نقوس المهدي
كاتب
إذا عُدنا إلى كِتاب الفيلسوف الفرنسي «ميشال فوكو»(Michel Foucault) (تاريخ الجِنسانية: إرادة العِرفان)، وهو الجزء الأوّل من سلسلة كُتب خصّصها «فوكو» للجنس في الثقافة الأوروبية، نُدرك الحقيقة التاريخية والثقافية التالية، وهي أنَّ «الثقافة الأوروبية» كانت في غاية التشدّد فيما يتعلّق بــ«الجنس».
ويُعتبر القرن السّابع عشر بمثابة بداية «عصر القمع»، وفي هذا العصر لم يكن من السّهل الحديث عن «الجنس» بسبب الطّوق الأخلاقي والقانوني الذي ضُرب حوله، فما حدث أنّ اللغة أصبحت تسكُت عن هذا الموضوع، وأصبحت هذه الكلمة مُراقبة.
إذا كان هذا هو وضع الثقافة الأوروبية، فكيف هو حال المجتمعات المتديّنة مثل المجتمع العربي؟ كيف يكون الحديث عن الجنس ضمن ثقافة منفّرة لهكذا موضوعات، بل تمارس إقصاءً لفظيا للكلمة، حتّى أنّ مجرّد التلفّظ بها، بمقدوره أن يوقظ حرّاس الأخلاق بسيوفهم الحادة؟ حتى أضحت الكلمة تنتمي إلى معجم الكلمات «الصامتة» تلك التي لا يجب أن يسمع بها أحد، لأنّها مفسدة للذوق العام، ومثيرة للفتن الأخلاقية، وقد تكون سببا في تلويث النفوس الطيبة والنقيّة.
لهذا فالمقصود بالمسكوت عنه، هو كلّ ما خضع للقمع الرمزي الذي يعكس إرادة سلطة أخلاقية في برمجة النفوس على عدم اقتراف «الكلمة» في الخطابات، لاسيما الروائية منها، واليوم يتمّ حظرها كذلك باعتبارها «صورة».
حيث يوجد «الجنس» توجد «السلطة»، ويوجد «القمع»، ويوجد «الحظر»، ويجب أن نتساءل لما يحدث ذلك؟ والسبب أن الجنس نفسه يمثل «سلطة» مؤثرة على حياة البشر، وطاقة موجهة وقد تكون مدمّرة للمجتمعات.
أما على صعيد الجنس والأدب وتحديدا الرواية، لا أظن أنّ حضور الجنس في الرواية يكفي لوصفها بأنها رواية «إيروتيكية»، الإيروتيكية في حدّ ذاتها تمثل موقفا من الفن ومن الحياة ومن الإنسان، سواء كنا مع ذلك الموقف أو ضده، إذ يبقى في حدوده الخطابية –أي الجنس– يعيد توزيع قيم الجسد والآخر في وجودنا. لا أتحدث هنا عن التوظيفات المجانية التي تندرج ضمن المغالاة في تصوير متع الجسد بلا أي غرض فني، أو تسويق صورة ما عنا للآخر، ففي هذه الحالة فهذا أدب تجاري وتسويقي، لا يحمل أيّ تصوّر.
في الجزائر، يمكن الحديث عن تجربة رشيد بوجدرة، أظنه الوحيد الذي كتب رواية الجسد العاري، ووحده كان السباق إلى إخراج ملفوظات الجسد والجنس والعري من الصمت، لتصير مسموعة بشكل كان له مفعوله العميق في تلقي نصوصه.
قد يكون الجنس في الرواية طريقة لتدمير ثقافة الصمت، وكشف للحقيقة الإنسانية في عريها الفاضح، فليست الحقيقة دائما هي الروح والنفس النقية، بل هي أيضا الجسد الذي تنبني عليه كل الأشكال الاجتماعية من السلوك، لأجل فضح زيف المجتمع، ونفاق الأخلاق التي قد تكون مجرد ستائر لإخفاء البشاعات المضمرة.
استطاع بوجدرة أن يعطي للجنس قيمته النقدية كخطاب مضاد لما هو سلطوي ورسمي ومؤسساتي، ولا أظن أنّه فعل ذلك لأجل دفع الشباب إلى الانحراف كما يريد البعض أن يفسّر ذلك.
.
* عن موقع نفحة
ويُعتبر القرن السّابع عشر بمثابة بداية «عصر القمع»، وفي هذا العصر لم يكن من السّهل الحديث عن «الجنس» بسبب الطّوق الأخلاقي والقانوني الذي ضُرب حوله، فما حدث أنّ اللغة أصبحت تسكُت عن هذا الموضوع، وأصبحت هذه الكلمة مُراقبة.
إذا كان هذا هو وضع الثقافة الأوروبية، فكيف هو حال المجتمعات المتديّنة مثل المجتمع العربي؟ كيف يكون الحديث عن الجنس ضمن ثقافة منفّرة لهكذا موضوعات، بل تمارس إقصاءً لفظيا للكلمة، حتّى أنّ مجرّد التلفّظ بها، بمقدوره أن يوقظ حرّاس الأخلاق بسيوفهم الحادة؟ حتى أضحت الكلمة تنتمي إلى معجم الكلمات «الصامتة» تلك التي لا يجب أن يسمع بها أحد، لأنّها مفسدة للذوق العام، ومثيرة للفتن الأخلاقية، وقد تكون سببا في تلويث النفوس الطيبة والنقيّة.
لهذا فالمقصود بالمسكوت عنه، هو كلّ ما خضع للقمع الرمزي الذي يعكس إرادة سلطة أخلاقية في برمجة النفوس على عدم اقتراف «الكلمة» في الخطابات، لاسيما الروائية منها، واليوم يتمّ حظرها كذلك باعتبارها «صورة».
حيث يوجد «الجنس» توجد «السلطة»، ويوجد «القمع»، ويوجد «الحظر»، ويجب أن نتساءل لما يحدث ذلك؟ والسبب أن الجنس نفسه يمثل «سلطة» مؤثرة على حياة البشر، وطاقة موجهة وقد تكون مدمّرة للمجتمعات.
أما على صعيد الجنس والأدب وتحديدا الرواية، لا أظن أنّ حضور الجنس في الرواية يكفي لوصفها بأنها رواية «إيروتيكية»، الإيروتيكية في حدّ ذاتها تمثل موقفا من الفن ومن الحياة ومن الإنسان، سواء كنا مع ذلك الموقف أو ضده، إذ يبقى في حدوده الخطابية –أي الجنس– يعيد توزيع قيم الجسد والآخر في وجودنا. لا أتحدث هنا عن التوظيفات المجانية التي تندرج ضمن المغالاة في تصوير متع الجسد بلا أي غرض فني، أو تسويق صورة ما عنا للآخر، ففي هذه الحالة فهذا أدب تجاري وتسويقي، لا يحمل أيّ تصوّر.
في الجزائر، يمكن الحديث عن تجربة رشيد بوجدرة، أظنه الوحيد الذي كتب رواية الجسد العاري، ووحده كان السباق إلى إخراج ملفوظات الجسد والجنس والعري من الصمت، لتصير مسموعة بشكل كان له مفعوله العميق في تلقي نصوصه.
قد يكون الجنس في الرواية طريقة لتدمير ثقافة الصمت، وكشف للحقيقة الإنسانية في عريها الفاضح، فليست الحقيقة دائما هي الروح والنفس النقية، بل هي أيضا الجسد الذي تنبني عليه كل الأشكال الاجتماعية من السلوك، لأجل فضح زيف المجتمع، ونفاق الأخلاق التي قد تكون مجرد ستائر لإخفاء البشاعات المضمرة.
استطاع بوجدرة أن يعطي للجنس قيمته النقدية كخطاب مضاد لما هو سلطوي ورسمي ومؤسساتي، ولا أظن أنّه فعل ذلك لأجل دفع الشباب إلى الانحراف كما يريد البعض أن يفسّر ذلك.
.
صورة مفقودة
* عن موقع نفحة