفها بضمير يعود عليه – كياء المتكلم كما في (حدثني، وأخبرني)، أو ناء المتكلمين كما في (أخبرنا وسمعنا وحدثنا), أو تاء الفاعل كما في (سمعتُ وشاهدتُ) – فإنّ وجود تلك العبارات الاستهلالية بما فيها من أفعال وحده كافٍ ليدل على أنّ هناك من سمع الأخبار واخبرنا بها ومن ثم فهو الذي يتحكم بصياغتها ومنحها شكلها الابداعي وقيمتها الفنية، وهذا أمر بدهي لأن السارد في أي نص كان لا يخرج عن كونه الشخص الذي يروي الحكاية أو يُخبر عنها، سواء كانت حقيقة أم متخيّلة. ولا يُشترط فيه أن يكون اسماً متعيّناً، فقد يتقنّع بضمير ما، أو يُرمز لـه بحرف معين او هو ذلك الصوت الخفي الذي لا يتجسد الا من خلال ملفوظه، وتتجه عناية السردية الى هذا العنصر بوصفه منتجاً للمسرود بما فيه من احداث ووقائع [51]، والمسرود بكل ما فيه يصدر عنه، وهذا ما قام به السارد الأول في أخبار النساء.
أما الساردون الآخرون – الظاهرون نصيا – الذين نسب السرد إليهم فلا " علاقة لهم بما يروى سوى كونهم حلقات تترابط فيما بينها لإيصال المروي "[52]، لكن هذا لا يعني أن ذكرهم مثل عدمه، بل على العكس من ذلك ؛ إذ لابد أن يكون السارد قد قصد نسبة السرد إليهم قصدا وهذا ما ستوضحه الدراسة لاحقا.
وبناءً على ما تقدم فإن الاستهلال السردي الذي صيغته الإسناد يجمع بين نوعين من الساردين:
الأول: هو السارد (المؤلف) الذي ينهض بمهمة صياغة الخبر وسرده والإخبار عنه.
الثاني: هو السارد الذي يذكره السارد الأول (المؤلف) ويوكل إليه بعض المهام السردية، كالسرد أو التفسير...[53].
وبوجود السارد الأول (المؤلف) يزداد عدد الساردين في الخبر – المذكور سالفا – وتتنوع وظائفهم بين الناقلين للأخبار و المتلقين لها في الوقت نفسه، وهكذا تمتد سلسلة الساردين ليتبادلوا الأدوار فيصبح كل سارد مسرود له وبالعكس، ويمكن توضيح عملية تلقي هذا الخبر وإرساله فيما يأتي:
القارىء ـــــــ المؤلف ــــــــــ هشام ـــــــــــــــ أسماء ـــــــــــــ زيد
مسرود له → سارد ═ مسرود له → سارد ═ مسرود له → سارد ═ مسرود له → سارد → الخبر
فضلا عما سبق فإن الاستهلال السردي لأخبار النساء يكشف عن تنوع أفعال القول الموظفة فيه، حيث دلّت على الإسناد أفعال ماضية عدة ارتبطت بجنس الخبر والحكى وعدت من القرائن الدالة عليه، مثل (قال، حكى، روى، ذكر، زعم...)، وإلى ذلك أشار الباحث سعيد يقطين حين قال عنها " إن كل هذه الصيغ تدخل ضمن جنس الخبر، سواء كان هذا الخبر من الأخبار القصار أو الطوال، وسواء كان حكاية أو قصة تدور حول الجن أو الأولياء والصالحين، أو حول وقائع تاريخية أو مُتخيّلة... "[54].
وعلى الرغم من تنوّع هذه الأفعال فقد تبيّن ومن خلال القراءة لهذه الأخبار شيوع صيغة (قال فلان...) التي وظِّفت بشكل كبير مقارنة بالأفعال الأخرى وهي صيغة تتكون من الفعل (قال + أسم الشخص) وهذا الشخص غالباً ما يكون شخصية دينية أو تاريخية أو أدبية معروفة، ومن ذلك ما جاء في استهلال الخبر الآتي حيث يقول السارد: " قال محمد بن عبيد الزاهد: كانت عندي جارية فبعتها... "[55] وبالصيغة نفسها يستهل السارد خبرا آخر يقول فيه: " قال الزبير حدثني أبي قال: كان عندنا بالمدينة رجل... " [56].
ومما لاشك فيه أن هذه الصيغة وما يماثلها في الأخبار من صيغ أخرى مثل: (حكى فلان) و (روى فلان) و (ذكر فلان) تشير بشكل أو بآخر إلى أن الإسناد الذي يؤطر أخبار النساء جميعها هو " إسناد واقعي لأن الأخبار... تأتي منقولة عن أناس معروفين على وجه الحقيقة "[57] فكلما كانت " الشخصية معروفة ومشهود لها بالخلق والصلاح والعلم والمنزلة الحسنة... كان ذلك أدعى إلى صدق الرواية "[58] وسارد أخبار النساء كان يدرك أهمية هذا الأمر حيث نجده يحرص دائما على ذكر أسماء الساردين الناقلين للخبر ليس لأنه أدعى لصدق الرواية فحسب بل لما فيه من عناصر الجذب والتأثير ؛ لأنهم في الغالب شخصيات معروفة ومشهورة ومشهود لها بالمنزلة والمكانة العالية، ونذكر من هؤلاء الساردين مثلا: (الفرزدق)[59]،و (الزبير بن بكار) [60]، و (الجاحظ) [61]، و (عروة بن الزبير) [62]، و (الأصمعي)[63].
وعليه يكون توظيف السارد لمثل هذه الصيغ إحد أساليبه في توثيق ما ينقل من أخبار فهو لم يسمعها ليقول (سمعتُ فلان أو حدثني فلان) ولم يشاهدها ليقول (شاهدتُ أو رأيتُ) ولم يستخدم غيرها من الأفعال المشابهة لها في الدلالة والتي من الممكن أن تحمّله دقّة أو عدم دقّة ما ينقل من أخبار.
وكما كشف السارد الأول عن أسماء الساردين - المنقول عنهم – في أغلب أخباره، فإنه يعمد أحيانا إلى إخفائهم وهذا ما تمثّل لنا في بعض استهلالاته التي استخدم فيها صيغة (زعموا)[64]و (قال بعضهم)[65] و (وقال أعرابي)[66] و (ذكروا)[67] فالقارئ لهذه الصيغ وما يماثلها يجهل السارد الثاني المتخفي وراء ضمير الغائب ولايعرفه ؛ فهو لايعلم من هو الأعرابي ومن هم الذين ذكروا أو الذين زعموا الذين ينسب السرد إليهم، ولعل السارد عمد إلى توظيف هذه الصيغ وبعبارة أخرى توظيف ضمير الغائب لأنه من " الضمائر الشائع استخدامها بين الرواة الشفويين ومن ثم بين القصاصين الكتّاب لإمكانية تواري السارد خلفه ممرراً ما يشاء دون السقوط في فخ الأنا أو فهم العمل السردي بوصفه سيرة ذاتية " [68]
يتضح مما سبق أنّ السارد الأول عمد في إسناد السرد إلى أصحابه طريقين، يكشف في الأول منهما عن السارد المنقول عنه وذلك بذكر اسمه، وفي الثاني يحجبه مكتفيا بالإشارة إليه من خلال ضمير الغائب، وعليه يمكن تقسيم الساردين الذين نسب إليهم سرد أخبار النساء إلى قسمين هما:
أ – ساردون معروفون.
ب – ساردون مجهولون.
مما سبق يتضح حرص السارد الأول على توظيف الإسناد في استهلالاته سواء أسند السرد فيه بناءً على إلى ساردين معروفين أو آخرين مجهولين، وهذا بلا شك يدل على إدراكه التام لقدرة هذه الصيغة ودورها الفعّال في تحقيق الكثير من المقاصد و منها:
1 – إن في توظيف الإسناد الذي يُذكر فيه أسماء الساردين المنقول عنهم ما يوثق الأخبار ويؤكد صحتها.
2 – إن في توظيف الإسناد إبعادا له عن الشبهة أو احتمال عدم الصدق فيما ينقل من أخبار؛ لأنّ من سيحاسب على الكذب فيها هو من نُسِب السرد إليه.
3 – إن سارد أخبار النساء يعي قيمة مثل هذه العبارات في إبراز أهمية الخبر الذي يليها ؛ ولاسيما أن هذه الصيغ الاستهلالية تعمل على شدّ "انتباه المتلقي وتوحي له بأهمية الحدث الذي سيسرد مما يخلق لديه تشويقاً ورغبة في معرفة ما يريد السارد تبليغه بعد ان سمعه من غيره، فاستخدام السارد للإسناد يستدعي وعي المسرود له ويؤكد وجود الاتصال بينهما "[69].
4 – إن توظيف الإسناد يساعد السارد على أن يكون مجرد سارد يسرد ويتخذ موقعا خلف الأحداث التي سردها بوصفه ساردا عليما.
وفضلا عن ما سبق يبدو أن سارد أخبار النساء اعتمد هذا النوع من الاستهلال لأنه كان من التقاليد المتعارف عليها في التراث العربي[70]، فضلا عن أن طبيعة الأخبار من حيث قدمها - إذ تعود إلى مُدد زمنية سابقة – يستلزم نقلها إسناد السرد إلى سلسلة من الساردين جيلا بعد جيل منذ وقوعها وحتى وقت تدوينها الذي حفظها لنا.
ومن السمات الأخرى التي ميّزت الاستهلال في أخبار النساء أنّ شكل الإسناد فيه من حيث الطول لم يكن واحداً بل تنوّع ليتخذ شكلين هما:
1 – الإسناد القصير، وفيه يقل عدد الساردين المنقول عنهم، وقد تمثّل هذا النوع من الإسناد في عدد غير قليل من الأخبار ومنها هذا الخبر الذي افتتحه السارد الرئيس قائلا: " قال الأصمعي: قال لي الرشيد: أمضِ إلى بادية البصرة... "[71]، فمن الواضح أنّ السارد الأول هنا نسب السرد إلى سارد واحد فقط هو الأصمعي.
2 – الإسناد الطويل، وفيه يكثر عدد الساردين المنقول عنهم، وقد تكرر هذا النوع من الإسناد كثيرا في أخبار النساء، ومنها الخبر الآتي الذي استهله السارد قائلا: " يروى عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – يقول... "[72]، يتضح من الاستهلال أن السارد نسب السرد إلى عدد من الساردين، ومما لاشك فيه أنه كلما كثُر عدد الساردين كلما تعددت مستويات السرد.
وكما وظّف سارد أخبار النساء الإسناد ليكون صيغة استهلالية يفتتح بها أغلب أخباره، فإنه أحيانا يتخلى عنه ليدخل إلى خطابه السردي دخولاً مباشراً دون ذكر سند الرواية[73].، ولبيان ذلك نقف على بعض الأخبار التي استهلّت بمثل هذا الاستهلال ومنها:
1 – " عرض الحجاج سجنه يوماً فأتى... "[74].
2 – " وقع بين امرأة وزوجها شر... "[75].
3 – " وكان عبد الرحمن بن أبي عمار فقيه أهل الحجاز قد مرّ بنخّاس... "[76].
4 – " ولما تزوجت ليلى صاحبة قيس بن الملوح هام على وجهه... "[77].
يتضح من النماذج السابقة أنّ السارد الأول قد باشر سردها موظفاً عدداً من الأفعال الماضية التي تدل على قِدم الخبر من ناحية، ومن ناحية أخرى يشير إلى البدء بسرده – أي نقله للمتلقي – والسارد في إفتتاح هذه النماذج من الأخبار يسلك سبيلين هما:
1 – أن يفتتح الأخبار بسرد الحدث مباشرة دون تقديم أو إسناد كما تمثّل في النموذجين الأول والثاني، حيث استهل الأول بالفعل (عرضَ) والثاني بالفعل (وقعَ)، وهي – كما ذكرنا – أفعال ماضية يشكل كل واحدٍ منها فعلا رئيسيا في العمل السردي، أو محركاً للحدث في الخبر الذي يتصدّره ؛ ففي النموذج الأول – مثلاً – الذي افتتحه السارد قائلاً: " عرض الحجاج سجنه يوما، فأتي برجل فقال له: ما كان جرمك ؟ قال أصلح الله الأمير، أخذني العسس وأنا مُخبرك بخبري، فإنّ يكن الكذب ينجّي فالصدق أولى بالنجاة. فقال: ما قصتك ؟ قال: كنت أخا لرجل فضرب الأمير عليه البعث إلى خراسان، فكانت إمرأته تجِد بي وأنا لا أشعر، فبعثت إليّ يوما رسولا قد جاء كتاب صاحبك فهلمّ فلتقرأه. فمضيت إليها، فجعلت تشغلني بالحديث حتى صلينا العشاء، ثم أظهرت لي ما في نفسها، ودعتني إلى السوء، فأبيت ذلك. فقالت: والله لئن لم تفعل لأصيحن ولأقولن إنك لص. فلما أبيت صرخت فخرجت هاربا. وكان القتل أهون عليّ من خيانة أخي، فلقيني عسس الأمير فأخذوني... فعرف صدق حديثه وأمر بإطلاقه "[78].
يتضح من الخبر المذكور أنّ (عرض الحجاج لسجنه) وهو فعل قامت به الشخصية أدى إلى معرفتها لحقيقة أمر أحد السجناء وسبب دخوله السجن، وهذا أدى بدوره إلى التأكد من براءة السجين ثم العفو عنه، فالسارد إذن اختار من الخبر – حين أراد سرده – ما فيه تشويق وترقّب فالفعل (عرض) ومن قام به (الحجاج) و (السجناء) الذين وقع عليهم العرض كل هذه الألفاظ تمتلك إمكانية التأثير في المسرود له وجذبه لمتابعة قراءة الخبر بل أن أسم الحجاج المعروف بقوته وبأسه وحده كاف ليكون عنصر الجذب الأول في النص، وبذلك يكون السارد قد أحسن في اختيار الاستهلال المناسب والفعّال لمسروده، لكن ونحن نتكلم عن هذا الاستهلال لابد من الإشارة إلى أنّ الخبر لا يهدف إلى بيان براءة السجين بقدر بيان بعض صفات النساء السيئة وهي الخيانة والمكر وهذا أمر بدهي لأن غاية هذه الأخبار عرض صفات النساء، وهذا إن يدل على شيء فإنما يدل على براعة السارد ومقدرته الفنية التي تمكّنه من إبراز صفات النساء وتصويرها بطرق غير مباشرة.
2 – يُمهد السارد لأخباره بتقديم يسير يُعرّف فيه بالشخصية، وهذا ما تجلى لنا في النموذجين الأخيرين، ففي النموذج الثالث مثلا يتبين أن السارد قد جعل من تعريف الشخصية مدخلا واستهلالا لسرد الخبر.
ويبدو أن استغناء السارد عن الإسناد في مثل هذه الأخبار يعود إلى كونها أخبار معروفة تحكي قصصا واقعية عن شخصيات إسلامية وتاريخية معروفة كالحجاج وغيره.
بناءً على ما سبق نستطيع القول إنّ سارد أخبار النساء قد أفلح في اختيار صيغ الاستهلال التي افتتح بها سرده، فهو كما تبيّن لنا كان يعي تماما وقع الكلمة الأولى ودورها الفعّال في جذب المتلقي، ودلالتها على الغرض المقصود.
2 – مظاهر حضور السارد في السرد
إن دراسة مظاهر حضور السارد تعني اقتفاء أثر صوته داخل السرد، ثم الإشارة إلى تدخلاته فيه[79]، بعبارة أخرى دراسة علاقة السارد بالمسرود، وهذه العلاقة بلا شك متعلقة بعنصر الاستهلال الذي يشير وبوضوح إلى تدخل السارد أو عدم تدخله وهذا ما تمثّل لنا في أخبار النساء، إذ يلاحظ القارىء ومن العبارة الأولى فيها – استهلالها – أنها لاتكشف عن تنوّع في العلاقة بين السارد الأول ومسروده، لأنه فيها من هذه الناحية ليس كغيره من الساردين في الأعمال السردية الأخرى، فنظرة في مكونات البنية الاستهلالية لتلك الأخبار تؤكد لنا ظهور السارد الأول فيها بمظهر في السرد واحد لا يتغير وهو مظهر (السارد المفارق لمسروده) ؛ فهو على الرغم من أنه كان جزءا أساسيا في بنية الأخبار الاستهلالية، وحاضرا – كما لاحظنا – في جميعها إلاّ أنه كان ساردا من الخارج يسرد متونا غريبة عنه لا يتدخل فيها وينحصر دوره في مهمة النقل والإخبار فقط، فهو يسرد دون تحليل وينقل دون تعليق ؛ ولذلك نجده ينسب سرده إلى شخصيات معينة أو إلى ضمير الغائب ويبتعد عن استخدام ضمير المتكلم.
ومن الأخبار التي توضّح مفارقة السارد الأول لمسروده خبر يفتتحه السارد قائلا: " وحكى الأصمعي قال: خرج المهدي حاجا، حتى إذ كنا في بعض الطريق... "[80] فالسرد كما نلاحظ يوضّح غياب العلاقة بين السارد الأول ومسروده، لوجوده أي السارد خارج أحداث الخبر وابتعاده عنها زمنيا ونصيا، فثمة مسافة زمنية تفصله عن مسروده. وكلما تعدد الساردون اتسعت المسافة الفاصلة بين السارد ومسروده، ومن الأخبار التي تمثّل فيها هذا الاتساع خبر جاء فيه " حكى سنة بن عقال، عن الشعبي قال: حدثني رجل من بني أسد قال: اني لذات يوم في الحي إذ أقبل فتى نظيف الثوب... "[81] فالسارد هنا كان مفارقا لمسروده ولم يكن متماهيا فيه أبدا لابوصفه مشاركا في الأحداث ولا حتى شاهدا عليها.
وإذا كانت المفارقة هي العلاقة التي تحكم السارد الرئيس بمسروده فإنها لا تحكم الساردين الآخرين – الظاهرين نصيا – بالمسرود ؛ فهولاء تنوعت علاقتهم بالمسرود ما بين مفارقين له أحيانا ومتماهين فيه أحيانا أخرى، ومن الأخبار التي تجلّى فيها السارد الثاني مفارقا لمسروده هذا الخبر وبدايته: " وحكى أبو الحسن المدايني قال: هوى بعض المسلمين جارية... "[82] فمن الواضح أن السارد الأول هنا لم يكن وحده المفارق للمسرود بل يشاركه في هذه المفارقة السارد الثاني (السري بن المطلب) الذي كان بدوره بعيدا عن الأحداث غريبا عنها، وبذلك يتأكد اقتصار دور الساردين في هذا النص على الإخبار فقط.
ومن الأخبار التي تمثّل فيها السارد الثاني متماهيا في مسروده خبر عن آمنة بنت عمر بن عبد العزيز الذي افتتحه السارد قائلا: " روى ابراهيم بن حسن بن يزيد، عن شيخ من ساكني العقيق، قال: إني لواقف بالعقيق، وقد جاء الحجاج، إذا طلعت إمرأة على راحلة وحولها نسوة، فنظرنا إليها، فأعجبتنا حالها. فلما كانت حذاء قصر سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان، عدلت إلينا، ونحن ننظر. فنزلت قصرا من تلك القصور فأقامت فيه ساعة ثم خرجت، فركبت ومضت، وان عينيها لتنقطان دموعا. فقلت: لننظر ما صنعت هذه المرأة ؟ فدخلتُ القصر، فإذا كتاب يواجهني في الجدار... " [83] يتضح من النص أن السارد من الدرجة الثالثة (الشيخ) فضلا عن مهمة السرد القائم بها كان مشاركا في الأحداث بوصفه شاهدا عليها، بعبارة أخرى لايوجد فاصل زمني أو نصي يفصل بينه وبين مسروده.
3 – مهمات السارد:
لابد للسارد الأول من مهمات يقوم بها، ومقاصد يروم تحقيقها، وطبيعي أن كشف المسرود له الأول عن المهمات والمقاصد لا يتحقق إلا بعد قراءة الخبر بأكمله، لكن أحيانا يمكن أن يكشف جزء من النص عن هذه المهمات، وهذا ما لاحظناه في أخبار النساء إذ كشف الاستهلال فيها عن المهمات التي قام السارد الأول بتنفيذها لإعلام القارىء بتلك الأخبار وهي لا تتجاوز ما يأتي:
1 – مهمة السرد: فالأخبار بوصفها رسالة لا تتحقق فاعليتها إلا بسردها من خلال سارد، وسارد أخبار النساء كما أوضح استهلالها كانت مهمته الأولى إرسال الأخبار إلى المسرود لهم (القراء).
2 – مهمة التنسيق: وهي المهمة الثانية التي تكفل بتنفيذها سارد هذه الأخبار إذ يقوم فيها بتنظيم داخلي للخطاب السردي، كأنّ يُذكر ببعض الأحداث أو يستبقها [84]... وغيرها أي أنه يعيد صياغة مايسمع ويحاول إخراجه بصورة جمالية فنية، وسارد أخبار النساء لم يغفل عن تطبيق هذه المهام التنسيقية والتي تمثّلت لنا في أكثر من جانب من جوانب أخباره، وفي مقدمتها توظيفه لصيغة الإسناد لتكون الاستهلال في أغلب أخباره، كما قسم الأخبار إلى أبواب، ووصف الشخصيات واستبق الأحداث واسترجعها... ومما لاشك فيه أنّ توظيف هذه المهام يسهم في بناء النص السردي ويجعله متماسكا.
بناءً على ما تقدم من البحث في الاستهلال السردي لأخبار النساء يمكن القول أن الدراسة لهذه البنية الاستهلالية كشفت عن تنوع الاستهلال استنادا إلى الصيغة التي تشكّل بها، فالسارد في أخبار النساء إما أن يفتتحها بصيغة الإسناد، أو يتخلى عنه ليدخل إلى الموضوع مباشرة. وفيما يخصّ حضور الساردين في الاستهلال فقد تنوع أيضا ليُعلن عنهم حيناً، ويُحجبوا حيناً آخر. وكذلك شكل الاستهلال استنادا إلى عدد الساردين فقد تنوع ليكون طويلا مرة، وقصيرا مرة أخرى.
لقد كان الإسناد وسيلة السارد الأول (المؤلف) في تحقيق مقاصد كثيرة منها سرد الأخبار وتوثيقها، والإيحاء بأهمية الأخبار، وشدّ انتباه المتلقي لها وجذبه لمتابعتها،وفضلا عن ذلك فقد كشفت الدراسة عن انتماء صيغ الاستهلال المسند منها وغير المسند إلى الماضي مما يدل على قِدم الأخبار والبدء بسردها، وأن مهمة السارد الأول لا تتجاوز جمع الأخبار ونقلها للقارئ. فهو على الرغم من أنه لم يقرن جمل الاستهلال بضمير يعود عليه إلاّ أنه كان حاضرا فيها كلها، ومكونا مهما من مكوناتها. فهو الذي نطقها ونقل بعدها أخبارا (مسرودا) لا علاقة له بها، فظهر في كل أخباره بمظهر واحد هو مظهر السارد المفارق لمسروده الغريب عنه.
وعليه شكّل الاستهلال في أخبار النساء بنية نصية أولى لا تختلف عن غيرها في الخطابات السردية الأخرى بنية أسهمت في إبراز مكونات الخطاب السردي – السارد والمسرود والمسرود له – التي تظهر فيه أولا، كما بيّن مدى تفاعلها وما أنتجته من وظائف أسهمت في تشكيل النص وانتاج دلالاته الفنية والجمالية.
المصادر والمراجع:
– أخبار النساء، ابن قيم الجوزية (ت 691 – 751 ه)، شرح وتحقيق: نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1964 م.
– الاستهلال فن البدايات في النص الادبي، ياسين النصير، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993.
– الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، خير الدين الزركلي، ط 5، دار العلم للملايين، بيروت، 1980 م.
– الف ليلة وليلة دراسة سيميائية تفكيكية لحكاية حمال بغداد، عبد الملك مرتاض، دار الشؤون الثقافية العامة (آفاق عربية)، ط1، بغداد، 1989.
– الأمثال العربية القديمة (دراسة أسلوبية سردية حضارية)، أماني سليمان داود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1، بيروت، 2009.
– البرهان في وجوه البيان، أبو الحسين اسحاق بن ابراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب، تحقيق: أحمد مطلوب، خديجة الحديثي، بغداد، 1967م.
– بنية السرد في القصص الصوفي (المكونات، والوظائف، والتقنيات)، ناهضة ستار، منشورات اتحاد الكتّاب، دمشق، 2003.
– بنية النص السردي (من منظور النقد الادبي)، حميد لحمداني، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت، 1991.
– اتعريفات، ابو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني المعروف بالسيد الشريف، الدار التونسية للنشر، 1971.11 – تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 ه)، دار احياء الكتب العربية.
– السردية العربية (بحث في البنية السردية للموروث الحكائي العربي)، المركز الثقافي العربي، ط 1، بيروت – الدار البيضاء، 1992.
– الصاحبي في فقه اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: مصطفى الشويمي، بيروت، 1964 م.
– طرائق تحليل السرد الادبي، مجموعة مقالات مترجمة، منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط1، الرباط، 1992.
– العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده، ابن رشيق القيرواني، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط 4، دار الجيل، بيروت، 1972 م.
– العنوان وسيميوطيقا الاتصال الادبي، محمد فكري الجزار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998
– في أصول الخطاب النقدي الجديد: أحمد المديني، دار الشؤون الثقافية، ط1/ 1987.
– في الخطاب السردي: محمد الناصر العجيمي، الدار العربية للكتاب/ 1993.
– الكتابة والتناسخ. مفهوم المؤلف في الثقافة العربية، عبد الفتاح كيليطو، ترجمة: عبد السلام بنعبد، دار التنوير –بيروت، المركز الثقافي العربي –الدار البيضاء، ط1، 1985.
– الكلام والخبر. مقدمة للسرد العربي، سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1997.
– لسان العرب أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور) (ت711هـ)، ط 1، دار صادر بيروت، 1990.
– مدخل الى نظرية القصة تحليلاً وتطبيقاً، سمير المرزوقي وجميل شاكر، دار الشؤون الثقافية العامة (افاق عربية)، بغداد، 1986.
– معجم البلدان، شهاب الدين بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت 626 ه)، دار أحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.
– معجم مصطلحات الأدب، مجدي وهبة، مكتبة لبنان، لبنان.
– منهاج البلغاء وسراج الادباء، ابو الحسن حازم القرطاجني (ت 684هـ)، تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة، دار الكتب الشرقية، تونس، 1966.
– نظرية البنائية في النقد الادبي، صلاح فضل، ط3، دار الشؤون الثقافية العامة (افاق عربية)، بغداد، 1987.
الدوريات:
– الشخصية الروائية والقناع في اعمال جبرا ابراهيم جبرا، محمد المبارك، مجلة الاقلام، بغداد، العدد (4)، 1997.
– شعرية الخطاب واشكالية التجنيس. قراءة جمالية في "رسالة عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب (رض)"، محمد صابر عبيد، مجلة المورد، بغداد، العدد (2)، 2002.
– القص في اخبار الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي، البشير الوسلاتي، حوليات الجامعة التونسية، تونس، العدد (41)، 1997.
رسائل جامعية:
– السرد عند الجاحظ – البخلاء أنموذجا –، فادية مروان احمد، أطروحة دكتوراه، مقدمة الى كلية الاداب - جامعة الموصل، 2004.
· جامعة الموصل- كليّة الآداب- قسم اللغة العربيّة
، ابن منظور : 4 / 227 . ينظر: لسان العرب [1]
م. ن : 4 / 226 .[2]
سورة الزلزلة ، الآية : 4 .[3]
ينظر : تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير : 4 / 539 .[4]
ينظر : لسان العرب : 4 /6 .[5]
البرهان في وجوه البيان ، ابن وهب الكاتب : 113 .[6]
ينظر : الصاحبي في فقه اللغة ، أحمد بن فارس : 179 .[7]
ينظر : الأمثال العربية القديمة ، دراسة أسلوبية سردية حضارية ، أماني سليمان داود : 202 . [8]
ينظر : الكلام والخبر ( مقدمة للسرد العربي ) ، سعيد يقطين: 191 – 179 .[9]
ينظر : الأمثال العربية القديمة : 197 .[10]
السردية العربية ( بحث في البنية السردية للموروث الحكائي العربي ) ، عبد الله ابراهيم : 9 .[11]
العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده ، ابن رشيق القيرواني ، تح : محمد محي الدين : 1 / 217 . [12]
ينظر : بنية السرد في القصص الصوفي ، ناهضة ستار : 88 . [13]
ينظر : الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي ، ياسين النصير : 22 .[14]
ينظر : العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده : 1 / 218 . [15]
ينظر : في الخطاب السردي ، محمد ناصر العجمي : 35 ، وفي أصول الخطاب النقدي ، أحمد المديني : 13 . [16]
السردية العربية : 196 .[17]
ينظر : نظرية البنائية ، صلاح فضل : 445 .[18]
: ينظر: العنوان وسيميوطيقا الإتصال الأدبي ، محمد فكري الجزار : 124 .[19]
ينظر : شعرية الخطاب واشكالية التجنيس. قراءة جمالية في "رسالة عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب (رض)"، محمد صابر عبيد : 49 . [20]
منهاج البلغاء وسراج الادباء ، حازم القرطاجني : 310 .[21]
ينظر : الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي : 31 .[22]
ينظر : أخبار النساء ، ابن قيّم الجوزية : 9 – 35 .[23]
ينظر : م . ن : 36 – 81 .[24]
ينظر : م . ن : 82 – 94 .[25]
ينظر : م . ن : 95 – 124 .[26]
ينظر : م . ن : 125 – 143 . [27]
ينظر : أخبار النساء : 144 – 167 .[28]
ينظر : م . ن : 168 – 207 .[29]
ينظر : م . ن : 208 – 227 .[30]
ينظر : م . ن:: 228 – 252 .[31]
أخبار النساء : 21 . [32]
العقيق : واد واسع قرب مكة فيه عيون عذبة الماء ، ينظر : معجم البلدان ، ياقوت الحموي : 6 / 340 .[33]
أخبار النساء : 31 – 32 .[34]
م . ن : 228 . [35]
م . ن : 229 .[36]
القص في أخبار الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، البشير الوسلاتي: 95 .[37]
معجم مصطلحات الأدب ، مجدي وهبة : 444 .[38]
أخبار النساء : 9 .[39]
م . ن : 42 .[40]
م . ن : 42 .[41]
م . ن : 108 . [42]
م . ن : 68 . [43]
م . ن : 43 .[44]
م . ن : 55 .[45]
م . ن : 62 . [46]
التعريفات ، ابو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني : 14 . [47]
أخبار النساء : 171 .[48]
[49] ينظر : الف ليلة وليلة دراسة سيميائية تفكيكية لحكاية حمال بغداد ، عبد الملك مرتاض : 11
[50] السارد الاول او الرئيس تسمية ستعتمدها الدراسة لتطلقها على ذلك السارد الذي يتقدم الساردين الاخرين نصياً، والذي اليه يعزى نسج السرد وابداعه، وبناءً عليه ستطلق على المسرود له الذي يقابله ويوحي بوجوده ضمير المخاطب (انت) المسرود له الاول او الرئيس.
ينظر السردية العربية : 11 .[51]
الأمثال العربية القديمة ، دراسة أسلوبية سردية حضارية : 222 .[52]
ينظر : الشخصية الروائية والقناع في اعمال جبرا ابراهيم جبرا، محمد المبارك: 23. [53]
الكلام والخبر ،مقدمة للسرد العربي ، سعيد يقطين : 192 .[54]
أخبار النساء : 53 .[55]
م . ن : 23 . [56]
الأمثال العربية القديمة : 222 .[57]
بنية السرد في القصص الصوفي : 92 .[58]
شاعر من النبلاء ،عظيم الأثر في اللغة ، يقال لولا شعره لذهب ثلث لغة العرب ، ينظر : الأعلام ، الزركلي : 8 / 93 .[59]
من أحفاد الزبير بن العوام ن عالم بالأنساب وأخبار العرب ،وراوية ، ينظر : م . ن : 3 / 42[60]
هو كبير أئمة الأدب في العصر العباسي ، ينظر : م . ن : 5 / 74 .[61]
هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة كان عالما بالدين صالحا كريما ، ينظر : م . ن : 4 / 226 .[62]
هو راوية العرب ، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان ، وأخباره كثيرة ، ينظر : م . ن : 4 / 162 .[63]
أخبار النساء : 62 . [64]
م . ن : 171 .[65]
م . ن : 58.[66]
م . ن : 187 .[67]
الأمثال العربية القديمة : 225 .[68]
ينظر: السرد عند الجاحظ -البخلاء أنموذجا - ، فادية مروان احمد: 69 .[69]
ينظر : السردية العربية : 196. [70]
أخبار النساء : 126 . [71]
أخبار النساء : 82 .[72]
[73] ينظر : الكتابة والتناسخ. مفهوم المؤلف في الثقافة العربية، عبد الفتاح كيليطو، ت : عبد السلام بنعبد العالي : 87.
أخبار النساء : 52 .[74]
م . ن : 10 .[75]
م . ن : 53 .[76]
م . ن : 77 .[77]
أخبار النساء : 52 . [78]
ينظر : بنية النص السردي ( من منظور النقد الأدبي ) ، حميد لحمداني : 48 – 49 .[79]
أخبار النساء : 206 . [80]
م . ن : 195 . [81]
م .ن : 42 .[82]
م . ن : 31 .[83]
مدخل الى نظرية القصة ، سمير مرزوقي وجميل شاكر : 104، وينظر : وطرائق تحليل السرد الادبي : 64 . [84]
* د. فادية مروان أحمد الونسة - الاستهلال السردي في كتاب أخبار النساء لأبن قيّم الجوزية
تحتل الأخبار على اختلاف موضوعاتها مكانة بارزة في التراث العربي الفني منه وغير الفني ؛ حيث عرفها العرب منذ عصر ما قبل الإسلام حين كانت تُنقل شفاها بين الناس، الأمر الذي أدى إلى شيوعها وحفظها، ثم تدوينها فيما بعد ؛ وعليه كثُرت كتب الأخبار وكانت من المصنفات الأدبية الجديرة بالإهتمام، ولاسيما أن نصوصها تنطوي على جملة من الفنيات التي اعتمدها القدماء في ترويج مدوناتهم ونشرها.
وقد اختلفت كتب الأخبار وتنوعت في مؤلفيها وموضوعاتها فكان منها أخبار الأذكياء، وأخبار الحمقى والمغفلين لأبن الجوزي، والبرصان والعرجان للجاحظ، وأخبار النساء لأبن قيم الجوزية، وأخبار الزمان للمسعودي، وأخبار مكة للأزرقي وغيرها من الأخبار التي وإن اختلفت في موضوعها فإنها تتقارب في بنيتها الفنية وطرائق تقديمها، وهذا ما كشفت عنه الدراسات السردية المنصبة على هذا النوع من المدونات في الأدب العربي ؛ إذ حظي هذا الفن العربي القديم باهتمام الباحثين وعنايتهم فتناولوه بالبحث والدراسة ومن تلك الدراسات نذكر على سبيل المثال وليس الحصر، دراسة بعنوان (الكلام والخبر) قام بها الباحث سعيد يقطين، و دراسة أخرى قام بها الباحث عبد الله محمد عيسى الغزالي تناولت (المكونات السردية للخبر الفكاهي في أخبار الحمقى والمغفلين لأبن الجوزي)، وأخرى بعنوان (القص في أخبار الفرج بعد الشدة) للباحث البشير الوسلاتي، واقتداءً بمن سبقنا في الاهتمام بالأخبار سنحاول في الدراسة هذه الوقوف من جديد عند هذا الجانب المهم من تراثنا العربي لإبراز بعض قيمه الفنية والجمالية من خلال دراسة الاستهلال السردي في واحدٍ من تلك الأخبار.
فالبحث هذا يختص بدراسة الاستهلال – في خطاب أخبار النساء لأبن قيم الجوزية – بوصفه عنصرا سرديا فعّالا يتصدر تلك الأخبار ويشير إلى موضوعها، وذلك من خلال الملاءمة بين طبيعة هذا الخطاب النثري القديم والنظريات الحديثة في النقد القصصي، لكن ضمن حدود النص ذاته، وما يسمح به المنهج وبذلك نحاول وضع هذا النص في سياق التصورات الجديدة، وترهينه الى جانب الإبداعات الأخرى التي يُعنى بها فننظر إليه بعين معاصرة من خلال الوقوف على بعد واحد من أبعاده السردية، ونقول بعدا واحدا لأن هذا النص – أخبار النساء – وبعد قراءته لاحظنا أنه ينطوي على إمكانات سردية كثيرة تربطه بشكل أو بآخر بالحكايات المسرودة، ومنها اشتماله على عناصر البناء السردي ووسائله فضلا عن مكونات البنية السردية للخطاب من (سارد ومسرود ومسرود له) التي تشكل في حضورها في النص حكاية مكتملة.
وما دمنا في معرض الحديث عن الاستهلال السردي في أخبار النساء فيجدر بنا الوقوف عند مدلول الخبر، وبيان موضعه عند العرب بين الفنون الأدبية الأخرى، وكذلك الوقوف عند لفظ الاستهلال وتحديد مدلوله اللغوي، ومعاني بعض الألفاظ التي تدور في فلكه كالمطلع والابتداء والافتتاح، ثم التعريف بأخبار النساء وبيان ما تنطوي عليه من معان وفنيّات، وعليه ستحاول الدراسة تناول الأمور الاتية:
1 – مدلول الخبر.
2 – مدلول الاستهلال.
3 – أخبار النساء العنوان والمحتوى.
4 – الاستهلال السردي في أخبار النساء.
1. مدلول الخبر:
ورد في معاجم اللغة أن الخبر يعني النبأ والجمع أخبار، وأخابير: هو جمع الجمع، والخبر ما أتاك من نبأ عمن تستخبر عنه [1]. وهو العلم بالأمر، يقال: " خبرت بالأمر أي علمته. وخبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته " [2]، وبهذا المعنى وردت في قوله تعالى: " يومئذ تحدّث أخبارها "[3]، أي تحدِّث بما عمل الخلق على ظهرها [4].
والخبر هو الأثر، والأثر مصدر قولك أثرتُ الحديث آثره إذا ذكرته عن غيرك، ومن هذا قيل حديث مأثور أي يُخبّر الناسُ به بعضهم بعضاً أي ينقله خلف عن سلف، والأثر اسم للمأثور المروي كالخطبة وغيرها [5]، وأياً كان نوع الخبر المروي فإنه لا يُنقل اعتباطاً إذ لابد من فائدة ينطوي عليها ويروم تبليغها، يقول ابن وهب: " والخبر كل قول أفدت به مستمعه ما لم يكن عندك كقولك: " قام زيد " فقد أفدته العلم بقيامه " [6]، ومعنى هذا أن الخبر يهدف إلى إفادة المخاطب أمراً في ماضٍ من زمان أو مستقبل أو دائم، وهو ما جاز فيه التصديق أو التكذيب[7]. وعليه يمكن القول أن الخبر هو ما يُنقل للغير من أنباء وقعت أم لم تقع، أي أن النبأ لا يستحيل خبراً إلاّ بعد وقوعه والإعلام به نقلاً قصد الإمتاع والإفادة. وبعبارة أخرى يخضع الخبر بوصفه مدونة مروية لعمليات متعددة تسهم في تشكيله وإرساله وهي وقوع الأمر وسماعه ثم إرساله، ويمكن توضيح عملية إرسال الخبر وتلقيه بالشكل الآتي:
سارد ------------------------- مسرود ------------------------ مسرود له
(الحدث) مُرسِل الخبر الخبر متلقي الخبر
وقد كثُرت الأخبار وتوزعت في آثار عدّة متنوعة الأغراض ومتشعبة المواضيع، فمنها ما يخص اللغة، ومنها ما يخص الأدب شعره ونثره، ومنها ما هو داخل في التاريخ، ومنها ماله نسب صريح بالدين سواء كان حديثا أم سيرة أم فقها[8]. وهذا إن يدل على شيء فإنما يدل على أن الإلتفات إلى الأخبار والاهتمام بجمعها وتأليفها لم يكن متأخرا عند العرب بل كان قديما عندهم كغيره من أنواع النثر الأخرى الفنية منها وغير الفنية.
ومثل القدماء كان الدارسون المعاصرون في الاهتمام بالخبر ؛ إذ تناولوه – كما ذكرنا سالفا – بالدرس والتحليل فجعلوه ضمن أقسام الكلام العربي في أجناسه وصيغه وأنواعه، فقالوا: إن الكلام العربي من حيث الجنس ينقسم إلى: خبر، وشعر، وحديث. ومن حيث الصيغ فينقسم إلى: قول و خبر، أما من حيث النوع فينقسم إلى: خبر وحكاية وقصة وسيرة، وفي حديثهم عن هذه الأقسام ميّزوا بين القول والخبر، فالقول هو ما يصدر من قائل إلى سامع بشكل مباشر دون فاصل زمني، ويتمثل هذا القول في المحاورات والمناظرات والخطب. أما الخبر فهو ما يصدر من مُخبر إلى مُتلقٍ – بشكل غير مباشر – أي مع وجود فاصل زمني بين المُخبر (السارد)، والأخبار (القصص، الشعر...) التي يسردها [9].
والخبر نوع سردي يتسم بالواقعية بشكل عام، وبقربه من المنشأ التاريخي حتى لو لم تكن وقائعه قد تحققت، فضلا عن اعتماده غالبا على السند أو صيغة الرواية التي تشتمل على أسماء الرواة [10]، وتعلن عن وجود مروي ومروي له، وهذا كما نعلم مبحث مهم من مباحث السردية العربية التي " تبحث في مكونات البنية السردية للخطاب من راوٍ ومروي ومروي له، ولما كانت بنية الخطاب السردي نسيجاً قوامه تفاعل تلك المكونات، أمكن التأكد أن السردية هي العلم الذي يُعنى بمظاهر الخطاب السردي أسلوبا وبناءً ودلالة " [11]. وبما أن مكونات البنية السردية للخطاب أيا كان نوعه متعلقة بشكل أو بآخر ببنية الاستهلال فيه فإن تلك المكونات في خطاب الأخبار لا تختلف عن غيرها في الخطابات السردية الأخرى حيث تتكون من تلك المكونات وتفاعلها إذ توافر على (السارد والمسرود والمسرود له)، وعليه سيسعى هذا البحث إلى دراسة بنية الاستهلال في تلك الأخبار في محاولة لإبراز مكونات الخطاب التي تظهر فيه أولا بوصفه عبارة النص الأولى، ثم رصد تفاعلها وما تنتج من وظائف تسهم في تشكيل النص وانتاج دلالاته.
2. مدلول الاستهلال:
بما أن الدراسة هذه تتناول الاستهلال السردي في أخبار النساء، فلابد إذن من الوقوف عند مفهوم الاستهلال وبيان ماهيته ؛ للكشف عن فنّياته وطاقاته الإبداعية التي تبرزه عنصرا سرديا يسهم في تشكيل النص وجذب المتلقي.
يشكّل الاستهلال مكونا مهما من مكونات الخطاب السردي فكما أنّ " خاتمة الكلام أبقى في السمع، وألصق بالنفس ؛ لقرب العهد بها " [12]، فضلا عن اشتمالها – أي الخاتمة – على عناصر إثارة تخيلية للمتلقي وتحصيل متعة الإكتشاف وانفراج الأزمة وتحصيل الغاية[13]. كذلك كان الاستهلال له أهميته ودوره الفعّال في جلب انتباه المتلقي وشدّه إلى الموضوع [14]، ولاسيما أنه يضطلع بمهمة زرع الترقب والتشويق لدى المتلقي ليتابع ما بعده.
وحال الاستهلال في النثر كحاله في الشعر، فكما أن الشعر قفل أوله مفتاحه، وينبغي للشاعر أن يجودّ ابتداءه، لأنه أول ما يقرع السمع، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة[15]، كذلك النثر بدايته مفتاحه ونقطة الإنطلاق الأولى لقراءته فلابد للقارىء من الوقوف عندها للوصول إلى ما بعدها، فيتوجب على السارد الأهتمام بها وتحسينها شأنه في ذلك شأن الشاعر.
وبما أن العملية السردية قائمة على مجموعة من الملفوظات المتتابعة والموظفة فيها لتشاكل ألسنيا جملة من التصرفات الهادفة إلى تحقيق مشروع ما[16]، فإنه يمكن عد الاستهلال – بوصفه أول تلك الملفوظات – ركنا فاعلا في بث الرسالة الأدبية التي تمثلها العملية السردية، وهذا أمر بدهي ؛ ولاسيما أنه أي الاستهلال في أي خطاب كان يشكّلّ إطارا " لاغنى عنه، ينظم عملية الرواية والتلقي معا "[17] حيث يشترك المؤلف والمتلقي في خلق النص وتلك مزية العمل الأصيل[18]، وفضلا عن ذلك فإنّ الاستهلال يرتبط ارتباطا وثيقا بمكونات البنية السردية الأخرى للقصة، وبخاصة عنصري الزمان والمكان، فإن كانت بنية النص مكانية رأيت تفوق المكان على الزمان في الاستهلال، وإذا كانت زمانية رأيت تفوق الزمان على المكان فيه [19]، وهذا إن يدل على شيء فإنما يدل على أنّ بنية الاستهلال في أي خطاب أدبي يتصدره تتشكل استنادا إلى طبيعة ذلك الخطاب ونوعه ومقصده[20].
وعملية اختيار الاستهلال ليست عملية سهلة، فالمرسل لا يختار الاستهلال الذي يفتتح به نصه اعتباطا، بل يعمد إلى افتتاحه بما يناسبه ويرسم لدى المتلقي صورة أولية عنه، صورة تمهد له وتوحي بمحتواه كأن تشير إلى طرافته أو جديته أو أهميته... ولذلك قيل أن الاستهلال يستحسن إذا كان " مناسبا لمقصد المتكلم من جميع جهاته، فإذا كان مقصده الفخر كان الوجه أن يعتمد من الألفاظ والنظم والمعاني والأسلوب ما يكون فيه بهاء وتفخيم، وإذا كان المقصد النسيب كان الوجه أن يعتمد فيها ما يكون فيه رقة وعذوبة من جميع ذلك، وكذلك سائر المقاصد فإن طريقة البلاغة فيها أن تفتتح بما يناسبها ويشبهها من القول من حيث ذكر "[21]، ومن هنا كان الاستهلال مقياسا مهما لتشخيص براعة السارد أو الأديب في إنجاز استهلال قوي الوشيجة بمفاصل النص من خلال بنيته السردية التي يقف منها فعل الزمان والمكان والشخوص، مكونات أساسا لبنية أي نص سردي، فمن خلال التحرك الحر والمتمكن داخل هذه المكونات، أمكن إنجاز تشكيلات أسلوبية متطورة تشكّل بمجملها فنية الخطاب الأدبي بأكمله[22]. وبناء على ما تقدّم وانطلاقا من القيمة التي يمثلها الاستهلال في مجمل الحدث القصصي في السرد برزت أهمية دراسته في أخبار النساء.
3. أخبار النساء، العنوان والمحتوى:
بما أن السرد - كما مرّ سالفاً – اسم جامع لكل الأنواع الأدبية المشتملة على أعمال حكائية، وبما أن الخبر يتسع ليشمل كل أنواع القصص، فهل معنى هذا أن أخبار النساء وهي نوع سردي تنطوي على أعمال حكائية ؟ وإذا كانت كذلك لماذا عُنونت بالأخبار وليس بعناوين أخرى أوضح في اشتمالها على الحكي كالقصة والحكاية... ؟ ثم ما تلك الأخبار وعلى ماذا تنطوي ؟ بيد أن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب الوقوف على محتويات هذا الكتاب وبعض من نماذجه لبيان كيفية تقديم الأخبار فيه وطريقة صياغتها، وكذلك ملاحظة مدى التقارب أو الأختلاف بينها.
إن القارىء لكتاب أخبار النساء يلاحظ اهتمام ساردها بترتيب الأخبار وتنظيمها ؛ حيث جعلها في تسعة أبواب – لا يسبقها مقدمة – هي:
- باب في أوصاف النساء.[23]
- باب يذكر فيه من صيّره العشق إلى الاخلاط والجنون.[24]
- باب ما جاء في الغيرة.[25]
- باب من هذا الشكل.[26]
- باب ما ذُكرمن وفاء النساء.[27]
- باب ما يُذكر من غدر النساء.[28]
- باب ما جاء في الزنا والتحذير من أليم عقابه.[29]
- من أحاديث المؤلفين.[30]
- باب خلق النساء.[31]
وللتعرف أكثر على معنى تلك الأخبار ومبناها نقف على بعض من نماذجها في تلك الأبواب ومنها:
1 – " ويروى، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، خطب امرأة من كلب فبعث عائشة رضي الله عنها تنظر إليها، فقال لها: كيف رأيتها ؟ قالت: ما رأيت طائلا. قال: لقد رأيت طائلا، ولقد رأيت حالا تجدينها حتى اقشعرت كل شعرة فيك. قالت: ما دونك ستر يا رسول الله "[32].
2 – " روى ابراهيم بن حسن بن يزيد، عن شيخ من ساكني العقيق[33]، قال: إني لواقف بالعقيق، وقد جاء الحجاج، إذا طلعت إمرأة على راحلة وحولها نسوة، فنظرنا إليها، فأعجبتنا حالها. فلما كانت حذاء قصر سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان، عدلت إلينا، ونحن ننظر. فنزلت قصرا من تلك القصور فأقامت فيه ساعة ثم خرجت، فركبت ومضت، وإن عينيها لتنقطان دموعا. فقلت: لننظر ما صنعت هذه المرأة ؟ فدخلتُ القصر، فإذا كتاب يواجهني في الجدار، فقرأته فإذا هو:
أليس كفى حزنا لذي الشوق أن يرى - منازل من يهوى معطلة قفرا ؟
بلى، إن ذا الشوق الموكّل بالهوى، = يزيدُ اشتياقا كلما حاول الصبرا
وتحته مكتوب: وكتبته آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، وكان سفيان بن عاصم زوجها وتوفي عنها"[34].
3 – " وقال الصباحة في الوجه الوضاءة في البشرة. الجمال في الأنف. الحلاوة في العينين، الملاحة في الفم، الظُّرف في اللسان. الرشاقة في القدّ. اللباقة في الشمائل. كمال الحُسن في الشعر " [35].
4 – قال السارد: " وإذا كانت المرأة شابة حسنة الخلق فهي خود. فإذا كانت جميلة الوجه حسنة المعري فهي: بهكنة. فإذا كانت دقيقة المحاسن فهي: مملودة... "[36].
وبعد قراءة النماذج المذكورة سالفا وغيرها التي لم تُذكر من أخبار النساء يمكن القول أن هذا الخطاب النثري اعتمد في تشكيله جملة من الخصائص والسمات - التي تربطه بشكل أو بآخر بالمصادر الأدبية القديمة عامة والنثرية خاصة – نذكر منها:
1 – كل أخبار النساء تشترك في موضوع واحد هو موضوع النساء، إذ عرض السارد فيه كل صفات النساء الخَلقية منها والخُلقية، الجيدة منها والسيئة... إلاّ أنه ومن خلال التبويب قسّمها وفق تنوع تلك الصفات واختلافها فمنها ما يرفع من شأن المرأة، ومنها ما يحطّ من شأنها، وبعض تلك الصفات تُثاب عليها، بينما تُعاقب لاتصافها بصفات أخرى، ومنها ما يخص شكل النساء، ومنها ما يكشف عن جوهرها.
2 – أغلب أخبار النساء تعتمد صيغة الإسناد في افتتاحها أي تعتمد ثنائية الإسناد والمتن.
3 – أغلب أخبار النساء خطابها يجمع بين الشعر والنثر.
4 – كان من أهداف أخبار النساء الجمع بين الإفادة والإمتاع ؛ ولذلك جمعت في أغلبها بين الجد والهزل.
5 – تميزت أخبار النساء بكثرتها والتنوع في اختيارها ؛ حيث أنها لم تقتصر على صفة نسائية واحدة أو مدة زمنية معينة، بل جمعت كل صفات النساء تقريبا، وتداخلت الأزمنة فيها لتنقل المتلقي أثناء قراءته لها من صفة إلى صفة ومن عصر إلى آخر، فأخبار النساء زمنيا تنتمي لعصور مختلفة فمنها ما يعود لعصر المؤلف – أي القرن السادس الهجري – ومنها ما يعود للعصور السابقة لعصره كالعصر الأموي والعصر الإسلامي...،مما أوجد فاصلا زمنيا ليس بين السارد الأول وما يسرد فحسب بل بينه بين الساردين الذين ينسب الخبر إليهم، وعليه تكون أخبار النساء كغيرها من الخطابات النثرية القديمة " شاملة من جهة الزمان محددة من جهة الموضوع "[37].
5 – ليست كل أخبار النساء تنطوي على أعمال حكائية بل تنوعت في مبناها لتتخذ شكلين مختلفين هما:
أ – بعض أخبار النساء تعدّ نوعا من أنواع القصص القصيرة ؛ إذ يتجلى فيها البعد السردي بمختلف أشكاله وصوره، حيث تعرض لصفات النساء من خلال أعمال حكائية متكاملة كما في النموذجين الأول والثاني، فالخبر الأول على الرغم من قصره اشتمل على كل عناصر العمل الحكائي من حدث وزمان ومكان وشخصيات... والقارئ لهذا المسرود يلاحظ أن السارد فيه يسرد خبر عائشة – رضي الله عنها – مع الرسول – صلى الله عليه وسلّم – وما دار بينهما عندما بعثها لترى له إمرأة من كلب كان قد خطبها، وقد اعتمد السارد الحوار لنقل هذا الخبر فجعل الكلام على لسان الشخصيات، أما زمان الحادثة والمكان الذي شهدها فهما وإن لم يُذكرا صراحة في المسرود إلاّ أنّ أسماء الشخصيات فيه دلّت عليهما فالخبر يعود للعصر الإسلامي والمكان هو بيت الرسول – صلى الله عليه وسلّم –،فثمة مسافة زمنية تفصل بين السارد الرئيس ومسروده وتجعله يقف خارج الأحداث يعلم كل شيء لكنه يتكفل بمهمة السرد فقط دون أي تدخل، وفيما يخصّ بناء الحدث فهو بناء متتابع يبدأ بنقطة معينة وتتوالى فيه الأحداث لتصل إلى النهاية ويمكن توضيح تسلسل الأحداث فيما يأتي:
1 - خِطبة الرسول – صلى الله عليه وسلّم – لإمرأة من كلب.
2 - إرسال عائشة – رضي الله عنها – من قِبل الرسول – صلى الله عليه وسلّم – لرؤية المرأة.
3 - عودة عائشة – رضي الله عنها – وسؤال الرسول – صلى الله عليه وسلّم – لها عن المرأة.
4 - جواب عائشة – رضي الله عنها –.
5 - ردّ الرسول – صلى الله عليه وسلّم – على عائشة – رضي الله عنها –.
6 - ردّ عائشة – رضي الله عنها – على الرسول – صلى الله عليه وسلّم –.
والخبر كما نلاحظ ينطوي على رسالة مغزاها بيان صفة الغيرة ولكي يكون وقعها أكبر وتأثيرها أقوى أختار السارد هذه القصة عن عائشة – رضي الله عنها – فهي على الرغم من امتلاكها للخُلق الرفيع والعلم والفضل والمكانة العالية فإنها بوصفها إمرأة لم تسلم من هذه الصفة
وكذلك الخبر الثاني يتجلى فيه البعد السردي بمختلف صوره وأشكاله فهو قصة تدور أحداثها حول شخصية رئيسة هي (آمنة بنت عمر بن عبد العزيز)، فهي على الرغم من أنها لم تتكلم نهائيا إلاّ أنّ السارد – الشيخ – الذي كان حاضرا الحدث وشاهدا عليه تكفل بمهمة وصف الشخصية وتصويرها لبيان حالها وصفتها التي أراد توصيلها لنا وهي (الوفاء)، وقد أبرز لنا هذه الصفة من خلال عرض تصرف الشخصية وسلوكها عند نزولها على قصر زوجها المتوفى وخروجها منه محزونة باكية، فالسارد أوكل مهمة تقديم الشخصية المحورية (آمنة) إلى شخصية أخرى داخل القصة نفسها، وبناء الحدث كما لاحظنا كان بناءً متتابعا توالت فيه الأحداث بشكل متسلسل، أما المكان فقد حدده السارد (العقيق) وهو مكان حقيقي، والزمان وإن لم يُحدد فإن أسماء الشخصيات – الحجاج، عاصم بن عبد العزيز بن مروان... – تشير إليه، فالخبر هذا كما لاحظنا لا يخرج عن كونه رسالة سردية مُرسلة من سارد إلى مسرود له قصد التأثير والإفادة.
ب – أما النوع الثاني من أخبار النساء فهي أخبار تعرض لصفات النساء من خلال القول أو الوصف المجرد المباشر البعيد عن الحكي وعناصره وهذا ما تجلى لنا في النموذجين (3، 4) المذكورين سالفا، حيث ركز السارد فيهما على ذكر مواطن جمال المرأة وآيات الحسن فيها ذكرا مباشرا يعتمد تعديدها وذكر مسمياتها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الخبر أيا كان شكله وسواء اشتمل على عمل ٍ حكائي أم لم يشتمل عليه فإنه لا يخرج عن كونه خطابا سرديا أو مسرودا يمرّ عبر قناة اتصالية تجمع بين طرفي السرد (السارد والمسرود له) وهذه كما ذكرنا سالفا مكونات سردية متعلقة ببنية الاستهلال الذي تظهر من خلاله، وهذا ما ستُعنى الدراسة به في الصفحات القادمة.
بناء على ما ذُكر من سمات هذه المدونة – أخبار النساء – وخصائصها صار بالإمكان الإجابة على الأسئلة المذكورة سالفا، ويبدو أن السارد فضّل اختيار هذا العنوان لأسباب كثيرة منها ما يخصّ الموضوع ومنها ما يخصّ النوع السردي، فأما ما يخصّ الموضوع فيبدو أن السارد اختار لفظة (أخبار) دون غيرها وأضافها إلى لفظة (النساء) دون غيرها للأسباب الآتية:
1 – اختار لفظة (أخبار) وأضافها إلى لفظة (النساء)حتى لا ينصرف ذهن المتلقي إلى أخبار أخرى غير أخبارهن، كأخبار الرجال، أو أخبار الحيوان أو أيّة أخبار أخرى.
2 – إنّ السارد لم يُعنون مد ونته بما يدّل على صفة واحدة من صفات النساء ليقول (جمال النساء، أو ذكاء النساء، أو الجميلات، أو البخيلات..) كما فعل ابن طيفور حين عنون كتابه ب(بلاغات النساء) لأنه جمع فيه كل الأخبار الدالة على صفة واحدة في النساء وهي بلاغتهن ولذلك ذكر الصفة وأضافاها إلى النساء، وأيضا لم يفعل كما فعل الجاحظ في (البخلاء) الذي اختار هذا العنوان المكوّن من كلمة واحدة تدل على المتصفين بالبخل ؛ لأنه جمع فيه كل النصوص التي تتحدث عن البخل والبخلاء، ولدى الرجال والنساء معا وليس عند أحداهما، فالسارد لأخبار النساء لم يختر عنوانا غير الذي اختاره لأنه لم يهدف بتلك الأخبار إلى بيان صفة واحدة خاصة عند النساء بل أراد ان تجمع أخباره كل ما يخص النساء من صفات خلقية وخُلقية.
وأما مايخصّ النوع السردي فالسارد قال أخبار النساء ولم يقل قصص النساء أو حكايات النساء لأنه يدرك تماما أن أدب القصص النثري " هو ذلك الجنس الأدبي الذي يشمل كل أنواع القصص من روايات وحكايات وقصص على اختلافها في الطول، بشرط أن تكون مكتوبة نثرا لاشعرا "[38] وأن تنطوي على عمل حكائي وهذا يخالف التنوع الحاصل في شكل أخبار النساء حيث تشكلت من القصص وغير القصص – كما ذكرنا سالفا –.
فالسارد فضّل اختيار لفظة (أخبار) بصيغة الجمع وأضافه إلى لفظة (النساء) بصيغة الجمع أيضا ؛ لأنهما أقوى في الدلالة على محتوى مدونته التي جمعت أخبارا – وليس خبرا – تتحدث عن صفات ممكن أن تتصف بها ليس إمرأة واحدة فقط بل كل النساء، فضلا عن أن مصطلح (الخبر) – كما ذكرنا سالفا – يتسع ليشمل كل الأنواع السردية الأخرى، كما أنه – أي مصطلح الخبر – يقصر دور السارد على الإبلاغ والسرد فقط وليس شيئا آخر، وكأن السارد أراد أن يخبرنا أن دوره في هذا الكتاب لا يتجاوز مهمتي (النقل والسرد) وهذا ما سنوضحه لاحقا.
4. الاستهلال السردي في أخبار النساء:
تعدُّ أخبار النساء من الخطابات السردية المبنية على نقل حدث أو قول عن سارد سمع أو رأى ذلك الخبر أو أُخبر عنه من قِبل آخرين، وتتجلى قيمة الاستهلال في هذا النوع من الخطابات في جملة من الصيغ الاستهلالية المختلفة التي سيقف البحث عندها لبيان أشكالها ووظائفها.
1 – صيغ الاستهلال وميزاته:
إنّ نظرة في أخبار النساء تكشف أنّ أغلبها أفتتح بعبارات قد تطول أو تقصر لكنها متشابهة في الصياغة والدلالة، وللتعرف عليها وبيان سماتها نذكر بعضاً من نماذجها مثل: " قال معاوية ---- "[39] و " حكى أبو الحسن... "[40] و " روى عبد الرحمن بن نافع... "[41] و " عن المغيرة بن شعبة قال... "[42] و " ذكر بن عتيق... "[43] و " يُروى عن أبي هريرة... "[44] و " قيل لآخر... "[45] و " وزعموا أنّ... "[46] وغيرها من الجمل الاستهلالية الواردة بالصيغ السابقة نفسها أو ما يماثلها.
يتبين من النماذج السابقة أن الاستهلال فيها لم يكن إلاّ نوعاً من الإسناد، حيث وظّفه السارد في افتتاح أغلب أخباره حتى أصبح عنصرا مهماً من العناصر السردية فيها ؛ لاسيما أنه اللفظ الأول الذي اختاره السارد ليكون عنصر الجذب الأول للمتلقي ومدخله للنص الذي يليه، والإسناد – كما هو معروف – يعني " نسبة المسرود إلى أشخاص آخرين حقيقيين أو خياليين، معروفين أو مجهولين "[47]، وهذا ما يتمثّل في أخبار النساء التي وجدناها منسوبة إلى أشخاص مختلفين سنتحدث عنهم فيما بعد. وتعريف الإسناد هذا يطرح علينا عددا من الإسئلة، مثل: من الذي نسب المسرود إلى هؤلاء الأشخاص المذكورين في عبارة الإسناد ؟ ولماذا نسب المسرود إليهم ؟ أو لماذا وُظِّف الإسناد في سرد هذه الأخبار ؟ ثم ما علاقتهم بالمسرود ؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة، ولتوضيح دور الإسناد وبيان المهمات المتكفل بها في العملية السردية نقف على استهلال خبر من تلك الأخبار التي افتتحها السارد قائلاً: " روى هشام بن عروة عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنها، قالت: سمعت ُ زيد بن عمرو بن فضل في الجاهلية وهو مُسنِد ظهره إلى الكعبة يقول:..."[48] فالخبر كما نلاحظ استهل بعبارة السند التي تؤطِّره، والتي من خلالها تتضح الطريقة التي انتقل بها الخبر وسُرِد، حيث تم نقله عبر سلسلة من الساردين يأخذ بعضهم من البعض الآخر، وهذه الطريقة نفسها المتبعة في إرسال النوع الإخباري خاصة والرواية الأدبية عامة، وللتوضيح أكثر سنحاول بيان عملية انتقال الخبر المذكور فيما يأتي من سطور:
- هشام بن عروة، وقد سُبق اسمه بفعل الإخبار الماضي (روى).
- أسماء بنت أبي بكر، ويلي اسمها الفعلان الإخباريان الماضيان (قالت) و (سمعتُ).
- زيد بن عمرو بن فضل، ويلي اسمه الفعل الإخباري الماضي في المعنى (يقول).
فالخبر – كما نلاحظ – منقول عن هشام بن عروة الذي أخذه بالنقل عن أسماء بنت أبي بكر التي أخذته بالسماع من زيد من... الذي يمكن أن يكون قد أخذه من رواه آخرين، لكن هل بذكر هؤلاء الساردين المذكورين نصيا تنتهي قائمة الساردين ؟ أم أنّ ساردا آخر متخفيا ينضاف لهم ؟.
إن نظرة في عبارات الاستهلال التي افتتحت بها أخبار النساء تجيب على تلك الأسئلة، فالأفعال (روى، قال، حدّث،...) في أول تلك العبارات تكشف عن وجود سارد آخر يتقدم الساردين المذكورين سالفاً، فالذي أبدع القصة هو الذي أبدع معها تلك العبارات. ومما يؤكد ذلك ياء المتكلم التي يصطنعها السارد في بعض عباراته الاستهلالية، حيث تدل على انه هو الذي يسرد، وهو المستحوذ على خيوط الحدث، والمتمكن من مكوناته السردية في مختلف مظاهرها واشكالها، كما تعني ان السارد يسرد من الداخل فيقذف بالحدث الى الخارج، ومن خلالها يعمد السارد الى ربط المسرود له ربطاً قوياً منذ انطلاقة البداية السردية[49]. وعليه فإن خلف هذه السلسلة من الساردين في استهلال أخبار النساء يقف سارد اول[50], تكفل بمهمة نسبة السرد إليهم وبنطق جمل الاستهلال المذكورين فيها وصياغتها بما فيها من أفعال وأسماء، إذ على الرغم من أن سارد أخبار النساء لم يقرن أفعال الخبر التي وظّفها بضمير يعود عليه – كياء المتكلم كما في (حدثني، وأخبرني)، أو ناء المتكلمين كما في (أخبرنا وسمعنا وحدثنا), أو تاء الفاعل كما في (سمعتُ وشاهدتُ) – فإنّ وجود تلك العبارات الاستهلالية بما فيها من أفعال وحده كافٍ ليدل على أنّ هناك من سمع الأخبار واخبرنا بها ومن ثم فهو الذي يتحكم بصياغتها ومنحها شكلها الابداعي وقيمتها الفنية، وهذا أمر بدهي لأن السارد في أي نص كان لا يخرج عن كونه الشخص الذي يروي الحكاية أو يُخبر عنها، سواء كانت حقيقة أم متخيّلة. ولا يُشترط فيه أن يكون اسماً متعيّناً، فقد يتقنّع بضمير ما، أو يُرمز لـه بحرف معين او هو ذلك الصوت الخفي الذي لا يتجسد الا من خلال ملفوظه، وتتجه عناية السردية الى هذا العنصر بوصفه منتجاً للمسرود بما فيه من احداث ووقائع [51]، والمسرود بكل ما فيه يصدر عنه، وهذا ما قام به السارد الأول في أخبار النساء.
أما الساردون الآخرون – الظاهرون نصيا – الذين نسب السرد إليهم فلا " علاقة لهم بما يروى سوى كونهم حلقات تترابط فيما بينها لإيصال المروي "[52]، لكن هذا لا يعني أن ذكرهم مثل عدمه، بل على العكس من ذلك ؛ إذ لابد أن يكون السارد قد قصد نسبة السرد إليهم قصدا وهذا ما ستوضحه الدراسة لاحقا.
وبناءً على ما تقدم فإن الاستهلال السردي الذي صيغته الإسناد يجمع بين نوعين من الساردين:
الأول: هو السارد (المؤلف) الذي ينهض بمهمة صياغة الخبر وسرده والإخبار عنه.
الثاني: هو السارد الذي يذكره السارد الأول (المؤلف) ويوكل إليه بعض المهام السردية، كالسرد أو التفسير...[53].
وبوجود السارد الأول (المؤلف) يزداد عدد الساردين في الخبر – المذكور سالفا – وتتنوع وظائفهم بين الناقلين للأخبار و المتلقين لها في الوقت نفسه، وهكذا تمتد سلسلة الساردين ليتبادلوا الأدوار فيصبح كل سارد مسرود له وبالعكس، ويمكن توضيح عملية تلقي هذا الخبر وإرساله فيما يأتي:
القارىء ـــــــ المؤلف ــــــــــ هشام ـــــــــــــــ أسماء ـــــــــــــ زيد
مسرود له → سارد ═ مسرود له → سارد ═ مسرود له → سارد ═ مسرود له → سارد → الخبر
فضلا عما سبق فإن الاستهلال السردي لأخبار النساء يكشف عن تنوع أفعال القول الموظفة فيه، حيث دلّت على الإسناد أفعال ماضية عدة ارتبطت بجنس الخبر والحكى وعدت من القرائن الدالة عليه، مثل (قال، حكى، روى، ذكر، زعم...)، وإلى ذلك أشار الباحث سعيد يقطين حين قال عنها " إن كل هذه الصيغ تدخل ضمن جنس الخبر، سواء كان هذا الخبر من الأخبار القصار أو الطوال، وسواء كان حكاية أو قصة تدور حول الجن أو الأولياء والصالحين، أو حول وقائع تاريخية أو مُتخيّلة... "[54].
وعلى الرغم من تنوّع هذه الأفعال فقد تبيّن ومن خلال القراءة لهذه الأخبار شيوع صيغة (قال فلان...) التي وظِّفت بشكل كبير مقارنة بالأفعال الأخرى وهي صيغة تتكون من الفعل (قال + أسم الشخص) وهذا الشخص غالباً ما يكون شخصية دينية أو تاريخية أو أدبية معروفة، ومن ذلك ما جاء في استهلال الخبر الآتي حيث يقول السارد: " قال محمد بن عبيد الزاهد: كانت عندي جارية فبعتها... "[55] وبالصيغة نفسها يستهل السارد خبرا آخر يقول فيه: " قال الزبير حدثني أبي قال: كان عندنا بالمدينة رجل... " [56].
ومما لاشك فيه أن هذه الصيغة وما يماثلها في الأخبار من صيغ أخرى مثل: (حكى فلان) و (روى فلان) و (ذكر فلان) تشير بشكل أو بآخر إلى أن الإسناد الذي يؤطر أخبار النساء جميعها هو " إسناد واقعي لأن الأخبار... تأتي منقولة عن أناس معروفين على وجه الحقيقة "[57] فكلما كانت " الشخصية معروفة ومشهود لها بالخلق والصلاح والعلم والمنزلة الحسنة... كان ذلك أدعى إلى صدق الرواية "[58] وسارد أخبار النساء كان يدرك أهمية هذا الأمر حيث نجده يحرص دائما على ذكر أسماء الساردين الناقلين للخبر ليس لأنه أدعى لصدق الرواية فحسب بل لما فيه من عناصر الجذب والتأثير ؛ لأنهم في الغالب شخصيات معروفة ومشهورة ومشهود لها بالمنزلة والمكانة العالية، ونذكر من هؤلاء الساردين مثلا: (الفرزدق)[59]،و (الزبير بن بكار) [60]، و (الجاحظ) [61]، و (عروة بن الزبير) [62]، و (الأصمعي)[63].
وعليه يكون توظيف السارد لمثل هذه الصيغ إحد أساليبه في توثيق ما ينقل من أخبار فهو لم يسمعها ليقول (سمعتُ فلان أو حدثني فلان) ولم يشاهدها ليقول (شاهدتُ أو رأيتُ) ولم يستخدم غيرها من الأفعال المشابهة لها في الدلالة والتي من الممكن أن تحمّله دقّة أو عدم دقّة ما ينقل من أخبار.
وكما كشف السارد الأول عن أسماء الساردين - المنقول عنهم – في أغلب أخباره، فإنه يعمد أحيانا إلى إخفائهم وهذا ما تمثّل لنا في بعض استهلالاته التي استخدم فيها صيغة (زعموا)[64]و (قال بعضهم)[65] و (وقال أعرابي)[66] و (ذكروا)[67] فالقارئ لهذه الصيغ وما يماثلها يجهل السارد الثاني المتخفي وراء ضمير الغائب ولايعرفه ؛ فهو لايعلم من هو الأعرابي ومن هم الذين ذكروا أو الذين زعموا الذين ينسب السرد إليهم، ولعل السارد عمد إلى توظيف هذه الصيغ وبعبارة أخرى توظيف ضمير الغائب لأنه من " الضمائر الشائع استخدامها بين الرواة الشفويين ومن ثم بين القصاصين الكتّاب لإمكانية تواري السارد خلفه ممرراً ما يشاء دون السقوط في فخ الأنا أو فهم العمل السردي بوصفه سيرة ذاتية " [68]
يتضح مما سبق أنّ السارد الأول عمد في إسناد السرد إلى أصحابه طريقين، يكشف في الأول منهما عن السارد المنقول عنه وذلك بذكر اسمه، وفي الثاني يحجبه مكتفيا بالإشارة إليه من خلال ضمير الغائب، وعليه يمكن تقسيم الساردين الذين نسب إليهم سرد أخبار النساء إلى قسمين هما:
أ – ساردون معروفون.
ب – ساردون مجهولون.
مما سبق يتضح حرص السارد الأول على توظيف الإسناد في استهلالاته سواء أسند السرد فيه بناءً على إلى ساردين معروفين أو آخرين مجهولين، وهذا بلا شك يدل على إدراكه التام لقدرة هذه الصيغة ودورها الفعّال في تحقيق الكثير من المقاصد و منها:
1 – إن في توظيف الإسناد الذي يُذكر فيه أسماء الساردين المنقول عنهم ما يوثق الأخبار ويؤكد صحتها.
2 – إن في توظيف الإسناد إبعادا له عن الشبهة أو احتمال عدم الصدق فيما ينقل من أخبار؛ لأنّ من سيحاسب على الكذب فيها هو من نُسِب السرد إليه.
3 – إن سارد أخبار النساء يعي قيمة مثل هذه العبارات في إبراز أهمية الخبر الذي يليها ؛ ولاسيما أن هذه الصيغ الاستهلالية تعمل على شدّ "انتباه المتلقي وتوحي له بأهمية الحدث الذي سيسرد مما يخلق لديه تشويقاً ورغبة في معرفة ما يريد السارد تبليغه بعد ان سمعه من غيره، فاستخدام السارد للإسناد يستدعي وعي المسرود له ويؤكد وجود الاتصال بينهما "[69].
4 – إن توظيف الإسناد يساعد السارد على أن يكون مجرد سارد يسرد ويتخذ موقعا خلف الأحداث التي سردها بوصفه ساردا عليما.
وفضلا عن ما سبق يبدو أن سارد أخبار النساء اعتمد هذا النوع من الاستهلال لأنه كان من التقاليد المتعارف عليها في التراث العربي[70]، فضلا عن أن طبيعة الأخبار من حيث قدمها - إذ تعود إلى مُدد زمنية سابقة – يستلزم نقلها إسناد السرد إلى سلسلة من الساردين جيلا بعد جيل منذ وقوعها وحتى وقت تدوينها الذي حفظها لنا.
ومن السمات الأخرى التي ميّزت الاستهلال في أخبار النساء أنّ شكل الإسناد فيه من حيث الطول لم يكن واحداً بل تنوّع ليتخذ شكلين هما:
1 – الإسناد القصير، وفيه يقل عدد الساردين المنقول عنهم، وقد تمثّل هذا النوع من الإسناد في عدد غير قليل من الأخبار ومنها هذا الخبر الذي افتتحه السارد الرئيس قائلا: " قال الأصمعي: قال لي الرشيد: أمضِ إلى بادية البصرة... "[71]، فمن الواضح أنّ السارد الأول هنا نسب السرد إلى سارد واحد فقط هو الأصمعي.
2 – الإسناد الطويل، وفيه يكثر عدد الساردين المنقول عنهم، وقد تكرر هذا النوع من الإسناد كثيرا في أخبار النساء، ومنها الخبر الآتي الذي استهله السارد قائلا: " يروى عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – يقول... "[72]، يتضح من الاستهلال أن السارد نسب السرد إلى عدد من الساردين، ومما لاشك فيه أنه كلما كثُر عدد الساردين كلما تعددت مستويات السرد.
وكما وظّف سارد أخبار النساء الإسناد ليكون صيغة استهلالية يفتتح بها أغلب أخباره، فإنه أحيانا يتخلى عنه ليدخل إلى خطابه السردي دخولاً مباشراً دون ذكر سند الرواية[73].، ولبيان ذلك نقف على بعض الأخبار التي استهلّت بمثل هذا الاستهلال ومنها:
1 – " عرض الحجاج سجنه يوماً فأتى... "[74].
2 – " وقع بين امرأة وزوجها شر... "[75].
3 – " وكان عبد الرحمن بن أبي عمار فقيه أهل الحجاز قد مرّ بنخّاس... "[76].
4 – " ولما تزوجت ليلى صاحبة قيس بن الملوح هام على وجهه... "[77].
يتضح من النماذج السابقة أنّ السارد الأول قد باشر سردها موظفاً عدداً من الأفعال الماضية التي تدل على قِدم الخبر من ناحية، ومن ناحية أخرى يشير إلى البدء بسرده – أي نقله للمتلقي – والسارد في إفتتاح هذه النماذج من الأخبار يسلك سبيلين هما:
1 – أن يفتتح الأخبار بسرد الحدث مباشرة دون تقديم أو إسناد كما تمثّل في النموذجين الأول والثاني، حيث استهل الأول بالفعل (عرضَ) والثاني بالفعل (وقعَ)، وهي – كما ذكرنا – أفعال ماضية يشكل كل واحدٍ منها فعلا رئيسيا في العمل السردي، أو محركاً للحدث في الخبر الذي يتصدّره ؛ ففي النموذج الأول – مثلاً – الذي افتتحه السارد قائلاً: " عرض الحجاج سجنه يوما، فأتي برجل فقال له: ما كان جرمك ؟ قال أصلح الله الأمير، أخذني العسس وأنا مُخبرك بخبري، فإنّ يكن الكذب ينجّي فالصدق أولى بالنجاة. فقال: ما قصتك ؟ قال: كنت أخا لرجل فضرب الأمير عليه البعث إلى خراسان، فكانت إمرأته تجِد بي وأنا لا أشعر، فبعثت إليّ يوما رسولا قد جاء كتاب صاحبك فهلمّ فلتقرأه. فمضيت إليها، فجعلت تشغلني بالحديث حتى صلينا العشاء، ثم أظهرت لي ما في نفسها، ودعتني إلى السوء، فأبيت ذلك. فقالت: والله لئن لم تفعل لأصيحن ولأقولن إنك لص. فلما أبيت صرخت فخرجت هاربا. وكان القتل أهون عليّ من خيانة أخي، فلقيني عسس الأمير فأخذوني... فعرف صدق حديثه وأمر بإطلاقه "[78].
يتضح من الخبر المذكور أنّ (عرض الحجاج لسجنه) وهو فعل قامت به الشخصية أدى إلى معرفتها لحقيقة أمر أحد السجناء وسبب دخوله السجن، وهذا أدى بدوره إلى التأكد من براءة السجين ثم العفو عنه، فالسارد إذن اختار من الخبر – حين أراد سرده – ما فيه تشويق وترقّب فالفعل (عرض) ومن قام به (الحجاج) و (السجناء) الذين وقع عليهم العرض كل هذه الألفاظ تمتلك إمكانية التأثير في المسرود له وجذبه لمتابعة قراءة الخبر بل أن أسم الحجاج المعروف بقوته وبأسه وحده كاف ليكون عنصر الجذب الأول في النص، وبذلك يكون السارد قد أحسن في اختيار الاستهلال المناسب والفعّال لمسروده، لكن ونحن نتكلم عن هذا الاستهلال لابد من الإشارة إلى أنّ الخبر لا يهدف إلى بيان براءة السجين بقدر بيان بعض صفات النساء السيئة وهي الخيانة والمكر وهذا أمر بدهي لأن غاية هذه الأخبار عرض صفات النساء، وهذا إن يدل على شيء فإنما يدل على براعة السارد ومقدرته الفنية التي تمكّنه من إبراز صفات النساء وتصويرها بطرق غير مباشرة.
2 – يُمهد السارد لأخباره بتقديم يسير يُعرّف فيه بالشخصية، وهذا ما تجلى لنا في النموذجين الأخيرين، ففي النموذج الثالث مثلا يتبين أن السارد قد جعل من تعريف الشخصية مدخلا واستهلالا لسرد الخبر.
ويبدو أن استغناء السارد عن الإسناد في مثل هذه الأخبار يعود إلى كونها أخبار معروفة تحكي قصصا واقعية عن شخصيات إسلامية وتاريخية معروفة كالحجاج وغيره.
بناءً على ما سبق نستطيع القول إنّ سارد أخبار النساء قد أفلح في اختيار صيغ الاستهلال التي افتتح بها سرده، فهو كما تبيّن لنا كان يعي تماما وقع الكلمة الأولى ودورها الفعّال في جذب المتلقي، ودلالتها على الغرض المقصود.
2 – مظاهر حضور السارد في السرد
إن دراسة مظاهر حضور السارد تعني اقتفاء أثر صوته داخل السرد، ثم الإشارة إلى تدخلاته فيه[79]، بعبارة أخرى دراسة علاقة السارد بالمسرود، وهذه العلاقة بلا شك متعلقة بعنصر الاستهلال الذي يشير وبوضوح إلى تدخل السارد أو عدم تدخله وهذا ما تمثّل لنا في أخبار النساء، إذ يلاحظ القارىء ومن العبارة الأولى فيها – استهلالها – أنها لاتكشف عن تنوّع في العلاقة بين السارد الأول ومسروده، لأنه فيها من هذه الناحية ليس كغيره من الساردين في الأعمال السردية الأخرى، فنظرة في مكونات البنية الاستهلالية لتلك الأخبار تؤكد لنا ظهور السارد الأول فيها بمظهر في السرد واحد لا يتغير وهو مظهر (السارد المفارق لمسروده) ؛ فهو على الرغم من أنه كان جزءا أساسيا في بنية الأخبار الاستهلالية، وحاضرا – كما لاحظنا – في جميعها إلاّ أنه كان ساردا من الخارج يسرد متونا غريبة عنه لا يتدخل فيها وينحصر دوره في مهمة النقل والإخبار فقط، فهو يسرد دون تحليل وينقل دون تعليق ؛ ولذلك نجده ينسب سرده إلى شخصيات معينة أو إلى ضمير الغائب ويبتعد عن استخدام ضمير المتكلم.
ومن الأخبار التي توضّح مفارقة السارد الأول لمسروده خبر يفتتحه السارد قائلا: " وحكى الأصمعي قال: خرج المهدي حاجا، حتى إذ كنا في بعض الطريق... "[80] فالسرد كما نلاحظ يوضّح غياب العلاقة بين السارد الأول ومسروده، لوجوده أي السارد خارج أحداث الخبر وابتعاده عنها زمنيا ونصيا، فثمة مسافة زمنية تفصله عن مسروده. وكلما تعدد الساردون اتسعت المسافة الفاصلة بين السارد ومسروده، ومن الأخبار التي تمثّل فيها هذا الاتساع خبر جاء فيه " حكى سنة بن عقال، عن الشعبي قال: حدثني رجل من بني أسد قال: اني لذات يوم في الحي إذ أقبل فتى نظيف الثوب... "[81] فالسارد هنا كان مفارقا لمسروده ولم يكن متماهيا فيه أبدا لابوصفه مشاركا في الأحداث ولا حتى شاهدا عليها.
وإذا كانت المفارقة هي العلاقة التي تحكم السارد الرئيس بمسروده فإنها لا تحكم الساردين الآخرين – الظاهرين نصيا – بالمسرود ؛ فهولاء تنوعت علاقتهم بالمسرود ما بين مفارقين له أحيانا ومتماهين فيه أحيانا أخرى، ومن الأخبار التي تجلّى فيها السارد الثاني مفارقا لمسروده هذا الخبر وبدايته: " وحكى أبو الحسن المدايني قال: هوى بعض المسلمين جارية... "[82] فمن الواضح أن السارد الأول هنا لم يكن وحده المفارق للمسرود بل يشاركه في هذه المفارقة السارد الثاني (السري بن المطلب) الذي كان بدوره بعيدا عن الأحداث غريبا عنها، وبذلك يتأكد اقتصار دور الساردين في هذا النص على الإخبار فقط.
ومن الأخبار التي تمثّل فيها السارد الثاني متماهيا في مسروده خبر عن آمنة بنت عمر بن عبد العزيز الذي افتتحه السارد قائلا: " روى ابراهيم بن حسن بن يزيد، عن شيخ من ساكني العقيق، قال: إني لواقف بالعقيق، وقد جاء الحجاج، إذا طلعت إمرأة على راحلة وحولها نسوة، فنظرنا إليها، فأعجبتنا حالها. فلما كانت حذاء قصر سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان، عدلت إلينا، ونحن ننظر. فنزلت قصرا من تلك القصور فأقامت فيه ساعة ثم خرجت، فركبت ومضت، وان عينيها لتنقطان دموعا. فقلت: لننظر ما صنعت هذه المرأة ؟ فدخلتُ القصر، فإذا كتاب يواجهني في الجدار... " [83] يتضح من النص أن السارد من الدرجة الثالثة (الشيخ) فضلا عن مهمة السرد القائم بها كان مشاركا في الأحداث بوصفه شاهدا عليها، بعبارة أخرى لايوجد فاصل زمني أو نصي يفصل بينه وبين مسروده.
3 – مهمات السارد:
لابد للسارد الأول من مهمات يقوم بها، ومقاصد يروم تحقيقها، وطبيعي أن كشف المسرود له الأول عن المهمات والمقاصد لا يتحقق إلا بعد قراءة الخبر بأكمله، لكن أحيانا يمكن أن يكشف جزء من النص عن هذه المهمات، وهذا ما لاحظناه في أخبار النساء إذ كشف الاستهلال فيها عن المهمات التي قام السارد الأول بتنفيذها لإعلام القارىء بتلك الأخبار وهي لا تتجاوز ما يأتي:
1 – مهمة السرد: فالأخبار بوصفها رسالة لا تتحقق فاعليتها إلا بسردها من خلال سارد، وسارد أخبار النساء كما أوضح استهلالها كانت مهمته الأولى إرسال الأخبار إلى المسرود لهم (القراء).
2 – مهمة التنسيق: وهي المهمة الثانية التي تكفل بتنفيذها سارد هذه الأخبار إذ يقوم فيها بتنظيم داخلي للخطاب السردي، كأنّ يُذكر ببعض الأحداث أو يستبقها [84]... وغيرها أي أنه يعيد صياغة مايسمع ويحاول إخراجه بصورة جمالية فنية، وسارد أخبار النساء لم يغفل عن تطبيق هذه المهام التنسيقية والتي تمثّلت لنا في أكثر من جانب من جوانب أخباره، وفي مقدمتها توظيفه لصيغة الإسناد لتكون الاستهلال في أغلب أخباره، كما قسم الأخبار إلى أبواب، ووصف الشخصيات واستبق الأحداث واسترجعها... ومما لاشك فيه أنّ توظيف هذه المهام يسهم في بناء النص السردي ويجعله متماسكا.
بناءً على ما تقدم من البحث في الاستهلال السردي لأخبار النساء يمكن القول أن الدراسة لهذه البنية الاستهلالية كشفت عن تنوع الاستهلال استنادا إلى الصيغة التي تشكّل بها، فالسارد في أخبار النساء إما أن يفتتحها بصيغة الإسناد، أو يتخلى عنه ليدخل إلى الموضوع مباشرة. وفيما يخصّ حضور الساردين في الاستهلال فقد تنوع أيضا ليُعلن عنهم حيناً، ويُحجبوا حيناً آخر. وكذلك شكل الاستهلال استنادا إلى عدد الساردين فقد تنوع ليكون طويلا مرة، وقصيرا مرة أخرى.
لقد كان الإسناد وسيلة السارد الأول (المؤلف) في تحقيق مقاصد كثيرة منها سرد الأخبار وتوثيقها، والإيحاء بأهمية الأخبار، وشدّ انتباه المتلقي لها وجذبه لمتابعتها،وفضلا عن ذلك فقد كشفت الدراسة عن انتماء صيغ الاستهلال المسند منها وغير المسند إلى الماضي مما يدل على قِدم الأخبار والبدء بسردها، وأن مهمة السارد الأول لا تتجاوز جمع الأخبار ونقلها للقارئ. فهو على الرغم من أنه لم يقرن جمل الاستهلال بضمير يعود عليه إلاّ أنه كان حاضرا فيها كلها، ومكونا مهما من مكوناتها. فهو الذي نطقها ونقل بعدها أخبارا (مسرودا) لا علاقة له بها، فظهر في كل أخباره بمظهر واحد هو مظهر السارد المفارق لمسروده الغريب عنه.
وعليه شكّل الاستهلال في أخبار النساء بنية نصية أولى لا تختلف عن غيرها في الخطابات السردية الأخرى بنية أسهمت في إبراز مكونات الخطاب السردي – السارد والمسرود والمسرود له – التي تظهر فيه أولا، كما بيّن مدى تفاعلها وما أنتجته من وظائف أسهمت في تشكيل النص وانتاج دلالاته الفنية والجمالية.
المصادر والمراجع:
– أخبار النساء، ابن قيم الجوزية (ت 691 – 751 ه)، شرح وتحقيق: نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1964 م.
– الاستهلال فن البدايات في النص الادبي، ياسين النصير، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1993.
– الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، خير الدين الزركلي، ط 5، دار العلم للملايين، بيروت، 1980 م.
– الف ليلة وليلة دراسة سيميائية تفكيكية لحكاية حمال بغداد، عبد الملك مرتاض، دار الشؤون الثقافية العامة (آفاق عربية)، ط1، بغداد، 1989.
– الأمثال العربية القديمة (دراسة أسلوبية سردية حضارية)، أماني سليمان داود، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1، بيروت، 2009.
– البرهان في وجوه البيان، أبو الحسين اسحاق بن ابراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب، تحقيق: أحمد مطلوب، خديجة الحديثي، بغداد، 1967م.
– بنية السرد في القصص الصوفي (المكونات، والوظائف، والتقنيات)، ناهضة ستار، منشورات اتحاد الكتّاب، دمشق، 2003.
– بنية النص السردي (من منظور النقد الادبي)، حميد لحمداني، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت، 1991.
– اتعريفات، ابو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني المعروف بالسيد الشريف، الدار التونسية للنشر، 1971.11 – تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 ه)، دار احياء الكتب العربية.
– السردية العربية (بحث في البنية السردية للموروث الحكائي العربي)، المركز الثقافي العربي، ط 1، بيروت – الدار البيضاء، 1992.
– الصاحبي في فقه اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: مصطفى الشويمي، بيروت، 1964 م.
– طرائق تحليل السرد الادبي، مجموعة مقالات مترجمة، منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط1، الرباط، 1992.
– العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده، ابن رشيق القيرواني، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط 4، دار الجيل، بيروت، 1972 م.
– العنوان وسيميوطيقا الاتصال الادبي، محمد فكري الجزار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998
– في أصول الخطاب النقدي الجديد: أحمد المديني، دار الشؤون الثقافية، ط1/ 1987.
– في الخطاب السردي: محمد الناصر العجيمي، الدار العربية للكتاب/ 1993.
– الكتابة والتناسخ. مفهوم المؤلف في الثقافة العربية، عبد الفتاح كيليطو، ترجمة: عبد السلام بنعبد، دار التنوير –بيروت، المركز الثقافي العربي –الدار البيضاء، ط1، 1985.
– الكلام والخبر. مقدمة للسرد العربي، سعيد يقطين، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1997.
– لسان العرب أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور) (ت711هـ)، ط 1، دار صادر بيروت، 1990.
– مدخل الى نظرية القصة تحليلاً وتطبيقاً، سمير المرزوقي وجميل شاكر، دار الشؤون الثقافية العامة (افاق عربية)، بغداد، 1986.
– معجم البلدان، شهاب الدين بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت 626 ه)، دار أحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.
– معجم مصطلحات الأدب، مجدي وهبة، مكتبة لبنان، لبنان.
– منهاج البلغاء وسراج الادباء، ابو الحسن حازم القرطاجني (ت 684هـ)، تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة، دار الكتب الشرقية، تونس، 1966.
– نظرية البنائية في النقد الادبي، صلاح فضل، ط3، دار الشؤون الثقافية العامة (افاق عربية)، بغداد، 1987.
الدوريات:
– الشخصية الروائية والقناع في اعمال جبرا ابراهيم جبرا، محمد المبارك، مجلة الاقلام، بغداد، العدد (4)، 1997.
– شعرية الخطاب واشكالية التجنيس. قراءة جمالية في "رسالة عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب (رض)"، محمد صابر عبيد، مجلة المورد، بغداد، العدد (2)، 2002.
– القص في اخبار الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي، البشير الوسلاتي، حوليات الجامعة التونسية، تونس، العدد (41)، 1997.
رسائل جامعية:
– السرد عند الجاحظ – البخلاء أنموذجا –، فادية مروان احمد، أطروحة دكتوراه، مقدمة الى كلية الاداب - جامعة الموصل، 2004.
· جامعة الموصل- كليّة الآداب- قسم اللغة العربيّة
، ابن منظور : 4 / 227 . ينظر: لسان العرب [1]
م. ن : 4 / 226 .[2]
سورة الزلزلة ، الآية : 4 .[3]
ينظر : تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير : 4 / 539 .[4]
ينظر : لسان العرب : 4 /6 .[5]
البرهان في وجوه البيان ، ابن وهب الكاتب : 113 .[6]
ينظر : الصاحبي في فقه اللغة ، أحمد بن فارس : 179 .[7]
ينظر : الأمثال العربية القديمة ، دراسة أسلوبية سردية حضارية ، أماني سليمان داود : 202 . [8]
ينظر : الكلام والخبر ( مقدمة للسرد العربي ) ، سعيد يقطين: 191 – 179 .[9]
ينظر : الأمثال العربية القديمة : 197 .[10]
السردية العربية ( بحث في البنية السردية للموروث الحكائي العربي ) ، عبد الله ابراهيم : 9 .[11]
العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده ، ابن رشيق القيرواني ، تح : محمد محي الدين : 1 / 217 . [12]
ينظر : بنية السرد في القصص الصوفي ، ناهضة ستار : 88 . [13]
ينظر : الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي ، ياسين النصير : 22 .[14]
ينظر : العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده : 1 / 218 . [15]
ينظر : في الخطاب السردي ، محمد ناصر العجمي : 35 ، وفي أصول الخطاب النقدي ، أحمد المديني : 13 . [16]
السردية العربية : 196 .[17]
ينظر : نظرية البنائية ، صلاح فضل : 445 .[18]
: ينظر: العنوان وسيميوطيقا الإتصال الأدبي ، محمد فكري الجزار : 124 .[19]
ينظر : شعرية الخطاب واشكالية التجنيس. قراءة جمالية في "رسالة عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب (رض)"، محمد صابر عبيد : 49 . [20]
منهاج البلغاء وسراج الادباء ، حازم القرطاجني : 310 .[21]
ينظر : الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي : 31 .[22]
ينظر : أخبار النساء ، ابن قيّم الجوزية : 9 – 35 .[23]
ينظر : م . ن : 36 – 81 .[24]
ينظر : م . ن : 82 – 94 .[25]
ينظر : م . ن : 95 – 124 .[26]
ينظر : م . ن : 125 – 143 . [27]
ينظر : أخبار النساء : 144 – 167 .[28]
ينظر : م . ن : 168 – 207 .[29]
ينظر : م . ن : 208 – 227 .[30]
ينظر : م . ن:: 228 – 252 .[31]
أخبار النساء : 21 . [32]
العقيق : واد واسع قرب مكة فيه عيون عذبة الماء ، ينظر : معجم البلدان ، ياقوت الحموي : 6 / 340 .[33]
أخبار النساء : 31 – 32 .[34]
م . ن : 228 . [35]
م . ن : 229 .[36]
القص في أخبار الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، البشير الوسلاتي: 95 .[37]
معجم مصطلحات الأدب ، مجدي وهبة : 444 .[38]
أخبار النساء : 9 .[39]
م . ن : 42 .[40]
م . ن : 42 .[41]
م . ن : 108 . [42]
م . ن : 68 . [43]
م . ن : 43 .[44]
م . ن : 55 .[45]
م . ن : 62 . [46]
التعريفات ، ابو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني : 14 . [47]
أخبار النساء : 171 .[48]
[49] ينظر : الف ليلة وليلة دراسة سيميائية تفكيكية لحكاية حمال بغداد ، عبد الملك مرتاض : 11
[50] السارد الاول او الرئيس تسمية ستعتمدها الدراسة لتطلقها على ذلك السارد الذي يتقدم الساردين الاخرين نصياً، والذي اليه يعزى نسج السرد وابداعه، وبناءً عليه ستطلق على المسرود له الذي يقابله ويوحي بوجوده ضمير المخاطب (انت) المسرود له الاول او الرئيس.
ينظر السردية العربية : 11 .[51]
الأمثال العربية القديمة ، دراسة أسلوبية سردية حضارية : 222 .[52]
ينظر : الشخصية الروائية والقناع في اعمال جبرا ابراهيم جبرا، محمد المبارك: 23. [53]
الكلام والخبر ،مقدمة للسرد العربي ، سعيد يقطين : 192 .[54]
أخبار النساء : 53 .[55]
م . ن : 23 . [56]
الأمثال العربية القديمة : 222 .[57]
بنية السرد في القصص الصوفي : 92 .[58]
شاعر من النبلاء ،عظيم الأثر في اللغة ، يقال لولا شعره لذهب ثلث لغة العرب ، ينظر : الأعلام ، الزركلي : 8 / 93 .[59]
من أحفاد الزبير بن العوام ن عالم بالأنساب وأخبار العرب ،وراوية ، ينظر : م . ن : 3 / 42[60]
هو كبير أئمة الأدب في العصر العباسي ، ينظر : م . ن : 5 / 74 .[61]
هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة كان عالما بالدين صالحا كريما ، ينظر : م . ن : 4 / 226 .[62]
هو راوية العرب ، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان ، وأخباره كثيرة ، ينظر : م . ن : 4 / 162 .[63]
أخبار النساء : 62 . [64]
م . ن : 171 .[65]
م . ن : 58.[66]
م . ن : 187 .[67]
الأمثال العربية القديمة : 225 .[68]
ينظر: السرد عند الجاحظ -البخلاء أنموذجا - ، فادية مروان احمد: 69 .[69]
ينظر : السردية العربية : 196. [70]
أخبار النساء : 126 . [71]
أخبار النساء : 82 .[72]
[73] ينظر : الكتابة والتناسخ. مفهوم المؤلف في الثقافة العربية، عبد الفتاح كيليطو، ت : عبد السلام بنعبد العالي : 87.
أخبار النساء : 52 .[74]
م . ن : 10 .[75]
م . ن : 53 .[76]
م . ن : 77 .[77]
أخبار النساء : 52 . [78]
ينظر : بنية النص السردي ( من منظور النقد الأدبي ) ، حميد لحمداني : 48 – 49 .[79]
أخبار النساء : 206 . [80]
م . ن : 195 . [81]
م .ن : 42 .[82]
م . ن : 31 .[83]
مدخل الى نظرية القصة ، سمير مرزوقي وجميل شاكر : 104، وينظر : وطرائق تحليل السرد الادبي : 64 . [84]
* د. فادية مروان أحمد الونسة - الاستهلال السردي في كتاب أخبار النساء لأبن قيّم الجوزية