منقول - ابن حمامة.. نفائس الأعلاق في مآثر العشاق

الكتاب الوحيد الذي وصلنا من تراث ابن حمامة (علي بن سعيد) (ت 604هـ) نديم الملك المظفر الأيوبي (ت 587هـ) صاحب حماة. وقد جمعه تلبية لأمره، كما صرح بذلك في مقدمته، من أنه جرت (في حضرة الملك المظفر) مفاوضة ومذاكرة، قرت خلالها عيون الحاضرين بما سطر في أخبار العذريين، وقد طلب منه جمع أخبارهم في كتاب مشتمل على بدائع الحكايات والأشعار، محتوٍ على نهايات الإيجاز والاختصار.. ولم يجد فيه على ذكر الأسانيد لما فيه من التطويل والتزيد.. بل اعتمد على غرر الحكايات ونوادر الأبيات لمن كان نابه الذكر مشهورا أو مجنون صبابة منكورا. وصلتنا نسخة يتيمة من الكتاب، تحتفظ بها مكتبة (شستربتي) في دبلن بايرلندا، رقمها 3741 تقع في نحو مائة وسبعين ورقة من الحجم الصغير، عدت عليها الرطوبة وعوامل أخرى أتت على عدد من أوراقها وأتلفت أوراقا أخرى. وتاريخ نسخها سنة 719هـ/ 1318م انظر وصف المرحوم كوركيس عواد لهذه النسخة في ( الذخائر الشرقية ـ بيروت 1999م ج 4 ص 514) قال: ( يقع الكتاب في عشرين بابا تتناول: الحب وفضله وشرفه ومن عشق من الخلفاء والعلماء ومن عشق من الفضلاء والشعراء ومن عشق لخلاله لا لجماله وما ورد من اشعار المتيمين في ذكر الحمام وما ورد من الاشعار في ذكر البكاء. وما ورد من الاشعار في طول الليل. وكذلك تتناول هذه الابواب: ذل المحبين واعتزاز المحبين وكتم الهوى واذاعة الدموع به والرحمة للعشاق والدعاء لهم والرسائل والمكاتبات والوشاة والرقباء وما قيل في العذال واللوام. وفي الباب الاول ـ يرى المؤلف أن (أفضل أهل الهوى أشدهم حبا لصاحبه) ونقل أن حكيما سأل تلاميذه قائلا: لقد نلتم من الحكمة والادب (الشيء الكثير) فهل فيكم من عشق? قالوا: ?لا? ! قال: اعشقوا فإن العشق يطلق لسان العي، ويفتح قلب الغبي، ويحث على افخر المكاسب والمطالب ويدعو الى مصافاة الكرام، واياكم ومباشرة الحرام. وفي باب في من عشق من الخلفاء والعلماء: تناول عددا كبيرا منهم: عبد الله بن ابي بكر الصديق، والحسن بن عبد الله بن العباس، وابن أبي الزناد، والحارث بن خالد المخزومي، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن عبد الملك. ومن الخلفاء والامراء العباسيين: المهدي، هارون الرشيد، المأمون، المتوكل، احمد بن احمد المعتضد. وفي باب في من عشق من الفضلاء والشعراء تناول امرأ القيس، المرقش، الاعشى، ميمون، قيس بن الملوح ـ كثير بن عبد الرحمن، ذا الرمة (غيلان بن عقبة) الطرماح بن حكيم، محمد بن عبد الله النميري، عمر بن ابي ربيعة، ابن الدمينة، يزيد بن الطثرية، بشار بن برد، ابا العتاهية (اسماعيل بن القاسم) علي بن هشام.... على ان الميزة الفــــــريدة التي يسعد بها من يقرأ هذا الكتاب: اشتماله على موســـــوعة للشعر العذري ضمنها (ابـــــن حمامة) أشعارا لهم ولمن حاكاهم في القرون اللاحقة لغاية وضعه الكتاب اواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). ومما تضمنته هذه الموسوعة الطريفة المرتبة وفق الحروف الابجدية قصائد ومقطوعات نفتقدها في الكثير من الدواوين الشعرية التي انتهت الينا او التي جمعت حديثا. و تضمن الباب عشرة نماذج طريفة من رسائل العشاق منها على سبيل المثال: بلغني ان رجلا من الفضلاء عشق جارية ذات بلاغة وفصاحة وبراعة ويراعه، وكان لا يجد اليها سبيلا الا بالمراسلة والمكاتبة فكتب اليها يوما: كتبت، اطال الله بقاء مالك قيادي، وسالب مهجتي ورقادي ولي ضلوع يتوقد سعيرها ويرتمي كالشرر زفيرها، ودموع يتوالى عهادها، نسيان منها غورها وانجادها، من حنين كحنين الروض الى صيب الغمام والندامى الى مباكرة حاطاة المدام، ولي طرف موكل برعي الكواكب ولسان مطارح للحائم النوادب.. فإن (حاول) مولاي وسيدي تعويض عبده عن لقائه صحيفة من نثره وشعره يردها وارد الشفاء، على غلل الاحشاء احرز قصب الشكر وفاز بقدح الاجر. فكتبت اليه: لولا تعلة الحجاب ومراقبة الحجّاب لطرقت اليك الخيال، وركبت اليك مراكب الاهوال وعصيت فيك العذول والرقباء، واطعت فيك الغرام والرجاء، فاما ما بثثت من الشكوى واعلنت به من البلوى، فعندي منه ما ينفد فيه الاقلام ويستغرق مجامع الكلام ولم لا وانت شقيق نفسي وحيد انسي، فوحق من رفع الخضراء وبسط الغبراء لقد احلك الله من قلبي.. محل الروح من جسد الجبان والمال من يد كل بخيل البنان. فصبرا فإن الصبر عقباه تحمد فإن بالامس يأتي به الغد وكم سر صرف الدهر من متجمع وجمع شملا كان وهو مبدد عليك سلام الله ما اهتز مورق وما ردد الشجو الحمام المغرد


.
الوراق
 
أعلى