نقوس المهدي
كاتب
لقد أصبح لباس الحجاب أو الخمار والنّقاب عادة شائعة، حتى أنه ليُخيل للنّاظر أننا في بلاد مسيحية؛ ذلك لأن الحجاب مما يفرضه الدّين المسيحي لا الدّين الإسلامي، تمامًا كما يفرض الدّين اليهودي تغطية الرّأس احترامًا لله، وليس هذا وذاك في الإسلام.
لقد كثرت المغالطات لكثرة ما خالط الإسلام من إسرائيليات شوّهت تعاليمه، إذ أوّلتها حسب ما شاع في المجتمعات العربية الإسلامية من عادات يهودية ومسيحية منذ بداية الإسلام.
لذا، فمن ادعى أن الحجاب أو الخمار والنّقاب من الإسلام، فقد كذب على دين القيّمة وافترى فرية عظيمة؛ إذ هو في ذلك لا يأخذ إلا بتعاليم المسيحية واليهودية، لا بما جاء في القرآن والسّنة النّبوية الصّحيحة كما تبينه هذه المقالة.
تاريخية الحجاب وقيمة المرأة في الإسلام
إن الحجاب والنّقاب اللذان ينعتان بالإسلاميين ما كانا يومًا من الفرائض الإسلامية، فهما في بلاد الإسلام من العادات الشّعبية، بينما الحجاب فريضة دينية في الكتاب المُقدّس كما سنرى.
لا ذكر في القرآن للخمار أوالحجاب والنّقاب كما نعرفه اليوم، إنما ذلك من عادات الشّرق عند البعض من النّساء في تغطية الرّأس، بل الرّجال أيضًا؛ ولم يكن كذلك من باب الحياء ضرورة أو لوضاعة حال المرأة إزاء الرّجل.
لقد أعطى الإسلام الأنثى قيمتها، فخصّها مثلاً بجزء لا يتجزأ من الميراث بينما لم تكن تحصل على أي شيء في مجتمع رجولي لا حقّ به في المال إلا للذّكر. هذا، وإن وردت أحكام الميراث بنصيب للمرأة يمثل نصف نصيب الرّجل فقط، فلا بدّ أن نعلم أن ذلك كوّن في تلك الحقبة ثورة وفاتحة لتوجّه حيوي مآله التّعادل، نظرًا للنّزعة التّدريجية لأحكام الدّين الإسلامي، خاصة في ما يهم أمور الدّنيا التي يقرّ الإسلام أن المؤمن أعلم بها، كما جاء في الحديث.
نعم، كان الحجاب موجودًا في بلاد الإسلام، لكن لم يكن القاعدة بتاتًا؛ كما كانت لتغطية الرّأس عند المرأة أسباب أخرى، منها رغبة التّميز عن الجواري مثلاً. ومع ذلك، لم يكن معنى الخمار والحجاب في ديننا ما نعرف اليوم من أمر«البرقع»، إذ هو ما جا فيه كلام من الله فحسب، أي مجرد جزء من الثّياب الخارجيّة الذي ترفعه المرأة لتغطية رأسها كما هو الحال مع القلنسوة أو البرنس.
هذا، وكانت علاقة المرأة بالرّجل متحرّرة جدًا، كما تكلّم في ذلك الجاحظ، ورواه عنه جواد علي في تاريخه الضّخم:
«فلم يكن بين رجال العرب ونسائها حجاب، ولا كانوا يرضون مع سقوط الحجاب بنظرة الفلتة ولا لحظة الخلسة، دون أن يجتمعوا على الحديث والمسامرة، ويزدوجوا في المناسمة والمثافنة، ويُسمى المولع بذلك من الرّجال الزير، المشتقّ من الزّيارة. وكل ذلك بأعين الأولياء وحضور الأزواج، لا ينكرون ما ليس بمنكر إذا أمنوا المكر».
ونقرأ له أيضا: «فلم يزل الرّجال يتحدّثون مع النّساء، في الجاهلية والإسلام، حتى ضرب الحجاب على أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم خاصة.. ثم كانت الشّرائف من النّساء يقعدن للرّجال للحديث، ولم يكن النّظر من بعضهم إلى بعض عارًا في الجاهلية، ولا حرامًا في الإسلام».
هذا، وقد بيّن جواد علي أن «التزمت والتّشدد في وجوب ابتعاد الرّجل عن المرأة وانفصالهما بعضهما عن بعض إنما نشأ في الإسلام بسبب تغيّر الظّروف واختلاط العرب بالأعاجم وظهور حالات جعلت العوائل الكبيرة تحرص على حصر المرأة في بيتها. أما في البادية، فإن المرأة لا تزال تُشارك الرّجل في أعماله وتُجالسه وتكلّمه ولو كان غريبًا عنها، لأن محيط البادية محيط بعيد عن مواطن الرّيبة والشّبهات، وينشأ البنات والأولاد فيه سويّة، ويلعبون سويّة ويشبّون سويّة، ولذلك لم تنشأ عندهم القيود والحدود التي تفصل بين المرأة والرّجل. وقد كان حال المرأة الأعرابية على هذه الحال في الجاهلية».
أما وقد أصبح الحجاب اليوم رمزًا لانحطاط قيمة المرأة في الإسلام، فلا بدّ من التّذكير بالحقيقة الثّابتة، وهي أن دين الإسلام أعلى من قيمة المرأة أي إعلاء في زمن لم تكن لها فيه أيّة قيمة.
ولئن أقرّ الدّين الإسلامي فعلا وبصفة مبدئية أن الرّجل قوّام على المرأة، فقد كان ذلك أخذًا بسُنّة المجتمع، إذ جاءت تعاليم الدّين مُتناغمة مع تقاليده؛ ولم يكن هذا يختلف عما كان سائدًا عند اليهود والنّصارى، بما أن الكتاب المقدّس يُبيّن صراحة أيضًا أنّ الرّجل سيّد العائلة وسيّد المرأة التي عليها أن تخضع له، كما ورد في رسالة بولس الرسول الأولى لتيموثاوس، بالآيات 11 و12 من الفصل الثّاني.
حقيقة الحجاب في الإسلام
لنبين الآن حقيقة الحجاب أو الخمار والنّقاب في الإسلام، وسنستعمل هنا عبارة الحجاب للكلّ، أي هذا الغطاء للرّأس الذي يجعل من المُسلمة راهبة مسيحية.
نستعرض في ما يلي الآيات التي تتحدّث في الموضوع، التي اعتمدها الفقهاء في فهم تعاليم الإسلام حسب الكتاب المقدّس، نظرًا لمتخيّلهم الذي كان مشبّعًا بالإسرائيليات؛ ذلك لأن حملة العلم في الإسلام كانوا في معظمهم من الموالي، كما بيّنه ابن خلدون.
تحدّث القرآن في الحجاب بخصوص أزواج الرّسول (ص)، في الآية 53 من سورة «الأحزاب»، وذلك في نطاق الحثّ على احترام حرمة بيت الرّسول (ص)، للعادة التي كانت متفشيّة بين الأعراب في دخول البيوت بدون استئذان:
﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾.
من الواضح أن الحجاب المعني هنا هو ستارة لا غطاء رأس، وهو لا يتنزل في نطاق فريضة دينية، بل فقط من باب تصرّف أخلاقي، إذ الآية لها مقصد تربوي لا شكّ فيه. ولا شكّ أن ما هو من باب الأدب في الفرقان من شأنه التطوّر والتّغير حسب عادات البشر وطريقة عيشهم؛ فعلاوة على ما قلنا، ليس في هذه الآية أي صفة مُقدّسة لأن الحجاب لا يمس بالعقيدة.
أما الموضع الثّاني للحجاب، فهو الآية 59 من السّورة نفسها وتخصّ أيضًا أزواج النّبي؛ إلا أن الكلام هنا أوسع وأشمل، من شأنه تجاوز نساء الرّسول(ص) إلى كلّ النّساء في شكل تأديب اجتماعي عمومي:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
الأمر الإلاهي هنا له غاية واضحة تكوّن لبّ الآية، ألا وهي أن ما أُعتبر حجابًا هدفه وغايته احترام المرأة وعدم الإخلال بالآداب اللازمة نحوها. وهذا يعني طبعًا أنه إذا انتفت فرضية انعدام الاحترام، انتفت ضرورة استعمال ما اعتبر حجابًا، لأنه بانعدام السّبب ينعدم المسبب؛ وهذا مما يُعرف في القواعد الشّرعية، فلا حكم عند تلاشي السّبب الذي جاء من أجله الحكم.
لنتكلم الآن في صفة ما عُد حجابًا هنا ولا نراه بتاتًا عند منقباتنا، فالآية تتحدّث عن الجلباب، وهو ما يصل القدمين عادة، يقع رفع جزء منه لتغطيّة الرّأس؛ إذن، هذا ليس قناعا على الوجه، بل هو أقرب إلى الوشاح أو شال الرأس. ثم، كما قلنا سابقًا، يكون ذلك خاصة من باب التّخلق بالآداب وليس بالفريضة الدّينية والواجب العقدي.
ويتعرض الله تعالى أخيرًا إلى موضوع الحجاب في الآية 31، من سورة «النّور»:
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
هذه الآية عامّة، لا تخصّ أزواج النّبي فحسب؛ ومنها استُخرج خطأ حكم الحجاب في الإسلام بينما لا مغزى فيه إلا اجتماعيًا وتأديبيًا كما نبيّنه، دون أيّ خصوصية شرعية عقدية.
لنذكر أولاً أن أسباب نزول هذه الآية مرتبطة بنمط الحياة بالمدينة لما كان فيها من شديد الاختلاط بين الأجناس والمعتقدات، وبين النّساء الأحرار والجواري؛ ومن بين الأخيرات، كانت جمهرة تتعاطى البغاء بأمر من أسيادهن في أغلب الأحيان.
لذلك، غدت العادة بالمدينة أيّام الرّسول(ص)، شأنها في ذلك شأن ما كانت عليه يثرب قبل قدوم النّبي(ص)، أن النّساء الحرائر يحرصن على التميّز عن الجواري حتى لا يقع التّحرش بهن؛ فكن يرتدين ما يغطيهن عن الأنظار. وما كانت في هذه العادة أي أسباب دينية، بل فقط عادات شعبية وأسباب معقولة لتمييز طبقة عن طبقة باللباس؛ وهذا من المعتاد المعروف في كلّ الثّقافات البشرية.
هذا كلّ ما نجده بالقرآن في الموضوع. أما في ما يخصّ السّنة النبوية، وخلافًا لما يقوله بعض الفقهاء اليوم، فليس هناك أي حديث صحيح في الحجاب، ويكفي الرّجوع لصحيحي «البخاري» و«مسلم» للتّأكد من الأمر؛ ونحن لا نعتدّ إلا بهما لكثرة المنحول في غيرهما.
كل هذا يؤكد ما قلناه آنفا أن الإسلام بريء من دعوى وجوب الحجاب أو الخمار، فما بالك بالبرقع!
إن التّحجب والتّبرقع من الإسرائيليات الرّاسبة في الإسلام؛ فالحجاب بلا أدنى شكّ من العادات اليهودية المسيحية كما نبينه الآن.
الحجاب فريضة مسيحية ويهودية
إن محجبات المسلمين ومبرقعاته لسن يتبعن الإسلام إذا اعتقدنا الأخذ بتعاليمه؛ فهن لا يعملن بتصرفهن هذا إلا بما ورد في الدينين اليهودي والمسيحي؛ فهلا حان الأوان لتفق نسوتنا من غفوتهن ومن يجبرهن على ذلك من ظلمهم لسماحة الإسلام والعودة جميعا لتعاليمه الصّحيحة؟
إذا كان الحجاب في الدّين الإسلامي من العادات والتّقاليد الشّعبية، لا صبغة دينية له، كما رأينا وبينا أعلاه، فهو خلاف ذلك باليهودية والمسيحية، إذ هو مما أمر به الكتاب المُقدّس كفريضة دينية واجبة على المرأة في علاقتها بالله.
لنأخذ مثالاً من العهد الجديد رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، نجد بها الأمر الشّرعي بتغطية الرّأس عند الصلاة. (الآيات من 11. 3 إلى 11. 15 من الفصل الحادي عشر):
3 وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ.
4 كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ.
5 وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ.
6 إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ.
7 فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ.
8 لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ.
9 وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ.
10 لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ.
11 غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ.
12 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ.
هكذا نتبيّن أن الحجاب المسيحي بحقّ له صبغة دينية بخلاف ما يُعتبر جزافًا حجابًا إسلاميًا، إذ هو عند النّصارى من الواجبات للصّلاة العمومية، وهو ما يغطي الوجه كلّه كما نراه مع الرّاهبات المسيحيات. وهذا يذكرنا بالعذراء مريم إذ هي بحجابها في كل ما لنا لها من صور.
ليس الحجاب في الكتاب المُقدّس خاصًا فقط بالصّلاة، إذ فرضه يتعدى ذلك إلى الحياة اليومية بما أنه مما يُفرض على بنات الرّجال الأحرار؛ ذلك لأن الحجاب ممنوع منعًا باتًا على العبيد وعلى البغايا. مع العلم أن مثل هذا المنع في ما يخصّ البغايا له أصول قديمة، إذ يعود إلى القوانين الأشورية، أي ما يقارب الألف سنة قبل المسيح. وهذا ولا شكّ من المخزون الثّقافي العامّ الذي تتقاسمه كل بلدان البحر المتوسط أيا كانت ملّتها.
لا يقتصر فرض الحجاب على الكنسية في المسيحية بما أن الصّلاة مُستحبّة في كل وقت، مما يفرض لبس الحجاب في كل وقت لأدائها حسب الفرض الدّيني، كما يتضح ذلك مثلا بالآية 17 من الفصل 5 من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي.
ونجد الحجاب مذكورًا أيضًا في سفر أشعيا (الفصل47) الآية 2، وهو من العهد القديم ضمن أسفار الرّسل:
«أشعيا 47. 2: خذي الرحى واطحني دقيقا. اكشفي نقابك شمري الذيل. اكشفي الساق. أعبري الأنهار».
وفي رسالة بولس الرّسول الأولى لتيموثاوس الفصل 2 الآية9 ، وهي من العهد الجديد، نقرأ:
«1 تيموثاوس 2. 9: وكذلك إن النّساء يزيّنّ ذواتهنّ بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر أو ذهب أو لآلىء أو ملابس كثيرة الثّمن».
ومن العهد الجديد أيضًا، في رسالة بطرس الأولى الفصل 3، الآية 3، نجد ما يتعلّق خاصة بالحياء والتّحفظ، أي ما يذكّر بتلك الأحاديث غير الصّحيحة المنسوبة للرّسول(ص):
«1 بطرس 3. 3: ولا تكن زينتكنّ الزّينة الخارجية من ضفر الشّعر والتّحلي بالذّهب ولبس الثّياب».
تمامًا كما في المسيحية، نجد في اليهودية المرأة متحجّبة أيضا كما سبق أن رأيناه في سفر أشعيا وكما يتبيّن ذلك في سفر التّكوين (الفصل 24 الآية 3)؛ وفيه نجد عند ذكر زواج يعقوب بابنة لابين أنه لم يطّلع على وجه زوجته إلا بعد ليلة الزّفاف حسب العادة السّامية لتلك الحقبة الزمنية (انظر الفصل 29 الآيات من 15 إلى 26 من سفر التكوين).
ومن الأمثلة اليهودية الأخرى، لنذكر المكابيون الثلاث (4. 6)، وهو من الأناجيل المختلقة، أو المشنة كتبات 72 أ-ب.
مجمل القول أن عادة التّحجب في القرون الخاليّة كانت منتشرة بين النّساء في السّاحة العمومية؛ ولم يكن هذا يخصّ فقط العالم الشّرقي أو الثّقافة اليهودية، بل تواجد أيضا بالثقافتين الإغريقية والرّومانية.
* عن موقع نفحة
لقد كثرت المغالطات لكثرة ما خالط الإسلام من إسرائيليات شوّهت تعاليمه، إذ أوّلتها حسب ما شاع في المجتمعات العربية الإسلامية من عادات يهودية ومسيحية منذ بداية الإسلام.
لذا، فمن ادعى أن الحجاب أو الخمار والنّقاب من الإسلام، فقد كذب على دين القيّمة وافترى فرية عظيمة؛ إذ هو في ذلك لا يأخذ إلا بتعاليم المسيحية واليهودية، لا بما جاء في القرآن والسّنة النّبوية الصّحيحة كما تبينه هذه المقالة.
تاريخية الحجاب وقيمة المرأة في الإسلام
إن الحجاب والنّقاب اللذان ينعتان بالإسلاميين ما كانا يومًا من الفرائض الإسلامية، فهما في بلاد الإسلام من العادات الشّعبية، بينما الحجاب فريضة دينية في الكتاب المُقدّس كما سنرى.
لا ذكر في القرآن للخمار أوالحجاب والنّقاب كما نعرفه اليوم، إنما ذلك من عادات الشّرق عند البعض من النّساء في تغطية الرّأس، بل الرّجال أيضًا؛ ولم يكن كذلك من باب الحياء ضرورة أو لوضاعة حال المرأة إزاء الرّجل.
لقد أعطى الإسلام الأنثى قيمتها، فخصّها مثلاً بجزء لا يتجزأ من الميراث بينما لم تكن تحصل على أي شيء في مجتمع رجولي لا حقّ به في المال إلا للذّكر. هذا، وإن وردت أحكام الميراث بنصيب للمرأة يمثل نصف نصيب الرّجل فقط، فلا بدّ أن نعلم أن ذلك كوّن في تلك الحقبة ثورة وفاتحة لتوجّه حيوي مآله التّعادل، نظرًا للنّزعة التّدريجية لأحكام الدّين الإسلامي، خاصة في ما يهم أمور الدّنيا التي يقرّ الإسلام أن المؤمن أعلم بها، كما جاء في الحديث.
نعم، كان الحجاب موجودًا في بلاد الإسلام، لكن لم يكن القاعدة بتاتًا؛ كما كانت لتغطية الرّأس عند المرأة أسباب أخرى، منها رغبة التّميز عن الجواري مثلاً. ومع ذلك، لم يكن معنى الخمار والحجاب في ديننا ما نعرف اليوم من أمر«البرقع»، إذ هو ما جا فيه كلام من الله فحسب، أي مجرد جزء من الثّياب الخارجيّة الذي ترفعه المرأة لتغطية رأسها كما هو الحال مع القلنسوة أو البرنس.
هذا، وكانت علاقة المرأة بالرّجل متحرّرة جدًا، كما تكلّم في ذلك الجاحظ، ورواه عنه جواد علي في تاريخه الضّخم:
«فلم يكن بين رجال العرب ونسائها حجاب، ولا كانوا يرضون مع سقوط الحجاب بنظرة الفلتة ولا لحظة الخلسة، دون أن يجتمعوا على الحديث والمسامرة، ويزدوجوا في المناسمة والمثافنة، ويُسمى المولع بذلك من الرّجال الزير، المشتقّ من الزّيارة. وكل ذلك بأعين الأولياء وحضور الأزواج، لا ينكرون ما ليس بمنكر إذا أمنوا المكر».
ونقرأ له أيضا: «فلم يزل الرّجال يتحدّثون مع النّساء، في الجاهلية والإسلام، حتى ضرب الحجاب على أزواج النّبي صلى الله عليه وسلم خاصة.. ثم كانت الشّرائف من النّساء يقعدن للرّجال للحديث، ولم يكن النّظر من بعضهم إلى بعض عارًا في الجاهلية، ولا حرامًا في الإسلام».
هذا، وقد بيّن جواد علي أن «التزمت والتّشدد في وجوب ابتعاد الرّجل عن المرأة وانفصالهما بعضهما عن بعض إنما نشأ في الإسلام بسبب تغيّر الظّروف واختلاط العرب بالأعاجم وظهور حالات جعلت العوائل الكبيرة تحرص على حصر المرأة في بيتها. أما في البادية، فإن المرأة لا تزال تُشارك الرّجل في أعماله وتُجالسه وتكلّمه ولو كان غريبًا عنها، لأن محيط البادية محيط بعيد عن مواطن الرّيبة والشّبهات، وينشأ البنات والأولاد فيه سويّة، ويلعبون سويّة ويشبّون سويّة، ولذلك لم تنشأ عندهم القيود والحدود التي تفصل بين المرأة والرّجل. وقد كان حال المرأة الأعرابية على هذه الحال في الجاهلية».
أما وقد أصبح الحجاب اليوم رمزًا لانحطاط قيمة المرأة في الإسلام، فلا بدّ من التّذكير بالحقيقة الثّابتة، وهي أن دين الإسلام أعلى من قيمة المرأة أي إعلاء في زمن لم تكن لها فيه أيّة قيمة.
ولئن أقرّ الدّين الإسلامي فعلا وبصفة مبدئية أن الرّجل قوّام على المرأة، فقد كان ذلك أخذًا بسُنّة المجتمع، إذ جاءت تعاليم الدّين مُتناغمة مع تقاليده؛ ولم يكن هذا يختلف عما كان سائدًا عند اليهود والنّصارى، بما أن الكتاب المقدّس يُبيّن صراحة أيضًا أنّ الرّجل سيّد العائلة وسيّد المرأة التي عليها أن تخضع له، كما ورد في رسالة بولس الرسول الأولى لتيموثاوس، بالآيات 11 و12 من الفصل الثّاني.
حقيقة الحجاب في الإسلام
لنبين الآن حقيقة الحجاب أو الخمار والنّقاب في الإسلام، وسنستعمل هنا عبارة الحجاب للكلّ، أي هذا الغطاء للرّأس الذي يجعل من المُسلمة راهبة مسيحية.
نستعرض في ما يلي الآيات التي تتحدّث في الموضوع، التي اعتمدها الفقهاء في فهم تعاليم الإسلام حسب الكتاب المقدّس، نظرًا لمتخيّلهم الذي كان مشبّعًا بالإسرائيليات؛ ذلك لأن حملة العلم في الإسلام كانوا في معظمهم من الموالي، كما بيّنه ابن خلدون.
تحدّث القرآن في الحجاب بخصوص أزواج الرّسول (ص)، في الآية 53 من سورة «الأحزاب»، وذلك في نطاق الحثّ على احترام حرمة بيت الرّسول (ص)، للعادة التي كانت متفشيّة بين الأعراب في دخول البيوت بدون استئذان:
﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾.
من الواضح أن الحجاب المعني هنا هو ستارة لا غطاء رأس، وهو لا يتنزل في نطاق فريضة دينية، بل فقط من باب تصرّف أخلاقي، إذ الآية لها مقصد تربوي لا شكّ فيه. ولا شكّ أن ما هو من باب الأدب في الفرقان من شأنه التطوّر والتّغير حسب عادات البشر وطريقة عيشهم؛ فعلاوة على ما قلنا، ليس في هذه الآية أي صفة مُقدّسة لأن الحجاب لا يمس بالعقيدة.
أما الموضع الثّاني للحجاب، فهو الآية 59 من السّورة نفسها وتخصّ أيضًا أزواج النّبي؛ إلا أن الكلام هنا أوسع وأشمل، من شأنه تجاوز نساء الرّسول(ص) إلى كلّ النّساء في شكل تأديب اجتماعي عمومي:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
الأمر الإلاهي هنا له غاية واضحة تكوّن لبّ الآية، ألا وهي أن ما أُعتبر حجابًا هدفه وغايته احترام المرأة وعدم الإخلال بالآداب اللازمة نحوها. وهذا يعني طبعًا أنه إذا انتفت فرضية انعدام الاحترام، انتفت ضرورة استعمال ما اعتبر حجابًا، لأنه بانعدام السّبب ينعدم المسبب؛ وهذا مما يُعرف في القواعد الشّرعية، فلا حكم عند تلاشي السّبب الذي جاء من أجله الحكم.
لنتكلم الآن في صفة ما عُد حجابًا هنا ولا نراه بتاتًا عند منقباتنا، فالآية تتحدّث عن الجلباب، وهو ما يصل القدمين عادة، يقع رفع جزء منه لتغطيّة الرّأس؛ إذن، هذا ليس قناعا على الوجه، بل هو أقرب إلى الوشاح أو شال الرأس. ثم، كما قلنا سابقًا، يكون ذلك خاصة من باب التّخلق بالآداب وليس بالفريضة الدّينية والواجب العقدي.
ويتعرض الله تعالى أخيرًا إلى موضوع الحجاب في الآية 31، من سورة «النّور»:
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
هذه الآية عامّة، لا تخصّ أزواج النّبي فحسب؛ ومنها استُخرج خطأ حكم الحجاب في الإسلام بينما لا مغزى فيه إلا اجتماعيًا وتأديبيًا كما نبيّنه، دون أيّ خصوصية شرعية عقدية.
لنذكر أولاً أن أسباب نزول هذه الآية مرتبطة بنمط الحياة بالمدينة لما كان فيها من شديد الاختلاط بين الأجناس والمعتقدات، وبين النّساء الأحرار والجواري؛ ومن بين الأخيرات، كانت جمهرة تتعاطى البغاء بأمر من أسيادهن في أغلب الأحيان.
لذلك، غدت العادة بالمدينة أيّام الرّسول(ص)، شأنها في ذلك شأن ما كانت عليه يثرب قبل قدوم النّبي(ص)، أن النّساء الحرائر يحرصن على التميّز عن الجواري حتى لا يقع التّحرش بهن؛ فكن يرتدين ما يغطيهن عن الأنظار. وما كانت في هذه العادة أي أسباب دينية، بل فقط عادات شعبية وأسباب معقولة لتمييز طبقة عن طبقة باللباس؛ وهذا من المعتاد المعروف في كلّ الثّقافات البشرية.
هذا كلّ ما نجده بالقرآن في الموضوع. أما في ما يخصّ السّنة النبوية، وخلافًا لما يقوله بعض الفقهاء اليوم، فليس هناك أي حديث صحيح في الحجاب، ويكفي الرّجوع لصحيحي «البخاري» و«مسلم» للتّأكد من الأمر؛ ونحن لا نعتدّ إلا بهما لكثرة المنحول في غيرهما.
كل هذا يؤكد ما قلناه آنفا أن الإسلام بريء من دعوى وجوب الحجاب أو الخمار، فما بالك بالبرقع!
إن التّحجب والتّبرقع من الإسرائيليات الرّاسبة في الإسلام؛ فالحجاب بلا أدنى شكّ من العادات اليهودية المسيحية كما نبينه الآن.
الحجاب فريضة مسيحية ويهودية
إن محجبات المسلمين ومبرقعاته لسن يتبعن الإسلام إذا اعتقدنا الأخذ بتعاليمه؛ فهن لا يعملن بتصرفهن هذا إلا بما ورد في الدينين اليهودي والمسيحي؛ فهلا حان الأوان لتفق نسوتنا من غفوتهن ومن يجبرهن على ذلك من ظلمهم لسماحة الإسلام والعودة جميعا لتعاليمه الصّحيحة؟
إذا كان الحجاب في الدّين الإسلامي من العادات والتّقاليد الشّعبية، لا صبغة دينية له، كما رأينا وبينا أعلاه، فهو خلاف ذلك باليهودية والمسيحية، إذ هو مما أمر به الكتاب المُقدّس كفريضة دينية واجبة على المرأة في علاقتها بالله.
لنأخذ مثالاً من العهد الجديد رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، نجد بها الأمر الشّرعي بتغطية الرّأس عند الصلاة. (الآيات من 11. 3 إلى 11. 15 من الفصل الحادي عشر):
3 وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ.
4 كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ.
5 وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ.
6 إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ.
7 فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ.
8 لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ.
9 وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ.
10 لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ.
11 غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ.
12 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ.
هكذا نتبيّن أن الحجاب المسيحي بحقّ له صبغة دينية بخلاف ما يُعتبر جزافًا حجابًا إسلاميًا، إذ هو عند النّصارى من الواجبات للصّلاة العمومية، وهو ما يغطي الوجه كلّه كما نراه مع الرّاهبات المسيحيات. وهذا يذكرنا بالعذراء مريم إذ هي بحجابها في كل ما لنا لها من صور.
ليس الحجاب في الكتاب المُقدّس خاصًا فقط بالصّلاة، إذ فرضه يتعدى ذلك إلى الحياة اليومية بما أنه مما يُفرض على بنات الرّجال الأحرار؛ ذلك لأن الحجاب ممنوع منعًا باتًا على العبيد وعلى البغايا. مع العلم أن مثل هذا المنع في ما يخصّ البغايا له أصول قديمة، إذ يعود إلى القوانين الأشورية، أي ما يقارب الألف سنة قبل المسيح. وهذا ولا شكّ من المخزون الثّقافي العامّ الذي تتقاسمه كل بلدان البحر المتوسط أيا كانت ملّتها.
لا يقتصر فرض الحجاب على الكنسية في المسيحية بما أن الصّلاة مُستحبّة في كل وقت، مما يفرض لبس الحجاب في كل وقت لأدائها حسب الفرض الدّيني، كما يتضح ذلك مثلا بالآية 17 من الفصل 5 من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي.
ونجد الحجاب مذكورًا أيضًا في سفر أشعيا (الفصل47) الآية 2، وهو من العهد القديم ضمن أسفار الرّسل:
«أشعيا 47. 2: خذي الرحى واطحني دقيقا. اكشفي نقابك شمري الذيل. اكشفي الساق. أعبري الأنهار».
وفي رسالة بولس الرّسول الأولى لتيموثاوس الفصل 2 الآية9 ، وهي من العهد الجديد، نقرأ:
«1 تيموثاوس 2. 9: وكذلك إن النّساء يزيّنّ ذواتهنّ بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر أو ذهب أو لآلىء أو ملابس كثيرة الثّمن».
ومن العهد الجديد أيضًا، في رسالة بطرس الأولى الفصل 3، الآية 3، نجد ما يتعلّق خاصة بالحياء والتّحفظ، أي ما يذكّر بتلك الأحاديث غير الصّحيحة المنسوبة للرّسول(ص):
«1 بطرس 3. 3: ولا تكن زينتكنّ الزّينة الخارجية من ضفر الشّعر والتّحلي بالذّهب ولبس الثّياب».
تمامًا كما في المسيحية، نجد في اليهودية المرأة متحجّبة أيضا كما سبق أن رأيناه في سفر أشعيا وكما يتبيّن ذلك في سفر التّكوين (الفصل 24 الآية 3)؛ وفيه نجد عند ذكر زواج يعقوب بابنة لابين أنه لم يطّلع على وجه زوجته إلا بعد ليلة الزّفاف حسب العادة السّامية لتلك الحقبة الزمنية (انظر الفصل 29 الآيات من 15 إلى 26 من سفر التكوين).
ومن الأمثلة اليهودية الأخرى، لنذكر المكابيون الثلاث (4. 6)، وهو من الأناجيل المختلقة، أو المشنة كتبات 72 أ-ب.
مجمل القول أن عادة التّحجب في القرون الخاليّة كانت منتشرة بين النّساء في السّاحة العمومية؛ ولم يكن هذا يخصّ فقط العالم الشّرقي أو الثّقافة اليهودية، بل تواجد أيضا بالثقافتين الإغريقية والرّومانية.
* عن موقع نفحة