محمد الماغوط - الرعب والجنس

عندما أكونُ وحيدةً
ومستلقيةً على النهدِ الذي يحبّهُ
يأتي إليَّ
زنِخًا كالقصّاب
وحيدًا كطائرٍ عُذِّب حتّى الموت
يعضُّني في فمي وشَعري وأذني
ويرفعني بين يديه عاليًا
كي أرى دموعَه من منابعها
لأرى ملايينَ القطارات المسافِرة
تلهث بين حاجبَيهِ الكثيفين.


عندما أكونُ وحيدةً
وشهوتي تتمايلُ كورق النخيل
يأتي إليَّ
بحذائهِ الضيِّق
ومعطفِه المُموّج كالبحر
يُمرّر يدَه القذرة بين نهدَيّ
ثمّ يمضي ولا يعود."
"وعندما يجوع
وتتّسخ ثيابُه منَ الحبر والكتابة
ولا يجدُ بيتًا أو شارعًا يأوي إليه
يأتي إليَّ
بطيئًا تحت الأشجار الجرداء
يُلوّحُ شهوتَه كالسلسلة بين إصبعيهِ.

يقفُ ذليلًا على الباب
والدموعُ ترفرف في عينيهِ كالعصافير
يقفُ وحيدًا أمام العالَم
ليشقّ طريقهُ كالملّاح إلى سريري
في الظلمة؛
الظلمةِ العميقةِ الآسِنة
حيثُ الريحُ تزأر
والأشجارُ المبلَّلةُ تنوحُ كنسوةٍ مُغتصَبات.
يطوّقني بين ذراعيْه
وينغرسُ في لحمي كالصئبان.
يحدّثني عنِ الرعبِ وأوراقِ السروِ الخضراء،
عن تسلّخ الجلدِ في المُعتقلات،
وتساقطِ الشفاهِ في المغاسلِ؛
عن الصهيلِ القديمِ
والغيومِ المرفوعة كالأشرعةعلى رؤوس الحِراب.

آهٍ لو كانتِ الذكرياتُ تمشي!
طبقاتٌ كثيرةٌ من شفتي
ضاعَت في المباغي والملاعِق؛
أشياء كثيرة فقدتُها بلا معنى
(محارم، أزرار، حقول)
ولّاعات بشكل النجوم."

"الحياةُ مملّة كالمطر بلا ماء
كالحرب بلا صُراخٍ أو قتلى
فأَضحكُ كثيرًا
وأضمّهُ بينَ ذراعي... صغيرًا صغيرًا
أكاد أشربهُ كالنبيذ
ذلك الغريب الذي يصعدُ إلى صدري
كأنّني سفينةٌ أو قطار.

وعندما ينهمر المطرُ في الشوارع
وتمتلئ الأزقّةُ بالبؤس والأوحال
ينهض عن صدري
ويرفع كتفيهِ على شكل زورق... ويمضي.


.


 
أعلى