إنّ المتتبع أو القارئ للأدب الجزائري يدرك لا محالة تراجعه الكبير عن حقول كثيرة فلم يعد يطؤها القلم كما في السّابق، خاصة تلك الحقول التي تدخل في نطاق الثالوث المحرّم. فهامش الحرية الذي كان يفتح للمبدع وللكاتب بابا ليقول رغبته وهاجسه، أو رفضه ومقته للراهن وللتاريخ صار ينظر إليه بعين أخلاقية وبخلفية دينية بحتة. فالثالوث بحقوله الثلاثة: «الدين، السياسة والجنس»، دخلت المحظور. وصار الحرام والحلال دفتي ميزان الفعل الأدبي. فهل يمكننا الآن أن نتحدث عن الأدب الإريروتيكي (الإيروسي)، رغم أنّ الكتابة الإيروتيكية ليست البورنوغرافية الإباحية؟
لقد صار لزاما، أمام هذا التراجع المخيف، أن نتساءل عن الأسباب والدوافع التي جعلت كل ما هو إيروتيكي يختفي من نصوصنا ويمكن تعميمها على فنوننا كلها، (عدا الشعر الشعبي، الّذي يشذ قليلا عن الظاهرة)؟ ثم ألم يكن النص الأدبي بالجزائر والمغرب العربي، نظرا لتأثره المباشر بالثقافة الفرنسية، سباقا وواعدا في هذا المجال؟ طبعا هناك دائما استثناءات قليلة تخرج سابحة عكس التيار لذلك لا يمكن قياس الظاهرة عليها. ولا يمكن تصنيف بعض الكتابات التي وظفت الجنس بشكل من الأشكال، ككتابات بوجدرة والزاوي وغيرهم، على أنها كتابات إيروتيكية، لأن الكتابة الإيروتيكية هي كتابة الجسد. كتابة تبعث على الدهشة والإغواء. وبلغة كونية عميقة هي لغة الأحاسيس ورمزية الإيحاء، لتفتح مجالات واسعة للرؤى والتخييل والتصوّر حتى ذروة الاشتهاء. ولا تدخل مجال التفصيل والوصف في العلاقات الجسدية، حتى لا تتحوّل إلى كتابة وقحة، استفزازية، وقد تكون منفرة في آن واحد.
إن أغلب النصوص الروائية لا تخلو من مشاهد جنسية، وقد تكون أحيانا لا فائدة منها باعتبار أن الجنس صار عملة «خالف تعرف»، وأحيانا أخرى تدخل مناطق البورنوغرافية فتغيب عنها جمالية الإيروسية من تصوير رمزية اللذة والرغبة فتبتعد بذلك عن مجالها الصارخ في تهويمات الجسد وإيحاءاته.
هل يمكن لقارئ، عاقل ومتحرّر، أن يمرّ مُجانبا رواية يوسا، «امتداح الخالة»، دون أن يتوقّف عند كثير من مقاطعها، متأمّلا ومتخيّلا المشهد، أو هائما مدهشا من وصف يتوقّف ليترك القارئ يتحرّر بمخيلته، وقد يذهب بعيدا في ذلك. يوسا لا يسقط في اللغة الوقحة ولا يجعل من لغته لغة شارح يصيبك بالاشمئزاز.
إن قوانين الطبيعة لا تسمح بالفراغ. الطبيعة تمنحنا قوة لملء الفراغ، ملئه بأحلامنا وتخيّلاتنا وتنبّؤاتنا، حين نقرأ مجرّدين روحيا لنصل إلى تحريك الجسد الساكن.
* عن موقع نفحة