نقوس المهدي
كاتب
مقدمة
قبل ملايين السنيين، هاجر الأسلاف من الغابة، ليقضوا في منطقة فاصلة بين الإنسان العاقل والحيوان قرابة مائتي ألف سنة، وحين أتم انتصابه، أضحى بمقدور الإنسان، ليس فقط تأمل السماء لأول مرة، بل الشعور بالنشوة والاستمتاع باللذة الجنسية على الأرض، لأول مرة في تاريخه أيضاً.
إذ كان انتصاب الإنسان على قدمين قد ترتب عليه تغير في وضع الأعضاء التناسلية لدى الذكور والإناث على حد السواء، إذ ذاك؛ طرأت متغيرات جديدة على شكل العلاقة الجنسية بينهما، كان من أهمها أن احتلت حاسة البصر المرتبة الجنسية التي كانت تشغلها حاسة الشم في الغابة.. فالأن فقط تستطيع المرأة – على عكس أنثى الثديات الأخرى - أن تشاهد شريكها وقت الجماع. الآن فقط؛ تستطيع أن تحتضنه وتقبله. الآن فقط؛ استشعرا معاً المتعة وأحسا باللذة.
لكن هجرة الإنسان من الغابة لم تعني يوماً أنه ترك في الغابة كل خواص الحيوان البيولوجية، وحتى السلوكية.
فالطبيعة كانت قد وهبت الرجال، كما فعلت مع أغلب ذكور الرئيسيات، بنياناً أقوى من بنيان الإناث؛ هيكل أطول، أكتاف أعرض، بنية عضلية أثقل، مما يجعل باستطاعة أي ذكر أن يمارس الجنس مع من يشاء منهن. وإن أبين فباستطاعته قهرهن، باستطاعته تقييد الأنثى، وشل حركتها ليطفئ نار شهوته. باستطاعته أيضاً تهديد أيهن يشتهي كي يصل لما يريد. لكن، وفي عرف البشرية قاطبة، هذا فعل مجرم ومحرم.. والسبب؛ موجود هناك في الغابة!
ففي الغابة، لا يستطيع ذكر قط أن يغتصب أنثى. لا يفعل ذلك سوى أقربهم إلى الإنسان: القرود. ذلك لأن الوضع التشريحي لأجسام الحيوانات لا يتيح للذكر أن يطرح الأنثى أرضاً، ولا يسمح لها هي بالتمدد أو الاستلقاء على الظهر كما هو حال أنثى البشر أثناء الممارسة الجنسية. هذا الوضع التشريحي لأجسام إناث الحيوانات، منحهم مطلق الحرية في اختيار شريك العلاقة الجنسية، فوحدها اللبؤة تقرر أي أسد تضاجع.
هذه الميزة التشريحية للإناث الحيوانات، والتي منحتهم الكلمة الفصل في تقرير الشريك الجنسي، دفعت الذكور لتطوير حيل التودد للأنثى، كان عليهم تعلم المداعبة، والملاطفة والغزل. وهي وسائل أخذها الرجال عن أسلافهم، قبل رحيلهم عن الغابة. ثم كان الشعور بالمتعة واللذة هو السبب في تطويرها إبان تطور وضع أجسامنا التشريحي، وهو التطور الذي ساهم أيضاً في إطالة أمد العملية الجنسية، فمدة العملية الجنسية عند الحيوانات أقل منها عند الإنسان بكثير. عند الفيلة مثلاً؛ يستمر الإيلاج أقل من دقيقة، وعند الثيران 23 ثانية، لكنه في المقابل يكون أكثر تواتراً، فقد أحصى العلماء 77 جماعاً لأحد الثيران خلال 6 ساعات، و360 جماعاً في ثمانية أيام لأسد ولبؤته في حديقة حيوان مدينة "درسدن".
ومن هنا أيضاً كان منشأ الخيالات الجنسية، وقصص الجنس الخرافية. وذلك ما أكد عليه "بول فريشاور" الذي يقول: إن الرجال، وحتى قبيل انتهاء الحقبة الجليدية كانوا يغازلون النساء مثلما تغازل أغلبية الذكور في المملكة الحيوانية إناثها.
إذن؛ فاقتران الجنس بالمتعة، والشعور بها لأول مرة هو ما دفع الإنسان إلى تطوير كل الوسائل التي تزيد من هذا الشعور، بداية من التفنن في المداعبة التي تسبق الجماع، ومروراً بابتكار الأوضاع الجنسية الجديدة، وصولاً إلى بناء الحضارات وتشييد المعابد لأداء طقوس الجنس المقدس.
وهذا هو السبب الذي يفسر ملاحظتنا أن كل الحضارات القديمة عنيت بالجنس وأولته اهتمام بالغًا. ليس هذا فحسب، فالاهتمام بالجنس، ضارب بجذوره إلى عصور ما قبل التاريخ، وقبل الحضارات، وذلك ما تدل عليه النقوش والتماثيل الصغيرة التي أكتشفها الباحثون في مناطق شتى من العالم، خصوصاً هنا في المشرق، والتي لم تكن تعني بتصوير شيء بقدر عنايتها بتجسيد مفاتن المرأة كإبراز ضخامة ثدييها، وعرض فخذيها وارتفاع بطنها.
ففي عصر الصيد، كان الجنس بالنسبة للإنسان صلاة. كان يعتبر أن ممارسة الجنس مع أنثاه قبل خروجه للإجهاز على طريدته دعاء مستجاب، من شأنه أن يكتب له النجاح. فالمرأة نفسها كانت لا تزال في عرفه "صيد". عليه أن يتودد إليها ويتلطف حتى "يغتنم" منها المتعة ويرتشف اللذة. ومن ناحية أخرى، لم تكن المرأة بعد قد تحولت إلى ملكية خاصة للرجل. كانت هي الواهبة والمناحة، وعليه هو أن يبذل الجهد من أجل الرضا. وفي ذلك تفسير لعدم عثور العلماء على منحوتات أو نقوشات من تلك العصور لأعضاء جنسية ذكورية، فقط للنهود والأفخاذ وجدوا.
الجنس إذن، كما الاقتصاد في عرف كثيرين، هو المحرك الرئيسي للتاريخ. ولما كان الدين جزء هام ،بل ربما الأهم في مسيرة تاريخ الإنسان الطويلة، من وقت هجرته من الغابة إلى ما بعد عصر التنوير الأوربي، كان محتماً أن يحدث التفاعل بينه وبين الجنس. مرات يُحكم الجنس بالدين، وأحرى يحكم الجنس على الدين.
أما كيف تفاعل الاثنان معاً، فهذا ما سنتناوله في هذه السلسلة: الجنس والدين.
قبل ملايين السنيين، هاجر الأسلاف من الغابة، ليقضوا في منطقة فاصلة بين الإنسان العاقل والحيوان قرابة مائتي ألف سنة، وحين أتم انتصابه، أضحى بمقدور الإنسان، ليس فقط تأمل السماء لأول مرة، بل الشعور بالنشوة والاستمتاع باللذة الجنسية على الأرض، لأول مرة في تاريخه أيضاً.
إذ كان انتصاب الإنسان على قدمين قد ترتب عليه تغير في وضع الأعضاء التناسلية لدى الذكور والإناث على حد السواء، إذ ذاك؛ طرأت متغيرات جديدة على شكل العلاقة الجنسية بينهما، كان من أهمها أن احتلت حاسة البصر المرتبة الجنسية التي كانت تشغلها حاسة الشم في الغابة.. فالأن فقط تستطيع المرأة – على عكس أنثى الثديات الأخرى - أن تشاهد شريكها وقت الجماع. الآن فقط؛ تستطيع أن تحتضنه وتقبله. الآن فقط؛ استشعرا معاً المتعة وأحسا باللذة.
لكن هجرة الإنسان من الغابة لم تعني يوماً أنه ترك في الغابة كل خواص الحيوان البيولوجية، وحتى السلوكية.
فالطبيعة كانت قد وهبت الرجال، كما فعلت مع أغلب ذكور الرئيسيات، بنياناً أقوى من بنيان الإناث؛ هيكل أطول، أكتاف أعرض، بنية عضلية أثقل، مما يجعل باستطاعة أي ذكر أن يمارس الجنس مع من يشاء منهن. وإن أبين فباستطاعته قهرهن، باستطاعته تقييد الأنثى، وشل حركتها ليطفئ نار شهوته. باستطاعته أيضاً تهديد أيهن يشتهي كي يصل لما يريد. لكن، وفي عرف البشرية قاطبة، هذا فعل مجرم ومحرم.. والسبب؛ موجود هناك في الغابة!
ففي الغابة، لا يستطيع ذكر قط أن يغتصب أنثى. لا يفعل ذلك سوى أقربهم إلى الإنسان: القرود. ذلك لأن الوضع التشريحي لأجسام الحيوانات لا يتيح للذكر أن يطرح الأنثى أرضاً، ولا يسمح لها هي بالتمدد أو الاستلقاء على الظهر كما هو حال أنثى البشر أثناء الممارسة الجنسية. هذا الوضع التشريحي لأجسام إناث الحيوانات، منحهم مطلق الحرية في اختيار شريك العلاقة الجنسية، فوحدها اللبؤة تقرر أي أسد تضاجع.
هذه الميزة التشريحية للإناث الحيوانات، والتي منحتهم الكلمة الفصل في تقرير الشريك الجنسي، دفعت الذكور لتطوير حيل التودد للأنثى، كان عليهم تعلم المداعبة، والملاطفة والغزل. وهي وسائل أخذها الرجال عن أسلافهم، قبل رحيلهم عن الغابة. ثم كان الشعور بالمتعة واللذة هو السبب في تطويرها إبان تطور وضع أجسامنا التشريحي، وهو التطور الذي ساهم أيضاً في إطالة أمد العملية الجنسية، فمدة العملية الجنسية عند الحيوانات أقل منها عند الإنسان بكثير. عند الفيلة مثلاً؛ يستمر الإيلاج أقل من دقيقة، وعند الثيران 23 ثانية، لكنه في المقابل يكون أكثر تواتراً، فقد أحصى العلماء 77 جماعاً لأحد الثيران خلال 6 ساعات، و360 جماعاً في ثمانية أيام لأسد ولبؤته في حديقة حيوان مدينة "درسدن".
ومن هنا أيضاً كان منشأ الخيالات الجنسية، وقصص الجنس الخرافية. وذلك ما أكد عليه "بول فريشاور" الذي يقول: إن الرجال، وحتى قبيل انتهاء الحقبة الجليدية كانوا يغازلون النساء مثلما تغازل أغلبية الذكور في المملكة الحيوانية إناثها.
إذن؛ فاقتران الجنس بالمتعة، والشعور بها لأول مرة هو ما دفع الإنسان إلى تطوير كل الوسائل التي تزيد من هذا الشعور، بداية من التفنن في المداعبة التي تسبق الجماع، ومروراً بابتكار الأوضاع الجنسية الجديدة، وصولاً إلى بناء الحضارات وتشييد المعابد لأداء طقوس الجنس المقدس.
وهذا هو السبب الذي يفسر ملاحظتنا أن كل الحضارات القديمة عنيت بالجنس وأولته اهتمام بالغًا. ليس هذا فحسب، فالاهتمام بالجنس، ضارب بجذوره إلى عصور ما قبل التاريخ، وقبل الحضارات، وذلك ما تدل عليه النقوش والتماثيل الصغيرة التي أكتشفها الباحثون في مناطق شتى من العالم، خصوصاً هنا في المشرق، والتي لم تكن تعني بتصوير شيء بقدر عنايتها بتجسيد مفاتن المرأة كإبراز ضخامة ثدييها، وعرض فخذيها وارتفاع بطنها.
ففي عصر الصيد، كان الجنس بالنسبة للإنسان صلاة. كان يعتبر أن ممارسة الجنس مع أنثاه قبل خروجه للإجهاز على طريدته دعاء مستجاب، من شأنه أن يكتب له النجاح. فالمرأة نفسها كانت لا تزال في عرفه "صيد". عليه أن يتودد إليها ويتلطف حتى "يغتنم" منها المتعة ويرتشف اللذة. ومن ناحية أخرى، لم تكن المرأة بعد قد تحولت إلى ملكية خاصة للرجل. كانت هي الواهبة والمناحة، وعليه هو أن يبذل الجهد من أجل الرضا. وفي ذلك تفسير لعدم عثور العلماء على منحوتات أو نقوشات من تلك العصور لأعضاء جنسية ذكورية، فقط للنهود والأفخاذ وجدوا.
الجنس إذن، كما الاقتصاد في عرف كثيرين، هو المحرك الرئيسي للتاريخ. ولما كان الدين جزء هام ،بل ربما الأهم في مسيرة تاريخ الإنسان الطويلة، من وقت هجرته من الغابة إلى ما بعد عصر التنوير الأوربي، كان محتماً أن يحدث التفاعل بينه وبين الجنس. مرات يُحكم الجنس بالدين، وأحرى يحكم الجنس على الدين.
أما كيف تفاعل الاثنان معاً، فهذا ما سنتناوله في هذه السلسلة: الجنس والدين.