أمنية طلعت - كتب الحب عند العرب

العشاق في مصارعهم، الاحبة في ملذاتهم، المغرمون في صباباتهم، النفوس في سكرتها، العروس في تحفتها، المشتاقون في نزهاتهم، اخوان الصفا وخلان الوفاء في رسائلهم، والجميع يفيض بالشعر والشغف والظرف والحكمة. هذا هو ما سعى اليه احمد الطويلي مؤلف كتاب «كتب الحب عند العرب» ان يمتع القراء من خلال احدى عشر فصلاً جمع فيها زهرات الادب العربي التي تتحدث عن العشق والعفة والفلسفة والشبق، فطاف على ابن حزم وابن قيم الجوزية وغيرهما حتى وصل الى احمد تيمور. ففي الفصل الاول «طوق الحمامة لابن حزم» يقدم لما في هذا الكتاب من دروس نظرية في الحب وأغراضه وصفات المحبين واحوالهم وامثلة حية مقتبسة من الواقع المعاش، حيث ينصب ابن حزم نفسه وصياً على الاحباء ينصحهم بما ينبغي ان يتحلوا به ويؤكد ان الحب قضاء ولا مفر منه وان له مفعولاً قوياً على المحبين حيث يغير طباعهم للافضل، كما ادلى ابن حزم كإمام وفقيه بأن الحب ليس حراماً وان كان فرق بين الحب والشهوة الجنسية التي وصفها بأنها زائلة بينما الحب دائم رغم كل ما قد يمر عليه من صعاب ومشاكل، كما يتحدث ابن حزم عن تجاربه مع الحب ايضا كشاعر رقيق النفس، حساس، عرف المرأة معرفة عميقة حيث احب كثيراَ.. ويقص ذكرياته مع كل حبيبة حيث تخلف كل واحدة ذكريات لم ينسها. ويحتج ابن حزم لتأليف هذا الكتاب ببعض الاحاديث النبوية الداعية الى اراحة النفس بشيء من الهزل لتقوى على الجد وكأنه يرد على خصومه من الفقهاء المتشددين الذين نغصوا عليه حياته رغم كثرة انتاجه في الحديث والفقه والنسب والنثر والشعر والجدل. «مصارع العشاق للسراج» للمؤلف ابو محمد جعفر بن احمد بن الحسين السراج القاريء، هي موضوع الفصل الثاني حيث يقدم له الطويلي بأنه اديب وشاعر وعلامة زمانه من بغداد، وكتابه خاص بالعشاق الذين صرعهم الفراق والنوى فصور الفراق بأنه صياد ماهر يرمي بسهامه القلوب المحبة فيصيبها. فهم المحبون الذين كان حبهم في البداية لذيذاً لكن النهاية كانت مرة مرارة الحنظل.. والكتابة تضمن اكثر من الف خبر عن هؤلاء العشاق وحقيقة ما جرى لهم رغم ما في هذه الاخبار من مبالغة واحداث وليدة خيال المؤلف الذي يقول انه كان عفيفا في حبه كأنه يبرر تأليف هذا الكتاب بأنه لا يرمي به الى خلع الاعذار في العشق ولا الى المجون في الوصال، كما ان غايته الثانية من الكتاب هي التمتع الادبي والفني بقصص هؤلاء العشاق المشهورون منهم والمغمورون ومن الغايات الاخرى التسلي عن الفراق والتعزي عن العذاب وألم البعاد. اما الفصل الثالث فمخصص لديوان الصبابة لابن ابي حجلة المغربي التلمساني وهو كتاب حوى ايضا اخبار من قتلهم الهوى وسار بهم الحب في كل مذهب وتركهم كالهشيم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. وديوان الصبابة مقسم الى مقدمة وثلاثين باباً وخاتمة وقد خصص ابن ابي حجلة الباب الاول لذكر الحسن والجمال والثاني لذكر المحبين والظرفاء، اما الابواب الاخرى فلذكر من عشق على السماع او من احترق بالحب من أول نظرة، ثم استعرض ابواباً للغيرة والحيرة وافشاء السر والكتمان ومغالطة الحبيب واستعطافه وذكر الرسل والرسائل وقصر الليل وطوله، وخصص ابواباً اخرى لتعنت المعشوق على الحب وموضوع الوعود والاماني.. وما الى ذلك من مواضيع العشق، اما الخاتمة فخصصت لذكر من مات من حبه. ثم ينتقل الطويلي الى كتاب «تحفة العروس ونزهة النفوس» لعبد الله التجاني التونسي وهو من اهم الكتب التي الفت في موضوع العشق واخبار النساء، وقد قسم التجاني الكتاب الى مقدمة وخمسة وعشرين باباً يقول عنها «ذكرنا في كل باب من الابواب ما يليق به من الاحاديث النبوية، وتعرضنا لايراد ما يحتاج اليه من المسائل الفقهية وتبين مدلولات كثيرة مما يشكل من الالفاظ اللغوية وكثيرا ما نتعرض لشرح الاحاديث التي تذكرها اما بنقل اقوال الناس فيها واما بمعان مقترحة يظهرها النظر ويبديها، وربما تعرضنا لتصحيح ما حكم العلماء بصحته من تلك الاحاديث وتسقيم ما حكموا بتسقيمه بحسب الصلح والاحاطة، والكتاب يحتوي نزعة نقدية ومواقف شخصية تدل على نفاذ فكر المؤلف واتجاهه في غربلة الاخبار وتصفية المقبول منها والمرفوض. «نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان»، لمحمد صديق خان هو موضوع الفصل الخامس من الكتاب ويتناول كتاباً طريفاً وفريداً من نوعه الفه هندي بالعربية، وطبع اكثر من طبعه بالهند ومصر وتونس، ويبدأ الكتاب بعد الديباجة، بهذا التقديم «هذا بيان العشق والعشاق والمعشوقات من النسوة وما يتصل بذلك من تطورات الصبوة والهيمان» وقد لخص المؤلف كتابه من كتب كبيرة في العشق منها ديوان لابن ابي حجلة، وتزيين الاسواق بتفصيل اشواق العشاق لداود الانطاكي وعدد آخر من اخبار العشاق في بلاد الهند. اما الفصل السادس فهو لذم الهوى لابن الجوزي ورغم ان عنوان الكتاب يوصي بأنه يشتمل على نصائح دينية واخلاقية إلا انه في الحقيقة يتحدث عن الحب واخبار العشاق وشهداء الغرام ويقدم قصائد العشاق من الشعراء، بل انه كتاب في فن الحب وجنونه، كما انه في علم الحب وماهيته وحقيقته واسبابه واطواره.. ويأتي بعد ذلك الفصل السابع ليتحدث عن كتاب «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» لابن قيم الجوزية ويعد من اكمل الكتب العربية عن الحب والعشق لانه يتناول هذا الموضوع مبتدئا بتعليل ديني لبواعثه في التأليف من خلال الهمم السامية والعزمات العالية الى اشرف غاياتها تخصيصا لها وتأهيلا، فقد سما ابن قيم الجوزية بالمحبة وجعلها موضوعا مقدساً، كما حاول ان يحسن الامر بين الهوى والعقل ويصلح بدينها في المحبة ويتناول معاني المحبة ومختلف الاقوال فيها ومناحيها المتعددة ويستعرض اقوالاً كثيرة في المحبة لاينسبها الى اصحابها وهي في اغلب الامر له لكنه يتحرج نسبتها الى نفسه. كتاب الموشى او «الظرف والظرفاء» للوشاء وهو محمد بن احمد بن اسحاق بن يحيى من اهل بغداد.. وقد الف الكتاب ليتبين معاني الظرف والتعريف بمفاهيم المروءة والآداب كما الفه لغاية تعليمية ايضا حيث يحاول ان يعلم الناس كيف يكونون ظرفاء طيبين ـ المجلس وما هي انواع الطيب التي يجب ان يستخدموها وما هي الالوان المناسبة للملبس وكيف يتحدثون ويمشون ويجلسون ومن ضمن الاشياء المفضل للظريف القيام بها كما يذكر الوشاء «العشق» حيث يرى ان الهوى فرض على ذوي العقول.. في الفصل التاسع تأتي رسالة في العشق لاخوان الصفا وهم جماعة رأوا ان الفوز برضوان الله بعد ان دنست الشريعة بالجهالات والضلالات يأتي بتطهيرها بالفلسفة لانها حاوية للحكمة الاعتقادية وانه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال.. وقد قدموا رسائل عديدة في كل مناحي العلم والحياة منها العشق في الرسالة السابعة والثلاثين وتصل عدد الرسائل الى خمسين رسالة. في الفصل العاشر تأتي رسالة العشق لابن سينا وتتكون من سبعة فصول ويرى فيها ان العشق هو عنوان الكمال وهو التوق الى الخير والنزوع الى الفضيلة فالعشق عند ابن سينا هو الاستعداد لنهاية الكمال بل مبدؤه وقوامه ومراده، اذ توجد علاقة عضوية في نظره بين العشق والخير. وفي الفصل الاخير من الكتاب يختم احمد الطويلي بكتاب (الحب عند العرب) لاحمد تيمور عضو المجمع العلمي العربي المصري المتوفى عام 1930 وقد نشر الكتاب عام 1964 بعد وفاته باربع وثلاثين سنة، ونشرته لجنة المؤلفات التيمورية التي يرأسها الشاعر الغنائي احمد رامي.. والكتاب يجيب عن اسئة مثل ماهو الحب؟ والاجابة تأتي على ألسنة ادباء ولغويين وفلاسفة ورواة.



أمنية طلعت
 
أعلى