عمّار بن طوبال - الدّم المقدس

في المجتمعات المحافظة تتجاوز علاقة الإنسان بجسده حالتها الشّخصية، لتصير علاقة ذات طبيعة اِجتماعية، تتقلّص فيها مساحة حريّة الفرد لصالح تأثير الجماعة وقدرتها على فرض تصوراتها الخاصة حول الجسد، الذي يتم التّأكيد بشكل مستمر، من طرف الفئات المحافظة وحراس القيّم، على أنه، وفي مواضع وحالات محددة، ملكية اِجتماعية وما الفرد إلا «حامل أمانة» عليه حفظها.
اِنطلاقا من هذه النّزعة «التأميمية» للجسد، خاصة الجسد الأنثوي ينشأ الطابو الجنسي كحالة نفسية وكنظام قيمي يتم عبره قمع كل السّلوكات الجنسية المرفوضة اِجتماعيا، وتأطير العلاقات المسموح بها ضمن أطر يراها المجتمع مشروعة، ويراها الأفراد الطريقة المثلى لعيش وممارسة الرّغبة دون تبعات، ونتيجة سطوة التّصور الجمعي حول الجنس وتمثّل الأفراد، ولو علنا فقط، لذلك التصور يصير للعذرية حين يتعلق الأمر بالمرأة مكانة جليلة باعتبارها تمثل الدّليل الأبرز، والممكن التأكد منه، على مدى اِحترام المرأة(حاملة الشّرف العائلي) للعرف الاجتماعي وللقيم الناظمة للسلوك الجنسي، فالعذرية هنا، كطابو مُسيّج بالتقديس والتّحريم تتجاوز دورها البيولوجي كحالة نسائية حصرًا، كما تتجاوز كونها حالة نسائية حصرا إلى كونها دور ووظيفة اِجتماعية، يتم عبرها حفظ التقاليد والقيم الأبوية، من خلال اِختصار شرف المرأة في الدّم المقدس لعذريتها، والذي لا يحقّ لها بأي شكل من الأشكال التّخلي عنها قبل الزواج، فالمرأة في العرف الأبوي هي النواة الصلبة للقيم العائلية، المرعية من طرف نزعة محافظة لا تقبل بأي نزوع فرداني، كما أنها، ومن هنا ينشأ الدور الوظيفي للعذرية، ليست حاملة لشرفها فحسب، على اِعتبار أن المجتمع يختصر شرف المرأة في الغشاء الذي بين فخذيها، إنما هي حاملة لشرف العائلة بأكملها، وهذا الإلحاق للشرف العائلي بمسؤولية المرأة يمارس عليها قمعًا مزدوجًا، من جهة يحملها مسؤولية تتجاوز قدرتها الفردية على حفظها في حالات كثيرة، ومن جهة يجرّدها من الحقّ في التّصرف بجسدها، ورغم أن الرجل في المجتمعات المسلمة يمنع هو الآخر من الدّخول في علاقات جسدية غير مشروعة، ولكن حجم الإدانة وقوة القمع الذي تتعرض له المرأة في هذه الناحية أكبر بكثير من ذلك الذي يجابه به الرجال في حالة القيام بنفس الفعل، وذلك بسبب كون شرف الرجل منفصل، في الوعي الجمعي، عن الجسد، فهو موزع على مجموعة قيم معنوية كالشهامة والنبل والمكانة الاجتماعية والكرم وغيرها من مستلزمات الشرف الرجالي، هذا الأخير الذي يتحدد أيضا، وبنسبة كبيرة، بمدى حفظ محارم الرّجل من النّساء لشرفهن/عذريتهن.
إن الوظيفة الاجتماعية التي تقوم بها العذرية، ورغم قوة التحديث وما يفرضه من تغير في السلوكات والعلاقات الاجتماعية، لم تتغير كثيرا، فالدّم المقدس للعذرية لا يزال يستقبل ليلة الدخلة بطقوسية تتنوع وتتعدد مظاهرها ولكنها تلتقي في التأكيد على أنه وحده من يمنح الشرف وما ينتج عنه من اِحترام ومكانة أو يمنعه، ليس عن المرأة فقط إنما عن عائلتها كلها. وهذا الدور الخطير الذي لم تختره المرأة، كحاملة للعذرية، إنما فرض عليها القيام به من طرف الثقافة الأبوية التي لم تتغيّر في العمق كثيرًا رغم ما تبديه من مرونة ظاهرة ومن اِرتخاء في بعض قيمها القمعية، هو ما يجب على المرأة أن ترفض وطأته عليها على اِعتبار أنها كفرد في المجتمع ليس عليها أن تتحمل سوى مسؤولية ما تختاره بنفسها وليس ما يختاره لها المجتمع.




.
 
أعلى