عزيزة المانع - الفخ المنصوب إلى صيد المحبوب !!

كنت أطالع كتاب (مفتاح السعادة) لطاش كبرى زاده أحد علماء القرن العاشر الهجري المسلمين، فلفت نظري طرافة بعض ما ورد فيه من المواضيع، ولكن قبل الحديث عن ذلك دعوني أقدم الكتاب لمن لا يعرفه.
كتاب مفتاح السعادة، في موضوعه أقرب لأن يكون موسوعة في تاريخ العلوم العربية، فهو يشمل ذكر كثير من العلوم التي عرفها العرب والمسلمون، كما يتطرق إلى معلومات ببليوغرافية تتضمن أهم ما ألفه العرب في كل علم من تلك العلوم. لذلك هو كتاب يحتل مكانة مهمة بين كتب التراث الفكري العربي، فهو بحق يمثل عملا موسوعيا في مجاله، كما أنه يعد من أبرز الكتب الببليوغرافية العربية التي ينشدها الباحث.
للوهلة الأولى قد يبدو عنوان الكتاب (مفتاح السعادة) بعيدا عن مضمونه، ولكن بعد أن تقرأ تعليل المؤلف لاختياره هذا العنوان تجد له عذرا، فهو يرى أن سبيل السعادة، وبالذات السعادة في الآخرة، هو السعي إلى اكتساب المعرفة، فمعرفة العلوم هي الوسيلة التي يتوسل بها الإنسان إلى السعادة.
أما ما استعرضه الكتاب من العلوم عند العرب فإنه كثير جدا، ما بين علوم الدنيا والدين واللغة والأدب، إلا أني وجدت من بين هذه العلوم ما يبعث وجوده على الدهشة أن العرب عنوا به وألفوا فيه، مثل (علم الآلات العجيبة) التي يمثل لها بالعود والمزامير والقانون، ولا سيما آلة الأرغون التي يقول عنها «ولقد شاهدت أرغون واستمعت بها مرات عديدة ولم يزد المشاهدة والنظر إلا دهشة وحيرة»، ومثل (علم الرقص) الذي يعرفه بأنه «علم باحث عن كيفية صدور الحركات الموزونة عن الشخص بحيث يوجب الطرب والسرور لمن يشاهدها»، إلا أن المؤلف ما يلبث أن يستدرك معتذرا عن ذكره هذين العلمين اللذين يصفهما أنهما محرمان شرعا بقوله: «وإنما تعرضت لما تعرضت تتميما للكلام». وهناك أيضا (علم مسامرة الملوك)، وهو «علم باحث عن أحوال يرغب فيها الملوك من القصص والأخبار والمواعظ والعبر والأمثال وغرائب الأقاليم وعجائب البلدان وغير ذلك».
لكن أطرف ما أورده من العلوم (علم خواص الأعداد المتحابة والمتباغضة) الذي يرتبط بالعلوم الرياضية، ويصفه بأن الأعداد المتحابة إذا وضعت في طعام أو شراب شخصين تألف بينهما محبة عجيبة، وأن الأعداد تستعمل إما رسما بالقلم على الثياب أو(أكلا) في بعض أشكال الفاكهة كالزبيب والرمان وأمثالها. ومثله (علم الغنج)، الذي يعرفه أنه علم يبحث في كيفية صدور بعض الأفعال «عن العذارى والنسوان الفائقات الجمال، والمتصفات بالظرف والكمال»، ثم يقول في ختام حديثه عن هذا العلم: «ونساء العرب مشهورات بين الرجال بحسن الغنج ولطف الدلال، عصمنا الله وإياكم عما لا يرضاه في القول والعقد والعمل».
وامتدت طرافة بعض العلوم لتشمل عناوين المؤلفات فيها، ومن أطرفها كتابا: (رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب) و(الفخ المنصوب إلى صيد المحبوب). أجاركم الله من الأفخاخ بكل أشكالها.

تغريد
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...